رساله الصلاه فی المشکوک لامام للمحققین المجدد المیرزا محمدحسین الغروی نایینی

اشارة

سرشناسه : غروی نایینی، جعفر، شارح

عنوان و نام پديدآور : رساله الصلاه فی المشکوک لامام للمحققین المجدد المیرزا محمدحسین الغروی نایینی/ شرحها جعفر الغروی النائینی

مشخصات نشر : قم: موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهری : ص 551

شابک : 964-319-053-66500ریال

يادداشت : عربی

يادداشت : چاپ اول: 1418ق. = 1376؛ 6500 ریال

عنوان دیگر : رساله الصلاه فی المشکوک. شرح

موضوع : نایینی، محمدحسین، 1315 - 1239. رساله الصلاه فی المشکوک -- نقد و تفسیر

موضوع : نماز -- شکیات

شناسه افزوده : نایینی، محمدحسین، 1315 - 1239. رساله الصلاه فی المشکوک. شرح

شناسه افزوده : موسسه آل البیت(علیهم السلام) لاحیاآ التراث

رده بندی کنگره : BP186/8/ن2ر50217 1376

رده بندی دیویی : 297/353

شماره کتابشناسی ملی : م 77-8884

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

[تمهيد]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و أفضل صلواته و أزكى تحياته على من اصطفاه من الأولين و الآخرين و بعثه رحمة للعالمين محمّد و آله الكهف الحصين و غياث المضطر المستكين و عصمة المعتصمين و اللعنة الدائمة على أعدائهم أبد الآبدين.

و بعد فيقول أفقر البرية إلى رحمة ربّه الغني «محمّد حسين الغروي النائيني» عفا اللّه تعالى عن جرائمه: إني كتبت في سالف الزمان في مسألة «الصلاة في المشكوك» (رسالة أودعت فيها من تنقيح المباني المهمة و تحرير ضوابطها ما أدّى إليه قاصر نظري، و لمّا انتهينا في الدورة الأصولية السابقة إلى البحث عن كبرى هذه المسألة استدركنا بعض ما فات عند تحرير هذه الرسالة، فاختلفت نسخها السابقة و اللاحقة، و الآن إذ انتهينا في كتاب الصلاة إلى البحث عن أصل المسألة رأينا أن نزيد في الرسالة أمورا أخر و مهمّات لم

ص: 6

تحرّر و توضيحات لبعض ما تضمّنته من الغوامض التي ألفيناها جارية على ألسنة و أقلام بغير صورتها و على غير وجهها أو محذوفة الإسناد إلى مبتكرها.

---------------------------

بسم اللّه الرحمن الرّحيم الحمد للّه ربّ العالمين و أفضل صلواته على خير خلقه محمّد و آله الطيبين الطاهرين.

و بعد، فيقول العبد الفقير إلى اللّه الغني «جعفر» خلف العلّامة المحقق الجليل الميرزا علي الغروي النائيني- طاب ثراه-: أن «رسالة الصلاة في المشكوك»- التي جاد بها يراع جدّنا المجدّد العظيم، نادرة العصور و حسنة الدهور، مؤصّل الأصول و مفرّع الفروع، إمام المحققين و مثال التقوى و اليقين، حضرة الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني (أعلى اللّه في الجنان درجاته و حبانا من فيوضه و بركاته)- لمّا كانت كنزا حاويا لدرر العرفان و عقدا منضودا من لآلئ الجمان، فذّة في بابها فريدة لبابها، و قد أصبحت في هذه الأواخر بعيدة المنال، لا يبلغها إلّا الأوحدي من أهل الكمال، إذ لم تطبع سوى طبعة حجرية ملحقة بكتاب منية الطالب- تقرير بحثه قدّس سرّه حول المكاسب-، فسعيت جاهدا في تجديد طباعتها و تقديمها إلى الجامعة العلمية- خدمة للعلم و أداء لبعض الواجب من حقوقه قدّس سرّه-، و رأيت أنّ شرحها و تبيين مقاصدها خدمة اخرى يسعني أن أقدّمها في هذا المجال، فشمّرت- مستعينا باللّه تعالى و مستمدا من أوليائه الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين- عن ساعد الجدّ لذلك، و لم آل جهدا في إيضاح مطالبها و فكّ عبائرها و كشف رموزها و حلّ معضلاتها، ببيان موجز غير مخلّ و أسلوب طريف غير مملّ، معترفا بقصر الباع و قلة الاطلاع، و إنه تعالى هو الموفق و المسدّد و المعين، فهو حسبي نعم المولى و نعم النصير.

ص: 7

[الأقوال في المسألة]

فنقول- مستعينا باللّه سبحانه و مستمدا من وليّ أمره (صلّى اللّه عليه و على آبائه الطاهرين)-: إنّ أصحابنا قد اختلفوا في جواز الصلاة فيما يشك أنه من أجزاء غير المأكول على أقوال أربعة:

فالمحكي عن المشهور عدم الجواز مطلقا (1) بل في المدارك أنه المقطوع به بين الأصحاب (2)، و ذهب جمع من محقّقي المتأخرين (3) إلى الجواز كذلك، لكنّه كان يعدّ من الشواذّ إلى أن بنى عليه سيدنا الأستاذ الأكبر (4)- نوّر ضريحه- و أفتى به، فخرج عن الشذوذ بذلك، بل انعكس الأمر. و فصّل في الجواهر بين نفس اللباس و ما عليه من الفضلات و الشعرات الملقاة و المحمول بعد الفراغ عن عموم المنع للجميع (5) فبنى على المنع في الأول و على الجواز في


1- إذ قالوا: إذا صلّى فيما لا يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه أعاد.
2- راجع المدارك (3: 214).
3- كالمحقق الأردبيلي و صاحب المدارك و المحقق الخونساري و الشيخ البهائي و صاحبي البحار و الحدائق و النراقيين و المحقق القمي- قدس اللّه أسرارهم.
4- هو فخر البشر و مجدد المذهب في رأس المائة الرابعة عشر حضرة السيد الميرزا محمّد حسن الحسيني العسكري نوّر ضريحه (منه قدّس سرّه).
5- يعني به عموم مانعيّة غير المأكول، و سيأتي أنّه قدّس سرّه اختار عموم المانعية للجميع و اختصاص شرطية المأكولية باللباس.

ص: 8

الثاني (1)، و أفتى في النجاة أيضا كذلك، و أمضاه شيخنا أستاذ الأساتيذ قدّس سرّه، و إن كان لا ينطبق على ما هو المعهود من مسلكه- كما ستعرفه (2)-، و اختار غير واحد ممن عاصرناهم تفصيلا آخر فبنوا على المنع فيما إذا علم أنّه من أجزاء الحيوان و شكّ في مأكوليّته و عدمها و على الجواز فيما إذا لم يعلم ذلك و كانت النباتية أيضا محتملة. و هذه الأربعة هي جملة ما وقفنا عليه من الأقوال. و أمّا ما أفاده في الجواهر من بناء المنع أو الجواز على القول بشرطية المأكولية أو مانعيّة غير المأكول فليس هو تفصيلا في المسألة باعتبار أنواع المشتبهات (3) أو الاشتباه فيها (4) و إنما هو تحرير لما بنى عليه المنع في محكيّ المنتهى و الجواز في المدارك (5) و تنقيح لما زعمه مبنى


1- المراد بالأول نفس اللباس و بالثاني ما عليه من الفضلات و الشعرات و المحمول (الجواهر 8: 82)، (نجاة العباد 91).
2- لا تعرّض في كلماته قدّس سرّه الآتية لما هو المعهود من مسلك شيخنا الأعظم قدّس سرّه، و لا يبعد أن يكون المعهود من مسلكه هو القول المشهور و هو المانعية المطلقة في اللباس و ما عليه، و عدم انطباق التفصيل المذكور على هذا القول واضح، هذا. و في رسالته قدّس سرّه في الخلل (37) إطلاق القول بالمنع.
3- كما هو الشأن في التفصيل الأول.
4- كما هو الشأن في التفصيل الثاني.
5- ما بنى عليه المنع في الأول هو الشرطية و الجواز في الثاني هو المانعيّة، قال في المنتهى (1: 231): لو شك في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه، و الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط، و قال في المدارك (3: 167) بعد نقله عبارة المنتهى: و يمكن أن يقال إن الشرط ستر العورة و النهي إنما تعلق بالصلاة في غير المأكول، فلا يثبت إلّا مع العلم بكون الساتر كذلك، انتهى موضع الحاجة.

ص: 9

للقولين. و هو بالنسبة إلى بناء الجواز على المانعية كما أفاده (1) إذ لا سبيل إلى إطلاق القول به إلّا على هذا المبنى، و كذا بالنسبة إلى بناء المنع أيضا على الشرطيّة لكن في خصوص عقده الإيجابيّ و هو استلزام القول بالشرطيّة لعدم الجواز إما مطلقا أو في الجملة- كما ستعرفه (2)-


1- فإن مفهوم البناء يقتضي إناطة المبني بالمبنى و دورانه مداره وجودا و عدما فله عقدان إيجابيّ و سلبيّ، و هذا في المقام إنما يتم بالنسبة إلى بناء الجواز على المانعية فإنه إن بني عليها أمكن القول بالجواز مطلقا، و إن لم يبن عليها بل على الشرطية لم يمكن و تعيّن القول بعدم الجواز و لو في الجملة، أما بالنسبة إلى بناء المنع على الشرطية فلا يتم إلّا بعقده الإيجابي- و هو أنه إن بني على الشرطية أمكن القول بعدم الجواز مطلقا أو في الجملة و قد ذكر آنفا- دون عقده السلبي- و هو أنه إن لم يبن عليها لم يمكن و تعيّن القول بالجواز مطلقا- و ذلك لذهاب المشهور إلى عدم الجواز مع ظهور كلماتهم في المانعية.
2- ستعرف في مطاوي الأبحاث القادمة- ان شاء اللّه- أن القائلين بالشرطية بين من جعل موضوع الشرط هو القدر المشترك بين المأكول و ما أنبتته الأرض، و بين من قيّد شرطية المأكولية بما إذا كان اللباس حيوانيا، و أنه على الأول يتّجه المنع مطلقا- و هو ثاني الأقوال الأربعة المتقدّمة و على الثاني يتّجه تخصيص المنع بما إذا علم بالحيوانية و شك في المأكولية و عدمها- و هو القول الرابع.

ص: 10

دون العكس (1)، كيف و ظاهر الأكثر هو المانعيّة- كما سنوضحه-، و مع هذا فالقول بعدم الجواز هو المشهور بين الأصحاب- كما تقدم نقله.

و كيف كان فلا ينبغي أن يعدّ ما أفاده في تحرير مبنى القولين تفصيلا في المسألة و يذكر في عداد أقوالها، فضلا عن أن يعدّ إطلاق القول بالجواز مقابلا لهذا التفصيل، و ينسب على كلّ من تقديري القول بالمانعيّة أو الشرطيّة إلى أحد من القائلين به (2).

و كيف كان، فالمختار عندنا هو الجواز مطلقا. و لا بدّ في تنقيحه من تقديم أمور:-

[الأمر الأول في معنى الجواز لغة و شرعا]

الأول: جواز الشي ء عبارة عن كونه ماضيا غير واقف (3)، و يطلق على ما يقابل الامتناع العقلي أو اللغوي (4) أو العادي أو


1- الظاهر أن كلمة العكس مصحّفة عن السلبي، أي دون العقد السلبي.
2- العبارة توضيح لسابقتها، أي: و ينسب القول بالجواز على كلّ من التقديرين إلى بعض القائلين بهذا القول، و بعبارة أخرى: ينسب إلى بعضهم القول بالجواز مطلقا و لو على تقدير الشرطية في قبال القول بالتفصيل بين الشرطيّة و المانعيّة.
3- ذكر غير واحد من اللغويين أنه يقال: جاز الموضع، أي سار فيه و سلكه و قطعه و تركه خلفه، و يقابله الوقوف.
4- المراد بالامتناع اللغوي حكم اللغة بامتناع الاستعمال في مورد و عدم جوازه.

ص: 11

الشرعي أيضا (1) إمّا لأعميّة حاقّ المعنى ممّا يقابل الوقوف الحسّي (2) أو بعناية التجريد (3).

و لا يخفى أنّ الجواز الشرعيّ يطلق تارة على ما يقابل المنع عنه تكليفا، و اخرى على ما يساوق الصحة و النفوذ وضعا. و هذا هو الشائع في أبواب العبادات و المعاملات (4) و المبحوث عنه فيما نحن فيه، دون ما يقابل الحرمة التكليفية، و هو ظاهر.

ثمّ البحث عنه في المقام إن رجع إلى البحث عن إطلاق المانعيّة الواقعيّة أو قصرها بصورة العلم بموضوعها كان المبحوث عنه هو الجواز الواقعيّ الذي لا يؤثّر فيه انكشاف عدم المأكوليّة إلّا التبدّل من حينه (5). و إن رجع إلى البحث عمّا هو المعوّل عليه عند الشكّ بعد الفراغ عن إطلاقها النفس الأمري كان المبحوث عنه


1- يعني مضافا إلى إطلاقه على ما يقابل الوقوف الحسّي.
2- بأن يكون اللفظ موضوعا بإزاء الجواز الأعم من الحسّي و غيره، و عليه فلا تجوّز في إطلاق الجواز على ما يقابل الامتناع بأقسامه المتقدّمة.
3- يعني عن قيد الحسّيّة تجوّزا بناء على وضع اللفظ بإزاء خصوص الحسّي.
4- نحو (لا تجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه)، و (الصلح جائز بين المسلمين).
5- فإذا صلّى في غير المأكول جاهلا صحت صلاته واقعا إن قلنا بتعلّق المانعيّة بما علم كونه غير مأكول و لا أثر لانكشاف الخلاف بعد ذلك الّا تبدّل الحكم من حينه لتبدّل موضوعه، و بطلت كذلك إن قلنا بتعلّق المانعيّة بغير المأكول واقعا- علم به أم لا.

ص: 12

حينئذ هو الجواز الظاهري (1) المتقوّم في بقائه أيضا بعدم انكشاف الخلاف- كحدوثه- (2)، إلّا أن يقوم دليل آخر (3) بالاجتزاء عن الواقع بما وقع امتثالا له- كما حرّر في محله. و المجوّزون و إن تشتّتت مسالكهم في المقام (4) لكنّك ستعرف (5) أنّ إطلاق المانعيّة الواقعيّة من الجهة التي نحن فيها (6) ممّا لا سبيل إلى الخدشة فيه، و أنّ ما يليق بالبحث عنه هو تعيين المرجع (7) لهذه الشبهة.


1- فإن كان المعوّل عليه في الشبهة المبحوث عنها هو أصالة البراءة أو الحل أو استصحاب عدم المانع حكم بصحّة الصلاة فيه ظاهرا، و إن كان المرجع قاعدة الاحتياط حكم ببطلانها كذلك، و أمّا الصحّة الواقعية فمنوطة بعدم كونه من غير المأكول واقعا.
2- فإن الجواز الظاهري- على القول به- كما يتقوّم حدوثا بعدم العلم بالخلاف كذلك يتقوّم بقاء بعدم انكشاف الخلاف، إذ لا مجال لجعل الحكم الظاهري حدوثا و لا بقاء مع العلم بالواقع، فإنّ موضوعه الشكّ فينتفي بانتفائه.
3- يعني فإذا انكشف الخلاف لزمه الإعادة لاقتضاء القاعدة عدم إجزاء امتثال الأمر الظاهري عن الواقعيّ إلّا إذا قام دليل ثانويّ على الإجزاء من إجماع و نحوه.
4- فمنهم من ادّعى قصر المانعيّة بصورة العلم بموضوعها، و منهم من بنى على الإطلاق و تشبّث للجواز في المشتبه ببعض الأدلة الاجتهادية، و منهم من سلك المسلك المختار المشار إليه هنا في المتن.
5- في الأمر الرابع.
6- و هي جهة وقوع الصلاة في غير المأكول.
7- أي الأصل العملي المعوّل عليه لدى الشكّ بعد الفراغ عن إطلاق المانعيّة الواقعيّة.

ص: 13

[الثاني في ذكر روايات الباب]

الثاني: إنّ التلازم بين حرمة أكل الحيوان و فساد الصلاة في أجزائه- عدا ما ثبتت الرخصة فيه (1)- ممّا تسالمت عليه كلمة الأصحاب و استفاضت النصوص به، ففي موثّقة ابن بكير (2) قال:

سأل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر (3) فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الصلاة في كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في شعره و وبره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه فاسدة لا يقبل اللّه تلك الصلاة حتى يصلّيها في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله»، ثم قال: «يا زرارة هذا عن


1- كالخزّ.
2- رواها الشيخان في الكافي و التهذيبين، راجع الوسائل أول حديث من أحاديث الباب الثاني من أبواب لباس المصلي. و متن الرواية هنا يخالف المصادر الثلاثة فإن فيها (إن الصلاة في وبر كل شي ء) و ليس هنا كلمة الوبر، و أيضا الموجود في الثلاثة بطبعاتها الحديثة هكذا (فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه- و في الكافي زيادة (و ألبانه)- و كل شي ء منه فاسدة)، نعم في الفقرة الثانية متطابقان عدا إضافة (و ألبانه) بعد (روثه) فيها و عدمها هنا
3- يحتمل أن يكون الوبر بفتح الباء و التقدير: عن الصلاة في وبر الثعالب و وبر الفنك و وبر السنجاب و غيره- أي غير وبر السنجاب- من وبر سائر الحيوانات، و يحتمل أن يكون بكسر الباء بمعنى الكثير الوبر، كما يحتمل أن يكون بالسكون و هو حيوان بحجم القطّ فروة ثمين. و لا يخفى بعد الأخير عن السياق إذ لو كان هو المراد لعطف الوبر على المذكورات قبله، و الثاني أقرب من الأول لكونه أنسب إلى تركيب الكلام و لعدم حاجته إلى الإضمار بخلاف الأول.

ص: 14

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و كلّ شي ء منه جائزة إذا علمت أنّه ذكيّ و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسدة، ذكّاه الذبح أو لم يذكّه».

و عنه عن آبائه عليهم السّلام في وصيّة النبيّ لعليّ- صلوات اللّه عليهما و على آلهما الطاهرين-: «يا عليّ لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه» (1)، و عنه عليه السّلام أيضا قال: «لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه لأنّ أكثرها مسوخ» (2)، و عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه و أبا الحسن عليهما السّلام عن لباس الفراء و الصلاة فيها، قال: «لا تصلّ إلّا فيما كان ذكيّا، قال: قلت: أو ليس الذكي ما ذكّي بالحديد، قال: بلى إذا كان مما يؤكل لحمه، قلت: و ما يؤكل لحمه من غير الغنم، قال: لا بأس بالسنجاب فإنه دابّة لا يأكل اللحم و ليس هو ممّا نهى عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا نهى عن كلّ ذي ناب و مخلب» (3)، الى غير ذلك ممّا يدلّ على التلازم بين الحكمين من


1- فقرة قصيرة من وصيّة طويلة منه صلّى اللّه عليه و آله إلى عليّ عليه السّلام رواها الصدوق رحمه اللّه في آخر أبواب الفقيه، في باب النوادر (4: 265)، لكنّ السند ضعيف، راجع الحديث السادس من الباب المتقدم من الوسائل.
2- رواها في العلل لكنّها مرفوعة، راجع الحديث السابع من نفس الباب من الوسائل.
3- رواها الشيخان- رحمهما اللّه- في الكافي و التهذيب لكنّ في سندها ضعفا، راجع الحديث الثاني من نفس الباب و الحديث الثالث من الباب الثالث، و فيهما: (فقال لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه ذكيا).

ص: 15

الأدلّة العامّة (1) أو الخاصّة الواردة في السباع (2) و غيرها (3).

و يستفاد من مجموعها أنّ التلازم المذكور هو المناط في الجميع.

و لا يخفى أن المتحصّل ممّا ورد في باب الأطعمة و الأشربة هو أنّ حرمة أكل الحيوان يدور بحسب أصول أنواعه مدار أحد أمور ثلاثة: إمّا كونه من المسوخ أو من السباع أو الحشرات (4)،


1- كرواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إليه يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة و لا ضرورة، فكتب عليه السّلام «لا تجوز الصلاة فيه»، راجع الحديث الرابع من الباب الثاني.
2- كصحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الصلاة في جلود السباع، فقال: «لا تصلّ فيها» و موثّقة سماعة قال:سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جلود السباع فقال: «اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه» و نحوهما غيرهما. راجع البابين الخامس و السادس من أبواب لباس المصلي من الوسائل.
3- كالروايات الناهية عن الصلاة في الثعالب و الأرانب و السمور و نحوها و المنتشرة في الثالث و الرابع و السابع من أبواب لباس المصلي من الوسائل.
4- يدلّ على حرمة أكل المسوخ روايات الباب الثاني من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل، و على حرمة أكل السباع روايات الباب الثالث منها، و يستفاد حرمة أكل بعض الحشرات من بعض روايات الباب السادس عشر، لكن العمدة في حرمة هذا النوع هو الإجماع.

ص: 16

و هذه الأدلّة ظاهرة في ثبوت التلازم المذكور في الجميع (1) و يكشف كشفا إنيّا عن اتّحاد مناط الحكمين أو تلازمهما (2) و أنّ ما هو مناط حرمة الأكل في كلّ واحد منها هو مناط المنع عن الصلاة في أجزائه أو أنّه يلازم مناطه.

و الاكتفاء (3) في التعليل الوارد في الرواية الثالثة بمسوخيّة أكثرها قاصرة عن الدلالة على انحصار المناط بها و أنّ عدم صلاحيّة المسوخ لوقوع الصلاة فيه أوجب تشريع المنع عن الجميع.

كيف (4) و مع الغضّ عمّا في نفس التعليل بمسوخيّة الأكثر من


1- فإنه مقتضى عموم بعضها و إطلاق بعضها الآخر.
2- أي تلازم مناطيهما على تقدير التعدد.
3- دفع لما قد يورد على ما أفاده قدّس سرّه من اتحاد مناط الحكمين أو تلازم مناطيهما، و حاصل الإيراد أنّه يظهر من التعليل- بأنّ أكثر ما لا يؤكل مسوخ- خلاف ذلك، بتقريب أنّ مناط الحكم بحرمة الأكل و إن كان متحقّقا في كلّ واحد من الأنواع الثلاثة إلّا أنّ ظاهر التعليل أنّ مناط الحكم بالمنع عن الصلاة فيها منحصر في المسوخ و أنّه لمّا كان أكثر الحيوانات المحرّمة الأكل من قسم المسوخ و هو لا يصلح للصلاة فيه لمناط خاصّ به أصبح هذا المناط هو الحكمة لتشريع المنع عن الصلاة في كلّ ما لا يؤكل إلحاقا للأقلّ بالأكثر.
4- شروع في دفع الإيراد المذكور من كلتا ناحيتي الإثبات و الثبوت، و محصّله من الناحية الاولى قصور دلالة التعليل في نفسه على كونه بيانا لحكمة التشريع بالنسبة الى غير المسوخ و اقتصاره على بيان الحكمة في المسوخ، نظرا إلى كثرة الابتلاء بالملابس المتخذة منه، و مآل التعليل الى أن المسوخية نوع قذارة منفرة للطباع فلا تصلح لاتخاذها ملابس للصلاة.

ص: 17

عدم الظهور في كونه مسوقا لبيان المناط بالنسبة الى ما عدا الأكثر المسوخ، و أنّ شيوع اتّخاذ الملابس من جلده و وبره أوجب مزيد الاهتمام بالردع عن الصلاة فيها و تعليله بما يوجب تنفّر الطباع عنها.

فلا يخفى أنّ الجهة الغير المطّردة (1) إنما تصلح حكمة لتشريع حكم مطّرد إذا كانت بأحد وجهين: إمّا بأن تكون نوعيّة و يكون اشتمال شي ء في نوعه (2) على تلك الجهة مقتضيا لتشريع حكم على ذلك النوع (3)- كما لو فرض كون النبيذ مسكرا في نوعه موجبا لتحريمه (4)-، أو يكون ما يشتمل على تلك الجهة بحيث لا يتميّز عمّا لا يشتمل عليها في نفس الأمر و لا ينضبط في نوعه و يكون كالاحتياط في موارد الشبهة مصادفا تارة و غير مصادف اخرى بلا ضابط في البين- كما في تداخل الأنساب بالنسبة إلى تشريع العدة و نحو ذلك-، فتصلح الجهة الغير المطّردة ملاكا لتشريع حكم مطّرد في كلتا الصورتين.

و يكون (5) مناط الحكم في الصورة الاولى هو الجهة النوعيّة (6)


1- بيان لدفع الإيراد من الناحية الثبوتية و المنع من صلاحية مسوخية الأكثر- ثبوتا- لكونها حكمة للتشريع بالنسبة إلى غيره.
2- أي بحسب اقتضاء طبعه الأوليّ لو لا الطواري و الموانع.
3- أي على طبيعيّ ذلك الشي ء الساري في جميع أفراده.
4- أي موجبا إسكاره النوعي لتحريمه.
5- الغرض من هذا البيان دفع إشكال لزوم تشريع الحكم بلا مناط يقتضيه، فلا حظ و تأمّل.
6- أي الجهة التي يقتضيها الطبع الأوليّ للنبيذ فإنّها محفوظة لا محالة في جميع أفراده، و لا ضير في عدم فعليّتها في بعضها لبعض الموانع الخارجية، و بهذا الاعتبار عدّت جهة غير مطّردة.

ص: 18

المحفوظة في جميع أفراد النبيذ مثلا و لو مع عدم فعليّة إسكارها، و في الثانية هو إمكان الاشتمال على تلك الجهة بحسب العادة و يكون امتناع التوصّل إليها إلّا باطّراد الحكم هو مناط اطّراده في الحقيقة، و من هنا اصطلحوا على ما يكون من العلل الشرعيّة من هذا القبيل (1) بعلّة التشريع تارة و بالحكمة أخرى (2). و أمّا ما يكون من قبيل الأوّل فهو و إن كان خارجا عن هذا العنوان موضوعا (3) و لكنّه في عدم الاطّراد و الانعكاس ملحق به (4)- كما ستعرفه- (5). و بالجملة فالجهة الغير المطّردة لا تصلح مناطا لتشريع حكم مطّرد إلّا إذا كانت بأحد هذين الوجهين.

أمّا إذا كان النوع المشتمل على تلك الجهة منضبطا متميّزا عمّا عداه في نفس الأمر فسواء كانت هي مطّردة في جميع أشخاص ذلك النوع- كمسوخيّة المسوخ مثلا- أو كانت نوعيّة- كما


1- أي الثاني، و المناسبة ظاهرة.
2- في قبال علّة الحكم التي سيأتي تنقيحها قريبا.
3- فلا يجري فيه هذا الاصطلاح في عرفهم.
4- أمّا عدم الاطّراد فلأنّه قد تتحقّق العلّة في مورد و لا يثبت فيه الحكم فلا يدور مدارها وجودا، و أمّا عدم الانعكاس فلأنّه قد تنتفي في مورد مع ثبوت الحكم فيه فلا يدور مدارها عدما.
5- قريبا عند التكلم في القسم الأوّل من قسمي علّة الحكم.

ص: 19

في مثال النبيذ- لا يعقل أن يكون مناطا لتشريع الحكم إلّا على نفس ذلك النوع دون الأعمّ منه و إن كان ذاتيّا له كالمتّخذ من الشعير (1) في مثال النبيذ، فضلا عمّا إذا كان عارضيا كحرام الأكل فيما نحن فيه (2)، و لو كان النوع المذكور كالمسوخ و نحوه من الموضوعات المستنبطة فوظيفة الشارع تقتضي تشخيصه أيضا، لا إهماله و تشريع الحكم على ما يعمّه (3).

و بالجملة فلو فرض أنّ المسوخ هو الذي لا يصلح لوقوع الصلاة فيه دون النوعين الآخرين امتنع أن يكون ذلك حكمة لتشريع


1- الظاهر أن الشعير مصحفة عن التمر، يعني و إن كان العنوان الأعمّ ذاتيّا لذلك النوع و جنسا له، كعنوان (المتّخذ من التمر) الذي أحد أنواعه النبيذ، ففي مثله لا يعقل أن يكون إسكار النبيذ مناطا لتشريع الحكم على كل متّخذ من التمر ليشمل العصير التمري لأنّه- بالنسبة إلى العصير- حكم بغير مناط يقتضيه.
2- فإن عنوان (حرام الأكل) عرض عامّ بالنسبة إلى المسوخ، فلا يعقل أن يكون مسوخيته مناطا لتشريع المنع عن الصلاة في كل حرام الأكل حتى السباع و الحشرات.
3- يعني لا يحسن من الشارع إهمال هذا الموضوع المستنبط و ترك تعريفه ليصبح بذلك أمرا غير منضبط و غير متميز و يصح تشريع الحكم على ما يعمّه، إذ مع إمكان التعريف فعليه ذلك حذرا من تشريع حكم بلا مناط يقتضيه. اللّهمّ إلّا أن يزاحمه مناط أقوى أو مساو يقتضي الإهمال فيصح حينئذ تشريع الحكم على الأعمّ، لكن المفروض في المقام خلافه لورود البيان الشرعيّ المائز للمسوخ عن غيره.

ص: 20

الحكم على الجميع، و كان تعميمه لهما بلا مناط يقتضيه، لأنّ المسوخ متميّز في نفس الأمر عمّا عداه موكول تشخيصه في كلّ من حرمة أكله و عدم جواز الصلاة فيه إلى بيان الشارع له، و بعد أن ورد بيانه من الجهة الاولى (1) و امتاز عن غير المسوخ من الحشرات و السباع فكيف يعقل أن يكون عدم صلاحيته لوقوع الصلاة في أجزائه حكمة لتشريع الحكم على الجميع؟. و ظاهر أنه إذا امتنع ذلك (2) فلو فرض للرواية المعلّلة ظهور في ذلك لزم رفع اليد عنه، فضلا عمّا عرفت من عدم ظهورها فيه أو ظهورها في خلافه (3)، فالرواية قاصرة إثباتا و ثبوتا عن الدلالة على خلاف ما عرفت أنه المتحصّل (4) ممّا دلّ على التلازم بين الحكمين.

و أمّا تعليل الرخصة (5) في السنجاب بأنّه لا يأكل اللحم- كما تقدّم في رواية ابن أبي حمزة، و رواه مقاتل بن مقاتل أيضا (6)، قال:


1- كما تكفّلته روايات الباب الثاني من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.
2- أي ثبوتا.
3- عرفت ذلك لدى المناقشة الإثباتية المتقدمة.
4- و هو اتحاد مناط الحكمين أو تلازمهما.
5- بيان توهّم ربما يورد على دعوى التلازم بين الحكمين أنفسهما، و حاصله أنّ مقتضى التعليل المذكور اختصاص حكم المقام بما يأكل اللحم من الحيوانات المحرّمة الأكل و هي السباع خاصة، فلا تلازم بين الحكمين.
6- رواه في الوسائل عن الكافي ثاني حديث من الباب الثالث من أبواب لباس المصلّي.

ص: 21

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصلاة في السمور و السنجاب و الثعالب فقال: «لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنه دابّة لا تأكل اللحم»- فقد يتوهّم أنّ مقتضى ما هو المتسالم عليه في العلّة المنصوصة من كونها في قوّة الكبرى الكلّية هو تعميم الرخصة المعلّلة بهذه العلّة لكلّ محرم لا يأكل اللحم (1)، و تخصيص ما يدلّ على عموم المانعيّة (2) بذلك. و حكى في الجواهر (3) عن بعض عكس ذلك و سقوط الروايتين الشريفتين عن صلاحيّة التعويل عليهما حتى في السنجاب لمكان الاشتمال على تلك العلّة المجمع على خلافها.

و أنت خبير بابتناء كلّ من الإفراط و التفريط المذكورين (4) على توهّم اندراج المقام فيما يكون من العلّة المنصوصة في قوّة الكبرى الكليّة لعدم تحرّر ضابطه، و هو و إن كان خارجا عمّا نحن فيه، لكن حيث إنّه من المهمّات التي لم تحرّر فينبغي أن لا يفوتنا توضيحه.

و محصّل ذلك هو: أنّ ما ورد من علل الأحكام يكون تارة بيانا


1- و إن لم يكن سنجابا.
2- يعني عمومها لكل محرّم الأكل، و العلّة كما تعمّم فهي تخصّص أيضا، و النتيجة ثبوت المانعيّة لمحرم الأكل الذي يأكل اللحم.
3- الجواهر (8: 99).
4- الإفراط هو الأخذ بالتعليل بجميع مقتضياته من التعميم و التخصيص، و التفريط هو الإعراض عن الروايتين بالكلّية لاشتمالهما على التعليل الذي لا يمكن الالتزام بمقتضياته.

ص: 22

لحكمة تشريعها فلا تكون مطّردة و لا منعكسة، و قد تقدّم تنقيحه، و اخرى يكون تعليلا للحكم بمناطه، و هذا أيضا يتصوّر على وجهين:

فتارة يكون ما ورد عليه الحكم في لسان الدليل هو موضوع الحكم في نفس الأمر بنفس عنوانه، و اشتماله على العلّة المنصوصة هو الجهة المقتضية لذلك (1)، فتكون هي حينئذ من قبيل الواسطة في الثبوت (2). و اخرى يكون ما علّل الحكم به بعنوانه الشامل للمورد و غيره هو موضوع الحكم النفس الأمريّ، و يكون وروده على المورد بتوسّط انطباقه على ذلك العنوان (3) و التعليل به للدلالة على ذلك (4)، فيكون من قبيل وسائط العروض (5).

و غير خفيّ أنّ العلّة المنصوصة إنّما تكون في قوّة الكبرى الكلّية الشاملة للمورد و غيره بجامع واحد إذا كانت من قبيل الثاني، و كان التعليل بها من قبيل الاحتجاج بالأوسط في ثبوت الأكبر للأصغر و منحلّا إلى قياس بصورة الشكل الأوّل، و كان الحكم المعلّل جاريا من القياس المذكور مجرى النتيجة كما في مثل


1- أي لموضوعيّته للحكم.
2- لأنّها العلّة لورود الحكم على موضوعه.
3- في التعبير مسامحة، و المقصود (بتوسط انطباق ذلك العنوان عليه)، و يأتي أيضا نظائره.
4- يعني و يكون التعليل بهذا العنوان العام في لسان الدليل لأجل الدلالة على ما ذكر من كون ورود الحكم على المورد بالتوسط المزبور، و أنّه ليس هو موضوعا للحكم في نفس الأمر بل العنوان، و المورد أحد مصاديقه.
5- فإنّ الحكم إنّما يرد على العنوان أوّلا و بالذات و بتوسطه يرد على المورد.

ص: 23

(العالم حادث لأنّه متغيّر) و نحو ذلك، فيدور الحكم المذكور مدار علّته وجودا و عدما، و تكون مطّردة بعمومها و منعكسة بمفهوم التعليل (1). بخلاف ما إذا كانت من قبيل الأوّل، لما عرفت من أنّ مرجع التوسّط في الثبوت إلى كون الواسطة هي الجهة المقتضية لموضوعيّة الموضوع لحكمه، و قضيّة ذلك هي دخل خصوصيّة المورد إمّا في علّية العلّة أو في معلولها أو فيهما جميعا (2)، فلا مجال لأن تطّرد و تكون واسطة للثبوت في غير المورد أيضا إلّا بدليل آخر يدلّ على ذلك، لا بنفس هذا التعليل و إلّا لزم الخلف (3)، و أمّا انعكاسها فيدور مدار أن يكون شمول الحكم لآحاد وجودات موضوعه تابعا للاشتمال على علّته (4)، أو يكون اشتمال


1- أي تكون العلّة مطّردة أينما وجدت وجد الحكم و إن لم يوجد معها المورد، و ذلك بمقتضى عمومها في القضيّة الكبرويّة المقدّرة و هي (كلّ مسكر حرام) في مثل قولنا (الخمر حرام لأنّه مسكر) أي إسكارا فعليّا، و تكون منعكسة يعني متى انتفت انتفى الحكم و إن وجد المورد كالخمر غير المسكر بالفعل، و ذلك بمقتضى مفهوم التعليل و دلالته على انتفاء الحرمة عند انتفاء الإسكار.
2- و بعبارة أخرى: دخلها في فاعلية الفاعل أو في قابلية القابل أو فيهما جميعا.
3- إذ المفروض أنّ العلّة إنما اقتضت ثبوت الحكم لخصوص المورد و لم تقتض ثبوته لغيره أيضا، فلو اقتضت الثبوت للغير أيضا كان خلفا واضحا.
4- فيكون الحكم واردا على الموضوع المشتمل على العلّة و المقيّد بها لا مطلقا، فإذا انتفت في مورد انتفى فيه الحكم.

ص: 24

الموضوع في نوعه عليها (1) مناطا لورود الحكم على ذلك النوع، فتنعكس في الصورة الأولى دون الثانية، و يكون سبيلها حينئذ سبيل حكمة التشريع (2)- كما تقدّم.

و حيث إنّ أغلب العلل الشرعيّة الراجعة إلى باب الوسائط الثبوتيّة بل كلّها من هذا القبيل (3) و لا يكاد يظفر بما يكون شمول الحكم لآحاد وجودات الموضوع دائرا مدار الاشتمال على علّته، فمن هنا لم يجعل التعليل بما هو من قبيل واسطة الثبوت قسما ثالثا (4)


1- كما مرّ في مثال النبيذ إذا فرض أنّ إسكاره في نوعه أوجب تحريمه، فإنّه إذا انتفى في مورد لم ينتف عنه التحريم.
2- يعني يكون سبيل العلّة الراجعة إلى الواسطة الثبوتيّة في الصورة الثانية سبيل حكمة التشريع و تكون ملحقة بها في عدم الاطّراد و الانعكاس، و إن كانت خارجة عن هذا الاصطلاح موضوعا- حسبما تقدّم.
3- أي من الصورة الثانية. و حيث إنّ القسم الثالث لا يكاد يظفر به في العلل الشرعيّة و كان القسم الثاني ملحقا بحكمة التشريع، فلذا لم يجعل التعليل بما هو من قبيل واسطة الثبوت قسما ثالثا في قبال حكمة التشريع و ما هو في قوّة الكبرى الكلّية، فانحصر الأقسام في الاثنين و عدّ كلّ ما لا يكون في قوّة الكبرى الكليّة من قبيل حكمة التشريع إمّا حقيقة أو حكما، إذ الكلّ- أي كلّ ما لا يكون في قوّة الكبرى الكلّية- مشترك في عدم الاطّراد و الانعكاس فناسب أن يسمّى بحكمة التشريع توسعة في الاصطلاح.
4- محصّل مرامه قدّس سرّه أنّ العلل الشرعيّة بحسب التقسيمات المتقدّمة على أربعة أقسام: الأول: ما اصطلح عليه بحكمة التشريع كما في مثال تداخل الأنساب، و هذا لا يكون مطّردا و لا منعكسا. و الثاني: ما هو من قبيل الواسطة الثبوتيّة و يكون ملحقا بالأوّل في عدم الاطّراد و الانعكاس كما في مثال إسكار النبيذ. و الثالث: ما هو من قبيل الواسطة الثبوتيّة و لا يكون مطّردا لكنّه منعكس. و الرابع: ما هو من قبيل وسائط العروض و في قوة الكبرى الكلّية فيكون مطّردا و منعكسا معا.

ص: 25

و عدّ ما لا يكون في قوّة الكبرى الكلّية من حكمة التشريع، إذ الكلّ في عدم الاطّراد و الانعكاس من واد واحد.

و كيف كان فما كان تعليلا للحكم بمناطه يصلح للوجهين (1)، و إنّما يكون في قوّة الكبرى الكلّية إذا كان من قبيل واسطة العروض دون الثبوت. هذا كلّه في مرحلة الثبوت.

و أمّا في مرحلة الإثبات فلا يخفى أنّ كون العلّة من قبيل واسطة الثبوت هو الذي يقتضيه ظهور أدلّة الأحكام في كون العنوان الوارد عليه الحكم في لسان دليله هو موضوعه النفس الأمري (2) بنفس عنوانه، لا بتوسط انطباقه على عنوان آخر (3)، و ظهور تعليلاتها أيضا في كونها بيانا للجهة المقتضية لذلك (4)، و هو الأصل


1- أي لأن يكون من قبيل واسطة الثبوت، و أن يكون من قبيل واسطة العروض.
2- لظهور الموضوع الوارد عليه الحكم في الموضوعيّة له.
3- ليكون من قبيل واسطة العروض.
4- الموجود في الطبعة الأولى (كذلك) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 26

فيها (1)، و لا سبيل إلى الخروج عن هذا الأصل إلّا إذا كانت هي بنفس عنوانها صالحة لأن تكون في قوّة الكبرى الكلّية الشاملة للمورد و غيره بجامع واحد، و توقّفت صحّة التعليل بها أيضا (2) على ذلك (3)، فيدلّ بدلالة الاقتضاء (4) حينئذ على تلك الكليّة و يكون من المداليل الالتزامية اللفظيّة.

و أمّا لو لم تكن لها تلك الصلاحية، أو لم تتوقّف صحة التعليل بها للمورد على تلك الكلّية و صحّ كونها واسطة ثبوتية له، كان هو بمعزل عن الدلالة على كونها كذلك في غير مورده (5). و لم يكن إلى استقلال العقل بعدم دخله في ملاكيّتها للحكم سبيل، ضرورة أنّها ليست من مدركاته (6).


1- يعني أنه الأصل الأولي فيما ورد تعليلا للحكم بمناطه، اقتضاه ظهور الكلام، و لا يخرج عنه إلّا بدليل- كما ستعرف.
2- إذ مجرد الصلاحيّة لذلك لا تكفي في الخروج عن الأصل و رفع اليد عن الظهور، و على هذين الركنين- أعني الصلاحيّة و التوقّف المزبورين- تبتني تماميّة دلالة العلّة المنصوصة على الكبرى الكلّية- كما سيتضح لك.
3- أي على كونها في قوّة الكبرى الكلّية.
4- لأنّ كلّ ما توقّف صحّة الكلام عليه فالكلام دالّ عليه بدلالة الاقتضاء.
5- أي كان التعليل بمعزل عن الدلالة على كون العلة واسطة ثبوتية لغير المورد أيضا.
6- يعني لا سبيل إلى حكم العقل بعدم دخل خصوصية المورد في ملاكيّة العلّة للحكم لأنّ ملاكات الأحكام ليست ممّا يدركه ليدرك أنّ الملاك الكذائي يختص بالمورد أو يعمّ غيره، و المقصود من هذا الكلام نفي الدلالة العقلية أيضا على الكبرى الكلّية كما بيّن انتفاء الدلالة اللفظية.

ص: 27

و ضابط ما ذكر من الصلاحية و التوقف المقتضي لتلك الدلالة هو كون العلّة (1) المنصوصة عنوانا كلّيا (2) منطبقا على المورد و غيره بجامع واحد، قابلا لأن يحمل بنفس عنوانه على كلّ منهما بالحمل الشائع الصناعي (3)، و يكون الحكم المعلّل خبريّا كان أو بصيغة الطلب (4) أيضا كذلك (5) و لا يكون لشي ء منهما (6) تخصّص بالمورد أصلا كما في مثل (الخمر حرام لأنّه مسكر) أو (لا تشرب النبيذ لأنّه مسكر) و نحو ذلك، فمن كونهما (7) عنوانين قابلين للحمل أو


1- بيان لضابط الصلاحية.
2- كعنوان المسكر.
3- فيقال: الخمر مسكر و النبيذ مسكر و هكذا، كل ذلك بالحمل الشائع.
4- الأوّل كقولنا الخمر حرام، و الثاني كقولنا لا تشرب الخمر.
5- أي عنوانا كليّا قابلا لأن يحمل على المورد و غيره بجامع واحد و بالحمل الشائع نحو الخمر حرام و النبيذ حرام، أو قابلا لأن يرد على كلّ منهما بجامع واحد نحو لا تشرب الخمر و لا تشرب النبيذ.
6- أي من العلّة المنصوصة و الحكم المعلّل بها.
7- أي يستكشف من إطلاق العلّة و المعلّل و كونهما عنوانين قابلين للحمل على المورد و غيره بجامع واحد- بالنسبة إلى العلّة و إلى المعلّل الخبري نحو حرام-، أو للورود على المورد و غيره كذلك- بالنسبة إلى المعلّل الطلبي نحو لا تشرب-، عدم دخل المورد لا في علّية العلّة لأنّ العلّة هي المسكريّة المطلقة لا مسكريّة الخمر، و لا في معلولها لأنّ المعلول هو الحرمة المطلقة لا حرمة خصوص الخمر، إذن فيستفاد من الإطلاقين أنّ الإسكار علّة للحرمة لا أنّ إسكار الخمر علّة لحرمتها خاصّة ليكون من الواسطة في الثبوت، هذا. و بهذا البيان يثبت الركن الأوّل أعني الصلاحيّة المتقدّم ذكرها، و حيث إنّه بمجرده لا يثبت به سوى عدم دخالة المورد و عدم اختصاص شي ء من العلّة و المعلّل به و لا يكاد يثبت به عموم الحرمة لكلّ مسكر و كون الإسكار تمام العلة لها- و هو المطلوب إثباته- إذ لعلّ هناك أمرا آخر سوى الإسكار له دخل في الحرمة كدخل الميعان في نجاسة المسكر، فلذا أضاف قدّس سرّه إليها البيان الآتي فقال و لكون الجملة. إلخ و به يثبت الركن الثاني أعني التوقّف السابق الذكر و نصل إلى المطلوب.

ص: 28

الورود على المورد و غيره بجامع واحد و عدم تخصّص شي ء منهما به يستكشف عدم دخله لا في علّية العلّة و لا في معلولها، و تخرج هي عن باب الواسطة في الثبوت بذلك. و لكون الجملة المعلّلة (1) بمنزلة النتيجة و ما علّلت به بمنزلة الصغرى (2) فلو لا كلّية الكبرى لم يصحّ التعليل (3)،


1- الموجود في الطبعة الاولى (المعلّلة لها) و الصحيح ما أثبتناه.
2- الاولى هي (الخمر حرام) و الثانية هي (لأنه مسكر)، و قد مرّ منه قدّس سرّه أنّ ما كان من التعليل من هذا القبيل فهو منحلّ إلى قياس بصورة الشكل الأول و الاحتجاج بالأوسط في ثبوت الأكبر للأصغر.
3- فإنّه يشترط في إنتاج الشكل الأوّل كلّية الكبرى، فلو كانت جزئية كقولنا (الخمر مسكر و بعض المسكر حرام) لم ينتج أنّ الخمر حرام، إذ لعلّه من البعض الآخر غير الحرام، و حينئذ لم يصحّ التعليل بأنه مسكر بل لا بدّ من ذكر عنوان ذلك البعض الحرام في التعليل، مثلا إذا كان موضوع النجاسة هو المسكر المائع و قيل (الخمر نجس) فالصحيح تعليله بأنّه مسكر مائع ليدلّ على أنّ كلّ مسكر مائع نجس، لا بأنه مسكر و إلّا لدلّ على أنّ كلّ مسكر نجس و إن كان جامدا، و هو خلاف المقصود.

ص: 29

و يدلّ هو (1) حينئذ على تلك الكلّية بذلك (2)، حذو دلالة قوله سبحانه (وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ) على أنّ المسؤول هو أهلها و نحو ذلك.

و بالجملة فمن صلاحيّة العلّة المنصوصة لأن تكون موضوعا للكبرى الكلّية و بمعونة إطلاقها و إطلاق ما علّل بها تخرج هي عن باب الواسطة في الثبوت، و يتحصّل موضوع الكبرى من أحد الإطلاقين و محمولها من الآخر و كلّيّتها من توقّف صحّة التعليل بها على تلك الكلّية.

و لو انتفى أحد هذه الأمور انهدم أساس الكبرى الكلّية من أصله، إذ مع عدم صلاحيّتها لأن تكون موضوعا لها (3) بنفس عنوانها- كما إذا كانت من جهات المصالح أو المفاسد (4) التي هي مناط موضوعيّة الموضوعات لأحكامها- كانت من الوسائط الثبوتيّة- لا محالة-، و يكون التعليل بها بمعزل عن الدلالة على كونها كذلك (5) في غير مورده- كما قد عرفت-، و كذا لو انتفى أحد


1- أي التعليل.
2- أي بعدم صحته لو لا الكلّية، و يكون من دلالة الاقتضاء حذو الدلالة في الآية الكريمة.
3- أي للكبرى الكلية.
4- أي من علل التشريع كما إذا قيل (الصلاة واجبة لأنها تنهى عن الفحشاء و المنكر) إذ لا يصحّ أن يقال (كلّ ما ينهى عن الفحشاء و المنكر واجب) لانتفاء التمييز و الانضباط، و قد مرّ بحثه سابقا.
5- أي واسطة ثبوتية.

ص: 30

الإطلاقين و قيّدت هي أو ما علّل بها بمورده، كما لو علّلت حرمة النبيذ- مثلا- بإسكار نفسه (1) لا بانطباق عنوان المسكر عليه، أو


1- هذا مثال لتقييد العلّة بالمورد، و قد يناقش في جعل المثال المزبور من قبيل الواسطة في الثبوت بتقريبين: أحدهما: ما في نهاية الدراية للمحقّق الأصفهاني قدّس سرّه 1: 205 من أنّ العلّة الغائية إذا فرض ترتّبها على مورد آخر فلا محالة يترتب عليها معلولها، بداهة أنّ المعلول لا ينفك عن علته التامة، و المفروض أن الإسكار- بما هو- علة غائية أو لازم مساو لها لا هو بضميمة شي ء آخر، و فرض الضميمة للغاية- و لو أضافها إلى الخمر- خلف، إذ الظاهر أن غير الخمر مسكر أيضا، و إضافة الغاية إلى ذيها لا تقتضي أن تكون الغاية لازما مساويا لذيها بحيث لا تتعدّاه. أقول: غير خفيّ أنّه لو فرض- كما فرضه قدّس سرّه- أنه استفيد من الدليل أن الإسكار بما هو و من دون أيّ ضميمة علة غائية للحكم أو لازم مساو لها فلا كلام- على هذا التقدير- في كونه من الواسطة في العروض و كونه بعنوانه هو الموضوع للحكم فيسري الحكم إلى جميع أفراده كما ذكره قدّس سرّه، لكن الكلام في تحقق الفرض المذكور بالنسبة إلى المثال المتقدم و استظهار ذلك منه، و قد ادّعاه قدّس سرّه نظرا إلى أنّه لا دلالة لإضافة الإسكار إلى الخمر في لسان الدليل على كون العلة الغائية هو الإسكار الموجود فيه خاصة بحيث لا تتعدّاه، فيتعين كون العلّة هو طبيعي الإسكار. لكن يظهر الجواب عنه من مطاوي ما أفاده المصنف الجدّ قدّس سرّه من أن مقتضى ظهور دليل الحكم المعلل هو وساطة الثبوت و كون ما ورد عليه الحكم في لسانه هو موضوعه النفس الأمري بنفسه لا بتوسط شي ء آخر، و أن هذا هو الأصل الأولي لا يخرج عنه إلّا إذا كانت العلّة عنوانا كليّا منضبطا قابلا للانطباق على المورد و غيره و لم تتقيد هي و لا ما علّل بها بالمورد كما في (فإنه مسكر)، فيستفاد حينئذ أن الإسكار المطلق هو علّة الحكم و موضوعه- على وجه الكبرى الكليّة- و أن وروده على الخمر إنّما هو بتوسطه و يرفع اليد عن الظهور الأولي في موضوعية المورد بعنوانه للحكم لضعفه عن المقاومة إزاء ما ذكر. أمّا إذا قيّدت بالمورد- كما في المثال- حال ذلك دون استظهار موضوعيتها بعنوانها الكلي، لأنّ مقتضى التقييد دخالة القيد فلم ينعقد ظهور أقوى من ذلك الظهور الأولي ليهدمه، بل و لا مساو له ليعارضه فيبقى على حاله و يؤخذ بمقتضاه من وساطة الثبوت و اختصاص الحكم بمورده، اللّهمّ إلّا إذا فرض القطع بعدم دخل القيد المذكور في العلّة فيخرج حينئذ عن باب منصوص العلّة و يندرج في تنقيح المناط- كما أفاده قدّس سرّه في المتن. التقريب الثاني: ما أفاده السيّد الأستاذ- دام ظله- في تعليقته على أجود التقريرات (1: 499) من أن احتمال دخل خصوصية المورد في العلّة في المثال المتقدّم و إن كان قائما، لكنّه مخالف لما هو المرتكز في أذهان العرف من أن العلة المذكورة في الكلام هي بنفسها علة الحكم من دون دخل قيامها بالموضوع المذكور فيه، و أن الحكم يدور مدار علته، و أنه لا شكّ في أن المستفاد من قوله عليه السّلام: «إن اللّه لم يحرّم الخمر لاسمه و إنما حرّمه لإسكاره» إنّما هو حرمة كلّ مسكر، و أنّه لو كان الاحتمال المذكور مانعا عن انعقاد الظهور في المثال لكان مانعا في مثل (لا تشرب الخمر لأنّه مسكر) لقيام الاحتمال فيه أيضا. أقول: من الواضح أنّه قدّس سرّه لا يعتدّ بمجرد الاحتمال مع انعقاد الظهور الدافع له و إلّا لانسدّ باب العمل بالظواهر رأسا، و إنّما يدّعي- حسبما أشرنا إليه آنفا- أن الظهور الأولي المنعقد لدليل الحكم المعلل في موضوعية المورد للحكم لا سبيل إلى إنكاره فلا بد من الأخذ به، و لا يرفع اليد عنه إلّا بظهور أقوى كما إذا كان معللا بتعليل مطلق صالح لأن يكون في قوّة الكبرى الكلية- حذو ما سمعت-، أما إذا كان معللا بعلة مقيدة بالمورد- كالمثال- فبما أن التقييد بطبعه يقتضي الدخالة فلا مجال لرفع اليد عن الظهور الأولي المذكور و إلغائه بلا موجب، إذ لا ظهور للتعليل مخالف له، اللّهمّ إلّا إذا اقترن التعليل- المضاف إلى المورد- بما يدل- بوضوح- على عدم الخصوصية للمورد في الحكم و لا في علّية العلّة رأسا و أن العلة هو طبيعي الإسكار، و عبارة الرواية التي أوردها- دام ظله- من هذا القبيل فإنّ ظهورها في أن مبغوضية الخمر ليست لاسمه و عنوانه بل للإسكار المترتب عليه غير قابل للإنكار و مقتضاه التعميم، لكنّه أجنبيّ عن محل الكلام و قد صرّح المصنف الجدّ قدّس سرّه- فيما سلف- بأنه لا مجال فيما هو من قبيل الواسطة في الثبوت لأن يطّرد و يكون واسطة للثبوت في غير المورد أيضا إلّا بدليل آخر يدل على ذلك لا بنفس هذا التعليل، فهو قدّس سرّه يسلّم الاطراد بدليل آخر يدل عليه و إنما ينكره في مورد الاقتصار على التعليل المزبور في نحو قولنا: يحرم الخمر لإسكاره، فلاحظ.

ص: 31

ص: 32

كان الحكم المعلّل استثناء لمعيّن (1)، و نحو ذلك ممّا لا يمكن أن


1- هذا مثال لتقييد الحكم المعلّل بالمورد كما إذا قيل (يجوز شرب كلّ مائع إلّا الخمر لأنّه مسكر) فإنّ المعلّل إنّما هو حرمة خصوص الخمر، لأنّه المستثنى الخارج عن عموم الجواز في المستثنى منه، لا مطلق الحرمة، فالتعليل راجع إلى هذا الحكم الخاص بمورده.

ص: 33

يطّرد بنفس مدلوله في غير المورد إلّا بتجريده عمّا يوجب التخصّص به، إذ مقتضى التقيّد المذكور هو دخل خصوصيّة المورد إمّا في علّية العلّة أو في معلولها، فينتفي موضوع الكبرى (1) في إحدى الصورتين و محمولها في الأخرى و يتعيّن كون العلّة المنصوصة من باب الوسائط الثبوتية على كلّ تقدير، و لا سبيل إلى التعدي عن المورد إلّا بدعوى القطع بعدم دخل التخصّص به في شي ء من الأمرين، فيخرج عن باب منصوص العلّة و يرجع إلى تنقيح المناط (2) و نحوه، فاحفظ ذلك كي لا تختلط عليك التعليلات الشرعية و تعرف كلا من أنواعه الثلاثة بضابطه (3).

و إذ قد تبيّن ذلك اتّضح (4) أنّ التعليل الوارد في السنجاب بأنّه لا


1- و هي في المثال (كلّ مسكر حرام) فإنّه إذا قيّدت العلّة بالمورد أصبح الموضوع الخمر المسكر لا مطلق المسكر، و إذ قيّد المعلّل به أصبح المحمول حرمة الخمر لا مطلق الحرمة، فتسقط القضية عن كونها كبرى كليّة على كل من التقديرين.
2- و هو أن يحصل القطع بالمناط الكلي المطّرد و عدم دخل خصوصية المورد في الحكم- و إن كان هو مقتضى ظاهر الدليل- فيرتكب التجريد و يتعدى الى كلّ مورد اشتمل على ذلك المناط.
3- الأنواع الثلاثة للتعليل الشرعي- كما مرّ- هي: حكمة التشريع، و ما هو من قبيل الواسطة الثبوتيّة الملحقة بحكمة التشريع في عدم دوران الحكم مداره وجودا و عدما، و ما هو من قبيل الواسطة العروضيّة يدور الحكم مداره وجودا و عدما.
4- لمّا فرغ قدّس سرّه من بيان الضابطة لما يكون من العلّة المنصوصة في قوّة الكبرى الكلّية في كلتا مرحلتي الثبوت و الإثبات، تصدّى لبيان عدم اندراج المقام فيها، و حيث إن ما توهّم اشتماله على العلّة المذكورة روايتان:

ص: 34

يأكل اللحم أجنبيّ عمّا هو في قوّة الكبرى الكلّية.

أمّا في رواية مقاتل فلعدم كون المعلّل بتلك العلّة ترخيصا مرسلا (1) يصلح لأن يرد حكما كلّيا على كلّ محرم لا يأكل اللحم كي يكون في قوّة الكبرى الكلّية، و إنما هو استثناء للسنجاب عمّا حكم عليه بأنّه لا خير فيه، و قد ورد التعليل بيانا لجهة امتيازه عنهما (2) و أين هذا عن صلاحيّة كونه بنفسه في قوّة الكبرى الكلّية؟

و الذي يظهر من مجموع ما يدلّ على حرمة أكل السنجاب و جواز الصلاة في جلده: أنّ السرّ في تعليل الرخصة فيها بأنّه لا يأكل اللحم و ليس من ذوات المخالب و الأنياب هو أنّه و إن لم يكن من الأنواع (3)


1- يعني أنّه مرّ في بيان الضابط لمرحلة الإثبات اعتبار إطلاق الحكم المعلّل و هذا غير متحقّق في المقام، إذ الحكم المعلّل فيه مقيّد بمورده، لأنّ السنجاب هو المرخّص فيه بخصوصه بمقتضى الاستثناء، و التعليل راجع إلى هذا الترخيص الخاص و بيان للمائز بينه و بين السمور و الثعالب المذكورين في كلام السائل، فليس هو تعليلا للترخيص المرسل صالحا لكونه في قوّة الكبرى الكلّية ليدلّ على عموم الحكم لكلّ محرّم لا يأكل اللحم.
2- أي عن السمور و الثعالب.
3- الموجود في الطبعة الاولى (أنواع) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 35

الثلاثة التي تقدّم أنّ حرمة أكل الحيوان بحسب أصول أنواعه تدور مدارها، لكن لمّا كان ذا سبلة كسبلة السنّور و الفأر فهذا أوجب لحوقه الحكمي بالسباع في حرمة أكله دون عدم الصلاة في أجزائه (1)، و هذا هو مفاد استثنائه من المذكورات في الرواية، و قد ورد


1- فهو ليس من السباع حقيقة لتحرم الصلاة في أجزائه إذ ليس ممّا يأكل اللحم- كما في الروايتين- و لا من ذوات المخالب و الأنياب- كما في رواية ابن أبي حمزة-، كما و ليس من المسوخ و الحشرات فلا موجب لحرمة الصلاة فيه، لكن لمّا كان يشبه بعض السباع و المسوخ كالقط و الفأر في أنّ له سبلة كسبلتهما لحق بهما في حرمة الأكل فقط، و هذا ما يستفاد من رواية أبي حمزة قال: سأل أبو خالد الكابلي عليّ بن الحسين عليهما السّلام عن أكل لحم السنجاب و الفنك و الصلاة فيهما، فقال أبو خالد: إن السنجاب يأوي الأشجار فقال عليه السّلام: «إن كان له سبلة كسبلة السنور و الفأر فلا يؤكل لحمه و لا تجوز الصلاة فيه»، ثم قال عليه السّلام: «أما أنا فلا آكله و لا احرّمه». راجع الباب الحادي و الأربعين من الأطعمة المحرمة من الوسائل. و لا خلاف عندنا في حرمة أكله كما هو مقتضى قوله عليه السّلام (فلا يؤكل لحمه)، و أما قوله عليه السّلام أخيرا (و لا احرّمه)، فلعلّه من باب التقية- كما في الوسائل-، و يؤيده نسبة التحريم إلى نفسه عليه السّلام، و أما قوله عليه السّلام: (و لا تجوز الصلاة فيه)، فمعارض بروايات أخر ترخص الصلاة فيه، و سيأتي تفصيل البحث حوله- إن شاء اللّه تعالى. أقول: يمكن أن يقرّر المقام ببيان آخر و هو أن قوله عليه السّلام: (فإنه دابة لا يأكل اللحم) يراد به أنه ليس من السباع الآكلة للحم ذوات المخالب و الأنياب التي نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أكلها- كما في رواية ابن أبي حمزة و بما أن عدم كونه من الحشرات مفروغ عنه بل و كذا من المسوخ- و لو لمعهودية ذلك و معلومية انحصاره في أنواع معينة، و في بعض الأخبار أنها ثلاثة عشر نوعا، و عددها المتحصل من مجموع نصوص الباب نيف و عشرون و ليس منها السنجاب (الباب الثاني من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل)- فهو إذن غير مندرج في شي ء من الأنواع الثلاثة فتصح الصلاة فيه. و بالجملة ليس الغرض من إيراد هذا التعليل بيان علة عامة صالحة لكونها في قوة الكبرى الكلّية بل بيان لحال المورد و أنه ليس من قسم السباع كي يمنع عن الصلاة فيه من هذه الجهة، و بعد المفروغيّة عن أنه ليس من القسمين الآخرين أيضا فلا مانع من الصلاة فيه. و هذا البيان يجري في رواية ابن أبي حمزة أيضا، فلا حظ.

ص: 36

التعليل بيانا لخروجه الموضوعي عن السباع و امتيازه عن السمور و الثعالب بذلك، إذ هو المعلّل بهذه العلّة دون الرخصة المرسلة، و قد عرفت أنّه لا مساس لما كان من هذا القبيل بالكبرى الكلّية.

و أما في رواية ابن أبي حمزة فكونه تعليلا لجواز الصلاة في السنجاب مبنيّ على ما في بعض نسخ الوسائل من اشتمال ما سأله أخيرا- و هو قوله: قلت و ما يؤكل من غير الغنم- على (لا) النافية (1).


1- إذ بناء عليه يكون سؤالا عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، فأجاب عليه السّلام بعدم البأس بها في السنجاب منها معللا بما ذكر، فيكون للبحث- عن أنّ العلّة المذكورة هل هي في قوة الكبرى الكلّية أو لا- مجال. أما بناء على الخلوّ عن تلك الزيادة فظاهره السؤال عما يحلّ أكله مما يصنع منه الفراء من غير الغنم- كما سيأتي-، و قد أجاب عليه السّلام بحلّية السنجاب، و عليه فالتعليل تعليل لحلّه و أجنبيّ عن المقام.لكن سيأتي منه قدّس سرّه تفسير آخر دقيق للرواية، بمقتضاه يكون السؤال سؤالا عن الصلاة فيما يؤكل و التعليل تعليلا لجواز الصلاة في السنجاب دون حلّ أكله، و عليه فيعود- لا محالة- البحث المشار إليه آنفا و المرتبط بالمقام.

ص: 37

و نسخ الوسائل و إن اختلفت في ذلك (1) لكنّه- مضافا إلى فساد عبارة السؤال مع فرض هذه الزيادة من وجوه عديدة (2)، بل قوله (من غير الغنم) قرينة واضحة على عدمها و غلطيّة النسخة- فلا يخفى أن سند هذه الرواية ينتهي إلى الكافي حتى أن في التهذيب أيضا قد رواها عنه، و قد روياها في الوسائل و الوافي عنهما جميعا، و قد راجعنا النسخ المصحّحة من الكافي و التهذيب فكانت خالية عن هذه الزيادة (3) و قد ضبطها و فسّرها في الوافي أيضا بدونها (4)،


1- الزيادة موجودة في الطبعة القديمة من الوسائل و كذا في طبعتيها الحديثتين و قد قوبلت ثانيتهما على نسخة بخطّ المصنف رحمه اللّه- حسبما ذكر في مقدمتها.
2- منها- و هو عمدتها- عدم استقامة استثناء الغنم من (ما لا يؤكل) الظاهر في كونه منه و ليس منه، و قد أشار قدّس سرّه إلى ذلك بقوله: بل قوله. إلخ، و منها أنه لا وقع للسؤال عن حكم ما لا يؤكل بعد ما فهم من قوله عليه السّلام:(إذا كان مما يؤكل لحمه) أنه لا يجوز الصلاة في فراء ما لا يؤكل.
3- الأمر كذلك بالنسبة إلى الكافي بطبعتيه القديمة (1: 110) و الحديثة (3: 397)، أما التهذيب فالزيادة موجودة في طبعته الحديثة (2: 204) و يظهر من طبعته القديمة اختلاف نسخه (1: 194) فراجع، لكن العمدة- كما سمعت- هو الكافي.
4- قال رحمه اللّه في تفسيرها (5: 402): لعلّ (ما) في (و ما يؤكل لحمه من غير الغنم) استفهامية، يعني: أيّ شي ء يؤكل لحمه مما يلبس فرأوه من غير الغنم؟ انتهى، و الاحتمال الآخر أن تكون (ما) موصولة و المعنى: و الذي يؤكل لحمه مما تصنع منه الفراء غير الغنم ما حكم الصلاة فيه؟ و يكون على الأول سؤالا عما يحل أكله مما سوى الغنم من تلك الأنواع، و على الثاني سؤالا عما تصح الصلاة فيه منها، و الظاهر هو الأول بل لعله المتعيّن فإنه المناسب للسؤال عقيب قوله عليه السّلام: (إذا كان مما يؤكل لحمه)، أما الثاني فلا مناسبة له بوجه، هذا و مقتضى عبائر المتن الآتية هو المفروغية عن ذلك.

ص: 38

بل عدّ هذا الذيل في بعض كتب الاستدلال معارضا لما يدلّ (1) على حرمة السنجاب و ساقطا عن الحجيّة و صلاحية المعارضة بإعراض الأصحاب، فيكون ما اشتمل عليها من نسخ الوسائل من غلط الناسخ أو سهو القلم- لا محالة.

و ظاهر الرواية حينئذ و إن كان في بادئ النظر هو حلّية السنجاب- المتسالم على خلافها- و التعليل أجنبيّا عمّا نحن فيه و غير معمول به حتى في مورده (2)، لكن يمكن أن يقال: إنّ سؤال الراوي لمّا كان عمّا تجوز الصلاة فيه من الفراء و كانت تصنع من الغنم و من غيره أيضا من السنجاب و السمور و الثعالب و غير ذلك،


1- إذ لا تتمّ المعارضة إلّا إذا كانت خالية عن هذه الزيادة.
2- يعني و كان التعليل في بادئ النظر تعليلا لحلية أكل السنجاب، و هذا غير ما نحن فيه من التعليل لجواز الصلاة، كما أنه لم يعمل به في مورده و هو السنجاب فضلا عن غيره، إذ ليس كلّ ما لا يأكل اللحم من الحيوانات يحل لحمه بالضرورة.

ص: 39

فبعد أن عرف من جوابه عليه السّلام أنها لا تجوز إلّا فيما كان ذكيّا و كان ممّا يؤكل لحمه (1)، أراد من سؤاله الأخير أن يعرف ما يحلّ أكله (2) من سائر ما كانت الفراء تصنع منه ليعرف أنّ أيا منها تجوز الصلاة فيه، فالمسؤول عنه و إن كان هو ما يحلّ أكله من خصوص تلك الأنواع لا من مطلق الحيوان، لكن المقصود بالسؤال هو معرفة ما تجوز الصلاة فيه دون أكل لحمه، و تعبيره عليه السّلام في الجواب بعدم البأس بالسنجاب (3) لا بحلّ أكله أو كونه ممّا يؤكل، ظاهر في كونه جوابا عمّا قصده بسؤاله لا عن نفس سؤاله، و التعليل لذلك بأنّه لا يأكل اللحم- إلى آخره- بيان لما تقدّم من خروجه الموضوعي عن السباع (4) و كون اللحوق بها حكميا (5).


1- يأتي- في الأمر الرابع- إمكان استظهار هذا المعنى و أن جملة (إذا كان مما يؤكل لحمه) من تتمة الجواب الأول و أن السؤال الثاني قد اعترض مع جوابه في البين لعجلة الراوي.
2- استظهار لما مرّ نقله آنفا عن الوافي.
3- فإن ظاهره إرادة عدم البأس بالصلاة فيه، و إلّا لقال: يحلّ أكل السنجاب، أو إنّه ممّا يؤكل لحمه.
4- فإنّ ذكر السنجاب بالخصوص من بين سائر ما كانت تصنع منه الفراء قرينة على إرادة الخصوصية، و بما أن مقتضى ما فهم من جوابه عليه السّلام السابق اعتبار كون ما يصلى فيه مأكول اللحم فتجويز الصلاة في السنجاب و هو من محرم الأكل يبدو منافيا لذلك، فبيّن عليه السّلام وجهه و أنه ليس من السباع الآكلة اللحم موضوعا.
5- و ذلك في الحكم بحرمة أكله للشبه المتقدّم بيانه، و لا يخفى أن التعليل لم يتكفل بيان اللحوق الحكمي المذكور- و إن أوهمته العبارة-، بل مجرد خروجه الموضوعي.

ص: 40

و لو سلّم ظهور لنفي البأس في جواز أكله أيضا، كان ناشئا عن ظهور إطلاقه (1) في ذلك، و يكون الدليل على حرمته تقييدا لذلك الإطلاق، و عمل الأصحاب بذلك الدليل تحكيما للمقيّد على المطلق لا إعراضا موجبا لسقوطه عن الحجّية، و يكون نفي البأس في هذه الرواية الشريفة أيضا- كالاستثناء الوارد في رواية مقاتل- حكما على السنجاب (2) بالإضافة إلى سائر ما كانت الفراء تصنع منه، و التعليل أيضا بيانا لجهة امتيازه عنه (3) و يكون بمعزل عن صلاحية كونه في قوّة الكبرى الكلّية- كما تقدم.

ثمّ لو فرض كونه ترخيصا مرسلا (4) يصلح للعموم على حسب عموم علّته، فما تقدّم من التعليل بمسوخية الأكثر يهدم


1- الشامل لجواز كلّ من أكله و الصلاة فيه فيقيّد بما دلّ على حرمة أكله، و ليس هذا من الإعراض المسقط عن الحجية في شي ء.
2- أي حكما خاصا بالسنجاب اقتضاه تخصيصه عليه السّلام إياه بالذكر من بين سائر ما تصنع منه الفراء- كما قد عرفت.
3- أي عن سائر ما تصنع منه الفراء، و العبارة إعادة لما سبق آنفا لغرض التوضيح.
4- يعني لو سلّم ظهور الكلام في نفسه في الترخيص المرسل بحيث يعمّ كلّ دابة لا تأكل اللحم- أي غير السباع من سائر الحيوانات- نظرا لعموم علته، كان ما تقدّم من التعليل بمسوخية الأكثر مانعا عن حجية هذا الظهور و قرينة منفصلة على خلافه.

ص: 41

ذلك و يكون قرينة على كونه بيانا لجهة امتيازه عن المذكورات، إذ مقتضى كون التعليل المذكور نصّا في علّية المسوخية لهذا الحكم في الجملة (1)- كما هو الشأن في كلّ عموم أو إطلاق (2)- هو امتناع أن يقيّد موضوعه (3) بما إذا كان من السباع أيضا و يجعل السبع المسوخ موردا لهذا التعليل (4)، كيف و مع الغضّ (5) عن كونه من التخصيص بالفرد النادر (6) المستهجن جدا، فلا يخفى كونه إبطالا


1- أي سواء اختصت عليتها بموضوعها- أعني المسوخات- أم عمّت كلّ ما لا يؤكل لحمه، و قد سبق تعيّن الأول.
2- فإنه نصّ بالنسبة إلى موضوع التعليل و إن كان ظاهرا في غيره مما يشمله العموم أو الإطلاق، كما في (لا تأكل الرمان لأنّه حامض) الذي هو نصّ في النهي عن الرمان الحامض، و في المقام يكون إطلاق عدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه نصا بالنسبة إلى المسوخ و ظاهرا في غيره.
3- أي موضوع التعليل و هو المسوخ.
4- مع أنّ مقتضى ما تقدم من عموم الترخيص لكلّ ما ليس بسبع- على تقدير تسليمه- هو التقييد بذلك، إذ العموم المذكور يشمل المسوخ من غير السبع أيضا فلا بد من تقييد المنع في رواية المسوخ بما إذا كان من السباع و هو ممتنع- كما ستعرف.
5- شروع في ذكر وجوه امتناع التقييد و هي ثلاثة: هذا أوّلها، و الثاني ما أفاده قدّس سرّه بقوله: فلا يخفى، و الثالث بقوله: هذا مضافا، فتبصّر.
6- لأن أفراد المسوخ السبع قليلة فإنّ أكثر المسوخات ليست من السباع- كما يظهر بالمراجعة.

ص: 42

لعلّية المسوخية بالكلّية و مخالفا لنصّ التعليل من هذه الجهة، إذ لو قيّدت علّية شي ء بوجود علّة مستقلة أخرى مع بقائها على إطلاقها (1) كان ذلك إخراجا للأولى عن كونها ذات (2) دخل في وجود المعلول رأسا و يتساوى وجودها و عدمها فيه (3). و لا سبيل


1- أي بقاء العلّة الأخرى على إطلاقها سواء وجدت الأولى أم لا، في قبال ما يأتي في تكملة الاستدلال من فرض تقييدها بالأولى.
2- الموجود في الطبعة الاولى (ذا) و الصحيح ما أثبتناه.
3- و الأمر في المقام كذلك، لما تقدم سابقا من أنّ مقتضى كون التعليل ب (أن السنجاب دابة لا تأكل اللحم) في قوة الكبرى الكلية و دوران اللحم مداره وجودا و عدما هو تعميم الرخصة لكلّ محرم لا يأكل اللحم، و تخصيص المانعية بالمحرم الذي يأكل اللحم- أعني السبع-، إذن فالسبعية علّة مستقلة للمانعية فإذا فرض بقاؤها على إطلاقها فمقتضاه عليّتها للمانعية سواء اقترنت معها المسوخية أم لم تقترن. و حينئذ فلو قيّدت علّية المسوخية بما إذا اقترنت معها السبعية كان ذلك إبطالا لعليّتها بالكلية و إسقاطا لدخالتها بالمرة، فإن السبعية حسب الفرض تمام الموضوع للمانعية على نحو الإطلاق فضمّ المسوخية إليها كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان، و التالي فاسد، لما عرفت من علّية المسوخية بنص التعليل، فالمقدّم مثله. و محصّل الاستدلال أنه لو تم الترخيص المرسل بالنسبة إلى كلّ ما ليس بسبع و المنع المطلق بالنسبة إلى السباع لقيّدت علّية المسوخية للمنع بما إذا قارنت السبعية و لو قيّدت بذلك لسقطت عن علّيتها له، و إذ بطل التالي الأخير بطل مقدّمه فبطل مقدم المقدم أيضا بموجبه. هذا و انتظر تكملة لهذا الاستدلال عند قوله قدّس سرّه: و بعد ما امتنع التقييد- إلخ.

ص: 43

إلى مقايسة المقام بما إذا اجتمعت العلّتان المستقلّة كلّ واحدة منهما بظاهر دليلها في العلّية لو لا الأخرى أو المقيّدة عليّة كلّ واحدة منهما بوجود الأخرى (1)، كما في مسألة خفاء الأذان و الجدران في حدّ الترخص- على الوجهين فيها- و نحو ذلك- كما لا يخفى.

هذا، مضافا إلى مناقضته لصريح العلّة (2) أيضا لما فيها من


1- إشارة إلى الوجهين المذكورين في الأصول في مسألة تعدد الشرط و اتحاد الجزاء في مثل (إذا خفي الأذان فقصّر و إذا خفيت الجدران فقصّر)، فإن مقتضى إطلاق كل من الشرطيتين بما لها من المفهوم هو علّية كل من الأمرين علّية مطلقة على نحو يدور الحكم مداره وجودا و عدما، و إذ لا يعقل ذلك ثبوتا فلا بدّ من التصرف في الدليلين: إمّا بتقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر فينتج معنى العطف ب (أو) و استقلال كل منهما في العلّية في الجملة بحيث يدور الحكم مداره وجودا فقط، أو بتقييد كل من المنطوقين بالآخر فيؤدي مفاد العطف بالواو و كون علة الحكم مركبة منهما.و غرضه قدّس سرّه من هذا الكلام دفع ما ربّما يتوهم و يقال: لما ذا لا يجري في المقام نظير الوجهين الجاريين في تلك المسألة من استقلال كل من المسوخية و السبعية في العلّية لو لا الأخرى أو تقييد عليّة كل منهما بالأخرى لتكون العلة مركبة؟ و اقتصر قدّس سرّه في ردّه بالإشارة إلى وضوح فساده بقوله: (كما لا يخفى)، وجه الوضوح وضوح الفرق بين المقامين لما عرفت من أن مقتضى كون التعليل بالمسوخية نصّا في علّيتها للمانعية هو امتناع تقييدها بالسبعية، أما في تلك المسألة فالمفروض فيها عدم نصوصية أيّ من الدليلين في العلّية للحكم.
2- أي مناقضة التقييد المتقدم ذكره لصريح العلّة، فإن تقييد المسوخ في قوله عليه السّلام: (لأن أكثرها مسوخ)، بما إذا كان سبعا يوجب خروجه من الأكثرية إلى الأقلية، فإن ما اجتمع فيه الوصفان من محرّم الأكل قليل غايته، فينافي ما فرض في عبارة التعليل من الأكثرية.

ص: 44

التصريح باشتمال الأكثر عليها، و ظاهر أن ما اجتمع فيه الوصفان من النادر الملحق بالمعدوم.

و بعد ما امتنع التقييد المذكور (1) لهذه الجهات الكافية كلّ


1- هذا تكميل للاستدلال المتقدم، و خلاصة الاستدلال برمّته أنه لو كان تعليل الرخصة في السنجاب بأنه ليس من السباع صالحا لأن يكون في قوة الكبرى الكلّية و الرخصة المعلّلة به صالحة للعموم، فإمّا أن يقيّد موضوع المسوخ في قوله (لأن أكثرها مسوخ) بما إذا كان من السباع، و قد عرفت امتناعه للجهات الثلاث المتقدمة، أو يكون التعليل بالمسوخية- بعد ما عرفت من كونه نصا في علّيتها للحكم المقتضية لثبوت الحكم للمسوخ غير السبع حذو ثبوته للمسوخ السبع و دلالته على الاولى كالثانية بالنصوصية دون مجرد الظهور- مخصصا لذلك العموم، لكونه أخص مطلقا منه، لدلالة العموم على الرخصة في غير السباع مطلقا و دلالة النص المذكور على المنع في المسوخ من غير السباع بالنصوصية، و الباقي تحته بعد التخصيص هو ما ليس بسبع و لا مسوخ، و ليس هو إلّا بعض الحشرات- أعني ما ليس منها مسوخا- و هو أقل أفرادا من المسوخ الخارج بالتخصيص فيلزم التخصيص بالأكثر المستهجن.أقول: لعلّ أقليّته مبنيّة على عدم شمول العموم رأسا لمثل البق و البرغوث من الحشرات التي لا لحم لها و هي كثيرة، و مبنيّة أيضا على أن العبرة في تخصيص الأكثر المستهجن بأكثرية الأفراد الخارجة بالتخصيص مطلقا، إذ لو اعتبرنا في التخصيص الأنواعي أكثرية الأنواع لم يكن المقام منه، لأن العموم شامل لنوعين و قد خرج بالتخصيص أحدهما. على أن العموم يشمل الحيوانات المحلّلة الأكل أيضا و أفرادها كثيرة. و كيفما كان فإذا امتنع التخصيص المذكور لاستهجانه امتنع إرادة العموم و كشف عن كون التعليل بيانا لجهة امتياز السنجاب عن سائر ما تصنع منه الفراء- كما مر توضيحه- لا تعليلا لعموم الرخصة صالحا لكونه في قوة الكبرى الكليّة.

ص: 45

واحدة منها في امتناعه و كان التعليل المذكور على كلّ ممّا تقدم من الوجهين فيه (1) نصا في ثبوت الحكم فيما عدا السبع من المسوخ، فلو فرض صلاحية تعليل الرخصة في السنجاب بأنه لا يأكل اللحم لأن يكون في قوة العموم، كان النص المذكور بأخصيّته المطلقة مخصّصا له- لا محالة-، و لا يبقى لعمومه مورد سوى الحشرات، و لكونه من التخصيص بالأكثر- الظاهر استهجانه- فيكشف عن كونه بيانا لجهة امتيازه عمّا ذكر- كما أوضحناه.

و قد ظهر من ذلك أن إطلاق الرخصة فيما يأكل الورق و الشجر أيضا (2) لا يصلح معارضا لما يدلّ على عموم


1- الظاهر أن المراد بالوجهين ما تقدم سابقا: من صلاحية كون المسوخية مناطا لتشريع الحكم على كلّ ما يحرم أكله مسوخا كان أم غيره- كما قد يقال-، و عدم صلاحيته إلّا بالنسبة إلى المسوخ خاصة- كما هو الصحيح و مرّ تحقيقه.
2- في قول الكاظم عليه السّلام فيما رواه الصدوق رحمه اللّه بإسناده عن القاسم الخياط: «ما أكل الورق و الشجر فلا بأس بأن يصلى فيه و ما أكل الميتة فلا تصلّ فيه»، راجع الحديث الثاني من الباب السادس من أبواب لباس المصلي من الوسائل، و لا يبعد صحة سنده فإنه و إن اختلفت النسخ في ضبط الراوي عنه عليه السّلام ففي الوسائل (قاسم الخياط) و عن بعض نسخ الفقيه (هاشم الحناط) و عن بعضها الآخر (هشام الحناط) (الفقيه 1: 168)، إلّا أن الظاهر أن الثاني هو الصواب، لأنه المذكور في المشيخة دون غيره و ليس في الفقيه رواية عنه غير هذه الرواية- كما في معجم رجال الحديث، الطبعة الخامسة 20: 272-، فيتعيّن أن يكون ما في المشيخة ناظرا إلى هذه الرواية، و طريقه إليه صحيح (الفقيه 4: المشيخة: 43)، على أن قاسم الخياط لا وجود له في الرجال و لا في روايات الكتب الأربعة غير المقام، بخلاف هاشم الحناط فإن الظاهر أنه هاشم بن المثنى الحناط الكوفي الذي وثّقه النجاشي و له روايات، كما أن الظاهر اتحاده مع هشام الحناط المذكور في بعض نسخ هذه الرواية.

ص: 46

المانعية (1) فإن النسبة بينهما و إن كانت هي العموم من وجه (2) و كان الإطلاق المذكور معارضا للعموم المعلّل بالمسوخية لا لنصّ التعليل (3)


1- أي عمومها لكل حيوان محرم الأكل، و قد مرّ في صدر الكتاب الروايات الدالة عليه و عمدتها العموم في قوله عليه السّلام في موثقة ابن بكير:
2- فيتعارض هذا الإطلاق مع ذاك العموم في محرم الأكل الذي يأكل الورق و الشجر.
3- مراده قدّس سرّه أن رواية المسوخ بما أنها مشتملة على تعليل و حكم معلل فالإطلاق المذكور إنما يعارض- تعارض العموم من وجه- عموم حكمها المعلل حذو معارضته سائر عمومات المنع، و لا يعارض كذلك نص تعليلها بل التعليل أخص مطلقا من الإطلاق، لأن مقتضى نصوصيته في علّية المسوخية للمنع هو نصوصيته في المنع عن المسوخ الذي يأكل الورق و الشجر أيضا فيقيد الإطلاق بما إذا لم يكن ما يأكلهما مسوخا.

ص: 47

- كما فيما تقدم فرضه (1)-، لكن لقوّة دلالة ذلك العموم و لحوقها بالنصوصية فذلك الإطلاق بمعزل عن صلاحية كونه معارضا له، و لو فرض شموله لشي ء من الحشرات فلا شبهة في انصرافه عنه، و لا محيص عن تقييده بما عدا النوعين (2). فمن جميع ذلك اتضح أنه لا مجال للخدشة فيما تسالموا عليه من أصالة التلازم بين الحكمين.

و بقي البحث فيها من جهات:-


1- إشارة إلى المعارضة المتقدم فرضها بين نص التعليل المذكور و بين تعليل الرخصة في السنجاب لأنه لا يأكل اللحم- بناء على كونه تعليلا صالحا لكونه في قوة الكبرى الكلية-، و المقصود أن الإطلاق هنا لا يعارض التعليل بالمسوخية كما كان يعارضه التعليل الوارد في السنجاب.
2- رجّح قدّس سرّه العموم على الإطلاق معلّلا له بقوة دلالته مشيرا بذلك إلى ما حقّق في بحث التعارض من الأصول من أن ترجيحه هو مقتضى الجمع العرفي و قرينيّة العموم الوضعي على تقييد الإطلاق المستند إلى مقدمات الحكمة، فيؤخذ بالعموم و يقيّد الإطلاق بغير مورد المعارضة، فيكون موضوع الرخصة ما يأكل الورق و الشجر ممّا ليس من الأنواع الثلاثة المسوخ و السباع و الحشرات، بل يكفي تقييده بما عدا النوعين الأولين، فإن الأخير لا يكاد يشمله الإطلاق، إذ تقوّت الحشرة بأوراق الأشجار يعدّ أمرا نادرا و الإطلاق منصرف عن مثله، فتأمل.

ص: 48

الأولى: فيما استثني عن هذا العموم، و لا إشكال في كون الخزّ هو المتيقن استثناؤه، أمّا بالنسبة إلى وبره الخالص فالظاهر عدم الخلاف فيه (1) و استفاضة الأخبار به (2) بل لا يبعد أن تكون قطعية في الجملة (3). نعم بالنسبة إلى جلده لا يخلو عن خلاف ينسب إلى الحلّي و العلّامة في بعض كتبه (4)، لكنه ضعيف لا يعبأ به، فإن قوله عليه السّلام في رواية ابن أبي يعفور (5)، «فإن اللّه قد أحلّه و جعل موته ذكاته (6)- إلخ-» و إن لم يعمل بظاهره من جهة أكل


1- أي في استثنائه.
2- راجع البابين الثامن و العاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل، ففيهما لا سيّما الأول منهما أخبار معتبرة تصرّح بجواز الصلاة فيه.
3- أي يقطع بصدور بعضها إجمالا.
4- صرّح الحلي في سرائره (1: 261) بعدم الجواز فيه، و كذا العلامة قدّس سرّه في المنتهى و التحرير و اختار في المختلف و التذكرة و نهاية الأحكام الجواز و في قواعده جوّز الصلاة في الخز الخالص مقتصرا عليه، و في مفتاح الكرامة: أنه قد يفهم من تقييده بالخلوص مع عدم التنصيص على الجلد عدم جواز الصلاة فيه لأن الخالص إنما يتصف به الوبر دون الجلد- كما في جامع المقاصد- فتأمل، (مفتاح الكرامة 2: 132).
5- رواها بطولها في الوسائل عن الشيخين رابع حديث من أحاديث الباب الثامن من أبواب لباس المصلي، و سند الرواية ضعيف لاشتماله على محمّد بن سليمان الديلمي الضعيف و عبد اللّه بن إسحاق العلوي و فريت- كما عن أكثر النسخ، أو قريب كما عن بعض النسخ و هو الموجود في الوسائل- المجهولين.
6- الموجود في الكافي و التهذيب و الوسائل (و جعل ذكاته موته).

ص: 49

لحمه و قدّم عليه معارضه (1)، لكنّه حيث ورد تعليلا لما في صدر الرواية من حكمه عليه السّلام بجواز الصلاة فيه (2) و دفعا لشبهة السائل في تذكيته، فلا جرم تكون دلالة قوله (أحلّه) على حلّيته من جهة الصلاة فيه بالنصوصية (3)، و على جواز أكله من جهة ظهور إطلاقه في الحلّية المطلقة، و يكون الدليل على حرمة أكله تقييدا لذلك الإطلاق لا معارضا لنصّه (4) كي يكون العمل بذلك الدليل من الإعراض الموجب للخروج عن الحجية (5)، و يكون


1- كصحيحة زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت إن أصحابنا يصطادون الخز فآكل من لحمه؟ قال فقال عليه السّلام: «إن كان له ناب فلا تأكله- الحديث» و مقتضاها اختصاص الحرمة بما كان منه ذا ناب أي سبعا، و يؤيدها رواية ابن أبي يعفور الأخرى، و في رواية حمران بن أعين: هو سبع يرعى في البر و يأوي الماء، و بضميمة ما دلّ على حرمة أكل السباع تفيد حرمة أكله، لكنها ضعيفة السند، و الروايات الثلاث تجدها في الباب التاسع و الثلاثين من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل، هذا و في رواية العلل- لمحمّد بن علي بن إبراهيم- الآتية أنه من المسوخ، و بضميمة ما دلّ على حرمة أكل المسوخ تفيد حرمته، لكنها أيضا ضعيفة.
2- إذ قال عليه السّلام في جواب قول الرجل الخزاز: جعلت فداك، ما تقول في الصلاة في الخز؟ (لا بأس بالصلاة فيه).
3- لأنّ التعليل إذا كان أعم من مورده فهو نصّ فيه و ظاهر في غيره.
4- إذ لا نصوصية له بالنسبة إلى حلية أكله و إنما هو ظهور إطلاقي.
5- يعني لو فرض نصوصيته في حلية الأكل و معارضة دليل الحرمة له كان تسالم الأصحاب على حرمة أكله إعراضا عنه موجبا لسقوطه عن الحجية. أقول: يشكل الجزم بكون عملهم بدليل الحرمة- على الفرض المذكور- إعراضا منهم عن رواية الحلية، فإن من المحتمل أنّ طرحهم للرواية و أخذهم بدليل الحرمة كان من باب ترجيح إحدى الروايتين المتعارضتين على الأخرى ببعض المرجحات.

ص: 50

التعرض (1) في الجواب لكلّ من حلّيته و تذكيته (2) بموته خارج الماء بيانا لجواز الصلاة فيما تحلّه الحياة من أجزائه أيضا (3) من كلتا


1- يمكن جعل هذا تقريبا آخر لدلالة الرواية على المقصود في قبال ما سبق، و تصبح الدلالة بموجبه أقوى من سابقه، فإنّ مقتضى التقريب السابق دلالتها على جواز الصلاة في جلد الخز بالإطلاق لشمول إطلاقها لما تحلّه الحياة منه كالجلد و ما لا تحلّه كالوبر، و لا بدّ من الأخذ به بعد انتفاء المقيد، و مقتضى هذا التقريب دلالتها على الجواز في خصوص ما تحلّه الحياة، فلا حظ.
2- و ذلك في قوله عليه السّلام السالف نقله (فإن اللّه قد أحلّه و جعل ذكاته موته)، و المراد موته خارج الماء بقرينة الفقرات المتقدمة عليها، فراجعها، و قوله عليه السّلام بعد ذلك (كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها) بضميمة وضوح اعتبار الموت خارج الماء في تذكية الحيتان و وضوح دلالة صحيحة ابن الحجاج الآتية على ذلك، فلا حظ.
3- يعني كما أنّه بيان لجواز الصلاة فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه من جهة واحدة- و هي الحلية من حيث الصلاة- كذلك بيان لجواز الصلاة فيما تحلّه منها من جهتين- الحلية و التذكية-، فيفيد جواز الصلاة في جلده و هو المطلوب.

ص: 51

الجهتين، و دفعا لشبهة السائل (1) من الجهة الثانية، و لو كان جواز الصلاة فيه مخصوصا بوبره لم يكن للحكم بتذكيته أثر من هذه الجهة (2)- كما لا يخفى.

و يدلّ أيضا- على اتّحاد حكم الجلد و الوبر في جواز الصلاة في كلّ منهما- صحيح سعد بن سعد (3) قال: سألت الرضا عليه السّلام عن جلود الخزّ، قال: هو ذا نحن نلبس» فقلت: ذاك الوبر- جعلت فداك- فقال: «إذا حلّ وبره حلّ جلده».

أمّا فقه الحديث: فلا يخفى أنّ ما نقله في الجواهر (4) عن


1- إذ كان يتوهم أن الخز ميتة لأنه دابة تخرج من الماء بنفسها أو بالصيد فإذا فقد الماء مات، و أنه من ذوات الأربع و ليس من قبيل الحيتان ليكون تذكيته بموته خارج الماء.
2- أي من جهة الصلاة في وبره، إذ لا مانع من الصلاة في وبر الميتة- بما هو وبر الميتة- و نحوه ممّا لا تحلّه الحياة منها- كما هو واضح.
3- هو رابع عشر أحاديث الباب العاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل.
4- قال قدّس سرّه فيه (8: 88): (قيل «هو ذا» في كلامه عليه السّلام- بفتح الهاء و سكون الواو- كلمة مفردة تستعمل للتأكيد و التحقيق و الاستمرار و التتابع و الاتصال، مرادفة (همي) في لغة الفرس المستعملة في أشعار بلغائهم كثيرا، لا أن المراد منها الضمير و اسم الإشارة- كما يشهد له التأمل من وجوه-، فيكون إخباره باستمرار لبسه و اتصاله كالصريح في شموله لحال الصلاة)، انتهى موضع الحاجة. و عليه فمراده عليه السّلام الأخبار بأنهم عليهم السّلام يلبسون الجلد مستمرا فيشمل حال الصلاة لا محالة، لكن السائل تخيّل أنّ ما يلبسونه هو الوبر فقال: ذاك الوبر، فأجابه عليه السّلام على هذا الفرض و التخيّل بقوله عليه السّلام: إذا حلّ. الحديث.

ص: 52

بعض مشعرا بتمريضه- من البعد بمكان لا ينبغي احتماله (1)، و الظاهر أنه عليه السّلام كان عند تشرّف سعد بسؤاله عنه لابسا ثوبا من وبر الخزّ و بعد ما سأله سعد من حكم الجلود أجابه أولا بالإشارة إلى ما كان لابسا له و إخباره بأنهم يلبسونه، و هذا (2) هو معنى قوله عليه السّلام (هو ذا نحن نلبس)، لا ما نقله في الجواهر عن ذلك البعض، لكن لمّا خفي (3) على الراوي أنه أراد أن يبيّن اتحاد حكم الجلد و الوبر بذلك أظهر ذلك بقوله (ذاك الوبر جعلت فداك) مريدا بذلك أن اشتباهه في حكم الجلد لم يرتفع بمشاهدة لبسه عليه السّلام للوبر، فأجابه ثانيا بالتلازم بين حلّية الجلد و الوبر. و لا يخفى أن منشأ احتمال


1- بل لم أعثر فيما راجعته من كتب اللغة على كلمة بالضبط المذكور فضلا عن تفسيرها بما ذكر.
2- يعني الإشارة إلى لباسه عليه السّلام و الإخبار بأنهم عليهم السّلام يلبسونه هو معنى هذه العبارة، فالكلمة مركّبة من الضمير و اسم الإشارة، لا كما حكاه في الجواهر عن البعض.
3- بعبارة اخرى: إنه عليه السّلام أراد أن يبيّن بجوابه الأول أنّ حكم الوبر و الجلد واحد فإذا جاز لبس الوبر- و لذا لم نزل نلبسه كما تشاهده- كذلك الجلد من غير فرق، لكن خفي هذا على الراوي كما يفصح عنه قوله: ذاك الوبر، يعني أن ما تلبسونه هو الوبر و إنما أسأل عن الجلد، فأجابه عليه السّلام ثانيا بالتلازم بين حكميهما معبّرا عنه بالجملة الشرطية.

ص: 53

التفكيك بينهما إمّا أن يكون اعتبار التذكية في الجلد (1) و جهل الراوي بحصولها بموته خارج الماء- كما في الرواية السابقة-، أو يكون هو احتمال اختصاص الرخصة في الخزّ بوبره و عدم شمولها لجلده، و هذا هو المتعيّن في هذه الرواية، إذ لا تنطبق الشرطيّة في الجواب إلّا على ذلك، كيف و مع الغضّ (2) عن أنّ حصول تذكيته بموته خارج الماء ليس مدلولا عرفيا لحلّ جلده (3)، فليس بينه و بين حلّية الوبر (4) علاقة مصحّحة لتعليقه عليها، و مجرّد


1- و عليه تسقط الصحيحة عن صلاحية الاستدلال، إذ لا يستفاد من جوابه عليه السّلام حلية الجلد من حيث نفسه حذو حلّية الوبر، بل حليّته من حيث التذكية و أن الخز بموته خارج الماء تحصل تذكيته فلا مانع من جلده من هذه الناحية.
2- تعليل لعدم انطباق الشرطية على الاحتمال الأول و هو كون احتمال التفكيك بين الجلد و الوبر ناشئا من اعتبار التذكية في الجلد دون الوبر و جهل الراوي بكيفيتها، و ذكر قدّس سرّه في تعليله وجهين هذا أوّلهما.
3- إذ لا دلالة لقولنا (يحلّ جلد الخز) إلّا على حليته في نفسه و بما هو جلده، و لا دلالة له على أنّ كلّ جلد الخز قد وقع عليه التذكية بموته خارج الماء و أنه لا مانع منه من هذه الناحية.
4- هذا ثاني الوجهين، و محصّله أنه لو سلّمت الدلالة العرفية للتالي على ذلك لم تكف في صدق الشرطية، إذ لا علاقة مصحّحة للتعليق و التلازم- المعتبر في الشرطية اللزومية-، فإن الاتفاقية- التي لا علاقة بين طرفيها بل مجرد اتفاق حصول التالي عند حصول المقدم- و إن عدّت في كتب المنطق قسيمة للزومية، لكن بما أن القواعد المنطقية قواعد عقلية بحتة مبتنية على التصويرات العقلية و لا يبحث فيها عن الظهورات العرفية فعدّ الاتفاقية فيها قسما من الشرطية لا يقتضي كونها متساوية الأقدام مع اللزومية في مرحلة الظهور الكلامي ليمتنع حمل الكلام على أيّ منهما ما لم تقم عليه قرينة معيّنة حذو الألفاظ المشتركة، بل المتعيّن حمله على اللزومية ما لم تقم قرينة على الخلاف. و بالجملة: لا ظهور للكلام في مطلق التقارن بين الطرفين بل في التقارن على وجه التلازم، لوضوح دلالته عرفا على تعليق التالي على المقدم و الملازمة بينهما لعلاقة موجبة لها من علّية أو تضايف، بل في أجود التقريرات (1: 416) عنه قدّس سرّه: أن استعمال الشرطية في موارد الاتفاق غير صحيح في نفسه و لا بدّ في صحة الاستعمال في تلك الموارد من رعاية علاقة و إعمال عناية، ضرورة أنه لا يصح تعليق كل شي ء على كل شي ء، انتهى. و في المقام لا علاقة بين حلية الوبر و حلية الجلد- على الاحتمال الأول المبحوث عنه- حتى و لو فرض تحقق تذكية الجلد خارجا و دلالة التالي عليه، إذ لا ملازمة بين الحكمين مع وجود الفارق بين موضوعيهما من حيث اعتبار التذكية في حلية الجلد بخلاف الوبر، و من الواضح أن اعتبارها فيه لا يرتفع بمجرد فرض تحققها الخارجي، فإنّ الحكم المشروط لا ينقلب مطلقا بتحقق شرطه- كما هو مقرّر في الأصول-، هذا. و هذه المناقشة غير واردة على الاحتمال الثاني الذي جعله قدّس سرّه هو المتعين في الرواية، إذ عليه تصح الشرطية لزومية لعدم استناد شبهة التفكيك إلى اعتبار التذكية في الجلد ليرد ما ذكر، بل إلى تخيّل اختصاص الرخصة المستثناة في الخز بوبره دون جلده فأجاب عليه السّلام بأنه إذا ثبتت الرخصة في الوبر ثبتت في الجلد أيضا، مريدا به أن المستثنى من عموم المنع هو الخز برمّته و بجميع أجزائه و هو السبب في حلية وبره و هذا السبب موجود بالنسبة إلى جلده أيضا، و بعبارة أخرى: معنى الشرطية أنه إذا حلّ وبره فبعلّة حلّه برمّته و مقتضى هذه العلّة حلّ جلده أيضا، و بذلك يتم التلازم بين الحلّيتين.

ص: 54

ص: 55

التقارن الاتفاقي بين المقدّم و التالي و إن عدّة المنطقيون قسما من الشرطيّة، لكن الابتناء ما في كلماتهم من أمثال ذلك على الجواز أو الامتناع العقلي دون الظهورات العرفيّة فلا عبرة بما كان منها من هذا القبيل.

و كيف كان، فعبارة السؤال (1) و إن لم تتضمن التصريح بكون المسؤول عنه هو الصلاة فيه، بل كان صدر الجواب نصّا في جواز


1- لمّا كانت تمامية دلالة الصحيحة على المطلوب متوقفة على أمرين: أحدهما كون شبهة السائل في التفكيك بين الجلد و الوبر مستندة إلى احتمال اختصاص الرخصة بالثاني، و قد فرغ قدّس سرّه من إثباته، تعرّض هنا للثاني: و هو كون المسؤول عنه هو خصوص الصلاة في الجلد دون مطلق لبسه، إذ لو كان هو مطلق اللبس لعارضت الصحيحة أدلة مانعية الصلاة في غير المأكول معارضة العامين من وجه بالنسبة إلى المقام- و هو الصلاة في جلد الخز- و بطل الاستدلال. و منه يظهر النظر فيما ذكره في الحدائق (7: 62) و غيره لتقريب الدلالة من أن ظاهر تعليق حلّ الجلد على حلّ الوبر الشامل بإطلاقه للصلاة هو حلّ الصلاة في الجلد أيضا، فإن الدلالة لو كانت بالإطلاق لكانت مبتلاة بالمعارض- كما ذكرنا.

ص: 56

لبسه و موهما أنه هو المسؤول عنه أو يعمّه عمومه (1)، لكن لمّا كان المعلّق على الحلّ في الوبر هو خصوص الصلاة فيه (2) دون لبسه فصدق مقدّم الشرطية ينحصر بها، و يكشف ذلك (3) عن كونها هي المقصودة (4) بالسؤال، و معهوديّة ذلك أغنت عن التصريح بها، و يكون قوله عليه السّلام: (نحن نلبس) أيضا جوابا عنه بما يستتبعه اللبس عادة من الصلاة فيه لا من حيث نفسه، و يندفع (5) توهّم كون النسبة بين هذه الصحيحة و أدلّة المانعية هي العموم من وجه بذلك. على أنه لو سلّم ذلك بدعوى شمول مقدّم الشرطية للبسه أيضا بضرب


1- أي يعمّ عمومه اللبس المجرد و الصلاة، و غرضه قدّس سرّه بيان أنه لا يستفاد من السؤال و لا من الجواب الأول كون المسؤول عنه هو الصلاة، و إنما يستفاد ذلك من الشرطية في الجواب الأخير- كما ستلاحظ.
2- فإنّه حلية لبس الوبر- تكليفا- في غير حال الصلاة لا تستلزم حلية لبس الجلد كذلك فلا علقة بينهما مصحّحة للتعليق و إنما هي متحقّقة بين حلية الصلاة فيه و الصلاة فيه- وضعا-، لما تقدم آنفا من أنّ الخز برمّته قد استثني من عموم المنع من الصلاة فيما يحرم أكله فجازت الصلاة في كل من وبره و جلده، و كونهما لازمين لجوازها فيه نفسه تحقّقت الملازمة بينهما و صحّ التعليق.
3- الغرض من هذه العبارة و ما بعدها بيان قرينية التعليق المذكور على المراد من السؤال و الجواب الأول- كما لا يكاد يخفى.
4- الموجود في الطبعة الاولى (المقصود) و الصحيح ما أثبتناه.
5- إذ النسبة- على هذا- هي العموم المطلق.

ص: 57

من التوسّع في حلّ الوبر فمقتضى كونه متيقّن الشمول للصلاة فيه (1) هو امتناع أن يتخصّص بأدلة المانعية فيكون كالأخصّ المطلق منها و يخصّصها- لا محالة.

و منه يظهر الوجه في صحة التمسّك بصحيح ابن الحجّاج (2) أيضا قال: سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل- و أنا عنده- عن جلود الخزّ فقال: «ليس بها بأس»، فإن الظاهر (3) أن صدور الرخصة عنهم


1- لأنه المحقّق للعلقة المصححة للشرطية- حسبما تقدم-، فأصبح هو المقصود بالبيان أصالة و المتيقّن من الإطلاق- إن تمّ-، و غيره- أعني حلية اللبس تكليفا في غير الصلاة- مقصود تبعا بتوسع في معنى الحلّ، و مقتضى ذلك امتناع خروج هذا المورد المتيقن من الإطلاق بأدلة المانعية، فيتعيّن العكس و هو خروجه من أدلة المانعية بهذا الدليل إلحاقا لهذا الدليل- و إن كان مطلقا- بالأخص المطلق بالنسبة إلى عموم المانعية، و قد ذكر في الأصول أنه إذا لزم من إخراج مورد المعارضة عن أحد العامين من وجه بقاؤه بلا مورد أو اختصاصه بما يمتنع أو يستهجن اختصاصه به دون الآخر تعيّن إبقاؤه على عمومه و تخصيص الآخر.
2- هو أول أحاديث الباب العاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل، و قد رواه الكليني و الصدوق رحمهما اللّه في العلل عن عبد الرحمن بسندين صحيحين، و تمامه: (فقال الرجل:- جعلت فداك- إنّها علاجي و إنما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال: ليس به بأس).
3- حاول قدّس سرّه بهذا البيان تقريب دعوى انصراف إطلاق السؤال في هذه الصحيحة إلى خصوص حال الصلاة، إذ لو لم تتم لعارضها عموم أدلة المانعية- معارضة العامين من وجه- فلم تصلح للاستدلال، لا سيّما بناء على تقديم العموم الوضعي على الإطلاق إذا تعارضا، فإن مقتضاه الأخذ بعموم دليل المانعية- موثقة ابن بكير- و تقييد إطلاق الصحيحة بغير حال الصلاة.

ص: 58

- صلوات اللّه عليهم- في الصلاة في وبر الخزّ و الحثّ عليها (1) أوجب السؤال عن حكم الجلد بعد المفروغية عن جواز لبسه (2) كسائر


1- كما في صحيحة علي بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السّلام يصلّي الفريضة و غيرها في جبة خزّ طاروي و كساني جبة خزّ و ذكر أنه لبسها على بدنه و صلّى فيها و أمرني بالصلاة فيها. (الوسائل الباب 8 من أبواب لباس المصلي الحديث 2).
2- تكليفا، و لو لا المفروغية عنه لتمّ الإطلاق، هذا لكن إثبات ذلك من الصعوبة بمكان، و على كل تقدير فمن المحتمل قويا كون السؤال ناشئا عن تخيّل كون الخزّ ميتة نجسة أو كونه من الكلاب النجسة العين- كما يشعر به قوله: و إنما هي كلاب تخرج من الماء- و عليه فمراده عليه السّلام بنفي البأس تذكية جلده و طهارته لا سيما مع تكراره عليه السّلام الجواب نفسه بعد قوله: إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء، و قول الرجل: لا، الظاهر في كفاية موته خارج الماء في تذكيته، و هو ما صرّح به في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة، و هذه القرائن لو لم توجب ظهور الكلام في نفي البأس من حيث التذكية خاصة فلا أقل من إطلاقها الشامل للجهتين التذكية و الحلية لبسا و صلاة أو صلاة فقط بدعوى المفروغية عن حلية اللبس. هذا، و ممّا يدلّ بإطلاقه على جواز الصلاة في جلد الخزّ رواية معمّر ابن خلّاد- الموثقة بمعاوية بن حكيم- قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن الصلاة في الخزّ، فقال عليه السّلام «صلّ فيه» (الوسائل الباب 8 من لباس المصلي- الحديث 5).

ص: 59

الجلود ما عدا نجس العين.

و أمّا ما عن الحميري (1) أنه كتب إلى الناحية المقدّسة- صلوات اللّه عليها-: روي عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب، فوقّع عليه السّلام (يجوز)، و روي عنه أيضا أنه (لا يجوز) فأيّ الأمرين نعمل به؟ فأجاب «إنّما حرم في هذه الأوبار و الجلود، فأما الأوبار وحدها فكلّها حلال» و في نسخة «فحلال كلّها». و ما في كتاب العلل (2) لمحمّد بن علي بن


1- رواه صاحب الوسائل عن الطبرسي رحمه اللّه في الاحتجاج مرسلا عن محمّد بن عبد اللّه الحميري، (الوسائل الباب 10 من لباس المصلي- الحديث 15).
2- نقله المجلسي رحمه اللّه في البحار (83: 235) عن الكتاب المذكور من دون إسناده إلى معصوم ممّا ظاهره أنه مقالة مصنف الكتاب نفسه الذي هو أيضا غير معروف. فقد ذكر في البحار أولا أنه ابن علي بن إبراهيم القمي (1: 8) ثم عدل عنه و استظهر كونه ابن علي بن إبراهيم بن محمّد الهمداني وكيل الناحية (1: 28)، و ذكر صاحب الذريعة رحمه اللّه أن هذا هو المتعين و أنه لم يثبت لعلي بن إبراهيم القمي ولد يسمى محمّدا و إنما المذكور من أولاده إبراهيم و أحمد (الذريعة 15: 312).أقول: و لو ثبت له ولد بهذا الاسم لم يكف في صحة انتساب الكتاب إليه، و يبعّد كونه الهمداني أيضا أنه ترجم له النجاشي (رقم 928) و ذكر أن له نوادر كبيرة و لم ينسب إليه كتاب العلل، إذن فلم يعرف مصنف الكتاب، و اللّه العالم.

ص: 60

إبراهيم قال «و العلّة في أن لا يصلّى في الخزّ أنه من كلاب الماء و هي مسوخ إلّا أن يصفّى و ينقّى»، فقد أشكل في الأول باضطراب متنه (1)، و في الثاني بعدم اجتماع شرائط الحجية فيه (2)، مضافا إلى أنه لم يسند إلى معصوم، و كلاهما كذلك، و لا يصلحان لمعارضة ما تقدّم. و لا ينبغي الإشكال في جوازها في جلد الخزّ أيضا كوبره، بمعنى ثبوت الحلّ من حيث الصلاة فيه دون أكل لحمه- نحو ما مرّ في السنجاب (3).

و إنما الإشكال في تعيّن هويّته، فإن الذي يظهر من الأخبار


1- فإنه إن كان المشار إليه بقوله (في هذه الأوبار و الجلود) هو ما وقع في السؤال من الخزّ المغشوش بوبر الأرانب- في قبال الخالص الذي لا غشّ فيه المعبّر عنه بالأوبار وحدها- فلا وجه لعطف الجلود على الأوبار، إذ الجلد لا يغش بالوبر، و إن كان المراد الأوبار المنضمّة إلى الجلود و المتصلة بها في قبال الأوبار المغزولة وحدها فالتعبير لا يخلو عن غرابة، إذ- مضافا إلى عدم الحاجة إلى لفظة الإشارة- لم يعهد إطلاق لفظ الوبر إلّا على المنفصل المغزول دون التابع الملتصق بالجلد على هيئته الأصلية، فلو كان المقصود بيان الفرق بين حكم الجلد و الوبر فالمناسب أن يقال: (إنما حرم في الجلود دون الأوبار).
2- لإرساله، مضافا إلى جهالة مرسله- كما مرت الإشارة إليه-، أضف إلى ذلك عدم إسناده إلى المعصوم- كما في المتن.
3- المراد به ما مرّ فرضا لا اختيارا، إذ يأتي منه قدّس سرّه الإشكال في جواز الصلاة فيه، فالمقصود تشبيه الخز به على القول بالجواز فيه، لثبوت الحلّ فيه حينئذ من حيث الصلاة دون أكل اللحم.

ص: 61

و غيرها أنّه كان ذا وبر نفيس يعمل منه الثياب الثمينة (1) بألوان مختلفة و يصنع منه حتى العمامة و القميص و القلنسوة (2)، و كان يغشّ بوبر الأرانب لقربه منه في الخلقة، و يظهر من التواريخ أنّه كان في صدر الإسلام إلى أواسط عصر العباسيين متداولا (3)


1- يستفاد ذلك من أخبار الباب العاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل الدالة على أنّه كان يشترى المطرف أو الكساء بخمسين دينارا و الجبّة به أو بخمسمائة درهم.
2- مضافا إلى الجبّة و المطرف و الطيلسان و الكساء و البرنس، و يستفاد ذلك من أخبار البابين الثامن و العاشر من أبواب لباس المصلي من الوسائل، و في صحيحة زرارة: إنّ ابنا لأبي عبد اللّه عليه السّلام فطيما درج فمات، فخرج أبو جعفر عليه السّلام و عليه جبة خزّ صفراء و عمامة خزّ صفراء و مطرف خزّ أصفر- الحديث- (الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1)، و في موثّقته قال: ثقل ابن لجعفر عليه السّلام و أبو جعفر عليه السّلام جالس. إلى أن قال:و لبس- أي أبو جعفر عليه السّلام- جبة خز و مطرف خز و عمامة خز- الحديث- (الوسائل الباب 85 من أبواب الدفن- الحديث 6)، و في مرسلة الحسين بن يزيد عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن علي بن الحسين عليه السّلام استقبله مولى له في ليلة باردة و عليه جبة خز و مطرف خز و عمامة خز- الحديث- (الوسائل الباب 23 من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1)، و في حديث دعبل: أن الرضا عليه السّلام خلع عليه قميصا من خزّ و قال له: احتفظ بهذا القميص فقد صلّيت فيه ألف ليلة ألف ركعة و ختمت فيه القرآن ألف ختمة (الوسائل الباب 30 من أبواب أعداد الفرائض- الحديث 7)، هذا و في جملة من الروايات أنّه أصيب الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء و عليه جبة خز.
3- في مجمع البحرين: قيل و قد كانت في أول الإسلام إلى وسطه كثيرة جدا.

ص: 62

كالطرمة (1) في هذه الأعصار، و الظاهر أنّه لا عين و لا أثر لتلك الأثواب و لا لذلك الحيوان في الأعصار المتأخرة أصلا، بل يظهر من العبارة المحكية عن الشهيد أنّه كان في تلك الأزمنة (2) أيضا من النادر أو المعدوم.

و أمّا ما يسمّى بهذا الاسم في عصرنا فلا يخفى أن وبره قليل جدا، و الظاهر أنّه بمعزل عن تلك المكانة و اللياقة، فهو إما صنف ممّا كان يسمّى بهذا الاسم (3) أو نوع آخر (4) سمّي- بعد انقراض ذلك الحيوان- باسمه.

و قد يوجّه الاحتمال الأول بأصالة عدم النقل (5)، فإن رجع


1- معرّب (ترمه) كلمة فارسية يوصف بها بعض الأقمشة الناعمة الثمينة و بعض أوراق القراطيس الصقيلة الشفافة، و تتخذ من نوع من الوبر الناعم النفيس.
2- أي في زمان الشهيد قدّس سرّه، و لعل المراد بالعبارة المحكية عنه ما حكي عن حاشيته على القواعد من قوله: سمعت بعض مدمني السفر يقول إنّ الخز هو القندس، قال: و هو قسمان ذو ألية و ذو ذنب- إلخ- (الجواهر 8: 92)، حيث يستشعر منها عزّة وجود الحيوان و ندرته.
3- فيكون المسمّى بالخز نوعا واحدا ذا صنفين: أحدهما ما هو موجود في عصرنا من القليل الوبر، و الثاني ما كان موجودا في زمان صدور الروايات من الكثير الوبر و النفيسة، و عليه فإطلاق اللفظ على الموجود في عصرنا استعمال له في معناه الأصلي من غير نقل.
4- و عليه فيكون لفظ الخز من قسم المنقول.
5- اختاره في الجواهر (8: 91) و نسبه إلى جزم أستاذه في كشف الغطاء،و الموجود في الكشف قوله: و الظاهر أن المدار على ما يتداول عليه إطلاق الاسم بين التجار. و خالف في ذلك المجلسي رحمه اللّه، قال في البحار (83: 220): و كون أصل عدم النقل في مثل ذلك حجة في محل المنع.

ص: 63

إلى التشبّث بالأصل العملي المصطلح عليه بالاستصحاب القهقرى (1) ففساد دعوى حجّيته من أصلها، و كونه في المقام من أظهر أنواع المثبت (2) ظاهر، و كذا لو رجع إلى التشبث بها بما هي من الأصول اللفظية أيضا، لأنّ ما يحرز بهذا الأصل (3) إنما هو عدم


1- بأن يقال: إن مقتضى الاستصحاب المذكور أن المعنى المتيقن الفعلي للفظ يجرّ الى الزمان السابق المشكوك فيه و يبنى على أنّه كان هو معناه بعينه في ذلك الزمان فلا نقل.
2- فإنّه لو فرض قيام الدليل على حجيته أصلا عمليا فإجراؤه لإحراز المعنى السابق و ترتيب الحكم الثابت لذلك المعنى على المعنى الفعلي من أظهر أنحاء الأصول المثبتة، لتوقفه على توسط اتحاد المعنيين و كون الموضوع الفعلي للحكم هو الموضوع السابق و هذا لازم عقلي للمستصحب- كما هو ظاهر.
3- تعليل لعدم حجية الأصل اللفظي المذكور، و توضيحه أن مورد جريان أصالة عدم النقل اللفظية ينحصر فيما إذا علم المعنى الأصلي للفظ و شك في معناه الفعلي ناشئا من احتمال أن يكون قد طرأ عليه معنى غير معناه الأصلي فيكون منقولا منه إليه بوضع جديد، فيبني بمقتضى هذا الأصل العقلائي على عدم طرو النقل و بقاء المعنى الأوّل و بموجبه يحمل اللفظ في استعمالاته عليه، و لا يكاد يجري فيما إذا علم المعنى الفعلي للفظ بعينه و تردّد أمره بين كونه هو المعنى الأصلي له أو أنّه غيره و قد نقل منه إليه بوضع آخر، أو تردّد أمره بين كونه أحد المعنيين الأصليين و اللفظ مشترك بينهما اشتراكا لفظيا أو كونه مندرجا تحت المعنى الأصلي الجامع على نحو الاشتراك المعنوي و بين كونه مباينا للمعنى الأصلي منقولا إليه بوضع جديد، لعدم ثبوت بناء العقلاء على عدم النقل في هذه الموارد.

ص: 64

طروّ معنى آخر للفظ غير ما علم وضعه له (1)، لا أنّ ما علم أنّه معنى اللفظ غير منقول عمّا علم أنّه أيضا كان معناه و هو مشترك بينهما بالاشتراك المعنوي أو اللفظي (2)، و هل هو إلّا نظير ما ينسب إلى المرتضى قدّس سرّه من التمسك بأصالة الحقيقة في كلّ ما علم استعمال اللفظ فيه (3).

نعم يستبعد جدا (4) أن يسمّى نوع من الحيوان باسم نوع آخر بعد انقراضه، فأحدس من ذلك صحة ما حكاه الشهيد في محكيّ


1- كلمة (له) غير موجودة في الطبعة الاولى وضعناها لاقتضاء السياق.
2- كما هو المدعى في المقام، حيث يراد إحراز أن الموجود في هذا العصر صنف مما كان يسمى بالخز أو أحد معنييه بأصالة عدم النقل.
3- و قد ذكر في محله أنّه لم يثبت بناء العقلاء- فيما إذا علم المعنى المستعمل فيه و شك في المعنى الحقيقي- على الأصل المذكور لتشخيص الوضع و أن المستعمل فيه هو المعنى الحقيقي، و إنما الثابت جريانه لتشخيص المراد فيما علم المعنى الحقيقي و شك فيما استعمله فيه المتكلم و أراده- و لم ينصب قرينة على المجاز.
4- مقصوده قدّس سرّه أن الاحتمال الأول المتقدم و إن لم يثبت بأصالة عدم النقل- كما عرفت وجهه- إلّا أنه في نفسه أقرب إلى الحدس من الثاني، فإنّ باب التسمية مفتوح و أمرها هيّن و لا داعي لأن يسمى نوع من الحيوان باسم نوع آخر مباين له بعد انقراضه و لا يسمى باسم يخصّه.

ص: 65

حواشي القواعد عن بعض مدمني السفر أنه كان نوعين أحدهما ذو ألية و الآخر ذو ذنب (1)، فالنوعان حينئذ كالضأن و المعز بالنسبة إلى عنوان الغنم- مثلا- أو الشاة، و النوع الأول هو المنقرض و هو الذي كان ذا وبر فاخر تعمل منه تلك الثياب، و الآخر هو الباقي و المتداول في هذه الأعصار، و يرتفع توهّم التنافي بين الروايات أيضا بذلك، ففي بعضها: إنه لا يعيش خارج الماء و إذا فقده مات، و في بعضها: إنّه سبع يرعى في البرّ و يأوي في الماء (2)، و في الجواهر: (3) إن المعروف بين التجّار أن المسمّى بالخز الآن دابة تعيش في البرّ و لا تموت بخروجها من (4) الماء (5). لكن حيث لم يثبت ذلك بحجّة


1- لكن فيه بعد ما ذكر- على ما في الجواهر (8: 92)- هذه العبارة:(فذو الألية الخزّ و ذو الذنب الكلب)، و ظاهرها اختصاص اسم الخز بذي الألية كاسم الضأن، لا عمومه للنوعين ليكون كاسم الغنم و الشاة.
2- فتحمل الطائفة الأولى على النوع الأول المنقرض، و الثانية على الثاني بقرينة العبارة الآتية من الجواهر، هذا. و في الوافي (5: 410)- و تبعه فيه صاحب الحدائق (7: 67 و 68)- وفّق بين الطائفتين بأن المراد بما دلّ على أنه يموت بخروجه من الماء أنه يموت إذا فارق الماء زمانا طويلا لا بمجرد خروجه منه كالسمك، فلا ينافي ما دلّ على أنه يرعى في البرّ، و نحوه صنع في الجواهر (8: 91).
3- (الجواهر 8: 91)، و أصل العبارة مأخوذة من بحار المجلسي رحمه اللّه (83: 220).
4- الموجود في الطبعة الاولى (بخروجه عن) و الصحيح ما أثبتناه.
5- و هذا هو النوع الثاني الباقي في هذه الأعصار.

ص: 66

معتبرة (1) فجواز الصلاة في جلود الخز المتداولة لا يخلو عن اشكال (2).

و أمّا السنجاب فالظاهر أن المشهور بين القدماء عدم جوازها فيه، لكن المعروف بين المتأخرين هو الجواز (3)، و تقدّم بعض ما يدلّ على ذلك (4)، و تدلّ عليه روايات أخر مستفيضة (5)، لكن قد انضمّ إليه في جميعها ما لم يعمل الأصحاب بالرخصة فيه و حملوها على التقيّة (6).

فروى علي بن راشد (7) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السّلام قال:


1- إذ لا يزيد ذلك كله على مجرد الحدس و الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.
2- لعدم ثبوت كون الموجود في هذه الأعصار قسما من الخز المستثنى من عموم المانعية، و المرجع مع الشك هو العموم المذكور.
3- قال في مفتاح الكرامة (2: 137): و الشهرة المنقولة على الجواز معارضة بمثلها بل نكاد نقطع بأن المنع مشهور بين المتقدمين كما أن الجواز مشهور بين المتأخرين، انتهى موضع الحاجة.
4- أي على الجواز، و المراد به رواية علي بن أبي حمزة المروية في الباب 3 من أبواب لباس المصلي من الوسائل- الحديث 3، و رواية مقاتل ابن مقاتل المروية في نفس الباب- الحديث 2، و المشتملتان على التعليل بأنه- أي السنجاب- دابة لا تأكل اللحم، و يأتي أن هاتين الروايتين سليمتان عما يرد على غيرهما من روايات السنجاب المرخصة من اشتمالها على ما علم كون الرخصة فيه للتقية.
5- غير الروايتين المشار إليهما آنفا.
6- لذهاب العامة إلى جواز الصلاة في أجزاء غير المأكول مطلقا و أنه لا مانعية من هذه الناحية.
7- كذا في نسخة الكتاب المطبوعة، و الجواهر (8: 97)، و في المنتقى (1: 458) نقل عن المعتبر و المنتهى و الذكرى و الروض أنهم أوردوا الخبر كذلك- أي عن علي بن راشد- و تعجّب هو منه نظرا إلى اتفاق نسخ التهذيب و الاستبصار التي رآها- و منها ما عليه خط الشيخ رحمه اللّه- على إسناد الرواية إلى أبي علي بن راشد المسمى بالحسن، هذا و نظيره اتفاق الطبعات الحديثة من الكافي و التهذيبين و الوسائل على ذلك، و عليه فالصحيح هو ما ذكر و باعتباره توصف الرواية بالصحة، إذ على تقدير كونه علي بن راشد لا يستقيم وصفها بها- كما جاء هنا في المتن و في كلام الشهيدين- لجهالته و عدم ذكره في كتب الرجال. و المراد بأبي جعفر هو الجواد عليه السّلام، و قد أورد في الوسائل صدر الرواية في الباب 3 من أبواب لباس المصلي- الحديث 5، و ذيلها في الباب 7 منها- الحديث 4.

ص: 67

«صلّ في الفنك و السنجاب، فأمّا السّمور فلا تصلّ فيه» قلت: في الثعالب تصلّى فيها؟ قال: «لا و لكن تلبس بعد الصلاة»، و روى الحلبي (1) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الفراء و السّمور و السنجاب و الثعالب و أشباهه، فقال: «لا بأس بالصلاة فيه»، و روى علي بن جعفر (2)- كما عن قرب الإسناد- عن أخيه موسى عليه السّلام


1- و هي أيضا صحيحة كسابقتها، و الظاهر أن العباس في السند هو ابن معروف- الثقة-، و يحتمل- كما يظهر بالمراجعة- أن يكون هو الورّاق و هو أيضا موثّق، و الرواية أوردها في الوسائل في الباب 4 من الأبواب المذكورة- الحديث 2.
2- رواه الحميري في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده علي ابن جعفر، راجع الباب المتقدم من الوسائل- الحديث 6، و نص الحديث (قال: سألته عن لبس السمور و السنجاب و الفنك فقال: لا يلبس و لا يصلى فيه إلّا أن يكون ذكيا)، و في السند عبد اللّه بن الحسن الذي لم تثبت وثاقته، لكنّه رواه علي بن جعفر عليه السّلام في كتاب مسائله عاطفا القاقم على المذكورات (كما في المستدرك الباب 3 من لباس المصلي- الحديث 2) و إن كان في نسخة البحار (لا بأس) بدل (لا يلبس) (10: 269)، و عليه فتصبح الرواية معتبرة بناء على اعتبار كتاب علي بن جعفر عليه السّلام المدرج في الوسائل و البحار، و قد يناقش في ذلك بأنه لا يكفي صحة طريق صاحبي البحار و الوسائل إلى الكتاب إجازة و لا يثبت بمجردها صحة النسخة التي وصلت إليهما منه- ما دام لم يكن تحمّل روايتهما له على نحو المناولة كما هو الظاهر فضلا عن السماع أو القراءة-، و الكتاب لم يكن من الكتب المشهورة المعروفة المتداولة بين الناس و التي تتناولها الأيدي نسخا و قراءة و عملا كي يكون اشتهاره كاشتهار الكتب الأربعة و نحوها في استغنائه عن تصحيح النسخة و انتسابها إلى صاحبها، و مجرد اعتماد صاحب الوسائل مثلا على النسخة التي كانت بيده و نقل عنها في وسائله لا يجدي في صحتها عندنا، هذا و للبحث مقام آخر.

ص: 68

الرخصة في السمّور و السنجاب و الفنك إذا كان ذكيّا، و روى الوليد ابن أبان (1) عن الرضا عليه السّلام الرخصة في الفنك و السنجاب، و روى يحيى بن عمران (2) عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام الرخصة في السنجاب


1- قال قلت للرضا عليه السّلام: أصلي في الفنك و السنجاب؟ قال: نعم، فقلت: يصلى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال: لا تصلّ فيها (الوسائل الباب 3- الحديث 7، و الباب 7- الحديث 7) و الوليد هذا مجهول.
2- و الصحيح (بن أبي عمران)- كما في الفقيه و الوسائل، قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام في السنجاب و الفنك و الخز، و قلت: جعلت فداك أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطّه إلي: صلّ فيها (الوسائل الباب 3- الحديث 6)، و في طريق الصدوق إلى يحيى محمّد بن علي ماجيلويه الذي لم يوثّق صريحا، و يحيى نفسه أيضا كذلك.

ص: 69

و الفنك و الخزّ، و روى بشر بن بشّار (1) الرخصة في السنجاب


1- كما في الجواهر (8: 97) أو يسار- كما في الوافي و الحدائق (7: 69)-، أو بشير بن بشار- كما في التهذيب (2: 210) و الوسائل-، أو يسار- كما في الاستبصار (1: 384)-، و أيا كان اسمه فهو مجهول، و الراوي عنه داود الصرمي غير موثق، و متن الحديث: سألته عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمور و الحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أصلي فيه لغير تقية؟ قال فقال: «صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور» (الوسائل الباب 3- الحديث 4)، هذا. و يلحق بما ذكر من الروايات صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود قال: «لا بأس بذلك»- الشاملة للسنجاب بقوله: «و جميع الجلود»-، و صحيحة الريان بن الصلت قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن لبس الفراء و السمور و السنجاب و الحواصل و ما أشبهها. الى أن قال: فقال: «لا بأس بهذا كلّه إلّا بالثعالب» (الوسائل الباب 5- الحديث 1 و 2)، فإنهما و إن لم يصرّح فيهما بالصلاة سؤالا و جوابا إلّا أن الظاهر منهما ذلك بقرينة مفروغية جواز لبس الجميع تكليفا، و يأتي منه قدّس سرّه نظير هذا الاستظهار من رواية مكارم الأخلاق، فانتظر. و الظاهر أن المراد بالفراء في الصحيحتين و في صحيحة الحلبي و رواية بشر المتقدمتين هو حمار الوحش بقرينة عطف السمور و السنجاب و نحوهما عليه، و هو مهموز اللام على وزن فعل و فعال كجبل و سحاب و جمعه فراء كجبال، و منه المثل المعروف (كلّ الصيد في جوف الفرأ)، إذن فهو غير الفراء المعروف جمع فروة المعتلة اللام، فلا تشتبه، و عليه فهو من محلل الأكل و يجوز الصلاة فيه مطلقا.

ص: 70

و الحواصل الخوارزمية و المنع عن الثعالب و السمور.

و هذه الروايات و إن اشتملت الاولى منها و الأخيرة على المنع عن الثعالب و السمور و هو ينافي التقيّة، لكن لمّا كانت الرخصة في جميعها شاملة لما لم يعمل الأصحاب بالرخصة فيه و تبيّن أنها للتقيّة (1) و لم يكن المنع عن الثعالب و السمور في الروايتين منافيا لذلك (2) لكونه من الجمع بين التقية و عدمها كي لا تعرف الشيعة بأعيانهم (3)، فلا يبقى لها ظهور في كونها مسوقة لبيان الحكم النفس


1- فالرخصة في صحيحة ابن راشد شاملة للفنك، و نحوها روايتا الوليد و يحيى، و في صحيحة الحلبي للسمور و الثعالب و أشباهها- كالأرانب مثلا-، و في رواية عليّ بن جعفر للسمور و الفنك، و في رواية بشر للحواصل الخوارزمية، و لم يقل الأصحاب- إلّا من شذ- بالرخصة في هذه الأمور و حملوها على التقية.
2- أي لكون الرخصة في بعضها الآخر للتقية و هي الفنك في الرواية الاولى و الحواصل في الأخيرة، و هذا دفع لما قد يسبق إلى الذهن من المنافاة بين الأمرين.
3- فإنهم إذا اجتمعوا على أمر واحد عرفوا فأخذ برقابهم فكان اختلافهم فيما بينهم خيرا لهم و أبقى- كما دلّت عليه جملة من الأخبار أوردها صاحب الحدائق رحمه اللّه في المقدمة الاولى من مقدمات كتابه (الحدائق 1: 5 إلى 7)، و قد سئل الصادق عليه السّلام في بعضها عن اختلاف أصحابه فأجاب عليه السّلام بأنه أمرهم بهذا.

ص: 71

الأمري بالنسبة إلى السنجاب، كيف و ليست هي (1) إلّا جملة واحدة و ليس لها إلّا ظهور واحد في الجميع، و لا سبيل إلى دعوى كونه هو


1- غرضه قدّس سرّه إبطال دعوى التفكيك بين ما علم كون الرخصة فيه تقية كالسمور و الفنك و بين غيره كالسنجاب ليؤخذ في الثاني بأصالة جهة الصدور و ظهور سوق الكلام لبيان الحكم الواقعي، وجه البطلان أنه إذا كان الصادر جملة واحدة فهي لا تخلو إما أن تكون برمّتها صادرة لبيان الحكم الواقعي بأن لم يكن المقام مقام تقية أو لا تكون كذلك و المقام مقام التقية، و لا ثالث لهما، إذ لا يعقل التبعيض و إن كان في مثل (صلّ في الفنك و السنجاب). فإن قلت: لو فرض أن الحكم الواقعي في السنجاب هو الرخصة و في الفنك هو عدمها و كان المقام مقام التقية فلا محيص عن الفتوى بالرخصة فيهما، أما في الثاني فلكونها مقتضى التقية، و أما في الأول فلعدم منافاتها للتقية، إذن فكون المقام مقام التقية لا يقتضي كون جميع ما اشتملت عليه الجملة الواحدة صادرة تقية و مخالفة للحكم النفس الأمري. قلت: نعم لكن غايته عدم اقتضاء المخالفة و المطلوب إحراز عدمها، و لا سبيل إلى إحرازه إلّا بأصالة الجهة و المفروض أنها انهدم أساسها و تفوّضت أركانها باشتمال الكلام على ما علم كونه تقية، هذا. لكن قد يقال: إنه قدّس سرّه قد التزم في تعارض العامين من وجه بجواز الترجيح بمخالفة العامة و طرح الموافق لهم بالنسبة إلى مورد الاجتماع، لا مطلقا لعدم المعارضة بينهما في مادة افتراقه، و مقتضاه التفكيك في العموم بحسب مدلوله فيؤخذ ببعض مدلوله على أنه الحكم الواقعي و يترك البعض الآخر و يحمل على التقية، و إذا جاز التبعيض بالنسبة إلى مدلول العام جاز في مثل (صلّ في الفنك و السنجاب) بطريق أولى، فتبصّر.

ص: 72

الحكم النفس الأمري بعد اليقين بخلافه (1)، و لا إلى إجراء وجه الصدور مجرى الإطلاق مثلا أو العموم (2) في لزوم الأخذ بالباقي بعد التخصيص، مضافا إلى كونه في المقام من قبيل التخصيص بالأكثر (3)- كما لا يخفى.

و ينحصر (4) ما يسلم عن هذا المحذور (5) بما تقدّم من رواية ابن أبي حمزة و رواية مقاتل، و يمكن الاستدلال له أيضا بما عن مكارم الأخلاق (6) قال: سئل الرضا عليه السّلام عن جلود الثعالب


1- أي بخلاف الحكم النفس الأمري، و ذلك بالنسبة إلى ما علم كون الرخصة فيه للتقية.
2- بأن يقال: كما أن أصالة العموم أو الإطلاق يؤخذ بها بالنسبة إلى الباقي بعد التخصيص، كذلك أصالة الجهة يرجع إليها في غير ما علم خروجه منها. وجه الفساد ما عرفت من أن الأصل المزبور غير قابل للتبعّض و الانحلال، بخلاف الأصول اللفظية، فالقياس مع الفارق.
3- فيما إذا كان ما علم خروجه من أصالة الجهة أكثر مما بقي تحتها- كما في صحيحة الحلبي و رواية علي بن جعفر عليه السّلام-، فلاحظ.
4- لمّا فرغ قدّس سرّه من النقاش في نصوص السنجاب التي انضمّ إليه فيها غيره و أسقطها عن درجة الاعتبار تطرّق قدّس سرّه لمعالجة نصوصه الخاصة السالمة عن تلك المناقشة- مع الغض عن مناقشتها السندية أو البناء على صحتها من هذه الناحية- بإيرادها أولا ثم إيراد ما يعارضها من نصوص المنع ثم العلاج، فانتبه.
5- و هو شمول الرخصة لما علم كونها فيه للتقية.
6- رواه عنه في الوسائل في الباب 4- الحديث 5، و الرواية مرسلة.

ص: 73

و السنجاب و السمّور، فقال: «قد رأيت السنجاب على أبي و نهاني عن الثعالب و السمّور»، بناء على ظهور السؤال و كذلك النهي أيضا في كونه عن الصلاة فيها بعد المفروغيّة عن جواز لبس الجميع.

و كيف كان، فينحصر النص بعدم جوازها فيه- فيما وصل إلينا- بما عن الفقه الرضوي (1) قال: «و لا تجوز الصلاة في سنجاب و لا سمّور»، و قد عدّ عموم الموثّقة أيضا- باعتبار وروده جوابا عن سؤال زرارة عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر- نصّا في الثلاثة، و معارضا للرخصة فيها- بناء على ما هو المتسالم عليه من نصوصيّة العام في مورده و كونه معارضا لما يخصّصه بما عداه (2).


1- أورده في المستدرك في الباب 4 من أبواب لباس المصلي- الحديث 2، لكن الكتاب المذكور و إن تشرّف بالانتساب إليه عليه السّلام لا يصلح للتعويل على ما يتضمّنه، و سيأتي منه قدّس سرّه تفصيل الحال فيه في مقام آخر، هذا. و ما أفاده قدّس سرّه من انحصار النص بعدم الجواز في السنجاب بذلك ناش من غضّ الطرف عن رواية أبي حمزة- و قد تقدمت الإشارة إليها في كلامه قدّس سرّه سابقا- قال: سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين عليهما السّلام عن أكل لحم السنجاب و الفنك و الصلاة فيهما، فقال أبو خالد: إن السنجاب يأوي الأشجار، فقال: «إن كان له سبلة كسبلة السنّور و الفأر فلا يؤكل لحمه و لا تجوز الصلاة فيه- الحديث-» لكن سندها ضعيف، فليراجع الباب 41 من أبواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.
2- يعني معارضا للدليل الذي يخرج منه المورد فيعامل معهما معاملة المتعارضين، لا معاملة العام و مخصّصة، لكن يظهر من بعضهم عدم تسليم هذه القاعدة بالنسبة إلى أمثال المقام و أن الموثقة لا نصوصية لعمومها في الثلاثة، ففي المدارك (3: 171) نقل عن المعتبر تخصيصه عموم الموثّقة بخبر ابن راشد، و لم يرتضه هو بل اختار النصوصيّة و التعارض، و اختار صاحب مفتاح الكرامة- على ما في هامشه- (الصلاة 136) التخصيص، و كذلك صاحب الجواهر (8: 100)، فلاحظ.

ص: 74

و الظاهر أنّ الشهرة القدمائية في المنع عن الصلاة في السنجاب مبنيّة على ذلك (1)، فإنّ الفنك أيضا (2) قد استفاضت الرخصة فيه- كما


1- أي على المبنى المذكور من نصوصية العام في المورد، فيقع التعارض بينه و بين ما دل على الرخصة في خصوص السنجاب كروايتي ابن أبي حمزة و مقاتل، و يرجّح الأول عليه لكونه أقوى سندا أو لتقديم ما خالف العامة على ما وافقهم.
2- بيان لوجه الاستظهار المذكور، محصّله أنه في الفنك لم يرد نصّ خاصّ بالمنع- كما ورد في السنجاب- فانحصر دليل المنع فيه بعموم الموثقة، أما نصوص الرخصة فيه فمستفيضة- كما سمعت- و مع ذلك لم يعملوا بها و بنوا على المنع فيه، و هذا يكشف عن بنائهم على نصوصية عموم الموثقة بالنسبة إلى موارده الثلاثة و معارضته لنصوص الرخصة، إذ لو لا ذلك لخصّصوا العموم بتلك النصوص. فإن قيل: لعل الوجه في ذلك أنّ نصوص الرخصة جميعها قد ذكر فيها ما علم صدوره تقية فسقطت أصالة الجهة فيها بالنسبة إلى الفنك أيضا بالتقريب المتقدم، و أصبح العموم هو المرجع مطلقا و إن لم نقل بنصوصيته في المورد. قلنا: هذا لا يتم فيما انضمّ إليه فيه السنجاب فقط كصحيحة ابن راشد، إذ المفروض أن السنجاب لم يثبت كون الرخصة فيه للتقية، هذا.لكن يبقى في المقام قوة احتمال أنهم- قدّس اللّه أسرارهم- عرفوا بالقرائن كون جميع النصوص المرخّصة الواردة في هذا الباب صادرة تقية و ساقطة حجية، فأخذوا بالعموم لانتفاء المخصص لا لنصوصيته في مورده.

ص: 75

عرفت-، و مع خلوّ النصوص الخاصّة عمّا يعارضها (1) لم يعملوا بتلك الرخصة، لما في ذلك العموم من النصوصية بالنسبة إلى موارده الثلاثة، خصوصا مع عدم اكتفاء الإمام عليه السّلام (2) على ما كان بإملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تفريعه الشرطية في كلا طرفي الجواز و العدم على تلك الكلّية. و لا يخفى أنّ جوازها في السنجاب و إن ذهب إليه أساطين المتأخّرين (3)، و لم يكن


1- قد يقال: إن ما رواه في مستطرفات السرائر (السرائر 3: 583) نقلا من كتاب مسائل الرجال لمحمّد بن علي بن عيسى يدل على عدم جواز الصلاة في الفنك لغير تقية، لقوله عليه السّلام أولا: «لا أحب الصلاة في شي ء منه»- أي من الوبر-، ثم قوله عليه السّلام جوابا عن السؤال عمّا يصنعه حال الضرورة و التقية: «تلبس الفنك و السمور» (الوسائل الباب 4 من لباس المصلي- الحديث 3)، و لا يبعد أن يكون صاحب الكتاب محمّد بن علي بن عيسى القميّ الممدوح أو الموثق، كما قد يحاول إخراج روايات المستطرفات عن الإرسال من جهة اتصال طريق ابن إدريس إلى كتب الشيخ قدّس سرّه- بما فيها الفهرست و غيره- ثم طريق الشيخ إلى تلك الروايات، لكنّ طريقه قدّس سرّه في الفهرست إلى كتاب القمي المذكور ضعيف، على أن السند أيضا لا يخلو عن ضعف، فليراجع.
2- فإنّه عليه السّلام لم يكتف بإراءة زرارة إملاءه صلّى اللّه عليه و آله حتى فرّع عليه بقوله: فإن كان. الحديث، تأكيدا للكليّة المملاة.
3- كالفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و نظائرهم، بل عن المنظومة إرسال الإجماع عليه.

ص: 76

الدليل عليه منحصرا بما تقدّم قصوره عن الدلالة على الرخصة النفس الأمريّة- كما في الفنك (1)- إلّا أنّ عدم عمل القدماء بذلك الدليل (2) يورث فيه وهنا لا ينجبر بعمل المتأخّرين في المقام (3) و نظائره مما


1- ظاهره أنه مثال للمنفي و أن الدليل فيه منحصر بما هو قاصر جهة، نظرا إلى أنه لا دليل على الرخصة فيه وحده- كما هو موجود في السنجاب-، و يمكن مناقشته بما ذكر آنفا من أن صحيحة ابن راشد المتقدمة اقتصرت في الترخيص على السنجاب و الفنك، و لم يثبت كون الترخيص في شي ء منهما للتقية- لا سيّما مع التصريح فيها بالنهي عن الصلاة في السمور و الثعالب-، و عليه فلم ينثلم أصالة الجهة فيها و كان وزانها وزان نصوص السنجاب الخاصة، و نحوها ما رواه في الكافي فإنه بعد إيراده رواية سفيان بن السمط قال: قال و قرأت في كتاب محمّد بن إبراهيم إلى أبي الحسن عليه السّلام يسأله عن الفنك يصلى فيه؟ فكتب: لا بأس به،- الحديث- (الكافي 3: 401، و الوسائل الباب 4 من أبواب لباس المصلي- الحديث 4)، و الظاهر أنّ قائل (و قرأت.) هو علي بن إبراهيم المصدّر به رواية ابن السمط، هذا. لكنّ ما سيذكره قدّس سرّه في السنجاب من إعراض قدماء الأصحاب جار في الفنك بلا ارتياب، بل الإعراض فيه أتمّ و أعمّ.
2- يعني به النصوص الخاصة الواردة في السنجاب غير القاصرة جهة كروايات ابن أبي حمزة و مقاتل و مكارم الأخلاق المتقدمة.
3- الظرف إما متعلق ب (لا ينجبر)، و مقتضاه أنه إذا رجع الوهن إلى جهة الدلالة انجبر بعمل المتأخرين، أو متعلق ب (وهن)، يعني أنّ إعراض القدماء عنه يورث فيه وهنا فيما لا يرجع إلى الدلالة بل إلى السند أو إلى جهة الصدور، و هذا وهن لا ينجبر بعمل المتأخرين. و الثاني هو المتعين، فإنه قدّس سرّه لا يرى انجبار السند بعمل المتأخرين فكيف بالدلالة، هذا و مقتضى هذا الكلام أنه قدّس سرّه يخصّ موهنيّة إعراض القدماء بالسند دون الدلالة، و ظاهر تقريرات درسه قدّس سرّه أنه كان يختاره سابقا ثم رجع عنه (راجع أجود التقريرات 2: 161).

ص: 77

لا يرجع إلى جهة الدلالة، فالإنصاف أن المسألة في غاية الإشكال.

و أمّا سائر ما وردت الرخصة فيه كالأرانب و الثعالب و السمّور و الحواصل الخوارزميّة و غيرها (1) فقد ورد المنع أيضا عن جميعها حتى في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب (2)، و عليه بنى


1- كالفنك و القاقم، و قد سمعت بعض الروايات المرخّصة للفنك و السمور و الثعالب و أشباهه و الحواصل، أضف إليها صحيحة جميل المرخّصة للثعالب (الباب 7 من لباس المصلي من الوسائل- الحديث 9)، و نحوها رواية الحسن بن شهاب (نفس الباب- الحديث 10)، و رواية عبد الرحمن بن الحجاج المرخصة لها و للخوارزمية- على نسخة الاستبصار- أو الجرز- على نسخة التهذيب- (نفس الباب- الحديث 11)، و صحيحة محمّد بن عبد الجبار المرخصة للتكّة من وبر الأرانب (الباب 14- الحديث 4)، و رواية بشير بن بشار المرخصة للخز المغشوش بوبر الأرانب و نحوها رواية داود الصرمي (الباب 9- الحديث 2).
2- فصحيحة سعد بن سعد الأشعري منعت عن السمور (الباب 4- الحديث 1)، و صحيحة ابن راشد المتقدمة منعت عن السمور و الثعالب و نحوها روايات مقاتل و بشر بن بشار و مكارم الأخلاق المتقدمة و التوقيع المروي عن أحمد بن أبي روح الآتية، و صحيحة علي بن مهزيار منعت عن الأرانب (الباب 7- الحديث 3) و نحوها رواية أحمد بن إسحاق الأبهري (نفس الباب- الحديث 5)، و صحيحة محمّد بن مسلم منعت عن الثعالب (الباب 7 الحديث 1) و نحوها رواية الوليد المتقدمة و رواية جعفر بن محمّد بن أبي زيد و مرسلة علي بن مهزيار (نفس الباب- الحديث 6 و 8)، و رواية علي بن جعفر في كتابه منعت عن الثعالب و السنانير (المستدرك الباب 7 من لباس المصلي- الحديث 4)، و مرفوعتا أيوب بن نوح و أحمد بن محمّد منعتا عن الخز المغشوش بوبر الأرانب و ما يشبهها (الباب 9- الحديث 1)، و عن الفقه الرضوي: «و صلّ في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب» (المستدرك الباب 9- الحديث 1)، هذا. و قد عرفت أن عموم موثقة ابن بكير المانعة نص بالنسبة إلى الثعالب و الفنك و السنجاب.

ص: 78

العصابة (1)، و لم يلتفتوا إلى الرخصة في شي ء منها حيث عرفوا أنّها


1- فبالنسبة إلى الأرانب و الثعالب حكي عن جماعة دعوى الإجماع على المنع، و عن اخرى أنّه المشهور، و عن ثالثة أنّه لم يعمل أحد برواية الجواز أو أنها متروكة، و في السمور و الفنك حكي عن بعض الإجماع على المنع، و عن آخر أنّه الأشهر، و عن ثالث أن رواية الجواز متروكة، لكن في مفتاح الكرامة: أنه يظهر من أمالي الصدوق أن من دين الإمامية الرخصة في جميع ذلك و أن الأولى الترك، انتهى، و المراد بجميع ذلك السنجاب و الفنك و السمور و الخز، نعم في الحواصل حكي عن بعض الكتب الجواز و عن المبسوط عدم الخلاف فيه، لكن عن الشهيد قدّس سرّه أن رواية الجواز متروكة، و في الحدائق أن ظاهر الأكثر المنع حيث لم يتعرضوا له، و في الجواهر استغرب دعوى المبسوط عدم الخلاف في الجواز، لكن قد يقال- بناء على أن الحواصل طيور كبار لها حواصل عظيمة- إنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على حلّية ما له حوصلة كونها من مأكول اللحم فلا إشكال حينئذ في الجواز، فلا حظ.

ص: 79

إنما أعطيت من جراب النورة (1).


1- عبارة اشتهر التعبير بها بين الرواة كناية عن صدور الحكم من المعصوم عليه السّلام تقية، و بمعناها قولهم: أعطاك من عين كدرة، و يقابلهما قولهم: أعطاك من عين صافية، ففي رواية سلمة بن محرز قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل مات و له عندي مال و له ابنة و له موالي، قال فقال لي: «اذهب فأعط البنت النصف و أمسك عن الباقي» فلمّا جئت أخبرت أصحابنا بذلك فقالوا: أعطاك من جراب النورة، فرجعت إليه فقلت: إن أصحابنا قالوا لي أعطاك من جراب النورة، قال فقال: «ما أعطيتك من جراب النورة علم بها أحد؟» قلت لا، قال «فأعط البنت الباقي» (الوسائل الباب 1 من ميراث ولاء العتق- الحديث 16)، و في رواية أبي أيوب قال حدثني سلمة بن محرز. إلى أن قال: فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما قال لي قال فقالوا: اتّقاك و أعطاك من عين كدرة. الحديث، (كتاب الحج من الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع- الحديث 95، هذا. و يشهد على معروفية التقية بين الرواية في المسألة المبحوث عنها في المقام قول السائل في صحيحة علي بن مهزيار: فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية فكتب عليه السّلام: «لا تجوز الصلاة فيها» (الباب 7 من أبواب لباس المصلي من الوسائل- الحديث 3)، و في رواية بشر بن بشار المتقدمة: أصلي فيه لغير تقية، فنهاه عليه السّلام عن الصلاة في الثعالب و السمور، و في رواية يحيى بن أبي عمران المتقدمة قال: أحبّ أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، و في رواية محمّد بن علي ابن عيسى- المتقدمة إليها الإشارة- قال: إنا مع قوم في تقية و بلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر فيها بلا وبر و لا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره و ليس يمكن للناس ما يمكن للأئمة فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب؟ قال: فرجع الجواب إليّ: «تلبس الفنك و السمور» و يرشد إلى ذلك أيضا ما في موثقة ابن بكير من إسناد الحكم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إخراج كتاب بإملائه صلّى اللّه عليه و آله و التأكيد بأنه لا يقبل اللّه تلك الصلاة حتى يصلّيها في غيره، و أن هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أمره عليه السّلام زرارة بحفظه، ثم التفريع و التكرار و أن الصلاة في محرّم الأكل فاسدة ذكّاه الذبح أم لم يذكّه، كلّ ذلك ردا على ما عليه العامة من صحة الصلاة فيه إن كان مذكى، هذا. و في التعبير في صحيحة محمّد بن مسلم ب (ما أحبّ أن أصلي فيها) (الباب 7- الحديث 1)، و بمثله في رواية محمّد بن علي بن عيسى المتقدّمة إيماء إلى التقية.

ص: 80

نعم قيّدها بعضهم (1) بحال الضرورة بالنسبة إلى بعضها، كما في التوقيع المبارك المروي عن أحمد بن روح (2) عن مولانا الحجّة


1- في الجواهر نسب القول بالجواز في وبر الفنك و السمور اضطرارا إلى نهاية الشيخ قدّس سرّه و في جلدهما كذلك إلى الوسيلة.
2- أورده الراوندي في الخرائج (البحار 83: 1227، و المستدرك الباب 3 من لباس المصلي- الحديث 1) قال فيه: عن أحمد بن أبي روح قال:

ص: 81

- أرواحنا فداه-، و لكونه (1) عبارة أخرى عن إطلاق المنع- إذ كلّما حرّمه اللّه تعالى (2) فقد أحلّه حال الضرورة (3)- فلا بأس بالالتزام به كذلك (4) حتى فيما لم يرد الترخيص فيه، و لا سبيل إلى احتمال الرخصة المطلقة (5) في شي ء من ذلك (6).

الثانية (7): ما يحرم أكله من الحيوان إمّا أن يكون حراما أصليّا أو عارضيّا، و على كلّ حال فإمّا أن يكون ذا نفس سائلة، أو يكون ممّا لا نفس له.


1- أي تقييد الجواز بالضرورة.
2- اقتباس من قوله عليه السّلام في موثقة سماعة: «و ليس شي ء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطر اليه» (الباب 1 من أبواب القيام من صلاة الوسائل- الحديث 6).
3- فالتقييد المذكور كعدمه، نظرا إلى انتفاء الخصوصية و أنّ كلّ ما أطلق فيه المنع فهو مقيد لا محالة بغير حال الاضطرار، لما دلّ بعمومه أو إطلاقه على ارتفاع حرمة الشي ء لدى الاضطرار إليه من حديث الرفع و الموثّقة و غيرهما، و كما ترتفع بذلك حرمته التكليفية، كذلك حرمته الوضعية و مانعيّته في الصلاة، و لذا تصح الصلاة في الذهب و الحرير و النجس و نحوها مع الانحصار و الاضطرار إلى لبسه، و التفصيل في محلّه.
4- أي الالتزام بالجواز حال الضرورة حتى في غير الحواصل ممّا لم يرد فيه الترخيص بالخصوص في هذا الحال.
5- الشاملة لحال الاختيار.
6- أي ممّا لا يؤكل لحمه سوى الخز الذي ثبت استثناؤه، و السنجاب الذي عرفت الإشكال و التوقف فيه.
7- هي الثانية من الجهات الملحقة بالأمر الثاني.

ص: 82

أمّا الأصلي فالمتيقّن ممّا ثبت فيه التلازم المذكور و إن كان هو ذو النفس منه، لكن لا ينبغي التأمّل في ثبوته في ذي اللحم منه (1) مطلقا، لأنّ عموم الموثّقة و إطلاقات سائر الأدلة (2) يعمّ النوعين بجامع واحد، و لا يخفى ما في دعوى الانصراف إلى ذي النفس من الجزافية، و إنما سلّم ذلك (3) فيما دلّ على عدم جوازها في الميتة، حيث استفيد من أدلّة ذلك الباب (4) أنّ لوصف النجاسة دخلا (5) في


1- أي من المحرّم الأصلي- و إن كان غير ذي النفس- كالأسماك المحرّمة و بعض الحشرات.
2- الأوّل هو قوله عليه السّلام: (الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله)، و أمّا الثاني فهو ما عبّر فيه بمثل (ما لا يؤكل لحمه)، و شمولهما لكلّ محرّم ذي لحم- و إن لم يكن ذا نفس- لا ريب فيه.
3- يعني سلّم الانصراف إلى ذي النفس في الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة في الميتة.
4- لعل الوجه في ذلك اختصاص موارد الأسئلة و الأجوبة في أخبار هذا الباب بالجلود و الخفاف و الفراء و نحوها ممّا لم يتعارف اتخاذه إلّا من ذوات الأنفس التي ميتتها نجسة، بحيث يستشعر أو يستظهر منها أنّ حيثية النجاسة هي التي دعت إلى السؤال عن حكم الصلاة فيها، لا سيّما و قد صدرت هذه الأخبار في زمان اشتهر عن بعض العامّة الفتوى بطهارة جلد الميتة إذا دبغ و جواز الصلاة فيه، و قد أنكروا عليهم السّلام عليهم ذلك بشدّة مؤكّدين أنه لا أثر للدبغ في طهارته و لو دبغ سبعين مرة- كما في صحيحة محمّد بن مسلم-، و أنّ طهارته موقوفة على التذكية، (راجع الوسائل في الأبواب 49 و 50 و 61 من أبواب النجاسات).
5- الموجود في الطبعة الاولى (دخل) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 83

موضوع الحكم، أو أنّه تمام موضوعه (1)، لا لقصور عنوان الميتة من حيث نفسه عن شموله لميتة ما لا نفس له.

و توهّم أنّ (2) قوله عليه السّلام في آخر ذيل الموثّقة: «ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» يدلّ- بمقتضى وحدة مرجع الضميرين- على اعتبار قابلية التذكية بالذبح (3) فيما حكم بعدم جواز الصلاة فيه، و خروج ما لا


1- فعلى الأوّل يكون موضوع المانعية الميتة النجسة- بناء على عدم إلغاء خصوصية الموت من النصوص المشار إليها آنفا غايته تقييدها بالنجسة-، بدعوى أنّ المستفاد منها التشديد في أمر هذا النوع من النجس فلا يقاس بسائر النجاسات، فكأنّ المانعيّة بالنسبة إليه مشدّدة مؤكدة. لكن يشكل استفادة ذلك منها على وجه يكون لحيثية الموت دخل في الحكم، فإن الظاهر أنّ تشديدهم عليهم السّلام في أمره كان لغرض الردّ على العامّة و الإنكار عليهم في حكمهم بطهارة جلد الميتة بالدبغ، فلا يكون الردع عن الصلاة فيه إلّا لنجاسته، و عليه فالظاهر تعيّن الاحتمال الثاني و أن النجاسة هي تمام الموضوع للحكم.
2- هذا التوهّم استظهره صاحب المستند قدّس سرّه، قال (4: 318): إن ظاهر قوله «ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» أنّه فيما من شأنه ورود الذبح عليه فإنه لا يستعمل عدم التذكية بالذبح إلّا فيما يصلح له، انتهى. و محصّل التوهم: أن مقتضى وحدة مرجع الضميرين هو فرض حيوان واحد تارة ذكّاه الذبح و اخرى لم يذكّه، و فعليّة تذكيته بالذبح فرع قابليته للتذكية به، فيعتبر أن يكون الحيوان المفروض قابلا للتذكية به، و ليس هو الّا ذا النفس فإنه الذي يذكّى بالذبح دون غيره- كالأسماك و نحوها. و لا يخفى أنّ المراد بالذبح في المقام ما يعمّ نحر الإبل و صيد البرّ.
3- الموجود في الطبعة الاولى (للذبح) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 84

يقبلها عن عمومه (1)، فيختصّ حينئذ بذي النفس، لأنّ الذبح قد جعل تذكية له دون ما عداه.

مدفوع بأنّ التقابل بين المثبت و المنفيّ في الجملتين و إن كان- بمقتضى ما ذكر من وحدة مرجع الضميرين- من تقابل العدم و الملكة (2)- لا محالة-، دون الإيجاب و السلب، و كانت دعوى شمول قوله عليه السّلام «لم يذكّه» لما لم يجعل الذبح تذكية له و لا يقبلها غير مسموعة، لكن حيث إن هاتين الجملتين إنما وردتا بيانا لأنّ تذكية المحرّم لا أثر له في رفع المانعيّة عنه، و جواز الصلاة في أجزائه- كما زعمه بعض من جعل اللّه الرشد في خلافهم (3)


1- مرجع الضمير هو ما حكم بعدم جواز الصلاة فيه، و المراد بهذا العموم قوله في ذيل الموثقة: «فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسدة».
2- إذ ليس التقابل واقعا بين مطلق المذكّى بالذبح و غير المذكّى به ليكون من التقابل بالإيجاب و السلب، و يصدق المنفي على غير ذي النفس حذو صدقه على ذي النفس، بل لمّا لوحظ- بمقتضى وحدة المرجع- قابلية المورد للتذكية بالذبح- كما عرفت- فلا محالة يكون التقابل واقعا بين المذكّى به و غير المذكّى به من الحيوانات القابلة لذلك، و هذا شأن تقابل العدم و الملكة، و عليه فلا تصدق الجملة المنفيّة على ما لم يجعل الذبح تذكية له و لا يقبلها به، و كانت دعوى شمولها له غير مسموعة- كما في المتن.
3- سيأتي أنّ الحنابلة و الشافعية لا يرون بأسا بالصلاة في غير المأكول- إذا كان مذكّى-، فسيقت العبارة المذكورة ردّا عليهم و إفادة أنّ التذكية ليس لها أيّ تأثير في الحكم فوجودها كعدمها، و من الواضح أنّ اختصاص التذكية الذبحية ببعض أنواع محرّم الأكل لا يقتضي في مثل هذا المقام تخصيص أصل الحكم به. أقول: المذهبان المذكوران متأخّران عن زمن صدور الموثقة، ثمّ إنّه إذا كان ما زعمه الجماعة اختصاص الجواز بالتذكية الذبحية ثمّ ما أفيد، أمّا إذا شمل مطلق التذكية و لو بغير الذبح فالمناسب في ردّ زعمهم أن يقال: ذكّي أم لم يذكّ، و يبقى سؤال الوجه في تقييده بالذبح.

ص: 85

و ليس مفادهما سوى أنّ التذكية كعدمها، و لا تتضمّنان (1) حكما على العامّ (2) مخصّصا لعمومه- كما في قوله تعالى (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)


1- الموجود في الطبعة الاولى (يتضمنان) و الصحيح ما أثبتناه.
2- المقصود بهذا الكلام الإشارة إلى أنّ المقام لا يندرج في النزاع المعروف فيما إذا تعقّب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده- أنّه هل يؤخذ فيه بأصالة العموم و يرتكب في الضمير الاستخدام أو يؤخذ بأصالة عدم الاستخدام و يخصّص بموجبها العام- كي يستلزم القول بالتخصيص هناك القول به هنا.و محصّل ما أشار قدّس سرّه إليه وجها له: أنّ النزاع المذكور إنما يجري فيما إذا ورد حكم على العام و تعقّبه حكم آخر على الضمير الراجع إليه المعلوم إرادة بعض أفراده منه خاصّة بحيث يصبح قرينة- على أحد القولين- على تخصيص العام نفسه- كما في الآيتين-، أمّا إذا لم يكن المشتمل على الضمير بهذه المثابة- كما في المقام الذي عرفت أنّه ليس مفاده سوى نفي تأثير التذكية أينما تحقّقت في رفع المانعية عن محرّم الأكل- فلا يندرج في ذلك النزاع، بل يتعيّن في مثله الأخذ بالعموم و ارتكاب الاستخدام.

ص: 86

عقيب آية المطلّقات-، فلا شبهة في أنّ الاستخدام هو المتعيّن في المقام، دون التخصيص، عكس ما في الآيتين المباركتين (1).

على أنّه (2) لو سلّم أولويّة التخصيص في المقام أيضا، أو كونه من قبيل تعقّب العامّ بما يصلح قرينة على التخصيص (3)، فأقصى ما يقتضيه ذلك هو قصر مفاد ما أجاب به الإمام عليه السّلام عن سؤال زرارة بذي النفس، لأنّ سؤاله (4) إنما كان عن الوبر، و أغلبه أو


1- ظاهره أنّ المتعيّن في الآيتين التخصيص ترجيحا لأصالة عدم الاستخدام، لكن الذي حكي عنه قدّس سرّه مقرّروا بحثه هو اختياره تقديم أصالة العموم لوجوه مذكورة في محلّها من الأصول، (راجع أجود التقريرات 1: 492).
2- وجه آخر لدفع التوهّم المذكور.
3- الموجب لإجمال العام.
4- محصّل مرامه قدّس سرّه أنّه لو بني على ظهور هذه الفقرة في الخصوص أو كونه المتيقن من إجمالها، فهذا المعنى غير بعيد عن مساقها، نظرا إلى أنّها وقعت جوابا عن السؤال عن الصلاة في الوبر أو في الحيوان الوبر- بكسر الباء على الاحتمالين المتقدمين في قول السائل «و غيره من الوبر»-، و على التقديرين فالظاهر كون جميعه من ذي النفس، إذ لم يعرف ذو وبر من غير ذي النفس، فأجاب عليه السّلام بما يختصّ مفاده بذي النفس أيضا من دون تعرّضه لغيره نفيا و لا إثباتا، لكنّ صدر الموثقة الحاكي لإملاء النبي صلّى اللّه عليه و آله يشمل بعمومه غير ذي النفس فيؤخذ به، و لا تخصّصه الفقرة اللاحقة المبحوث عنها، إذ ليست هي تفسيرا و توضيحا له، بل تفريع عليه، و شأن الفرع أن لا يزيد على أصله.

ص: 87

جميعه منه، و لا يوجب ذلك خللا أو وهنا في عموم ما كان بإملاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فضلا عن إطلاق سائر الأدلّة، إذ ليس هو إلّا من التفريع على ذلك الأصل لا بيانا أو تفسيرا له.

و كيف كان فلا حاجة في دفع التوهّم المذكور (1) إلى ما التزم به في الجواهر (2)- من كون الذبح تذكية لهذا النوع من الحيوان-، بل لا سبيل إلى هذا الالتزام.

أمّا أولا (3): فلأنّ الذبح و ما يقوم مقامه إنّما جعل تذكية لذي النفس لكونه إخراجا لذلك الدم السائل منه- كما نطقت به أدلّة ذلك


1- و هو توهّم اختصاص المانعية في الصلاة بذي النفس، بدعوى قرينيّة قوله عليه السّلام «ذكّاه الذبح أو لم يذكّه» عليه.
2- قال قدّس سرّه (8: 67) بعد إيراد التوهّم المذكور و منعه: «و ما في الذيل لا دلالة فيه، ضرورة إمكان الذبح في كثير مما لا نفس له من الحيوانات البحرية و إن كانت طهارته غير موقوفة عليه». و الوجه في عدم الحاجة إليه كونه تكلّفا لا داعي إليه بعد اندفاع التوهّم بالوجهين المتقدمين، مضافا إلى عدم تماميته في نفسه- كما ستعرف.
3- محصّل هذا الوجه نفي كون الذبح و ما بحكمه تذكية لغير ذي النفس- و إن كان محلّل الأكل-، كما أنّ مرجع الوجه الثاني إلى إنكار قابلية محرّم الأكل من غير ذي النفس- كالجرّي و نحوه- للتذكية رأسا لا بالذبح و شبهه، و لا بوجه آخر.

ص: 88

الباب (1)-، و لا مجال لدعوى كونه تذكية لغيره أيضا مع عدم قيام الدليل عليه، بل قيام القاطع على خلافه، فلو ذبح السمك في الماء فلا أظنّ أن يلتزم هو- نوّر ضريحه- و لا غيره إلّا بكونه ميتة يحرم أكله.

و أمّا ثانيا: فلأنّ المحرّم ممّا لا نفس له غير قابل للتذكية رأسا، و لا أثر لتذكيته مطلقا، لأنّ أحكام الميتة (2) لا تترتّب عليه على كلّ تقدير (3)، و لا يجوز أكله على كلّ حال، و ظاهر أنّه إذا تساوى حاله من كلّ جهة عند ذبحه- مثلا- و موته حتف أنفه في جميع الأحكام فليس الحكم عليه بالتذكية في إحداهما دون الأخرى إلّا من مجرّد اللفظ و التسمية المنزّه عنه مقام الشارعيّة، و من هنا لا عين و لا أثر لتذكية هذا النوع من الحيوان، لا في أخبار


1- ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام فيما إذا سبقته السكّين فأبان الرأس أنّه قال «إن خرج الدم فكل»، و في صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما إذا لم يصب حديدة هل يذبح بغيرها قال «إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به» (راجع الوسائل الباب 9 من أبواب الذبائح- الحديث 2، و الباب 2 منها- الحديث 3).
2- و عمدتها النجاسة و حرمة الأكل.
3- أمّا النجاسة فلأنّ المفروض أنّ ميتته طاهرة، و أمّا حرمة الأكل فلثبوتها على كلّ حال- ذكّيت أم لم تذكّ-، إذن فلا يترتب على تذكيته حكم من الأحكام و يكون جعل الذبح أو نحوه تذكية له من اللغو المنزّه عنه الشارع.

ص: 89

ذلك الباب، و لا في كلمات الأصحاب (1)، بل الظاهر اندراج البرّيّ منه (2) في الحشرات المتسالم على عدم قبولها للتذكية، و البحريّ منه و إن كان خارجا عنها (3) موضوعا، لكنّه متّحد مع البريّ حكما- كما عرفت.

و أمّا إذا لم يكن المحرّم ذا لحم أصلا فخروجه عن إطلاق سائر الأدلة (4) ظاهر، و مصبّ عموم الموثّقة أيضا ينصرف عنه (5)، و الظاهر أن يكون تنفّر الطباع البشريّة في نوعها عن هذا النوع (6) من


1- إذ لم ترد رواية في كيفية تذكيته، و لا تعرّض الأصحاب لها- كما يظهر بالمراجعة.
2- كالحيّة و الوزغ و الدود، و عبّر قدّس سرّه بالاندراج نظرا إلى أنّ أكثر الحشرات ليست بذات لحم.
3- أي خارجا عن الحشرات موضوعا، لكنّه متحد مع البريّ منه في الحكم بعدم القابلية للتذكية، لما عرفت من عدم ترتّب أثر على تذكيته.
4- مما سوى الموثقة، للتعبير فيها بما لا يؤكل لحمه- الخاص بذي اللحم- أما الموثقة فمصبّ عمومها هو حرام الأكل، و هو في نفسه صادق على غير ذي اللحم أيضا كالبقّ و الذباب لو لا الانصراف المذكور في المتن، و لا مجال لتقييده باللحم حملا على سائر الأدلة المتقيّدة به، لعدم التنافي.
5- و يؤيد الانصراف قوله عليه السّلام في أوّل الذيل تفريعا على ما ذكر في الصدر: «فإن كان مما يؤكل لحمه» المشعر بإرادة ذي اللحم من الصدر.
6- أي عن أكل هذا النوع لكونه من الخبائث التي تتحرّز عن أكلها الطباع فلا يعدّ عرفا من المأكولات، و لأجله لم يلتفت الأذهان العرفية- كما أفاده قدّس سرّه- إلى دخوله في عنوان محرّم الأكل و شموله له، لانتفاء موضوع الحرمة بنظرهم حذو انتفائه حقيقة عمّا لا يمكن أكله خارجا.

ص: 90

الحيوان و كونه من الخبائث العرفيّة التي تستقذرها (1) الطباع هو الموجب لهذا الانصراف، و يشهد بذلك عدم التفات الأذهان الساذجة العرفيّة إلى دخول مثل الذباب و البقّ و القمّل و البرغوث و نحوها، و كذلك العسل و الشمع و الحرير، و نحوها من فضلات هذه الحيوانات في هذا العموم، و لا إلى كون الدليل- على جوازها في الحرير الخالص أو الممتزج (2)، و جواز تلبيد المحرم شعره بالصمغ و العسل (3)، و جواز أن يكون في فم المصلّي الخرز و اللؤلؤ إذا لم


1- الموجود في الطبعة الأولى (تستقذره) و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي جواز الصلاة في الحرير الخالص للنساء و الممتزج للرجال، مع أن الحرير من فضلات دودة القزّ و هي من النوع المبحوث عنه.
3- لم أعثر على رواية تصرّح بجواز ذلك للمحرم، نعم يستفاد مفروغية الجواز من صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق.الحديث»، و نحوها غيرها (راجع الباب السابع من أبواب الحلق و التقصير من حج الوسائل). و إذا جاز له التلبيد حين الإحرام و إبقاؤه إلى أن يحلق رأسه يوم النحر فقد جاز له الصلاة فيه للملازمة، هذا، و العسل و الصمغ المتعارف تلبيد المحرم شعره بهما- في الأزمنة الاولى- هما من فضلات النحل، و هو من النوع المبحوث عنه أيضا.

ص: 91

يمنعه عن القراءة (1)، و نحو ذلك (2)- تخصيصا له (3).

و المنع عمّا ذكر من الانصراف أو التردّد فيه، و تخصيص


1- دلّت عليه صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه عليه السّلام- في حديث- قال:و سألته عن الرجل يصلّي و في فيه الخرز و اللؤلؤ، قال عليه السّلام: «إن كان يمنعه من قراءته فلا و إن كان لا يمنعه فلا بأس»، (راجع الوسائل الباب 60 من أبواب لباس المصلي).و عدّ هذا مما نحن فيه مبني على كون اللؤلؤ من أجزاء أو فضلات حيوان غير ذي لحم، و قد يناقش في كونه من الحيوان، بل قد يجزم بعدمه- كما في العروة-، لكن في المستند (4: 320): أنه استشكل بعضهم في الصلاة فيه، لكونه جزءا من الصدف و هو حيوان ذو لحم كما صرّح به الأطباء في كتبهم و أثبتوا للحمه خواصّا، انتهى ملخصا. و في كشف اللثام: أنه كغدّة في الصدف، و عن بعض علماء الطبيعة: أن اللؤلؤ يتكوّن في باطن الصدف و هو حيوان بحري له جلد عظمي كالحلزون يستخرجه الغواصون فيستخرجون منه اللؤلؤ، و عن بعض آخر أنه مادة يفرزها بعض الحيوانات البحرية الرخوة أو تتكوّن فيه، و عليه فأصله حيوانيّ و حيوانه ذو لحم فلم يكن مما نحن فيه، و مع ذلك فلا ينبغي الإشكال في جواز الصلاة فيه، للصحيحة المتقدمة، و للسيرة المستمرة لشيوع التحلّي به في أعصار الأئمة عليهم السّلام مع عدم ورود المنع- كما عن البحار و غيره.
2- كالروايات المجوّزة للصلاة في دم البقّ و البراغيث (الوسائل الباب 23 من أبواب النجاسات)، و كالسيرة القطعية على الصلاة في القمل و دمه، و نحو ذلك.
3- لأن التخصيص فرع العموم، و لا عموم بنظرهم لمكان الانصراف المتقدم ذكره.

ص: 92

الجواز بموارد النصوص المذكورة أو ما قامت به السيرة القطعيّة- كما عن بعض الأساطين (1).

لا يخفى ما فيه، فهل ورد الدليل على الجواز في الموارد المذكورة إلّا مفروغا عن الجهة التي نحن فيها، و ترخيصا من غير هذه الجهة (2)، و هل قامت السيرة على عدم الاعتداد بمثل القمّل و البرغوث و نحوهما إلّا لعدم انفهام المعنى الشامل لأمثال هذه


1- يظهر من الوحيد قدّس سرّه- في شرحه على المفاتيح- التردد في الانصراف بالنسبة إلى النحل و فضلاته بعد جزمه به في البقّ و نحوه، قال «و هل يدخل فيه- أي فيما لا يؤكل لحمه- مثل النحل فلا يصلى في ثوب أصابه الشمع أو العسل.، ثمّ قال: و النحل و إن لم يكن له لحم إلّا أنه داخل في قوله عليه السّلام (كلّ شي ء حرام أكله)، لكن لا يخفى عدم شموله لمثل البقّ و البرغوث و القمل. و لعلّ النحل أيضا كذلك، بل لعلّ الأظهر أنه كذلك و الاحتياط أمر آخر» انتهى.
2- فإنّ منع الرجال من الصلاة في الحرير، بل مطلق لبسه إنّما هو من حيث إنه حرير، فترخيصهم في الصلاة في الممتزج منه يكون من جهة امتزاجه و عدم خلوصه- بعد المفروغية عن الجواز من حيث حرمة أكل حيوانه-، كما أن ترخيص المحرم في تلبيد شعره بالصمغ أو العسل ترخيص له من حيث إحرامه، و لا نظر فيه إلى حيثية كونه من إفرازات محرّم الأكل، بل الجواز من هذه الناحية مفروغ عنه، و نحوهما الحال في ترخيص المصلّي في وضع اللؤلؤة في فمه إذا لم تمنعه عن القراءة، فإنه ترخيص له فيه بما هو حمل لشي ء بفمه حال صلاته من دون خصوصية للؤلؤ، و لذا لم يفرّق في الرواية بينه و بين الخرز.

ص: 93

الحيوانات من (1) هذا العموم، و هل يمكن أن لا يكون ردعا عنها إلّا بهذه المعونة (2).

فالإنصاف أنّ الاستيناس أو التمسّك بهذه الأدلّة، و كذلك السيرة المذكورة على ما ذكر من الانصراف هو الذي يليق بها لا إيرادها مخصّصا لذلك العموم.

و أظهر من ذلك خروج الإنسان بجملته و جميع فضلاته الطاهرة عن عناوين أدلّة الباب، و ما كان لها من عموم أو إطلاق، إذ- مضافا إلى اطّراد ما تقدّم من موجب الانصراف (3) في المقام أيضا- فلا يخفى أنّ ما عدا الإنسان من أنواع الحيوان إنّما يتّصف بكونه محرّم الأكل، أو محلّله، أو كونه ممّا يؤكل، أو لا يؤكل، و نحو


1- الموجود في الطبعة الأولى (عن) و الصحيح ما أثبتناه.
2- يعني أنه لو لم يتمّ الانصراف و شمل العموم أمثال هذه الحيوانات لم يكن في العموم قصور عن ردعه للسيرة المذكورة، لكن من المسلّم أن السيرة غير مردوع عنها و ليس إلّا من جهة الانصراف المزبور.أقول: ظاهر عبارته قدّس سرّه يوهم أنّه لو لا الانصراف لكان العموم رادعا عن السيرة، لكنّه ليس بمراد قطعا، فإنه إذا كانت السيرة القائمة معتبرة و كاشفة عن الحكم الشرعي- كما هو المفروض في المقام- لم يصلح العموم للردع عنها، بل هي تخصّصه، فالمراد أنّ السيرة إنما استقرّت على الجواز لمكان قصور الدليل اللفظي من أصله عن المنع.
3- و هو تنفّر الطباع البشرية عن أكل بني نوعها على نحو لا تراها الأذهان العرفية مشمولة لعنوان حرام الأكل.

ص: 94

ذلك باعتبار أكل الإنسان له، أمّا الإنسان فيحرم أكل كلّ فرد منه على أفراد نوعه، فاختلفت الكيفية (1)، و تصوير الجامع العقلي و إن كان بمكان من الإمكان، لكن ظواهر الأدلّة منصرفة إلى الأنواع المحرّمة على نوع الإنسان، و لا تعمّ (2) أشخاص نوعه.

و ما دلّ على جواز وصل المرأة شعر غيرها بشعرها (3)، و جواز حمل الأمّ ولدها لترضعه- و هي في الصلاة (4)-، و نحو ذلك ممّا سيق هذا المساق (5)، و إن تمسّكوا به على خروج الإنسان بفضلاته عن


1- أي كيفية الاتصاف بمحرّمية الأكل، و ذلك باختلاف المحرّم و المحرّم عليه، ففي الأوّل أكل النوع الحيواني محرّم على النوع الإنساني، و في الثاني أكل ما عدا المكلف من سائر أفراد نوعه محرّم عليه، فالحرمة فيه تكون من الجانبين.
2- الموجود في الطبعة الاولى (يعم) و الصحيح ما أثبتناه.
3- كرواية سعد الإسكاف: سئل أبو جعفر عليه السّلام عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن، فقال عليه السّلام: «لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها. الحديث»، و في رواية أخرى: يصلح الصوف و ما كان من شعر امرأة لنفسها، و كره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها، (راجع الباب 101 من مقدمات النكاح من الوسائل).
4- كموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن تحمل المرأة صبيّها و هي تصلّي و ترضعه و هي تتشهّد»، و قريب منها رواية علي بن جعفر عليه السّلام (الباب 24 من قواطع الصلاة من الوسائل).
5- نحو ما دلّ على جواز الصلاة في ثوب فيه شي ء من شعر الإنسان و أظفاره قبل أن ينفضه (الباب 18 من لباس المصلي)، و ما دلّ على نفي البأس عن البصاق يصيب الثوب (الباب 17 من أبواب النجاسات).

ص: 95

هذا العموم، لكن حيث إنّ لسان هذه الروايات أيضا إنّما هو الترخيص من جهة أخرى (1)، بعد المفروغيّة عن الجهة التي نحن فيها، فالحريّ بها أن تجعل قرينة على ما ذكرناه من التخصّص، لا دليلا على التخصيص.

ثمّ إنّه قد استشكل في الجواهر و النجاة في جواز الصلاة في الثوب المنسوج من شعر الإنسان (2)، بعد أن سلّم خروجه بجميع


1- فإن الظاهر أنّ السؤال عن حكم وصل الشعر بالشعر إنّما هو من جهة ما فيه من التدليس و التغرير أحيانا، و أن تجويز حمل الصبي و إرضاعه حال الصلاة إنما هو لدفع توهّم كونه من الفعل الكثير القادح في الصلاة، كما أن الظاهر أنّ منشأ السؤال عن الصلاة في ثوب عليه شعرات أو أظفار قبل نفضه هو تخيّل لحوق مثل هذه الفضلات بالنجاسات في مانعيّتها في الصلاة.
2- ففي الجواهر (8: 69) بعد أن أورد الأدلة و النصوص الدالة على خروج الإنسان بجميع فضلاته عن غير المأكول المحكوم بعدم جواز الصلاة في أجزائه، قال: (و حينئذ تجوز الصلاة في شعره مثلا حتى لو نسج منه لباسا للإطلاق بلا معارض، قلت: قد يقال إنه لو سلّم ذلك فقد يمنع الصلاة فيه لظهور الموثق المزبور في اشتراط كون ما يصلى فيه مما يؤكل لحمه، فخروج الإنسان حينئذ- مما لا يؤكل- لا يقتضي تحقق الشرط المزبور، إذ أقصاه البقاء على أصالة الجواز التي لا تعارض الدليل، نعم لا بأس بما جرت السيرة. إلى أن قال: أما غير ذلك- كاللباس المنسوج منه مثلا- فيمنع، لا لتحقق المانع بل الانتفاء الشرط) انتهى موضع الحاجة. و محصّل المراد أنّ الإنسان و إن كان بجميع فضلاته خارجا عن أدلة مانعية غير المأكول إلّا أنّ الدليل قد دلّ أيضا على شرطية المأكولية في اللباس، و هي غير متحققة في الفرض.

ص: 96

فضلاته عمّا يدلّ على عدم جوازها فيما يحرم أكله، و هذا من فروع ما بنى عليه (1) من الجمع بين شرطيّة المأكولية و مانعيّة غير المأكول، ثم التفكيك بينهما في مقدار الشمول (2)، و وجّه الإشكال في المقام بانتفاء شرط المأكوليّة في اللباس، و ستعرف (3) ما في أصل المبنى، و ما وجّه به هذا الإشكال، و أشباهه ممّا فرّعه على ذلك المبنى- إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا العارضيّ (4)- و هو الموطوء، و شارب لبن الخنزيرة حتّى اشتدّ عظمه، و الجلّال- فقد ألحقه بعض الأساطين (5)- بأقسامه الثلاثة-


1- و قد سمعت تصريحه في كلامه الآنف الذكر بابتناء الإشكال على شرطية المأكولية المستفادة من الموثق.
2- سيأتي- إن شاء اللّه تعالى- عنه قدّس سرّه أنه إذ جمع بين الشرطية و المانعيّة فقد فرّق بينهما في مقدار الشمول، فاستظهر من النصوص عموم المانعية لجميع ما يصلى فيه من اللباس و عوارضه، و اختصاص الشرطية باللباس، و لأجله خصّص إشكال المقام باللباس المنسوج من الشعر الإنساني.
3- و ذلك بالمنع من إمكان الجمع بين الشرطية و المانعية ثبوتا، و ظهور الأدلة في خصوص المانعيّة إثباتا.
4- يعني الحيوان المحرّم أكله بحرمة عارضة، لطروّ أحد العوارض الثلاثة المذكورة، و حصر الحرمة العرضيّة للحيوان في الثلاثة استقرائي ثبتت فيها بالدليل و لم تثبت في غيرها- كما يظهر بالمراجعة.
5- صرّح الشيخ الكبير قدّس سرّه- في كشف الغطاء- بإلحاق الثلاثة، و لم أجده- فيما تتبّعت- عن غيره، إذ المسألة غير معنونة في كلمات الفقهاء، نعم نظيرتها في باب النجاسات- و أعني لحوق المحرّم العارضي بالأصلي في نجاسة بوله و خرئه- معنونة قديما و حديثا، بل ادعي عليها الإجماع.

ص: 97

بالأصليّ، نظرا إلى شمول العموم و الإطلاقات (1) للجميع، و هو (2) في القسمين الأوّلين في محلّه، فإنّ كلا من العارضين يوجب تبدّل معروضه إلى ما هو في عرض العناوين المحرّمة الأوليّة، و لا يحلّ لبنه (3)،


1- هما عموم الموثقة و إطلاقات غيرها، و لا يعارضها إطلاق ما دلّ على جواز الصلاة فيما يؤكل لحمه- باعتبار أنها مأكولة اللحم بالأصالة-، و ذلك لما سيأتي من أن هذه العوارض توجب تبدّل العنوان و صيرورة الحيوان ممّا لا يؤكل لحمه بعد ما كان ممّا يؤكل، فلا يشمله دليل الجواز.
2- أي الإلحاق، و محصّل ما أفاده قدّس سرّه في وجه الفرق بين العارضين الأولين و بين الثالث- الجلل- هو أن كلا من عنواني (حرام الأكل) و (ما لا يؤكل لحمه) ظاهر- و لا سيما الثاني- في الحرمة الدائمة الثابتة و لا يعمّ الموقتة الزائلة، و الحرمة في العارضين الأولين من قبيل الأول فتبدّل الموضوع و تدرج الحيوان في عنوان محرّم الأكل و ما لا يؤكل بعد أن كان من المحلّل و ما يؤكل، فتلحقه أحكامه، و هذا بخلاف الجلل فإنّ حرمته من قبيل الثاني، لزوالها بالاستبراء، فلا تبدّل العنوان و لا تجعل الحيوان من محرم الأكل و إن حرم فعلا ما لم يستبرأ.
3- لا ينبغي الإشكال في ثبوت هذا الحكم في الموطوء، و قد ورد في موثقة سماعة و رواية مسمع (الباب 30 من الأطعمة المحرمة من الوسائل)، و يشمله إطلاق نفي الانتفاع به في روايات أخر (الباب 1 من نكاح البهائم من الحدود)، أما بالنسبة إلى المتغذّي بلبن الخنزيرة فلم يرد في شي ء من نصوصه حرمة لبنه (الباب 25 من الأطعمة المحرمة)،و لا ورد ذكرها في كلمات الأصحاب إلّا نادرا، إذن فالجزم بها مبنيّ على ثبوت الملازمة بين حرمة اللحم- و لو لعارض- و حرمة لبنه، و هو غير واضح.

ص: 98

و يتبعه نسله في جميع ذلك (1) و إن كان ذكرا (2)، فيندرج في إطلاقات الأدلّة و عموم الموثّقة على كلّ من تقديري كون الحرام الوارد فيها (3) عنوانا للموضوع، أو معرّفا للعناوين المحرّمة، بل لو كان


1- أي في جميع هذه الأحكام من حرمة أكله و شرب لبنه و مانعيته في الصلاة، أما بالنسبة إلى الموطوء فيستفاد من الأمر بذبحه و إحراقه و نفي الانتفاع به الواردة في نصوص البابين المتقدم إليهما الإشارة من الوسائل، و أما بالنسبة إلى المتغذّي بلبن الخنزيرة فللتصريح به في موثقة حنان بن سدير و غيرها، فليراجع الباب المشار إليه آنفا من الوسائل.
2- يعني الموطوء أو المتغذي بأن استفحل فخرج له نسل- كما هو مورد موثقة حنان-، و العمدة في المقام عدم ظهور الفرق في حرمة النسل بين الذكر و الأنثى، و التفصيل موكول إلى محله. هذا و المقصود من إيراد حكم اللبن و النسل في المقام هو تأكيد المطلب و الاستشهاد بهما على تبدّل العنوان في الموردين و لحوق أحكام محرّم الأكل به.
3- أي في الموثقة في قوله صلّى اللّه عليه و آله «الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام اكله»، و قد أشار قدّس سرّه بهذه العبارة إلى ردّ ما قد يدّعى من الفرق بين التقديرين بأنه إنما يندرج الحرام بالعارض في العنوان المذكور- الحرام أكله- بناء على كونه بنفسه عنوانا للموضوع، أما بناء على كونه ملحوظا معرّفا للعناوين المحرمة و مرآة لها- و سيأتي اختياره قدّس سرّه له- فيختص بالمحرمات الذاتية- كالأسد و الذئب و نحوهما- و لا يشمل العرضية. و حاصل الرد أنه لا وجه لمنع الاندراج على الثاني فإنّ عنواني الموطوء و المتغذي بلبن الخنزيرة أيضا يعدّان من العناوين المحرمة حذو الأسد و نحوه، و لا قصور لعنوان حرام الأكل في مرآتيته لهما، فلا وجه لتخصيص مرآتيته بالعناوين المحرّمة بالأصالة، إذن فيشملهما عموم الموثقة، هذا. و ممّن ادّعى الفرق المذكور السيّد الأستاذ- دام ظله- في رسالته المعمولة في هذه المسألة (28)، لكنّ عبارتها غير مشتملة على وجه لذلك معتدّ به، فراجع و تأمل.

ص: 99

على الموطوء صوف أو وبر من السابق يتبدّل حكمه تبعا لأصله (1).

و أمّا الجلّال فللمنع عن شمول الأدلّة له مجال، فإنّ حرمته ليست مبدّلة له و لا سارية في نفسه (2)، و إنّما هي عرضيّة موقّتة ناشئة عن تأثير القذارة التي لحقت (3) لحمه (4) من جهة الجلل، فلا يندرج في عنوان (ما لا يؤكل لحمه) و نحو ذلك، بل و لا في عنوان


1- إذ يندرج في إطلاقات المقام و عمومه الحيوان المذكور بجميع أجزائه حتى التي لا تحلّها الحياة الكائنة عليه قبل العروض من صوف أو وبر كان عليه من السابق فضلا عن الحادثة بعده، نظرا إلى كونها حال العروض معدودة من أجزائه فيتبدل حكمها تبعا لأصلها، و من الواضح أنّه لا فرق في الجزئية للحيوان بين ما تحلّه الحياة و غيره.
2- بحيث يصبح من الذوات المحرمة، و الحرمة لازمة له غير منفكّة عنه- كما كان هو الحال في سابقيه.
3- لحوقا موقتا ما دام لم يستبرأ، بل و كذا لبنه بناء على حرمته- كما يقتضيها بعض نصوصه- (الوسائل، البابين 27 و 28 من الأطعمة المحرمة).
4- الموجود في الطبعة الاولى (لحمها) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 100

(حرام أكله) أيضا، لظهوره في الحرمة الثابتة، دون العارضة الموقّتة الزائلة.

و بالجملة فالظاهر أن تكون حرمة الجلّال كحليّة ما اضطرّ إلى أكله من المحرّمات في المخمصة، فكما لا يندرج (1) ما اضطرّ إلى أكله فيما تجوز الصلاة في أجزائه، كذلك لا يندرج الجلّال أيضا في عنوان الحرام الذي دلّت هذه الأدلّة على عدم جوازها فيه،- و اللّه العالم.

الثالثة: ينقسم ما على المصلّي عند فعل الصلاة إلى لباس يلبسه، و عوارض تعرض بدنه، أو لباسه، و محمول يحمله.

أمّا اللباس فهو المتيقّن من أدلّة المانعيّة (2)، و إن كان ممّا لا


1- و ليس عدم اندراجه إلّا لكون حليّته موقّتة زائلة بزوال الاضطرار، هذا. و قد يناقش- كما عن السيّد الأستاذ دام ظله في رسالته- في قياس الجلل بالاضطرار بأنه قياس مع الفارق، بدعوى أن الاضطرار يوجب الحلّية بالنسبة إلى خصوص المضطرّ، أما الجلل فيوجب الحرمة على عامّة المكلفين ما دام كذلك، لإيجابه تبدّلا في ذات اللحم. و يلاحظ عليه أنّه لا عبرة بعموم الحكم للمكلفين و خصوصه، و إنما المهم كون الحكم عارضا موقتا لا ثابتا دائميا، و هو في المقامين كذلك، فالمضطر اليه حلال ما دام الاضطرار لا دائما، و الجلّال حرام ما دام الجلل و عدم الاستبراء لا دائما، و التبدّل في ذات اللحم لا أثر له إذا كان قابلا للزوال.
2- لصدق الظرفية المستعملة فيه أداتها صدقا حقيقيّا، بخلاف المستعملة في غيره، أو كونها أقرب فيه إلى الحقيقة من غيره.

ص: 101

تتمّ الصلاة فيه بانفراده- كما عن الأكثر، بل عن المشهور (1)-، و يدلّ عليه- مضافا إلى عموم الموثّقة و إطلاق غيرها- رواية أحمد بن إسحاق قال: كتبت إليه: عندنا جوارب و تكك من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقيّة، فكتب «لا تجوز الصلاة فيها» (2)، و مثله ما رواه علي بن مهزيار عن مكاتبة إبراهيم بن عقبة و جوابه عليه السّلام (3)، و ضعف سند الروايتين منجبر باشتهار


1- أي عموم المنع لما لا تتمّ منسوب إلى الأكثر- كما في المدارك-، أو إلى المشهور- كما عن الدروس-، و هذه بداية البحث حول هذه المسألة.
2- أوردها مضمرة في الوسائل عن التهذيبين في الباب 7 من أبواب لباس المصلي، الحديث 5 بعنوان أحمد بن إسحاق الأبهري، و هو يحتمل أن يكون مصحّف الأشعري و هو القمي الثقة، فيكون المكتوب إليه- لا محالة- الجواد أو أحد العسكريين عليهم السّلام، و أن يكون شخصا آخر مجهول الحال، و لأجله تسقط الرواية عن الاعتبار، على أن في السند بنان بن محمّد بن عيسى- كما في التهذيب 2: 206- أو محمّد بن عيسى- كما في الاستبصار 1: 383-، و الأوّل غير موثّق فالراوي مردّد بين الثقة و غيره، بل الأرجح الأوّل لموافقته لنسختي الوسائل و الوافي.
3- أورده في الوسائل في نفس الباب، الحديث 3 عن الكافي و التهذيبين مضمرا أيضا بنفس المتن المتقدم، و إبراهيم بن عقبة من أصحاب الجواد و الهادي عليهما السّلام، إذن فالمكتوب إليه إن كان معصوما فهو أحدهما عليهما السّلام، و لمّا لم تثبت وثاقة الكاتب رماها قدّس سرّه بالضعف كسابقتها و عوّل في تصحيحهما على الانجبار بالشهرة، لكن لا يبعد صحة هذه في نفسها،لأنّ ظاهر قول ابن مهزيار «كتب إليه إبراهيم بن عقبة إلخ» أنه شهادة حسيّة منه بالمكاتبة. كما أن الظاهر عصمة المكتوب إليه، إذ من البعيد جدا أن يروي مثل علي بن مهزيار مكاتبة عن غير المعصوم، و سائر رجال السند ثقات بكلا طريقي الكليني و الشيخ قدّس سرهما.

ص: 102

العمل بهما، حتّى أنّ القائل بالجواز (1) بنى في التكّة و الجورب على الكراهة إمّا مطلقا، أو في خصوص ما إذا كانا من وبر الأرانب (2)، جمعا بين ما دلّ على الجواز و بين هاتين الروايتين (3). و لا يخفى ما في الجمع بهذا الوجه (4)، ثم تخصيص الكراهة بمورد النصّ- مع استفادة العموم لكلّ ما لا يتمّ الصلاة به ممّا دلّ على جوازها في التكّة (5)-


1- استشهاد على اشتهار العمل بالروايتين حتى بين القائلين بالجواز.
2- فعن المبسوط و المعتبر و المنتهى- و اختاره في المدارك- كراهة الصلاة في التكة و القلنسوة من وبر ما لا يؤكل لحمه مطلقا، و عن الوسيلة كراهتها في التكة و القلنسوة و الجورب المتخذة من شعر الثعلب و الأرنب و عدم كراهتها فيها إذا اتخذت من غير ذلك.
3- فيكشف ذلك عن عملهم بالروايتين كما عمل بهما القائلون بالمنع.
4- فإن النهي عن الصلاة في شي ء ظاهر في الإرشاد إلى مانعيّته، و تسويغ الصلاة فيه ظاهر في نفي مانعيته، و هما يعدّان من المتعارضين، فلا وقع للجمع بينهما دلاليا بحمل النهي على الكراهة، بل لو فرض فقد الترجيح يتخيّر بينهما، أو يتساقطان و يرجع إلى إطلاقات المنع و عمومه.
5- و هو صحيح محمّد بن عبد الجبار الآتي، فإنه إذا استفيد منه عموم الحكم بإلغاء خصوصية المورد كان الأمر كذلك بالنسبة إلى روايتي المنع، فيستفاد منهما أيضا العموم، و كان اللازم بناء على صحة الجمع المزبور البناء على الكراهة في كلّ ما لا تتمّ فيه الصلاة، لا في خصوص التكة و الجورب المتخذين من مطلق ما لا يؤكل أو من خصوص وبر الأرانب، و إن لم يستفد العموم فلا بدّ من تخصيص أصل الجواز أيضا بالتكة التي هي مورد دليله، فتعميم الجواز لكلّ ما لا تتمّ فيه الصلاة و تخصيص الكراهة بالتكة و الجورب لا يخلو عن تهافت.

ص: 103

من الضعف و التهافت (1). و أضعف منه إلحاق القلنسوة أيضا بما بنى فيه على الكراهة (2).

و كيف كان فمستند القول بالجواز- بعد الاستيناس بما دلّ على جوازها في المتنجس الذي لا يتمّ الصلاة فيه بانفراده- هو صحيح محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير أو تكة من وبر الأرانب، فكتب عليه السّلام «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و لو كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه» (3)، و ما حكاه في كشف اللثام:


1- لفّ و نشر مرتّب، يعني: لا يخفى ما في الجمع بهذا الوجه من الضعف و ما في تخصيص الكراهة بمورد النص مع استفادة العموم. من التهافت.
2- فإن مقتضى صحيحة ابن عبد الجبار جواز الصلاة في قلنسوة التصق بها وبر ما لا يؤكل، و هذا غير ما نحن فيه، و سيأتي البحث عنه، و لو سلّم كونه منه لكن لم تتضمّن الروايتان المنع عن القلنسوة ليحمل على الكراهة جمعا، بل يتعيّن حينئذ تخصيص العموم و تقييد الإطلاقات بها بموجب الصحيحة، و البناء فيها على الجواز من دون كراهة.
3- أورده في الوسائل في الباب 14 من لباس المصلي، الحديث 4، و قد دلّ بظاهره على جواز الصلاة في التكّة من وبر ما لا يؤكل إذا كان حيوانه مذكّى.

ص: 104

أنّه وجد في بعض الكتب عن الرضا عليه السّلام «و قد تجوز الصلاة فيما لم تنبت الأرض و لم يحلّ أكله مثل السنجاب و الفنك و السمّور و الحواصل إذا كان ممّا لا تجوز في مثله وحده الصلاة» (1).

و لا يخفى ما في التعويل عليهما في تخصيص الأدلة من الضعف:

أمّا مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار فلأنّ هذه المكاتبة الشريفة و إن كانت صحيحة ظاهرة الدلالة (2)، لكنّ تعليق الجواز فيها على التذكية المعدود عدم اعتبارها في الوبر (3) من قطعيّات المذهب أمارة ظاهرة على أنّها قد أعطيت من جراب النورة (4)، فإنّ تعليق


1- العبارة مطابقة للموجود في الطبعة القديمة من الفقه الرضوي (41)، و حكاه عنه في المستدرك في الباب 14 من لباس المصلي، لكن الموجود في طبعته الحديثة (302) بعد كلمة الحواصل: «و إذا كان الحرير فيما لا يجوز في مثله وحده الصلاة مثل القلنسوة من الحرير و التكة. يجوز الصلاة فيه و لا بأس به»، و عليه فهو أجنبي عن المقام.
2- قد يحتمل أو يستظهر أنّ المراد بالذكيّ فيها مأكول اللحم- كما هو محتمل أيضا في رواية ابن أبي حمزة السابقة- فكأنّه عليه السّلام أشار إلى المنع عمّا سئل عنه بطرف خفيّ و لم يصرّح به تقية، فإن بعض العامة لا يرون المنع عن الصلاة في غير المأكول- كما مرّ-، و عليه فالمكاتبة تصبح دليلا على المنع بدل الجواز، هذا، و في حاشية الوحيد قدّس سرّه على المدارك احتمال هذا المعنى، بل في مفتاح الكرامة (2: 147) ما يظهر منه استظهاره له.
3- و نحوه مما لا تحلّه الحياة.
4- قد تقدم أنه اشتهر التعبير به في عصر الأئمّة عليهم السّلام كناية عن صدورها تقية.

ص: 105

الجواز و المنع فيما تحلّه أو لا تحلّه الحياة من كلّ حيوان (1) على التذكية و عدمها- كما عن ابن حنبل (2)- هو المحكيّ اشتهاره في ذلك العصر، و كانت التقيّة شديدة (3)، و قد صدرت المكاتبة الشريفة على طبقه، و هي تنادي بأعلى صوتها بذلك، و لم يعمل المعظم بها لذلك، فهل يسوغ للفقيه أن يكتفي بصحة سندها عن جميع ذلك.

و أمّا ما عن الرضا عليه السّلام فقد تردّد في الجواهر (4) بين أن يكون من الفقه الرضوي أو رواية أخرى، و يقوى عندي الاحتمال الأوّل، فإن عبارة هذا المرويّ قريبة في سياقها من تعبيرات أحمد بن محمّد بن عيسى، و الذي أظنّه قويّا أنّه مؤلّف هذا الكتاب الشريف


1- و إن كان غير مأكول اللحم.
2- نسب إليه في الجواهر (8: 85) اشتراط كون الشعر و الوبر مأخوذا من حيّ أو ذكيّ، لكن في مفتاح الكرامة (2: 147) نسبة ذلك إلى الشافعي قال قدّس سرّه بعد استظهاره ما مر آنفا «و هناك وجه آخر و هو أن الإمام عليه السّلام اتّقى الشافعية و الحنابلة لأنّ الشافعي شرط كون الشعر و نحوه مأخوذا من الحيّ أو بعد التذكية، و إذا أخذ من الميت فهو نجس، و أحمد قال بعدم جواز الصلاة في الحرير المحض مطلقا».
3- كما يشهد بها فرض السائل في المكاتبتين السابقتين عدم التقية، و نحوهما غيرهما.
4- الجواهر (8: 85)، و قد عرفت وجود الرواية في الطبعة القديمة من الكتاب.

ص: 106

- الموسوم بالفقه الرضوي و يشتمل على ما في نوادره (1).


1- وقع الخلاف الشديد بين الأعلام المتأخرين من لدن زمن المجلسيين رحمهما اللّه تعالى- حيث اشتهر أمر الكتاب و تناولته الأيدي على اختلاف في نسخه- في صحة نسبته إلى الإمام الرضا عليه السّلام و عدمها، و في شخص مؤلّفه- على تقدير العدم-، فمن قائل بأنه تأليفه عليه السّلام، و آخر بأنه بعينه رسالة ابن بابويه إلى ولده الصدوق- رحمهما اللّه تعالى- المسمّاة بالشرائع، و ثالث بأن بعضه إملاء الرضا عليه السّلام و البعض الآخر تأليف أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري مما أورده في نوادره، و هذا ما أعتقده المحدّث النوري قدّس سرّه في مستدركه، و قريب منه ما استقربه المصنف الجدّ قدّس سرّه في المقام و جعله المظنون قويّا، و رابع بأنه بنفسه هو كتاب التكليف للشلمغاني، و اختاره السيّد الصدر قدّس سرّه في رسالته (فصل القضاء)، و خامس بأنّه تأليف بعض أولاد الأئمة عليهم السّلام أو أصحابهم، و سادس بغير ذلك، و لكل من هذه الوجوه شواهد و مؤيدات مذكورة في المطوّلات، و لا بأس بالإشارة إلى بعضها: فمن الشواهد على كونه له عليه السّلام كلا أو بعضا تصدير الكتاب باسمه الشريف، و التعبير في عدة مواضع منه بأبي عليه السّلام أو أبي العالم عليه السّلام، و في موضع (جدّنا أمير المؤمنين)، و في آخر (نحن معاشر أهل البيت)، لكن يبعّده عدم معروفية نسبته إليه عليه السّلام في الأعصار السابقة، و عدم ورود ذكر له و لا إشارة في الكتب و الجوامع الحديثية لا سيما (عيون أخبار الرضا) الموضوع لاستيعاب كل ما أثر عنه عليه السّلام، و يبعّده أيضا اشتماله على كثير من المرويّات المرسلة المصدّرة ب (روي أو يروى أو أروي) أو نحوها مما لا يشبه كلامهم عليهم السّلام و لم يعهد منهم التعبير بمثله و يستشهد على كون بعضه من تأليف الأشعري منضمّا إلى ما أملاه عليه السّلام عليه اشتماله على ما في نوادره، لكن يبعّده تأخّر الأشعري عنه عليه السّلام طبقة، إذ لا رواية له عنه عليه السّلام- و إن لقيه بل و عدّ من أصحابه-، و لا شهادة فيما ذكر لاحتمال كون مؤلفه- أيا كان- قد أدرج في الكتاب بعض روايات النوادر. كما يستشهد على كونه هو (الشرائع) تطابقهما في أكثر العبارات، و انطباق الاسم المصدر، به الكتاب عليه، و لعلّ زيادة كلمة الرضا من تصرّف النسّاخ. و على كونه هو كتاب التكليف- مضافا إلى تطابق العبارات- اشتماله على بعض الآراء المخالفة للإجماع و التي اشتهر تفرّد الشلمغاني بها و كذبه على الأئمّة عليهم السّلام في روايتها، و في رواية عن أبي القاسم الحسين بن روح رحمه اللّه حصرها في موضعين أو ثلاثة، مضافا إلى مهجورية الكتاب في الأعصار الأول التي تناسب كتبه لمكان انحرافه و ما صدر من الناحية المقدسة في لعنه و البراءة منه، هذا. و لنكتف في المقام بهذا القليل و التفاصيل تطلب من مظانّها.

ص: 107

و لا يخفى أنّ جملة ما يتضمّنه هذا الكتاب بين طوائف ثلاث:

الاولى: ما يظهر من سياقه أنّ من نطق به يرى نفسه أنّه الإمام و ابن الأئمّة (1)، و المظنون قويّا أنّه من إملاء الرضا عليه السّلام، و كتبه المؤلّف المذكور.

الثانية: روايات عن آبائه الطاهرين (صلوات اللّه عليهم) (2)


1- كقوله في باب غسل الميت بعد حكاية ما صنعه الباقر عليه السّلام في تغسيل أبيه عليه السّلام-: «و كذلك فعلت أنا بأبي»، و في باب الدعاء: «هذا ما نداوم به نحن معاشر أهل البيت عليهم السّلام»، و نحو ذلك.
2- هي روايات كثيرة مسندة إلى رواتها مرويّة عن المعصومين من آبائه عليهم السّلام أدرجت ضمن هذا الكتاب، و توجد في النوادر أيضا.

ص: 108

جمعها عن الرواة عنهم، و أدرجها في طيّ هذا الكتاب، و في نوادره، و يوجد بعضها في الجوامع الأخر مسندا إليه (1)، و في الوسائل أيضا عن تلك الكتب- كما لا يخفى على الخبير بها.

الثالثة: ما اشتبه حاله (2)، و يظنّ أنّ جملة منه من اجتهادات المؤلّف في الجمع بين ما تعارضت ظواهرها (3)، و نحو ذلك.

و لا يبعد أن يكون اشتمال هذا المؤلّف الجليل على الطائفة الأخيرة، و عدم تميّزها عن الاولى (4) هو الذي أوجب عدم اشتهار الكتاب بين الأصحاب، و يشبه أن يكون هذا المرويّ من هذا القبيل (5)، و قد جمع بين ما دلّ على جوازها و ما دلّ على عدم جوازها في المذكورات بذلك. و كيف كان فعدم صلاحيّته لأن يعوّل عليه في تخصيص العموم ظاهر.


1- أي إلى الرضا عليه السّلام.
2- و هذه أكثر ما يتضمنه الكتاب- كما يظهر بالمراجعة.
3- يعني أن جملة ممّا اشتبه حاله بيان لما أدّى إليه اجتهاد المؤلف في موارد تعارض الأدلة و نحوها.
4- بمعنى احتمال أن يكون الناطق بها هو الناطق بالأولى و أن يكون غيره.
5- أي من قبيل اجتهادات المؤلف، و أنّ حكمه بجواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه من المذكورات من السنجاب و الفنك و غيرهما- دون ما تتمّ- جمعا بين ما دلّ على جوازها في المذكورات مطلقا و ما دلّ على العدم كذلك، بحمل الأوّل على ما لا تتمّ منها، و الثاني على ما تتمّ، و قد سلف ذكر روايات الطائفتين قبل هذا المقام.

ص: 109

و أمّا العوارض اللاحقة لبدن المصلّي أو لباسه (1) فمقتضى صراحة الموثّقة في شمول الحكم لمثل الروث و الألبان و نحوهما (2) ممّا لا يصلح لاتّخاذ الملابس منه هو توسّع الظرفية (3) المستعملة فيها أداتها لما يعمّ الإضافة إلى أمثال هذه العوارض سواء كانت


1- كالعرق و الريق و البول و اللبن و نحوها من الرطوبات الطاهرة حال رطوبتها أو بعد يبسها مع بقاء أثرها على اللباس أو البدن، و كذا الشعر و الوبر و نحوهما الملتصق بأحدهما.
2- كالبول و سائر الرطوبات المندرجة في قوله عليه السّلام «و كلّ شي ء منه».
3- فإن هذه العوارض لمّا لم تصلح لاتخاذ الملابس منها فلم يمكن كون الظرفية المستعملة فيها أداتها ظرفية حقيقية، فلا محالة يكون ذكرها قرينة على إرادة الظرفية التوسّعية بحيث تعمّ الإضافة المتحققة بين الصلاة و جميع هذه العوارض، و من الواضح أنّ الإضافة المذكورة لا يفرّق فيها بين ما كانت متحققة، بين الصلاة و عوارض اللباس أو بينها و بين عوارض البدن، فلا قصور في شمول الإطلاق لهما على نسق واحد.و هذا الكلام منه قدّس سرّه ردّ على من ارتكب التجوّز في الأداة و ادّعى استعمالها في المعيّة مجازا- كما استظهره الوحيد قدّس سرّه في حاشيته على المدارك-، قال: «إن رواية ابن بكير ظاهرة فيه- أي في عدم اختصاص المنع باللبس و شموله للاستصحاب-، فإن الصلاة في الروث مثلا ظاهرة في المعيّة، و تقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوّث به غلط» إلى آخر كلامه قدّس سرّه. كما أنه ردّ على من ارتكب الإضمار و أن التقدير (الصلاة في اللباس المتلطّخ بها)- كما هو ظاهر الجواهر (8: 77). و الوجه فيه أنه إذا أمكن التحفّظ على معنى الظرفية- و لو التوسّعي الادّعائي منها فلا تصل النوبة إلى ارتكاب التجوّز في الكلمة أو الإضمار.

ص: 110

عارضة لبدن المصلّي أو لباسه، فإنّ الإضافة إلى نفس اللباس و إن كانت من قبيل الظرفيّة الحقيقيّة (1)، لكنّها لمّا كانت بالنسبة إلى عوارضه توسّعية مندرجة مع عوارض البدن تحت جامع واحد (2)، فتكون أداة الظرفية مستعملة فيما يعمّ ذلك الجامع (3)- لا محالة-، و لا وجه للتخصيص بعوارض اللباس (4)، و لا لتخصيص الشعر و الوبر بما عمل اللباس منه (5)، بل يعمّ الشعر و الوبر الملتصق بالبدن


1- و إن لم تكن في الوضوح كظرفية المكان للكائن فيه.
2- و هو مطلق الإضافة الحاصلة بين الصلاة و هذه الأمور، سواء كانت في البدن أو اللباس.
3- و يكون هذا المعنى مطّردا في جميع الفقرات من دون تفكيك بينها، فإنه مقتضى الاقتصار على ذكر الأداة مرّة واحدة و دخول الفقرات أجمع عليها متعاطفة بعضها على بعض.
4- ليخرج منه ما تلطّخ به البدن منها، لأنه خلاف الإطلاق- كما عرفت. و دعوى إمكان التحفّظ على الظرفية الحقيقية بالنسبة إليها إذا حملت على ظرفيّة المتلطّخ بها فيتعيّن ذلك- كما هو مقتضى كلام الجواهر-، مدفوعة بأن هذا يستلزم إضمار ما ذكر، و هو خلاف الظاهر جدا، و مستتبع للتقييد الذي لا موجب له رأسا.
5- المشهور- كما عن الذخيرة و الكفاية و المجلسي- عموم المنع في الشعر و الوبر و نحوهما للملتصق منها باللباس أو البدن، و حكى في مفتاح الكرامة عن الروض و المسالك و المدارك و المفاتيح اختصاص المنع بالمعمول منه اللباس، و عن الروض أنه حكاه عن صريح الشيخ و الذكرى و ظاهر المعتبر، و مال إليه في الجواهر، و ذكر في وجهه: أن الحقيقة و إن تعذّرت بالنسبة إلى الروث و نحوه، لكنها غير متعذّرة بالنسبة إلى الشعر و نحوه بإرادة الصلاة في اللباس المعمول منه فيؤخذ بها (الجواهر 8: 77)، لكنّك عرفت أنّ قرينة الاشتمال على الروث و نحوه اقتضت التوسّع في الظرفية من دون إضمار، و أن مقتضى وحدة السياق اطّراد التوسّع المزبور في جميع الفقرات من دون تفكيك، و أن مقتضى الإطلاق اللفظي عدم الفرق بين الشعر المعمول منه اللباس و الملتصق، و لا بين الشعر و الروث الملتصق باللباس أو البدن.

ص: 111

أو اللباس أيضا- كما نسب إلى المشهور-، و يشهد بذلك أو يدلّ عليه (1) رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني أيضا، قال: كتبت إليه:

يسقط على ثوبي الوبر أو الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة و لا ضرورة، فكتب «لا تجوز الصلاة فيه»، نعم شموله لشعرة واحدة


1- فإنه بناء على رجوع ضمير (فيه) إلى الشعر و الوبر فكما تتمّ دلالتها على المطلب، كذلك شهادتها على ما أفيد من عموم الظرفية في الموثقة لما يشمل إضافة الصلاة إلى الملتصق، أما بناء على رجوع الضمير إلى الثوب نفسه فلا شهادة فيها، بل مجرّد الدلالة على الحكم و أنه لا تجوز الصلاة في ثوب سقط عليه الوبر أو الشعر ممّا لا يؤكل لحمه، هذا، لكنّ الرواية غير نقيّة السند من جهة إبراهيم بن محمّد و إن كان وكيل الناحية، إلّا إذا بني على كفاية الوكالة في ثبوت الوثاقة، و كذا من جهة عمر بن علي بن عمر بن يزيد الذي رواها عنه محمد بن أحمد بن يحيى، إلّا إذا بني على أنّ عدم استثناء ابن الوليد رواية رجل من كتاب نوادر الحكمة توثيق منه له، و الرجل كذلك. و الرواية تجدها رابعة روايات الباب الثاني من لباس المصلي من الوسائل.

ص: 112

- كما عن جامع المقاصد (1)- لا يخلو عن الإشكال (2)، خصوصا إذا التفّت بما ينسج الثوب منه.

و أمّا صحيحة محمّد بن عبد الجبّار (3) فتقدّم أنّ ما تضمّنته من اعتبار التذكية في الوبر، و إطلاق جوازها فيما كان منه ذكيّا قرينة


1- قال قدّس سرّه (2: 81): فيعمّ المنع حتى الشعرة الواحدة على الثوب أو البدن.
2- وجه الإشكال في صورة التفافها بالخيوط المنسوج منها الثوب: قرب دعوى أنها إذ لا تميّز لها حينئذ فهي مستهلكة في الخيوط، فلا يرى لها العرف وجودا، فلا يصدق أنه صلّى فيها، أما وجهه في غير هذه الصورة- كالملقاة على البدن أو الثوب- فلا يخلو عن خفاء، إذ الاستهلاك مع تميّزها و انفصالها غير متحقق، و صغرها لا يلحقها بالمعدوم، و تسامح العرف فيه- لو فرض- لا عبرة به لكونه تسامحا في التطبيق، و المفروض صدق الشعر عليها حقيقة، هذا. و يأتي في الفرع الرابع الباحث عن حكم الخليط و المغشوش ما له نفع تامّ في المقام، فانتظر.
3- الدالة على جواز الصلاة في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه إذا كان حيوانه مذكّى، و يستفاد منها- بعد إلغاء خصوصية المورد- عموم الحكم لما يلتصق بغير القلنسوة من سائر اللباس و البدن، فتعارض موثقة ابن بكير و رواية الهمداني الآنفة الذكر، و قد عالج قدّس سرّه- كغيره- التعارض المزبور بما تقدّم من وجود الأمارة الظاهرة على صدور الصحيحة تقية و هي مطابقة ما تضمّنته- من اعتبار التذكية في الوبر و إطلاق جواز الصلاة فيه و إن كان محرّم الأكل- لمذهب العامّة المشهور في ذلك العصر، هذا. و قد مرّ أنه قد يحتمل بل يستظهر أن يراد بالذكيّ فيها محلّل الأكل، و عليه فلا معارضة.

ص: 113

ظاهرة على أنّها قد أعطيت من جراب النورة.

و قد ظهر من ذلك (1) أنّ مقتضى شمول قوله صلّى اللّه عليه و آله «و كلّ شي ء منه» للعظم و نحوه ممّا يكون أكثر مصاحبته للمصلّي بحمله له، و كون التوسّع في الظرفيّة تابعا لعموم ما أخذ طرفا لإضافة الصلاة إليه هو عموم الحكم للمحمول أيضا، إذ كما لا سبيل إلى إخراج العظم عن هذا العموم (2)، فكذا لا سبيل إلى تخصيصه بما إذا كان كالزرّ و نحوه


1- تعرّض قدّس سرّه هنا لحكم المحمول و اختار دخوله في عموم المنع- إذا كان لوقوع الصلاة إضافة إليه- مستظهرا ذلك من الموثقة بتقريب يبتني على أمرين:- الأول: ما هو بمنزلة الصغرى، و هو أن عموم قوله عليه السّلام «و كلّ شي ء منه» يشمل العظم و نحوه من الأجزاء التي يغلب كونها محمولة للمصلّي لا ملبوسة له.و الثاني: ما هو بمنزلة الكبرى، و هو أنّه يتوسع في الظرفيّة و الإضافة الصلاتية بمقدار ما يناسب حال ما أخذ في مدخول الأداة، فإذا أخذ فيه ما نسبته إلى الصلاة نسبة المحمول المصاحب- كالعظم- توسّعت الظرفية بحسبه، و شملت الإضافة الصلاتية إلى المحمول، فكأنّه قال (لا تصلّ حاملا ما لا يؤكل لحمه).
2- أي عموم «و كلّ شي ء منه»، فإنه لو اخرج عنه لم يكن فيما أخذ في مدخول الأداة ما نسبته إلى الصلاة- في الغالب- نسبة المحمول، و كذا لو لم يخرج عن لكنّه خصّص بما إذا كان كالزرّ و نحوه، و الوجه في نفي السبيل عن إخراجه عن العموم هو اقتضاء العموم دخوله و فقد المخصّص، كما أن الوجه في نفي السبيل عن تخصيصه بمثل الزرّ هو شمول العموم لجميع أحواله و أشكاله- سواء كان تابعا للباس أم مستقلا-، و المفروض انتفاء المخصص.

ص: 114

من توابع اللباس- كما لا يخفى. نعم لو لم يكن في البين سوى المصاحبة للمصلّي من دون أن يكون لوقوع الصلاة إضافة إليه لم يندرج في هذا العموم (1)، و قد يمثّل لذلك بما إذا كان في حقّة و كانت الحقّة معه. و هو حسن إذا كانت الحقّة معلّقة عليه و لم تتحرّك بحركات الركوع و السجود (2)، دون ما إذا كانت في جيبه- كما لا يخفى.

الرابعة: لو مزج غير المأكول بما تجوز الصلاة فيه (3) فإن كان


1- لأنه لا ربط له بصلاته، و لا إضافة لصلاته إليه و إن كان للمصلي نفسه إضافة إليه، فلا يصدق الصلاة فيه- حتى توسّعا.
2- كما إذا كان يصلّي قائما مومئا للركوع و السجود و الحقّة معلّقة في رقبته مثلا، أو أنه يصلّي قائما معلّقا عليه الحقّة فإذا أراد الركوع و السجود نزعها و وضعها على الأرض، فإنّ كونه في الحقّة- و هي معلّقة- يجعله كثير الابتعاد عن بدن المصلّي و لباسه، فكأنه لا يعدّ من توابعه التي يكون للصلاة أضافه إليها، و المفروض أيضا عدم تحرّكه بالحركات الصلاتية الموجب لارتباطه بالصلاة، فلا يصدق أنّه صلّى فيه، بخلاف ما إذا وضع الحقّة في جيب ثوبه الملتصق ببدنه و صلّى راكعا و ساجدا، بل أو مومئا لهما، و لا أثر لكونه في الحقّة- و الحال هذه- في المنع عن صدق الصلاة فيه، هذا. لكن قد يشكل بأنّ الإضافة الصلاتية- بالنظر الدقّي- متحققة في الفرض المزبور أيضا، و أنّ اعتبار التحرك بالحركات الصلاتية في تحقق الإضافة المزبورة غير واضح، فلا حظ و تأمّل.
3- و هو النباتي أو المأكول أو كالخزّ المستثنى من غير المأكول.

ص: 115

ذلك الخليط قدر ما يحصل منه زيادة عرفيّة في مقدار المجموع (1) لم يخرج عن حكمه، سواء كان ظاهرا أو كان غشّا خفيّا (2) لا يبان فيه، إذ لا مجال لتوهّم استهلاكه (3)، و لا جدوى لتسمية المجموع عرفا باسم ما غشّ به (4)، كيف و ليست ناشئة عن الصدق و الانطباق (5)، و إنما هي من الخطأ أو التسامح في التطبيق، و أيّا ما كان (6) لا عبرة به، و من ذلك الخزّ المغشوش بوبر الأرانب و نحوه، و تقدّم (7) أنّ ما دلّ على عدم جوازها فيه- و هو رواية أحمد بن


1- بحيث يقال عرفا إنّه مؤلّف من المأكول و غيره، و لو بنسبة العشر مثلا أو أقلّ.
2- إذ لا أثر لخفائه مع فرض وجوده بمقدار معتدّ به.
3- حتّى عرفا، لأن المفروض أنّ له كميّة محسوسة بحيث يراه العرف موجودا ضمن المجموع، و هو ينافي الاستهلاك- المبنيّ على عدّه معدوما.
4- كما إذا سمّي الخزّ المغشوش بوبر الأرانب أو الثعالب باسم الخزّ.
5- فإنّ المسامحة العرفية إن كانت في توسعة دائرة المفهوم، بحيث أصبح المفهوم العرفي تامّ الانطباق و الصدق على المورد، أخذ بها. أمّا إذا كانت مسامحة في التطبيق فقط من دون انطباق حقيقي- لعدم اتّساع المفهوم حقيقة و لا عرفا- فلا عبرة بها- كالمسامحة في إطلاق الكرّ على ما ينقص منه غرفة-، و المقام من الثاني، و أوضح منها في عدم الاعتبار ما إذا كان خطأ عرفيا في التسمية و التطبيق.
6- أي من الأمرين: الخطأ أو التسامح.
7- تقدّم منه قدّس سرّه في ذيل الجهة الاولى أنّ ما سوى الخز و السنجاب مما وردت الرخصة فيه- و منها الخز المغشوش بوبر الأرانب- قد ورد المنع عنه أيضا، و عليه- أي على المنع- بنى العصابة و لم يلتفتوا إلى روايات الرخصة، حيث عرفوا أنها إنما أعطيت من جراب النورة، هذا. و قد أشار عليه قدّس سرّه هنا إلى الرواية المانعة عن الخز المغشوش، و هي ما رفعه أحمد بن محمّد أو أيوب بن نوح- على اختلاف طرقه- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به، فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه»، راجع الباب 9 من لباس المصلي من الوسائل، الحديث 1.

ص: 116

محمّد و أيوب بن نوح- هو المعمول به بين الأصحاب، بل نقل في المعتبر عن جماعة منهم دعوى الإجماع على ذلك، و كان حال ما دلّ على جوازها في المغشوش بتلك الأوبار (1) كحال ما دلّ على جوازها فيها عند خلوصها (2)- كما تقدّم-، و لو فرض تكافؤهما (3) و تساقطهما بذلك- كما هو الشأن فيما كان للمخصّص معارض


1- و هو رواية داود الصرمي- كما في التهذيب- أو داود الصرمي عن بشير بن يسار- كما في الاستبصار- قال: سألته عن الصلاة في الخز يغشّ بوبر الأرانب، فكتب: «يجوز ذلك»، راجع نفس الباب، الحديث 2.
2- أي في أوبار الأرانب الخالصة، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الفراء و السمّور و السنجاب و الثعالب و أشباهه، قال: «لا بأس بالصلاة فيه». (الباب 4، الحديث 2)، و أشباهه تشمل الأرانب. و المقصود بالعبارة أنّ حال الجميع واحد، و هو أنها مهجورة عند الأصحاب محمولة على التقية.
3- بأن لم يعتدّ برجحان الرواية المانعة على المجوّزة بمخالفتها لمن جعل اللّه الرشد في خلافهم.

ص: 117

يعادله (1)- فقد عرفت أنّ (2) إطلاق المنع عن الأرانب و الثعالب يعمّ الغشّ، و إطلاق الرخصة في الخزّ لا يعمّ المغشوش.

و لو كان مقدار الغشّ يسيرا جدّا بحيث لا يحصل منه زيادة عرفية في مقدار المجموع، و يكون وجوده كعدمه، ففي سقوط حكمه بذلك و عدمه وجهان: من صدق استهلاكه عرفا، و من أنّ (3)


1- و المقام من هذا القبيل، فإنّ الدليل المجوّز مقيّد لإطلاق المنع عن المغشوش به معارض بالدليل المانع. و ظاهر العبارة أنّ حكم المتعارضين المتعادلين إذا كان أحدهما مخصّصا لعامّ و الآخر موافقا له هو التساقط و الرجوع إلى العموم، دون التخيير، و في الأصول أطلق قدّس سرّه القول بالتخيير من دون استثناء المورد المذكور، و الظاهر أنّ الوجه في استثنائه أن العامّ لم يثبت تخصيصه بشي ء لابتلاء المخصص بالمعارض- حسب الفرض-، إذن فأصالة العموم محكّمة فهو المعوّل عليه، دون شي ء من المتعارضين.
2- عرفت أمر الإطلاقين ممّا مرّ آنفا من أنه في مفروض المقام لا مجال لتوهّم الاستهلاك، و أن تسمية المجموع عرفا باسم المغشوش خطأ أو تسامح في التطبيق، و لا عبرة بشي ء منهما، و مقتضى ذلك أن إطلاق المنع عن الأرانب و الثعالب يعمّ المقامين لتحقّق موضوعه، بخلاف إطلاق الرخصة في الخز، فإنّ موضوعه عنوان الخز الظاهر في الخالص، فلا يشمل المغشوش، إذن فالإطلاق الأوّل هو المرجع في المقام بعد تساقط المتعارضين، هذا. و قد سمعت إطلاقات المنع عن الأرانب و الثعالب عند إيراد أخبار الباب، و عمدتها صحيحتا ابن راشد و ابن مسلم المانعتان عن الثعالب و صحيحة ابن مهزيار المانعة عن الأرانب.
3- محصّل هذا الوجه أنه لا عبرة بالصدق العرفي لعنوان الاستهلاك،لعدم وروده بعنوانه في دليل شرعي يبيّن كونه مخرجا لموضوعات الأحكام عن الموضوعية لها، كي يتبع صدق هذا العنوان عرفا، و إنما العبرة في الخروج عن الموضوعية بانعدام الموضوع خارجا إما حقيقة أو عرفا، فإن لم ينعدم و كان له وجود حقيقة و عرفا لحقه حكمه و إن صدق في مورده الاستهلاك عرفا.

ص: 118

عنوان الاستهلاك لم يؤخذ- بنفس عنوانه- مخرجا لموضوعات الأحكام عن الموضوعيّة لها، كي يدور مدار صدقه العرفي، و إنّما العبرة في ذلك بانعدام تلك الموضوعات بامتزاجها بما يغلب عليها، إمّا حقيقة كالدم المستهلك في الماء، فإنّ صورته النوعيّة تنعدم (1) حقيقة باستيلاء الماء عليه و تفرّق أجزائه فيه، أو عرفا كالماء القليل الملقى في نهر و نحوه (2)، و لو ألقي في حوض صغير مملوك للغير ففي كونه من التالف إشكال (3)، فضلا عن الصوف


1- الموجود في الطبعة الاولى (تنهدم) و الصحيح ما أثبتناه.
2- فإنّ تفرّق الأجزاء و إن حصل فيه أيضا- كما في مثال الدم- إلّا أنه لمجانسته مع المختلط به في الماهية فلا يوجب الاختلاط زوال صورته النوعية حقيقة- كما كان في الدم-، بل انعدام وجوده عرفا، لشدة استيلاء ماء النهر عليه و استيعابه إياه و ضياعه فيه، فلا يرى له وجود، و يعدّ من التالف، و يضمن بدله لمالكه إن كانت له ماليّة.
3- وجهه أنّ عدم غزارة ماء الحوض و استيعابه لما ألقي فيه من القليل يوجب عدم وضوح انعدام ما ألقي فيه في نظر العرف- حذو وضوحه إذا ألقي في ماء النهر الكبير- فلا يعلم كونه من التالف عرفا المضمون لمالكه أو كونه من الزيادة في مقدار المجموع الموجبة للاشتراك بين المالكين، إذن فمورد الإشكال هو ما إذا شك في تحقق الزيادة العرفية و عدمه.

ص: 119

القليل (1) المندوب بقطن كثير، و نحو ذلك.

و بالجملة فإذا لم يكن الخلط موجبا لزيادة عينيّة أو حكميّة (2) في المجموع، و كانا لمالكين فلا إشكال في عدم اشتراكه بينهما، أمّا استناد ذلك (3) إلى خروجه- من جهة قلّته- عن الماليّة مع بقاء سائر أحكامه، أو كونه من التالف العرفي و سقوط جميع أحكامه بذلك لا يخلو عن


1- و إذا كان متّخذا من غير المأكول كان مثالا للشبهة المبحوث عنها، و وجهه أقوائية الإشكال فيه من سابقه أن الخلط و الامتزاج في الجوامد أضعف منه في المائعات- كما لا يخفى.
2- كما إذا أوجب الخليط زيادة قيمة المجموع من دون زيادة عينية في كميّته، و محصّل ما أجمله قدّس سرّه في هذا المقام: أن الخلط و الغش في محل الكلام إن كان بمقدار يوجب زيادة عينية أو حكمية في المجموع- كما في الصورة السابقة- كان للخليط حكمه- كما مرّ-، و إذا كانا لمالكين اشتركا في المجموع، و إن لم يكن بهذا المقدار- و هي الصورة الثانية- لم يشترك فيه المالكان بلا إشكال، أمّا لمجرد خروج الخليط لقلّته عن المالية- كما في حبة الحنطة، و الاشتراك فرع تحقق المالية لكلّ من الخليطين- مع بقاء وجوده الخارجي، فيبقى معه سائر أحكامه- و منها عدم جواز الصلاة فيه إذا غشّ بغير المأكول-، و إمّا لكونه معدودا في العرف من التالف المنعدم الوجود، فيسقط به جميع أحكامه فيجوز الصلاة فيه. و وجه الترديد هو ما تقدّم منه قدّس سرّه من الترديد في كفاية صدق الاستهلاك عرفا في سقوط أحكامه، أو عدم كفايته لعدم ورود عنوان الاستهلاك موضوعا في دليل شرعي ليتبع صدقه، و إنما المتّبع انعدام الموضوع حقيقة أو عرفا، و تحققه في المقام غير معلوم، إذن فيشكل الصلاة فيه، و إن لم يكن إشكال في عدم الاشتراك فيه بين المالكين.
3- أي استناد عدم الاشتراك بينهما.

ص: 120

الإشكال، و لنقتصر ممّا يهمّ من فروع التلازم بين الحكمين على ذلك.

[الأمر الثالث هل الوقوع في المأكول شرط أو الوقوع في غيره مانع أو كلاهما]

الأمر الثالث: إنّه بعد الفراغ عن كون التلازم المذكور من الواضحات التي لا مجال للشبهة فيها، ففي استناده (1) إلى عدم صلاحيّة غير المأكول- من حيث نفسه- لوقوع الصلاة فيه و كونه في عداد الموانع بذلك، أو إلى انتفاء ضدّه الوجوديّ الذي هو الوقوع في المأكول و كونه كالطهارة و نحوها من الشرائط الوجوديّة، أو إلى مجموع الأمرين و رجوع النتيجة في المقام إلى شرطيّة أحد الضدين و مانعيّة الآخر، وجوه و أقوال.

فظاهر الأكثر هو الأوّل، لأنهم لم يعتبروا من هذه الجهة سوى انتفاء تلك الخصوصيّة المفسدة (2)، و لو كانوا يعتبرون ضدّها الوجوديّ لم يكتفوا في بيانه بنفي ضدّه- كما هو الشأن في نظائره،


1- أي استناد التلازم المذكور و الحكم بفساد الصلاة في أجزاء غير المأكول إلى وجدانها للمانع- و هو وقوعها في أجزائه-، أو إلى فقدها لشرط الوقوع في المأكول، أو إليهما جميعا.
2- إذ عبّروا بمثل: لا تجوز، أو لا تصح الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه، أو يشترط أن لا يكون لباس المصلي منها، و نحو ذلك ممّا ظاهره المانعية و تقيّد المطلوب بعدم وقوعه في غير المأكول، و لو كانوا قائلين بالشرطية و تقيّد المطلوب بوقوعه في المأكول لعبّروا بمثل: تجب الصلاة في أجزاء المأكول، أو يعتبر وقوعها فيها، و نحو ذلك،- كما عبّروا كذلك بالنسبة إلى سائر الشرائط كالطهارة و نحوها-، و ليس من المتعارف في مقام بيان اعتبار شي ء التعبير باعتبار انتفاء ضده، فإنه تبعيد للمسافة- كالأكل من القفا.

ص: 121

كالطهارة الحدثيّة و الخبثيّة و غير ذلك.

و ذهب غير واحد (1) تبعا لمحكيّ المنتهى إلى الثاني، و عليه بنوا رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى الشكّ في الامتثال (2) إمّا مطلقا، أو بالتفصيل الأخير (3)- كما ستعرفه.

و اختار الثالث في الجواهر، لكنّه عمّم المانعيّة لجميع ما يصلّى فيه من اللباس و عوارضه و الشعرات الملقاة و المحمول، نظرا إلى ظهور صدر الموثّقة (4) في المانعيّة و شمول الظرفيّة فيه لجميع


1- تقدّم كلام العلّامة قدّس سرّه في المنتهى و المصرّح فيه بالشرطية، و هي ظاهر كشف اللثام، و مفتاح الكرامة أيضا.
2- فذهبوا لأجله إلى المنع، لأنّ القيد الوجودي لا بدّ من إحرازه لدى الامتثال، و الشك في تحققه شك في الامتثال، و هو مجرى قاعدة الاشتغال.
3- و هو القول الرابع المتقدم نقله في أوّل الرسالة عند تحرير أقوال المسألة، و هو التفصيل بين ما إذا علم أنّه من أجزاء الحيوان و شكّ في مأكوليته فالمنع، و ما إذا لم يعلم ذلك و كانت النباتية أيضا محتملة فالجواز، و ستعرف أن القائل بهذا التفصيل يرى اختصاص شرطية المأكولية بما إذا كان من أجزاء الحيوان، فيختصّ الشك في الامتثال بهذه الصورة لا محالة.
4- و هو قوله عليه السّلام: «الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره. فاسدة» فإنه ظاهر في المانعية، و الظرفية فيه شاملة للباس و عوارضه و الشعرات و المحمول، و قد مرّ بيان كيفية شمولها و التوسّع فيها.

ص: 122

ذلك، و قد استظهر شرطيّة المأكوليّة أيضا من ذيلها (1)، لكنّه خصّصها باللباس، لخلوّه عمّا يوجب التوسّع في الظرفية فيه (2)، و قد التزم في خصوص اللباس بكلا الأمرين بزعم عدم التنافي، و فرّع ما اختاره من التفصيل في جوازها (3) في المشتبه بين اللباس و غيره من المذكورات على ذلك (4)، بناء منه (5) على المفروغيّة عن


1- و هو قوله عليه السّلام: «لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره مما أحلّ اللّه أكله»، و سيأتي البحث عنه.
2- فيؤخذ بظاهر الظرفية فيه و هو الظرفية الحقيقية الخاصّة باللباس.
3- أي جواز الصلاة.
4- يعني على تعميمه المانعية للجميع و تخصيصه الشرطية باللباس، قال قدّس سرّه في الجواهر (8: 82): «و لكن قد يقال: إن المستفاد من الموثق المزبور شرطية المأكول بالنظر إلى الملبوس نفسه، أمّا ما كان عليه من الشعرات- بناء على المنع منها- أو الفضلات أو المحمول أو نحو ذلك فلا دلالة فيه على اشتراط كونه من المأكول كي لا يجزي الصلاة مع الشك فيها، بل هي تبقى على النهي عنها من غير المأكول، فمع تحققها تبطل الصلاة، و مع الشك فلا» انتهى موضع الحاجة، و محصّله أنّه لا دليل على الشرطية بالنسبة إلى غير الملبوس، بل مجرد المانعية المستتبعة للصحة مع الشك، أمّا الملبوس فقد دلّ الدليل على الشرطية أيضا بالنسبة إليه، و مقتضاها البطلان لدى الشك.
5- تعليل لاختياره التفصيل المذكور، فإنّ مقتضى الأصل المذكور عدم وقوع الصلاة في المأكول المعتبر شرطا في اللباس فتبطل، و عدم وقوعها في غير المأكول المعتبر مانعا في غير اللباس فتصح، و سيأتي تحقيق الحال في هذا الأصل في المقام الثالث من مقامات البحث عن الأصول العملية التي وقع البحث عن جريانها في المقام.

ص: 123

حجيّة أصالة العدم عند الشكّ في أيّ حادث يترتّب الأثر على وجوده، و جعل الجواز و العدم في المشتبه مبنيّا على القول بمانعيّة غير المأكول و شرطيّة المأكوليّة من ذلك (1)، و تقدّم ابتناء ما اختاره من الجواز فيما انفصل عن الإنسان مطلقا إذا كان من العوارض أو المحمول، و استشكاله في الثوب المنسوج من شعره أيضا على ذلك (2)، و لا يهمّنا التعرّض لمواقع النظر فيما أفاده.

و إنّما المهمّ في المقام هو البحث أوّلا عن إمكان اجتماعهما (3) في الضدّين أو امتناعه، ثم تنقيح ما يستفاد في مقام الإثبات من أدلّة الباب.

أمّا الأوّل: فلا يخفى أنّ امتناعه من فروع امتناع الجمع بين الضدّين (4)، و يلحقه في الوضوح.

أمّا في التكوينيّات فظاهر، لأنّ مناط شرطيّة الشرط (5) و كونه


1- الظاهر أن الظرف متعلق ب (جعل)، و (في) سببية، يعني أنه قدّس سرّه جعل الجواز و عدمه مبنيا على القولين- كما تقدّم نقله عنه لدى سرد الأقوال- بسبب بنائه على المفروغية عن حجية الأصل المذكور.
2- تقدّم نقل ذلك عنه قدّس سرّه لدى البحث عن الصلاة في أجزاء الإنسان و فضلاته، حيث بنى التفصيل المذكور على اختصاص الشرطية باللباس.
3- اي اجتماع الشرطية و المانعية.
4- سيتضح لك وجهه قريبا.
5- مهّد قدّس سرّه لإثبات مطلوبه و البرهنة عليه مقدمة تعرّض فيها لبيان المناط لكل من أجزاء العلة الثلاثة: المقتضي و الشرط و عدم المانع، و موقعه من تركيب العلّة، و وجه دخله في ترتّب المعلول عليه، فأفاد قدّس سرّه: أن المقتضي هو الذي يترشّح منه وجود المعلول و يكون له الفاعليّة و التأثير في إفاضته و لا شأن للآخرين في هذه المرحلة- أعني مرحلة الرشح و التأثير-، كما في النار بالنسبة إلى الاحتراق، أمّا الشرط فهو الذي يتوقف تمامية المقتضي في فاعليّته و تأثيره عليه فلا تأثير له بالفعل إلا بمعونته و لدى تحققه، كالمجاورة- في المثال- فإنّ النار لا تحرق الجسم القابل للاحتراق بنفسها، و إنما تحرقه إذا جاورها، و أمّا المانع فهو الذي يمنع عن تأثير المقتضي بمعونة شرطه في مقتضاه و يدفع عن فاعليّته له، كما في الرطوبة الحافظة للجسم و الدافعة لتأثير النار المجاورة له في احتراقه، و لأجله كان وجود المعلول متوقفا على انتفائه، كما هو متوقف على وجود المقتضي و شرطه.

ص: 124

من أجزاء العلّة هو توقّف تماميّة المقتضي- فيما له من التأثير في إفاضة المعلول- على وجوده، كمجاورة النار للأجسام القابلة للاحتراق بها، فإنّها إنّما تكون محترقة لها بالمجاورة، لا بنفس ذاتها. و مناط مانعيّة المانع هو دفاعه عن تلك الفاعليّة، و دفعه لذلك التأثير الحاصل للمقتضي بمعونة شرطه، كما إذا كان ما جاورته النار ذا رطوبة حافظة له دافعة لتأثيرها في إحراقه، و نحو ذلك، و بهذا الاعتبار (1) عدّ عدم المانع أيضا من أجزاء العلّة، و إلّا فالذي


1- أي باعتبار كون المانع دافعا عن المحل تأثير المقتضي فيه كان وجود المعلول متوقفا على عدمه، فعدّ هذا العدم بهذا الاعتبار من أجزاء علّته، لا باعتبار كونه جزءا مؤثرا في وجود المعلول راشحا له، إذ الرشح و التأثير يختص بالمقتضي فهو العلة و تمام المؤثر، لكن بما أن تأثيره موقوف على اجتماع الأمرين: الشرط و عدم المانع، فبهذا الاعتبار عدّا من أجزاء العلة.

ص: 125

يترشّح عنه وجود المعلول هو المقتضي و إن كان رشحه له متوقّفا على اجتماع الأمرين، و تنحسم مادّة الإشكال (1) في عدّ العدم من أجزاء علّة الوجود بذلك، و يتّضح سرّ الترتّب و الطوليّة (2) بين أجزاء


1- فإن الإشكال الضروري الورود- من أنّ العدم لا يعقل أن يكون مؤثرا أو جزء المؤثر في شي ء، فكيف عدّ عدم المانع من أجزاء العلة- إنما تنحسم مادّته بما ذكر من أنه لا يراد بالعلة ماله التأثير و منه الوجود، بل مطلق ما يتوقف عليه الوجود.
2- غرضه قدّس سرّه بيان أن الطولية و الترتب الواقع بين أجزاء العلة الثلاثة في مقام الفعلية و التأثير إنما هو من متفرعات ما ذكر من المناط لكل من الثلاثة، فإنّ مقتضى ما ذكر أن يكون الشرط متأخرا رتبة عن المقتضي، و يكون عدم المانع متأخرا كذلك عنهما في كل من طرفي التأثير و عدمه، ذلك لأن الشرط ليس له أثر في وجود المعلول و لا في عدمه إلّا بعد وجود المقتضي، فما لم توجد النار لا يستند عدم الاحتراق إلى انتفاء المجاورة بل إلى انتفائها، و إذا وجدت و تحقق معها المجاورة فحينئذ كان لها الدخل في وجود الاحتراق، و إن لم تتحقق معها استند عدم الاحتراق إلى انتفائها، كما أن المانع لا أثر له وجودا و لا عدما إلّا بعد اجتماع الأولين، فإذا لم توجد النار، أو وجدت و لم تتحقق المجاورة لم يستند عدم الاحتراق إلى وجود الرطوبة، بل إلى أحد الأمرين- كما عرفت-، نعم إذا وجدتا فإن وجدت الرطوبة أيضا استند عدم الاحتراق إليها و إن لم توجد وجد الاحتراق و كان لعدمها دخل في وجوده، و يتحصّل من كلّ ذلك أنه إذا وجد المعلول استند إلى جميع أجزاء علته إذ كان لكل منها دخل في وجوده، و إن لم يوجد فبما أنه يكفي في عدمه عدم أحد الثلاثة و المفروض أنّ بينها ترتّبا و طوليّة فيستند العدم- لا محالة- إلى عدم أسبقها رتبة- حسبما عرفت.

ص: 126

العلّة في كلا طرفي التأثير في وجود المعلول و عدمه من ذلك، فلا يكون للشرط أثر لا وجودا و لا عدما إلّا بعد وجود المقتضي، و لا للمانع أيضا إلّا بعد اجتماع الأمرين.

و كيف كان فمقتضى كون الشرط متمّما (1) لفاعليّة المقتضي في إفاضة المعلول، و كون المانع كاسرا و دافعا لتلك الفاعليّة الحاصلة للمقتضي بمعونة شرطه هو امتناع أن يجتمع مناط الأمرين و شأنيّتهما (2)، فضلا عن فعليّتهما التي عرفت الترتّب و الطوليّة


1- أعاد قدّس سرّه هنا ذكر مناط الأمرين توطئة ليفرّع عليه النتيجة المطلوبة، أعني: امتناع اجتماع الأمرين مناطا و فعلية في ممتنعي الجمع كالضدين- كما ستعرف.
2- مناط الأمرين و ما يرجع إلى مقام الشأنية هو ما ذكر من أن الشرط متمّم لفاعلية المقتضي و المانع دافع لهذه الفاعلية المتمّمة بمعونة الشرط، و يقابله مقام فعليتهما، و هو مقام دخلهما بالفعل في وجود المعلول و عدمه.

ص: 127

فيها (1) إلّا في ممكني الجمع، و يكون التضاد الموجب لامتناع اجتماع الأضداد هو الموجب لامتناع اجتماعهما (2) في الضدّين.

و قد ظهر من ذلك أنّه لقد أجاد المحقّق الخونساري قدّس سرّه فيما أفاده (3) من امتناع استناد عدم الشي ء إلى وجود مانعه إلّا بعد وجود


1- أي في الفعليّة.
2- أي اجتماع الشرطيّة و المانعيّة في الضدين- حسبما شرحناه-، و هذا هو معنى ما أفاده قدّس سرّه في صدر البحث من أن امتناع اجتماعهما في الضدين من فروع امتناع اجتماع الضدين.
3- ادّعى المحقّق المذكور قدّس سرّه استحالة أن يستند عدم أحد الضدين إلى وجود الضد الآخر- استناد عدم الشي ء إلى وجود مانعه-، و برهن عليه بما يتألف من أمرين: أحدهما ما تقدم بيانه من أنّ عدم الشي ء يمتنع أن يستند إلى وجود مانعه إلّا بعد وجود مقتضيه و تمامية اقتضائه بوجود شرطه، و إلّا لاستند العدم إلى عدم المقتضي أو الشرط، و الثاني أنه يستحيل اجتماع المقتضي للضدين حذو استحالة اجتماع الضدين أنفسهما، و استنتج من ذلك أنه لا يمكن وجود الضد المانع و مانعيّته عن تأثير مقتضي الضد الممنوع ليستند عدم الممنوع إلى وجوده، لأنّ وجوده متوقف على وجود مقتضيه، و مانعيته متأخرة عن وجود مقتضي الممنوع و شرطه، فلزم اجتماع مقتضي الضدين- المحال-، هذا. و قد استجود المحقّق الجدّ قدّس سرّه استدلاله هذا، و وافقه في دعواه امتناع اجتماع مقتضي الضدين، و علّله في الأصول- على ما في تقريرات بحثه- بأنّ اقتضاء المحال كنفسه محال، و أنّه لا فرق في ذلك بين المقتضيات التكوينيّة و بين الإرادة المقتضية للأفعال الاختيارية، و أنّ من الواضح استحالة تعلق إرادتين من شخص واحد بفعلين متضادّين، أمّا بالنسبة إلى شخصين فتكون الإرادة الغالبة القاهرة منهما هي المقتضية دون الأخرى، ثم أفاد قدّس سرّه أنه إن أبيت إلّا عن أنّ عدم تأثير الأضعف أو المساوي إنما يستند إلى وجود مزاحمة، إذ لولاه لأثّر أثره، فلا قصور في اقتضاء أيّ منهما، إلّا أنّه لا مناص من القول بأنّ عدم أحد الضدين إنما يستند إلى وجود مقتضي الضد الآخر الأقوى منه أو المساوي، لا إلى وجود الضد الآخر نفسه- كما يدعيه الخصم-، و يشهد له أنّه لا وجود للضد الآخر نفسه في صورة التساوي- كما لا يخفى-، راجع أجود التقريرات (1: 255 إلى 257). و سيأتي منه قدّس سرّه هنا التصريح بالمطلب الأخير في التنبيه الرابع من تنبيهات الخاتمة إذ يقول: «فإنّ غاية ما يقتضيه امتناع تأثير كلّ منهما- يعني بهما مقتضي الوجوب و الحرمة. إنما هي خروج الأضعف منهما عن صلاحيّته لذلك بأقوائيّة الآخر لا بوجود ما يقتضيه». هذا و قد أورد على المطلب الأول- امتناع اجتماع مقتضيي الضدين- المحقّق الأصفهاني قدّس سرّه في نهايته (2: 190 الطبعة الحديثة) بأن استحالة اقتضاء المحال أجنبية عمّا نحن فيه، فإنها فيما إذا كان شي ء واحد مقتضيا لأمرين متنافيين، لا فيما إذا كان شيئا يقتضي كلّ منهما أمرا مضادا لما يقتضيه الآخر، فسبب البياض لا يقتضي إلّا البياض، و كذا سبب السواد، و ليس هناك سبب يقتضي بذاته البياض و السواد حتى يكون مقتضيا للمحال. و إليه يرجع ما أورده السيّد الأستاذ قدّس سرّه في تعليقته على أجود التقريرات (1: 255) من أن كلّا من المقتضيين إنما يقتضي أثره في نفسه و مع قطع النظر عن الآخر، فمقتضى البياض إنما يقتضيه في نفسه، كما أن مقتضي السواد يقتضيه كذلك، و لا استحالة في ذلك، و إنما المستحيل هو اقتضاء شي ء للبياض المقارن للسواد. و أضاف قدّس سرّه أنه لو لا ما ذكرناه- يعني من إمكان اجتماع المقتضيين في أنفسهما- لاستحال استناد عدم الشي ء إلى وجود مانعه، لأنّ الأثر المترتّب على وجود المانع إن لم يكن مضادّا للممنوع فلا موجب لكونه مانعا منه، و إن كان مضادا له فكيف يعقل وجود المقتضي لما فرض ممنوعا ليستند عدمه إلى وجود المانع. أقول: يمكن أن يقال إنّ كلّ ما يفرض في الخارج من قبيل اجتماع مقتضي الضدين فهو في الحقيقة ليس منه، لأن هناك قصورا لا محالة في أحد المقتضيين أو كليهما، فإذا فرضنا أنّ هبوب الرياح يقتضي حركة الجسم إلى المشرق و إشعاع الشمس يقتضي حركته نحو المغرب، فذات المقتضيين و إن وجدا إلّا أنّه لا يخلو أحدهما عن قصور في اقتضائه، فإن الذي له اقتضاء التأثير في مثل هذه الموارد هو الأقوى منهما، فالأضعف قاصر الاقتضاء، و إذا تساويا قوة و ضعفا فكلاهما قاصران عن الاقتضاء، و المقتضي إنما هو البالغ منهما درجة من القوة بحيث يغلب على الآخر. و بعبارة أخرى: عدم تحقّق الحركة نحو المشرق- في المثال- ليس مستندا إلى وجود الشعاع، إذ قد يكون موجودا و مع ذلك تتحقق تلك الحركة، كما إذا كانت الرياح المحرّكة لها أقوى من الشعاع، بل عدم تحققها مستند إلى ضعف الرياح بالنسبة إلى الشعاع أو مساواتها له في المرتبة، و الجامع وجود القصور فيها، و إلّا فلو لا القصور لكانت متّصفة بصفة الاقتضاء، و لا أقلّ من القول بأنّ لقصور الرياح دخلا في عدم تحقق مقتضاها و إن كان لوجود الشعاع أيضا دخل فيه إلّا أن استناد العدم إلى قصور المقتضي في نفسه أسبق من استناده إلى أمر خارجي- كما مر-، بل إذا فرض أن النار القويّة لا تمنعها الرطوبة من التأثير و إنّما تمنع الضعيفة، فإذا وجدت الضعيفة و لم تؤثّر لمكان وجود الرطوبة فعدم تأثيرها يستند إلى ضعفها قبل أن يستند إلى وجود الرطوبة. و بالجملة: القول بمانعية الضد الآخر فيما إذا كان أقوى من مقتضي الأوّل أو مساويا له دون ما إذا كان أضعف ليس بأولى من القول بعدم اتصاف مقتضي الأوّل بالاقتضاء فيما إذا كان أضعف من مقتضي الآخر أو مساويا له، بل الثاني أولى- كما عرفت-، هذا. و عن بعض أكابر المحققين- دامت بركاته «هو العلم الباهر و البحر الزاخر، بدر سماء التحقيق و التدقيق، الفقيه الربانيّ السيّد علي الحسيني السيستاني- دام وجوده الشريف-، (منه عفي عنه).»- الإيراد على المطلب: بأنّ مردّه إلى أن مقتضي الضد إنما يتصف بصفة الاقتضاء إذا كان قاهرا على مقتضي الضد الآخر، و إذ لا خصوصية لمقتضي الضد الآخر في ذلك من بين سائر الموانع فلا بد من اعتبار كونه قاهرا على سائر الموانع أيضا، و لازم هذا إلغاء دور عدم المانع المعدود جزءا للعلّة التامة و الالتزام بانحصار أجزائها في المقتضي و الشرط. و يشكل بمنع الملازمة، فإنه قد لا تتحقّق قاهريّة و مقهوريّة بين المقتضي و المانع، و يكون المقتضي بذاته مقتضيا لا بمرتبته، و كذا المانع، فإذا وجد ذات المقتضي و فقد ذات المانع أثّر أثره، و إن وجد المانع منعه عن التأثير، و قد يفرض اختلاف المراتب في ناحية المانع دون المقتضي فيكون المانع بمرتبته الشديدة مانعا دون الضعيفة، فإذا وجد ذات المقتضي و لم توجد تلك المرتبة من المانع أثّر، و إن وجدت منعته من التأثير، و لا قاهريّة في البين، و لم يسقط عدم المانع عن جزئيته للعلّة التامة في شي ء من الموردين، نعم إذا فرض الاختلاف في ناحية المقتضي فقط- كما مرّ في مثال النار القويّة و الضعيفة- فحينئذ إذا وجدت القويّة أثّرت في الإحراق لقاهريّتها على الرطوبة الموجودة و سقوط الرطوبة حينئذ عن المانعيّة، و إن وجدت الضعيفة لم تؤثّر و كان استناد عدم الأثر إلى ضعفها و قصورها أولى من استناده إلى وجود المانع. و أمّا ما أفاده السيّد الأستاذ قدّس سرّه ثانيا، فيلاحظ عليه أنّه لا ملزم لأن يكون المانع ذا أثر مضادّ للممنوع، فالرطوبة المانعة عن تأثير النار في الاحتراق ليست مانعيّتها بملاك أنها تقتضي أثرا مضادّا للاحتراق، إذ قد لا يترشح منها أثر، بل لها خاصيّة مودعة في ذاتها و هي دفعها لتأثير النار في المحلّ و حفظها له عن التأثّر و الاحتراق.

ص: 128

ص: 129

ص: 130

ص: 131

ص: 132

المقتضي و تماميّة اقتضائه بوجود شرطه، و حيث يستحيل وجود المقتضي للضدّين فيستحيل أن يدفع أحدهما تأثير مقتضي الآخر في إفاضة وجوده، و يستند عدمه إليه.

لكنّ العجب أنّه قد حاول أن يدفع الدور (1) الوارد على من


1- ذكروا في مبحث الضد أن بعضهم استدلّ على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه بأن وجود أحد الضدين متوقف على عدم ضده توقف الشي ء على عدم مانعه، فعدمه مقدمة لذلك الوجود المأمور به، فيجب، فيحرم فعله، و قد أوردوا عليه بوجوه: منها استلزامه الدور، فإن الموجب لتوقّف وجود أحدهما على عدم الآخر هو التمانع المتحقّق بينهما و كون وجود كلّ منهما مانعا عن وجود الآخر، و متى ما كان وجود شي ء مانعا عن آخر كان عدم الآخر مستندا إلى وجوده، فتوقف عدم أحد الضدين على وجود ضده، و المفروض أن وجوده أيضا متوقف على عدمه، فلزم الدور. و قد حاول المحقّق الخونساري قدّس سرّه أن يدفع الدور بما حكيناه عنه من أن الشي ء إنما يكون مانعا و يستند عدم الممنوع إليه فيما إذا وجد مقتضي الممنوع بجميع شرائطه، و هذا في الضدين محال لاستحالة اجتماع مقتضييهما، إذن فلا توقف من أحد الطرفين، لكنه قدّس سرّه سلّم المقدّميّة و التوقف من الطرف الآخر، و أنّ وجود أحد الضدين متوقف على عدم الآخر فيما إذا كان الآخر موجودا، مع أن ما دفع به الدور يهدم أساس المقدميّة، و يقتضي امتناع التوقف من الطرفين، ضرورة أنه إذا امتنع كون أحد الضدين مانعا عن الضد الآخر و مستندا عدمه إليه فكيف يعقل أن يكون لعدمه دخل في علة وجود الآخر، و أيّ ملاك غير المانعية يقتضي كون عدم شي ء من أجزاء علّة وجود شي ء آخر، و المفروض انتفاء المانعية في الضدين، فلو كان لعدم أحدهما- مع ذلك- دخل في وجود الآخر لزم- كما أشار إليه المصنف قدّس سرّه- أن يكون لعدم كلّ شي ء دخل في وجود كلّ شي ء لانتفاء الخصوصية للضدين، و هو كما ترى.

ص: 133

توهّم مقدميّة ترك أحد الضدّين لفعل الآخر بذلك، مع أنّه يهدم أساس ذلك التوهّم من أصله، ضرورة امتناع أن يتوقّف وجود شي ء بعد وجود المقتضي و شرطه إلّا على انتفاء ما يدافع المقتضي و يدفع تأثيره في إفاضة وجود ذلك الشي ء، و يكون علّة لعدمه، أمّا ما يستحيل دفعه لذلك التأثير فلا يعقل أن يكون لعدمه دخل في علّة وجود ذلك الشي ء، و إلّا كان عدم كلّ شي ء من أجزاء العلّة لوجود كلّ شي ء، و ظاهر أنّه بعد ما امتنع أن يكون وجود أحد الضدين علّة لعدم الآخر، و يدفع تأثير المقتضي في إفاضة وجوده امتنع أن يتوقّف وجود الآخر أيضا على عدمه- توقّف الشي ء على عدم مانعه-، ضرورة ترتّب هذا التوقّف (1) على تلك العلية، و إذا


1- يعني ترتّب توقّف الشي ء على عدم مانعه على عليّة وجود المانع لعدم الممنوع، فإذا امتنعت العلية امتنع التوقّف المترتّب عليها- لا محالة.

ص: 134

امتنعت امتنع ما يترتّب عليها أيضا- لا محالة-، و تمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

و أمّا في التشريعيّات فلأنّ دخل وجود الشرط و عدم المانع في متعلّق الحكم أو موضوعه و إن كان ناشئا عن تقييده بهما (1)، و كانت شرطيّة الشرط و مانعيّة المانع منتزعة عن ذلك (2)- لا محالة-، لكن لمّا كان دخله في ملاك الحكم (3) ناشئا- على أصول


1- أي تقييد متعلق الحكم أو موضوعه بوجود الشرط و عدم المانع.
2- أي عن التقييد المذكور، و هذه إشارة إجمالية إلى ما هو مفصّل في الأصول من أنّ الشرطية و المانعية- كالجزئية و السببية- ليست من الأمور الاعتبارية المجعولة استقلالا أو تبعا، بل أمور انتزاعية تنتزع من تعلّق الحكم بفعل مقيّد بوجود شي ء أو بعدمه، أو من تعليق الحكم على أمر مقيّد كذلك، فتنتزع من الأوّل الشرطية أو المانعية للمتعلق، و من الثاني الشرطية أو المانعية للموضوع.
3- محصّل المرام: أن منشأ دخل الأمرين- وجود الشرط و عدم المانع- في الحكم و إن كان هو تقييده بهما خطابا، فينتزع عنه الشرطية و المانعية الشرعيتان، لكن لمّا كانت الأحكام الشرعية- بناء على أصول العدلية- تابعة للملاكات الواقعية، و ناشئة عن العلل الغائية التكوينية فلا محالة يستكشف دخلهما في ملاك الحكم دخلا واقعيا تكوينيا، و يكون وجه دخلهما فيه توقّفه على وجود الأول و عدم الثاني توقفا تكوينيا- شأن توقّف كلّ معلول تكويني على وجود شرطه و عدم مانعه-، إذن فيندرج الشرط و المانع الشرعيان- بالنسبة إلى ملاك الحكم- في باب الشروط و الموانع التكوينية، فإذا امتنع اجتماع مناطيهما في الضدين تكوينا- كما تقدم- جرى ذلك في التشريعي بعينه.

ص: 135

العدليّة- عن توقّفه على ذلك الوجود و هذا العدم- توقّف كلّ معلول تكوينيّ على وجود شرطه و عدم مانعه- و كانت الشرطيّة و المانعيّة التكوينيّة بالنسبة إلى الملاك هي ملاك التقييد (1) المنتزعة عنه الشرطيّة و المانعيّة التشريعيّة، فسبيلهما من هذه الجهة سبيل سائر التكوينيّات، و يستحيل اجتماع ملاكيهما في الضدّين- كما تقدّم.

مضافا إلى امتناع تشريعهما خطابا أيضا- و لو مع الغضّ عن امتناع الملاكين (2)-، فإن المتلازمين سواء كانا وجوديّين أو كان أحدهما وجوديّا و الآخر عدميّا (3) كما لا يصلحان لتعلّق الحكمين المتنافيين بهما (4) لمكان التنافي، و عنه ينشأ تعارض الدليلين


1- يعني أنّ منشأ التقييد في مرحلة الحكم المنتزع عنه الشرطية و المانعية الشرعية هو الشرطيّة و المانعيّة التكوينيّة المتحقّقة في مرحلة الملاك.
2- محصّله أنه لو فرض- محالا- إمكان كون أحد الضدين شرطا في ملاك الحكم و الآخر مانعا عنه، و لم يلزم منه محذور، لكنه يمتنع الجمع بينهما خطابا في مرحلة التشريع- بتقييد الواجب بوجود أحدهما و عدم الآخر معا- للزوم اللغوية الممتنع وقوعها من الشارع الأقدس، فإنّه إذا قيّد الواجب بأحدهما حصل قهرا التقيّد بعدم الآخر، للتلازم بين الأمرين، و معه فتقييده بهذا العدم بجعل آخر لغو واضح.
3- فالأوّل كاستقبال الشمال و استدبار الجنوب، و الثاني كلبس المأكول و عدم لبس غير المأكول.
4- كتعلّق الوجوب بأحد المتلازمين و الحرمة بالآخر، و كتقييد الواجب بوجود أحدهما و عدم الآخر، لأن مقتضى التلازم بينهما هو وقوع التنافي بين الحكمين المتنافيين المتعلّقين بهما، و التنافي بين الحكمين- كما تنبئ عنه العبارة- يدرج المورد في باب التعارض تارة، و التزاحم اخرى، و يختص التعارض بكون التنافي في مقام جعل الحكم و تشريعه- على نحو القضية الحقيقيّة-، و طرفا التعارض هما الدليلان الكاشفان عن جعل الحكمين، كما يختص التزاحم بكون التنافي في مقام فعليّة الحكم دون جعله، و طرفاه هما الحكمان أنفسهما، و التلازم المفروض في المقام إن كان دائميا- كما في المثالين المتقدمين- اندرج في باب التعارض لمكان تنافي الجعلين، و إن كان اتفاقيا كاستقبال القبلة و استدبار الجديّ اندرج في باب التزاحم لعدم التنافي بين الجعلين، بل بين الحكمين المجعولين.

ص: 136

الكاشفين عن ذلك فيما إذا كان التلازم دائميّا، و تزاحم الحكمين في الاتّفاقي- كما حرّر في محلّه-، فكذا لا يصلحان لتعلّق الحكمين المتوافقين أيضا بهما، لمكان اللغويّة (1)، فإذا قيّد الواجب بوجود أحد الضدّين كان تقيّده بعدم الآخر حاصلا بالتبع قهرا، و يكون تقييده به بتشريع مستقلّ آخر من اللغو المنزّه عنه مقام الشارعيّة، و لو كان ذلك مؤدّى الدليلين كان سبيلهما سبيل المتعارضين- كما عرفت (2).

نعم لو كان متعلّق التكليف- كالصلاة مثلا- مشتملا على


1- لا يخفى اختصاص اللغوية بموارد التلازم الدائمي- كما في محل الكلام- دون الاتفاقي، لعدم لزوم اللغوية فيه.
2- إذ قد عرفت أن المتعارضين هما الدليلان الكاشفان عن حكمين لا يمكن اجتماعهما في مرحلة الجعل، و المقام كذلك، إذ المفروض أن جعل أحد الحكمين لغو ممتنع صدوره من الشارع المقدّس.

ص: 137

الجزء الصوريّ (1) و الهيئة الاتصاليّة التي توجد بأوّل أفعاله و تنتهي بانتهائها، و قد أخذ وجود أحد الضدين قيدا لأفعاله (2)- كما لعلّه


1- الرابط بين أجزائه الماديّة و أفعاله الحسيّة و المستمر من المبدإ إلى المنتهى، و ظاهر شيخنا الأنصاري قدّس سرّه في الثامن من تنبيهات الاستصحاب من فرائده اختياره، إذ قال: إنّما نستكشف من تعبير الشارع عن بعض ما يعتبر عدمه في الصلاة بالقاطع أنّ هناك هيئة اتصالية معتبرة فيها تنهدم بعروضه و تنقطع به، لكنّه لم يرتضه المحقق الجدّ قدّس سرّه- وفاقا لاستاذه المجدد الشيرازي قدّس سرّه-، و أفاد أن أدلّة القواطع قاصرة الدلالة على ذلك، و أن غاية ما يستفاد منها اعتبار عدم هذه الأمور أثناء الصلاة حتى في سكناتها كاعتبار عدم الموانع في خصوص أفعالها، راجع أجود التقريرات (2: 438). و يأتي منه قدّس سرّه التعرض للقولين في أوائل المقام الثالث المعقود للبحث عن جريان الأصل الموضوعي. هذا و قد أفاد قدّس سرّه هنا أنه لو فرض ثبوت الجزء الصوري في مورد- كما إذا فرض تعلّق التكليف الصلاتي مثلا بما يشتمل على الجزء المذكور- و فرض أيضا أن أحد الضدين- كالطهارة- اعتبر شرطا لأفعال الصلاة، فحينئذ و إن لم يمكن اعتبار الضدّ الآخر- كالحدث- مانعا لها، لما تقدم من لزوم اللغويّة، إلّا أنه لا مانع من اعتباره قاطعا للهيئة الاتصالية المفروضة، فإنّه اعتبار زائد، فلا يلزم منه المحذور المذكور. أقول: بل لا مانع من اعتباره قاطعا و لو لم يثبت الجزء الصوري، إذ القاطعيّة- كما عرفت- لا تستدعي الجزء الصوري، و لا تقتضي سوى اعتبار العدم في أفعال الواجب و أكوانه جميعا، و هذا اعتبار زائد على اعتبار المانعية الخاص بأفعال الواجب.
2- أي لأفعال متعلق التكليف.

ص: 138

الأصل (1) في القيود- أمكن أن يعتبر الآخر قاطعا لتلك الهيئة، و يقيّد المطلوب بعدم تخلّله في أثنائه- كما في شرطيّة الطهارة مثلا و قاطعيّة الحدث، و نحو ذلك-، و لو كان الشرط الوجوديّ قد اعتبر في أكوانه أيضا (2)- كما في ستر العورة- امتنع جعل الآخر قاطعا أيضا حذو المانعيّة فيما تقدّم، هذا كلّه في مقام الثبوت.

و أمّا في مقام الإثبات فلا يخفى أنّ أدلّة الباب مطبقة المفاد على مانعيّة غير المأكول، و ما توهّم ظهوره في شرطيّة المأكوليّة بمعزل عن ذلك (3).

أمّا الأوّل: فلما عرفت من أنّ المانعيّة الشرعيّة ناشئة- ملاكا- عن مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة المانعة في عالم التكوين عن اشتمال متعلّق التكليف على ملاك حسنه، و منتزعة- خطابا- عن تقييده بعدم التخصّص بها (4)، و إطباق مفاد الأدلّة على ذلك ظاهر، إذ هي


1- أي أخذه قيدا لأفعاله خاصّة دون أكوانه لعلّه الأصل في القيود، و ذلك لظهور دليل التكليف في تعلّقه بالأفعال خاصّة دون الأكوان المتخللة، و ظهور دليل القيد في كونه قيدا للمتعلق، و النتيجة هي اختصاص القيد بالأفعال.
2- كما هو معتبر في أفعاله، فإنّ جعل الضد حينئذ قاطعا و المطلوب مقيدا بعدمه في الأفعال و الأكوان مستلزم لمحذور اللغوية، كما كان في جعل المانعيّة.
3- أي عن ظهوره في الشرطية.
4- أي تقييد المتعلق بعدم التخصّص بتلك الخصوصية، و قد مرّ تفصيل الكلام في الأمرين- ما هو منشأ المانعيّة ملاكا و ما تنتزع منه خطابا-، و الغرض هنا تطبيق مفاد أدلّة المقام على ذلك.

ص: 139

بين (1) ما يتضمّن الحكم بفساد الصلاة المتخصّصة بها، أو بعدم جوازها- كما في عدّة من الأخبار العامّة أو الواردة في الموارد الخاصّة-، أو النهي الغيري عنها، و الكلّ واضح الانطباق إمّا على نفس القيديّة المستتبعة للمانعيّة، أو على ملزومها، أو لازمها (2).


1- بيانه أنّ ألسنة روايات الباب مختلفة، فإنها على ثلاث طوائف: الأولى- ما حكم فيه بفساد الصلاة المتخصّصة بهذه الخصوصية، و هي موثقة ابن بكير في فقرتين منها، و الثانية- ما حكم فيه بعدم جواز الصلاة المتخصّصة بها، كما في عدّة من الأخبار العامة كمرفوعة العلل (لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه لأن أكثرها مسوخ)، و في رواية الهمداني جوابا عن الصلاة فيما ذكر قال عليه السّلام (لا تجوز الصلاة فيه)، و نحوها بعض الأخبار الواردة في الموارد الخاصّة كالحديث الثالث و الخامس من الباب 7 من أبواب لباس المصلي من الوسائل، و الثالثة- ما تضمّن النهي الغيري عن الصلاة المذكورة كرواية ابن أبي حمزة (لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيّا)، و ما عن الفقيه في وصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام (يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه)، و في صحيحة الأحوط (لا تصلّ فيها- أي في جلود السباع-)، و نحوها ورد في السّمور و الثعالب و غيرهما، و هي كثيرة منتشرة في الأبواب المذكورة من الوسائل.
2- يعني أن هذه الألسنة المختلفة إمّا تفيد قيديّة عدم الوقوع في غير المأكول للصلاة، و هي مستتبعة للمانعية و منشأ لانتزاعها- خطابا-، أو تفيد عدم اشتمال الصلاة لأجل الخصوصية الوجودية على ملاك حسنها و الرغبة إليها، و هو ملزوم المانعيّة و منشأها- ملاكا- فيكشف عنها لمّا، أو تفيد فسادها و وجوب إعادتها لمكان تلك الخصوصية، و هو لازم المانعيّة و أثرها امتثالا، فيكشف عنها إنّا، و الدلالة على المانعيّة في الأوّل مطابقية، و في الأخيرين التزامية.

ص: 140

أمّا الموثّقة فلأنّ الفساد فيها إن كان بمعناه العرفي (1) المقابل للصحّة العرفيّة، و المساوق لخروج الشي ء عن الاشتمال على ما هو مناط الرغبة إليه- كما هو الأظهر (2)- كان مفاده خروج الصلاة المتخصّصة بتلك الخصوصيّة الوجوديّة عن صلاحية التعبّد و التقرّب بها، و لو حمل على معناه الأخصّ المقابل للصحّة الشرعيّة كان مفاده وجوب إعادتها، و يدلّ على ملزوم المانعيّة على الأوّل، و على لازمها على الثاني (3)، و على كلّ منهما فظهورها (4)


1- و هو ما يقابل التماميّة أو استجماع الشي ء لجميع ما يعتبر في ملاكه و يكون مناط الرغبة إليه.
2- لأنّه معناه اللغوي و العرفي العامّ، فيتعين حمل اللفظ عليه لا سيّما إذا كان معناه العرفي الخاص- الشرعي- من لوازمه و آثاره- كما في المقام، حيث إن وجوب إعادة الشي ء أثر شرعي مترتب على عدم تماميته.
3- الأوّل هو المعنى العرفي و الثاني هو الشرعي، و كون الثاني لازم المانعية واضح، و كذا كون الأول ملزومها، لما مرّ آنفا من أنّ الفساد بهذا المعنى يفيد خلوّ الشي ء عن الملاك المرغوب منه.
4- أي ظهور الموثّقة، و ظهورها في ذلك ممّا لا بدّ منه في استفادة المانعية منها- كما هو ظاهر.

ص: 141

في استناد الفساد إلى تلك الخصوصيّة- خصوصا مع التفريع في صدرها (1)- من أقوى مراتبه (2).

و قد ظهر الوجه في دلالة ما تضمّن الحكم بعدم جوازها (3) على المانعيّة أيضا من ذلك، لما عرفت- فيما تقدّم- من أنّ (4) عدم جواز العبادة- مثلا- أو المعاملة يساوق فسادها بالمعنى الثاني، و يكون كاشفا إنيّا عن المانعيّة (5).

و أمّا النواهي الغيريّة (6) فكونها في جميع أبوابها بيانا


1- و هو قوله عليه السّلام (فالصلاة في وبره. فاسدة) تفريعا على قوله (الصلاة في وبر كلّ شي ء- إلخ-)، فإنّ دلالته على استناد الفساد إلى الخصوصية المذكورة واضحة جليّة.
2- أي مراتب الظهور.
3- هذه هي الطائفة الثانية.
4- عرفت ذلك في الأمر الأول المتقدّم في أوائل الكتاب، فقد أفاد قدّس سرّه هناك أن الجواز الشرعي الشائع استعماله في أبواب العبادات و المعاملات يراد به الصحة الشرعية و النفوذ الوضعي، لا ما يقابل الحرمة التكليفية، إذن فعدم جواز العبادة يساوق فسادها الشرعي و وجوب إعادتها، فيدل في المقام على لازم المانعيّة- حسبما مرّ.
5- حيث إنّه يستكشف الملزوم من لازمه و العلّة من معلولها.
6- و هي الطائفة الثالثة، و غيريّتها إنما هي باعتبار أنه نهي لأجل الفرد- و هو الصلاة الواجبة نفسيّا- و مترشّح من الأمر بها و قد يعبّر عنها بالإرشادية-، و الغرض من سوقه- كما أفاده قدّس سرّه- بيان قيديّة متعلّقه العدمي- و هو في المقام عدم الوقوع في غير المأكول- للصلاة، و قد مرّ أن المانعية تنتزع من هذا التقييد، كما أن الغرض من سوق الأوامر المتعلقة بالأجزاء و الشرائط هو بيان قيديّتها للواجب على نحو دخول ذات القيد أيضا فينتزع منها الجزئية، أو بدونه فينتزع منها الشرطية.

ص: 142

لما ينتزع عنه المانعيّة هو الذي يقتضيه كون الطلب فيها غيريّا قد سيق بيانا لقيديّة متعلّقه العدمي لمثل الصلاة من المركّبات الاعتباريّة، كما أنّ الأوامر الغيريّة (1) أيضا إنما تدلّ على جزئيّة


1- الوجه في توصيف الأوامر المتعلّقة بالشرائط بالغيريّة واضح، فإن الشرط يغاير المشروط ذاتا، غايته أن المشروط متقيّد به، فيكون مقدّمة للغير و قد أمر به لأجل الغير، أما توصيف الأوامر المتعلقة بالأجزاء بها- مع أنه لا تغاير بينها و بين المركب ذاتا- فإنما هو بلحاظ التغاير الاعتباري بينهما، فإن الركوع- مثلا- إذا لوحظ بذاته لا بشرط الانضمام إلى غيره ركوع و جزء و إذا لوحظ بشرط الانضمام صلاة و مركّب.فان قلت: التغاير الاعتباري المذكور لا يصحّح مقدّميّة الجزء للكلّ ليتعلّق به الأمر الغيري، فإن الجزء الملحوظ لا بشرط في ذاته هو عين الملحوظ بشرط شي ء لا غيره، و لا تقدّم للأوّل على الثاني- حتى لحاظا- فأين المقدّمية.قلت: نعم، لكن لمّا كان يعتبر في المركّبات لحاظ الوحدة و اعتبار الأمور المتباينة أمرا واحدا، و هذا النحو من اللحاظ متأخر رتبة عن لحاظ ذوات الأجزاء لا بشرط فبهذا الاعتبار يتمّ تقدّم الأجزاء على المركّب و مقدّميتها له، هذا. لكنّه مع ذلك تقدّم باللحاظ لا بالذات و تغاير كذلك، و هذا لا يكفي في الوجوب المقدّمي، إذ يعتبر فيه التغاير الذاتي و التقدّم الواقعي، فالتعبير عن الأوامر المتعلّقة بالأجزاء بالغيرية مسامحة واضحة، و الأولى التعبير عنها بالضمنية، نظرا إلى أنّها كأنّها قطعات من الأمر النفسيّ الواحد المنبسط على المركب، هذا. و في مبحث المقدّمة من تقريرات دروس المحقق الجدّ قدّس سرّه تحقيقات قيّمة حول ما ذكرناه آنفا و غيره، حريّة بالمراجعة.

ص: 143

متعلقها (1) أو شرطيّته بهذه العناية، هذا. مضافا إلى أنّ التعليل بمسوخيّة الأكثر (2) في قوّة التنصيص بعدم صلاحيّة المسوخ من حيث نفسه لوقوع الصلاة فيه، و يستفاد نظيره بالنسبة إلى السباع أيضا من التعليل المتقدّم للرخصة في السنجاب (3).

و أمّا الثاني (4): فلانحصار ما توهّم ظهوره في الشرطيّة بقوله صلّى اللّه عليه و آله في ذيل الموثّقة «لا يقبل اللّه تلك الصلاة حتّى يصلّيها في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله»، و قوله عليه السّلام في رواية ابن أبي حمزة المتقدمة، قال: قلت أو ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد قال «بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه»، و لا يصلح شي ء منهما لذلك.


1- الموجود في الطبعة الاولى (متعلقة) و الصحيح ما أثبتناه.
2- الوارد في مرفوعة العلل المتقدمة، فيستفاد منها مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة المسوخيّة للصلاة.
3- و هو التعليل الوارد في رواية ابن أبي حمزة المتقدّمة في قوله عليه السّلام (لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا يأكل اللحم و ليس هو مما نهى عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ نهى عن كلّ ذي ناب و مخلب)، فإنه يستفاد منه عدم صلاحية السبع الذي يأكل- اللحم و له ناب و مخلب لوقوع الصلاة فيه، و مانعيته عنها.
4- و هو كون ما توهّم ظهوره في الشرطية غير ظاهر فيها.

ص: 144

أمّا الشرطيّة في هذه الرواية فلأنّها ظاهرة في حدّ نفسها في الرجوع إلى متلوّها (1) و كون المأكوليّة شرطا لقابليّة الحيوان للتذكية، و يعارضها ما يدلّ على قابليّة السباع و المسوخ أيضا لها، فيمكن الجمع بينهما بحمل ذلك الدليل على تأثيرها في طهارة ما تحلّه الحياة منهما، و جواز الانتفاع به، و حمل هذه الرواية على توقّفها من جهة جواز الصلاة فيه على المأكوليّة.

و يمكن أن يستظهر (2) من تتمّة الرواية أنّ هذه الشرطيّة من


1- أي المتصل بها، فكأنّه قيل (بلى الذكيّ ما ذكّي بالحديد و كان مما يؤكل لحمه)، فيكون ظاهرا في اعتبار المأكولية في تذكية الحيوان، و أن غير المأكول لا يقبل التذكية، و هذا يعارض ما دلّ على قابلية بعض ما لا يؤكل لحمه كالسباع و المسوخ للتذكية، و قد جمع قدّس سرّه بينهما بحمل ما دلّ على قابليّة النوعين للتذكية، على تأثير التذكية في طهارة ما تحلّه الحياة منهما- كالجلد- و جواز الانتفاع به فلا تعرضه النجاسة الموتية، و لا نظر فيه إلى التذكية المعتبرة في الصلاة، و حمل هذه الرواية- بقرينة وقوع السؤال فيها عن الصلاة في الفراء- على توقف التذكية المعتبرة في الصلاة على المأكولية، و المعنى (لا تصلّ إلّا فيما كان ذكيّا و الذكيّ الذي تجوز الصلاة فيه هو ما ذكّي بالحديد و كان مأكول اللحم)، و مقتضاه- كما ترى- اعتبار المأكولية شرطا في الصلاة.
2- هذا احتمال آخر في الرواية، محصّله أنّ قوله عليه السّلام (إذا كان ممّا يؤكل لحمه) من تتمّة الجواب الأوّل و هو (لا تصلّ إلّا فيما كان ذكيّا)، و قد وقع السؤال الثاني مع جوابه- أعني: أ و ليس الذكيّ ما ذكّي بالحديد،و قوله عليه السّلام: بلى- كجملة معترضة في الوسط نشأ من عجلة الراوي، فلم يمهل الإمام عليه السّلام ليتمّ كلامه فسأله في الأثناء و أجابه عليه السّلام ثم أتمّ عليه السّلام كلامه الأوّل، فكأنّه عليه السّلام قال (لا تصلّ إلّا فيما كان ذكيّا و كان ممّا يؤكل لحمه)، و مفاد الرواية- على هذا- أنه يعتبر في الصلاة في الفراء التذكية و المأكولية، و مقتضاه كالمعنى الأوّل اعتبار المأكولية شرطا في الصلاة، و يفترق عنه في أنه لا يرد عليه ما ورد على الأوّل من إشكال المعارضة.

ص: 145

تتمّة الجواب الأوّل، و أنّ السؤال الثاني قد اعترض مع جوابه في البين لعجلة الراوي، و قد اتّفق في الروايات الأخر أيضا نظيره، و ظاهر الشرطيّة و إن كان هو اعتبار المأكوليّة في جواز الصلاة في الجلود على كلّ منهما (1)، إلّا أن تعليله للرخصة (2) في السنجاب بأنّه (لا يأكل اللحم و ليس هو ممّا نهى عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله) يدلّ على أنّ ما نهى عن أكله هو الذي لا تجوز الصلاة فيه، و أنّ المأكوليّة إنّما اعتبرت في جواز الصلاة في الفراء لمكان المضادّة لما نهى عنه، لا لتقوّم المطلوبيّة بالوقوع في المأكول، فيتّحد مآل هذه الرواية حينئذ مع ما تقدّم من أدلّة المانعيّة.


1- أي من الاحتمالين- كما بيّناه آنفا.
2- حاصله أنّ التعليل المذكور في ذيل الرواية يفيد أنّ حكم الصلاة جوازا و منعا يدور مدار نهي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن أكل كلّ ذي ناب و مخلب، فإذا كان الشي ء ممّا نهى صلّى اللّه عليه و آله عن أكله لم تصح الصلاة في أجزائه، و إلّا صحت، و هذا يدلّ على مانعيّة محرّم الأكل في الصلاة، و يقتضي كون المأكولية المذكورة في صدر الرواية غير معتبرة من حيث هي، بل باعتبار مضادّتها لما اعتبر عدمه فيها.

ص: 146

و أمّا ذيل الموثّقة فلأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله «لا يقبل» لم يورد جملة ابتدائيّة (1) مسوقة لبيان ما اعتبر فيما يصلّى فيه، كي تستظهر شرطيّة الوقوع في المأكول من إناطة القبول به، و إنّما هو من تتمّة الحكم السابق، و خبر آخر عن المبتدإ الأول، و حكم عليه بعدم القبول أيضا بعد الحكم عليه بالفساد للاشتمال على تلك الخصوصيّة، إمّا تأكيدا لذلك الحكم، أو تأسيسا (2) لنفي الإجزاء الثانويّ المجعول للناسي و نحوه- كما سيأتي تنقيحه إن شاء اللّه تعالى (3)-، و على كلّ منهما فدلالته على استناد عدم القبول أيضا


1- الجملة الابتدائية هي المستأنفة التي يفتتح بها الكلام أو المعترضة المنقطعة عما قبلها، فلو كانت الجملة المذكورة كذلك بأن قيل ابتداء (لا يقبل اللّه الصلاة إلّا إذا صلّيت فيما أحلّ اللّه أكله) فلا ريب في ظهورها في الشرطية، لكنها ليست كذلك، بل هي متصلة بما قبلها مرتبطة به، و خبر ثان للمبتدإ (الصلاة في وبره.) بعد خبره الأوّل (فاسدة)، و ظاهرها حينئذ المانعيّة، لوضوح دلالتها على أن الصلاة المذكورة لاشتمالها على خصوصية الوقوع في غير المأكول محكومة بالفساد و بعدم القبول، و أن الأمرين مستندان إلى وجود تلك الخصوصية المانعة.
2- يعني أن الحكم على الصلاة ثانيا بعدم القبول إما تأكيد للحكم الأوّل بالفساد، أو تأسيس لحكم آخر هو نفي الإجزاء الثانوي المجعول للناسي و نحوه- بمثل صحيحة لا تعاد- عن المقام.
3- لم يأت منه قدّس سرّه في هذه الرسالة تنقيح ذلك، و قد اختار قدّس سرّه في تعليقته على العروة- في المسألة 19 من شرائط لباس المصلّي- بطلان الصلاة الواقعة في غير المأكول نسيانا، و كذلك أفتى في وسيلة النجاة، و هذا هو المنسوب إلى المشهور مع أن مقتضى عموم صحيحة لا تعاد هو الصحة، و الظاهر- كما عن غير واحد- أن مستند البطلان هو ذيل الموثقة المذكور بناء على أولوية التأسيس من التأكيد، و ظهور كونه في مقام بيان حكم الصلاة الواقعة من المكلّف، كأنّه قيل (إذا صلّى فعليه الإعادة)، و إطلاقه و إن شمل الجاهل و الناسي، و النسبة بينه و بين الصحيحة عموم من وجه، لاختصاصها- على المختار- بغير الجاهل و عمومها لسائر الخلل، إلّا أنه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقه بالنسبة إلى الجاهل بمقتضى صحيحة عبد الرحمن الآتية في الأمر الرابع و الظاهرة في صحة الصلاة الواقعة في غير المأكول جهلا، فيختصّ بالناسي، و تنقلب النسبة بينه و بين صحيحة لا تعاد، و يكون أخصّ مطلقا منها فيتقدّم عليها، على أنه قد يناقش في شمول الصحيحة للموانع حذو شمولها للأجزاء و الشرائط، و عليه فالبطلان أوضح، كما أنه قد يقال بشمول الموثق للجاهل بالحكم أيضا، و عليه فلا انقلاب و يؤخذ في مورد الناسي بالصحيحة الحاكمة بالصحة لأقوائيتها دلالة، أما بناء على عموم الصحيحة للجاهل- كما عليه جماعة- فالموثق في نفسه أخصّ مطلقا منها فتخصّص به، كما يخصّص هو بصحيحة عبد الرحمن، و النتيجة على هذا أيضا هو التفصيل المتقدم بين الجهل و النسيان.

ص: 147

- كالفساد- إلى تلك الخصوصيّة ظاهرة، و تؤكّده الإشارة (1) التي


1- و هي كلمة (تلك) الواقعة في هذه الجملة، و الرابطة لها بالمبتدأ، و وجه التأكيد أنها إشارة إلى الصلاة المتخصّصة بتلك الخصوصيّة، فتفيد أن عدم قبولها مستند إلى تخصّصها بها.

ص: 148

جي ء بها رابطا للجملة الخبريّة الثانية، و سواء كانت راجعة (1) إلى شخص تلك الصلاة، و الضمير إلى نوعها- و هو الظهر مثلا أو العصر أو غيرهما- بالاستخدام، و الغاية تأكيدا لعدم القبول، لا غاية حقيقيّة، أو كانا راجعين جميعا إلى ذلك النوع، و كانت الغاية حقيقية، فالصلاة في غيره (2) إنّما تكون غاية لعدم القبول- بأحد


1- احتمل قدّس سرّه في مرجع الإشارة أمرين، على الأوّل منهما تكون الغاية المدلول عليها بقوله عليه السّلام (حتى يصلّيها في غيره) غاية غير حقيقيّة، و على الثاني غاية حقيقيّة، أمّا الأوّل فهو أن ترجع الإشارة إلى شخص تلك الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل، و لأجل أن الضمير في (يصلّيها) لا بدّ أن يرجع إلى نوعها كالظهر- أي حتى يصلّي نوع تلك الصلاة ضمن شخص آخر في غير ما لا يؤكل- لا إلى شخصها، إذ لا يعقل أن يصلّي شخصها في غيره، فإن الشخص لا يتعدّد، فيلزم الاستخدام في الضمير- لا محالة-، و على هذا فالغاية ليست حقيقيّة، إذ لا يمكن أن يكون الصلاة في غيره ضمن فرد آخر غاية لعدم قبول الفرد الأوّل بحيث إذا تحقّقت هذه الغاية أصبح الأوّل مقبولا، فإن الشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه، و إنما هي تأكيد لعدم قبول الأوّل جي ء بصورة الغاية، و المقصود أن اللّه تعالى لا يقبل الصلاة المذكورة بوجه، بل لا بدّ و أن يعيد صلاته في غيره. و الثاني أن ترجع إلى نوع تلك الصلاة كرجوع الضمير إليه، فلا استخدام، و الغاية- على هذا- حقيقية، و المعنى أن اللّه تعالى لا يقبل الصلاة حتى تصلى في غير ما لا يؤكل، فإذا تحقّقت الغاية و صلّيت كذلك قبلها.
2- يعني سواء كانت الغاية حقيقية أم صورية فالصلاة في غير ما لا يؤكل إنما تكون غاية لعدم القبول و محكومة هي بالقبول فلمكان انتفاء خصوصية الوقوع فيما لا يؤكل عنها لفرض وقوعها في غيره، إذ قد عرفت آنفا ظهور الرواية في أن الحكم بالفساد أولا و بعدم القبول ثانيا مستند إلى تلك الخصوصية المانعة، و مقتضاه أن تكون غائيّة الصلاة في غيرها لعدم القبول و اتصافها بالقبول مستندة إلى انتفاء تلك الخصوصيّة، لا إلى تحقّق الخصوصيّة المضادّة ليفيد شرطيّتها- كما يظهر بالتدبر-، إذن فالرواية بفقراتها المتتابعة حتّى قوله عليه السّلام (حتى يصلّيها في غيره) ظاهرة الدلالة في المانعية من دون إشكال، نعم قد يشكل الأمر في دلالة ما بعده و هو (ممّا أحل اللّه أكله)، و قد عالجه قدّس سرّه بما ستعرف.

ص: 149

الوجهين- لانتفاء تلك الخصوصيّة عنها و كونها في غيره، و يدور الأمر في قوله «ممّا أحلّ اللّه أكله» (1) بين أن يكون بيانا لأحد أفراد ذلك الغير، أو يكون تقييدا له، و لا ريب في أظهريّة الأوّل- و لو بمعونة صدر الكلام، و سوقه، و معهوديّة صحة الصلاة في القطن و الكتان و نحوهما عند الراوي.


1- يعني أن هذه القطعة من الرواية يحتمل أن تكون بيانا لأحد أفراد الغير المذكور في قوله عليه السّلام (حتى يصلّيها في غيره) ذكر مثالا، و له أفراد أخر غير ذلك- كالقطن و الكتان و نحوهما من غير الحيواني- تصح الصلاة في جميعها، و عليه فلا دلالة لها على شرطيّة المأكوليّة، و يحتمل أن تكون تقييدا لذلك الغير و أنه لا بدّ في القبول من أن يصلّي في غيره ممّا يحلّ أكله، و عليه فتفيد الشرطية، و رجّح قدّس سرّه الأوّل بقرينة ظهور صدر الكلام و سياقه في المانعية، و هي قرينة داخليّة، و بمعونة معهوديّة صحة الصلاة في غير الحيواني عند الراوي بحيث لا ينسبق إلى ذهنه إرادة اعتبار المأكولية من هذه الفقرة، و هذه قرينة خارجية.

ص: 150

و إن أبيت مع جميع ذلك إلّا عن استقرار ظهور هذا الذيل في شرطيّة المأكوليّة، فأقصى ما يقتضيه ذلك- بعد ما أوضحناه من امتناع الجمع بين شرطيّة أحد الضدّين و مانعيّة الآخر- هو سقوط الموثّقة (1) عن صلاحيّة التمسّك بها من هذه الجهة، لتنافي جزئيها، و تعارض صدرها بذيلها من سوء تعبير ابن بكير، و نحن في غنى عنها بعد قوّة دلالة غيرها من أدلّة الباب على المانعيّة، فلقد قلّ أن يظفر في أدلّة الأحكام بأظهر منها، خصوصا مع اشتمالها على التعليل (2) المخرج لها عن قبول تأويلها بما ينطبق على الشرطيّة، و يبقى القول بها (3) بلا دليل عليه في حدّ نفسه، فضلا عمّا يصلح معارضا لهذه الأدلة.

بقي هنا شي ء: و هو أن عنوان (ما لا يؤكل) لكونه مصدّرا بأداة النفي فقد تشبّث بعض القائلين بالشرطيّة بذلك، و ادّعى أنّه من العناوين العدميّة التي لا تصلح (4) للمانعيّة (5)، و لكونه عبارة أخرى


1- حاصله أنه لو سلّم ظهور هذا الذيل في الشرطية فأقصى ما يقتضيه هو تعارض صدر الموثقة و ذيلها الناشئ من سوء تعبير الراوي، لما مرّ من امتناع الجمع بين شرطيّة شي ء و مانعيّة ضدّه، فيتساقطان، و تسقط الموثقة عن صلاحية إثبات المانعية، لكنّا في غنى عنها بعد قوّة دلالة غيرها من الأخبار على المانعية.
2- و هو التعليل بمسوخيّة الأكثر، و التعليل في السنجاب بأنه ليس ممّا نهى عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد مرّ ذكرهما في عداد أدلّة المانعيّة.
3- أي بالشرطية.
4- الموجود في الطبعة الاولى (يصلح) و الصحيح ما أثبتناه.
5- إذ المانع لا بدّ أن يكون أمرا وجوديّا.

ص: 151

عن انتفاء حليّة الأكل حقيقة (1) فيرجع التقييد بعدمه إلى قيديّة المأكوليّة، لأنّ نفي عدم الشي ء عبارة أخرى عن إثبات وجوده.

و أنت خبير بما فيه من الغرابة:

أمّا أوّلا فلأن (2) (ما يؤكل) و (ما لا يؤكل) عنوانان للمحلّلات الشرعيّة و محرّماتها، و ينتزع أحدهما عن حليّة الشي ء، و الآخر عن حرمته، و النفي المصدّر به (3) عنوان (ما لا يؤكل) تعبير عمّا يقتضيه


1- فإنّ عدم المأكولية، معناه- في الحقيقة- عدم حلّية الأكل، فإذا قيّد متعلق التكليف بعدم هذا العنوان العدمي انقلب وجوديا و هو المأكولية أو محلّلية الأكل، لأن عدم العدم يساوق الوجود، إذن فثبت شرطية المأكوليّة.
2- ردّ على ما زعمه القائل من أن عنوان (ما لا يؤكل) عنوان عدميّ لا يصلح للمانعية، و محصّل الردّ أن العنوان المذكور ليس منتزعا من عدم حليّة الأكل بل من حرمته، فمرجعه- لدى التحليل- إلى عنوان (محرّم الأكل) و منتزع من تحريم الشارع أكل الشي ء في قبال (ما يؤكل) الراجع- في الحقيقة- إلى عنوان (محلّل الأكل) لانتزاعه من تحليل الشارع إيّاه، فهو و إن كان في نفسه عنوانا عدميا إلّا أنه بمنشإ انتزاعه عنوان وجودي، بل من أظهر مصاديقه، و الأمر المنتزع لا حقيقة له إلّا بمنشإ انتزاعه.
3- يعني أنّ تصدير العنوان المذكور بأداة النفي ليس لأجل كونه عبارة أخرى عن انتفاء الحليّة، بل هو من مصاديق تصدير الجملة الخبرية- المستعملة في مقام إنشاء النهي التحريمي- بها، و قد ذكر في محلّه أنّ المناسبة المصحّحة لهذا الاستعمال هو اقتضاء تحريم الشي ء انتفاءه خارجا، و أنّه لحرمته و منع الشارع عنه كأنه منفيّ الوجود رأسا.

ص: 152

النهي من انتفاء متعلّقه، فهو باعتبار منشأ انتزاعه من أظهر العناوين الوجوديّة، و دعوى كونه عدميّا راجعا إلى انتفاء حليّة الأكل ساقطة.

و أمّا ثانيا فلأنّ مأكوليّة المأكول و عدم مأكوليّة غيره لكونهما عنوانين لاحقين للحيوان، و لا مساس لهما بالصلاة أصلا، فلا يعقل تقييدها بشي ء منهما وجودا و عدما، كي تنتزع شرطيّة أحدهما أو مانعيّة الآخر من ذلك، و إنّما الإضافة التي تلحق الصلاة (1)- باعتبار الوقوع في أحدهما و نحو ذلك (2)- هي الصالحة لأن تؤخذ قيدا وجوديّا أو عدميّا، و تنتزع شرطيّة تلك الإضافة أو مانعيّتها عن التقيّد بها، و ظاهر أنّ وقوعها فيما لا يؤكل هو الذي


1- محصّله أن مبنى مقالة القائل على أن تكون الصلاة مقيّدة بعدم عدم المأكوليّة- الراجع إلى المأكولية-، و ليس الأمر كذلك، ضرورة أنّ المأكوليّة و عدمها عنوانان لاحقان للحيوان المتّصف بهذا تارة و بذاك اخرى، و لا يعقل أن يلحقا الصلاة، إذ لا معنى لتقييدها و توصيفها بشي ء منهما وجودا و لا عدما بأن تتصف هي نفسها بالمأكولية أو عدمها أو عدم المأكوليّة، كي تنتزع الشرطية أو المانعيّة من ذلك، و إنما الذي يعقل تقيّدها به وجودا أو عدما هو الإضافة الخاصّة الحاصلة بين الصلاة و بين أحدهما كالظرفية المتحقّقة بوقوعها في أحدهما، فينتزع من التقيّد بتلك الإضافة شرطيتها أو مانعيتها، و روايات الباب- كما سمعت مفصّلا- ناطقة بتقيّدها بعدم الوقوع في غير المأكول لا بالوقوع في المأكول.
2- أي نحو الوقوع في أحدهما من سائر صور الإضافة المتصوّرة في المقام، ككون المصلّي لابسا أو مصاحبا لأحدهما، أو كون لباس المصلّي و غيره ممّا معه معمولا منه.

ص: 153

نطقت الأدلّة بمانعيّته و تقيّدها بعدمه، و كونه (1) من العناوين الوجوديّة- الصالحة للمانعيّة ملاكا و خطابا- بمكان من البداهة- و لو فرض أنّ عنوان (ما لا يؤكل) (2) بنفسه و بمنشإ انتزاعه من العناوين العدميّة المحضة.

و أمّا ما قرع سمعك (3) من أنّ سلب عدم الشي ء عبارة أخرى عن إثبات وجوده، فإنّما هو مع ورود السلب على نفس عدم ذلك الشي ء- كما في المعدولة السالبة مثل (زيد ليس بلا قائم) و نحو ذلك-، إذ هو حينئذ نقيض نقيضه (4)، و نقيض نقيض الشي ء هو عينه، و أين هذا عن وروده على عنوان آخر وجوديّ له تعلّق بعدم


1- أي كون وقوعها فيما لا يؤكل.
2- المقصود أنّا ذكرنا أولا أنّ عنوان ما لا يؤكل و إن كان بنفسه عدميا، إلّا أنه بمنشإ انتزاعه وجوديّ، و نقول هنا إنه لو لم سلّم كونه عدميّا حتى بمنشإ انتزاعه، إلّا أنّه ليس هو الذي قيّدت الصلاة بعدمه ليقال إنّ العنوان العدمي غير صالح للمانعيّة، و إنما الذي قيّدت الصلاة بعدمه هو الوقوع فيه، و هو أمر وجوديّ بالبداهة.
3- ردّ على ما ذكره القائل المتقدم من أنّ مرجع التقييد بعدم عدم المأكولية إلى التقييد بالمأكولية لأنّ سلب العدم يساوق الإيجاب، و حاصل الردّ أنه إنّما يتمّ فيما إذا ورد السلب على نفس العدم، و ليس كذلك المقام، فإنّ السلب فيه وارد على عنوان وجوديّ متعلق بذلك العدم، و هو الوقوع في غير المأكول- كما عرفته آنفا.
4- الضمير البارز راجع إلى السلب، يعني أن السلب الوارد على عدم الشي ء هو نقيض نقيضه.

ص: 154

ذلك الشي ء- كالمقام و نظائره-، فهل يصغى إلى دعوى (1) أنّ النهي عن إكرام من ليس بعالم إيجاب لإكرامه؟، و هل يمكن أن يصرف عمدة أدلّة المانعيّة (2)- حتّى النصّ المعلّل بالمسوخيّة- عن كونه كالنّص فيها، و يجعل دليلا على شرطيّة المأكوليّة بأمثال هذه الأوهام؟.

هذا كلّه مضافا إلى أنّ قيام الإجماع القطعي (3)، بل الضرورة القاضية بصلاحيّة ما عدا غير المأكول و الحرير و الذهب (4) للتستّر به، و وقوع الصلاة فيه في عرض المأكول يهدم أساس الشرطيّة من أصله، و لا ينطبق إلّا على المانعيّة- و لو مع الغضّ عمّا تقدّم من الأدلة.


1- فكما أنّ النهي عن إكرام غير العالم لا يساوق الأمر بإكرام العالم، لأنّ السلب وارد على الإكرام المتعلّق بغير العالم لا على غير العالم نفسه، كذلك النهي عن إيقاع الصلاة في غير المأكول لا يلازم الأمر بإيقاعها في المأكول.
2- أراد قدّس سرّه بالعمدة الروايات التي أخذ فيها عنوان ما لا يؤكل لحمه، و منها الرواية المعلّلة بأن أكثرها مسوخ- التي هي كالنص في مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة حسبما مرّ.
3- دليل آخر على المانعيّة يضاف إلى ما تقدم من الأدلّة اللفظية، محصّله أن مقتضى صحة الصلاة في غير الحيواني- إجماعا بل و ضرورة- عدم شرطية المأكولية، فيتعيّن مانعية غير المأكول.
4- كالمتّخذ من النبات مثل القطن و الكتان، أو من الموادّ النفطية و ما يشبهها المتعارفة في هذه الأزمان، و الجامع ما ليس حيوانيا و لا ذهبا.

ص: 155

و قد يتكلّف في تطبيق الشرطيّة على ذلك (1) بجعل الإجماع و الضرورة على ما ذكر دليلا على أحد الأمرين: إمّا على تخصيص الاشتراط بالمأكوليّة بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان- كما سلكه غير واحد (2)-، أو على تعميم (3) موضوع الشرط لجميع ما تجوز الصلاة فيه من قطن أو كتّان أو غيرهما- كما في مفتاح الكرامة (4)-، و مع أنّه تكلّف لا موجب له، و لا محصّل لشي ء من الوجهين سوى عدم الوقوع في غير المأكول بتغيير في العبارة (5)،


1- فيجمع بين الشرطية و بين الإجماع و الضرورة المزبورين بأحد التصويرين.
2- يظهر ذلك من الجواهر حيث ادعى في (8: 81) ظهور قوله عليه السّلام (لا يقبل اللّه تلك الصلاة- إلخ) في اشتراط المأكولية في الساتر إذا كان من حيوان.
3- فيكون الشرط وقوع الصلاة في أحد هذه الأمور: الحيوان المأكول أو القطن أو الكتّان أو نحوهما.
4- قال قدّس سرّه فيه (2: 148- 149): «و الحاصل أنّه لو صلى في جلد أو منسوج من صوف أو شعر أو ريش أو شي ء لم يعلم أنه من جنس ما يصلّى فيه. إلى أن قال: لم تكن مجزئة، لإخلاله بالشرط عمدا، و هو لبس النبات أو ما يحكم بذكاته شرعا من جلد ما يؤكل لحمه أو نحو الخزّ أو صوف ما يؤكل أو شعره أو ريشه أو نحو الخزّ» انتهى موضع الحاجة، هذا لكن قد سبقه في ذلك- مطلبا و عبارة- الفاضل الأصبهاني قدّس سرّه في كشفه، (راجع كشف اللثام 1: 272).
5- فإن اشتراط الوقوع في المأكول إن كان اللباس حيوانيا مرجعه في الحقيقة إلى اشتراط عدم الوقوع في غيره بقول مطلق، كما أن اشتراط الوقوع في أحد الأمور المتقدّمة مما سوى غير المأكول أيضا راجع في الواقع إلى ما ذكر، فكلّ من التصويرين تبعيد للمسافة و تكلف بلا جدوى، لأوله إلى المانعية- كما ذكرنا.

ص: 156

فقد عرفت أنّ (1) مرجع ما قضت الضرورة به إلى عدم العبرة بخصوصيّة وجوديّة أخرى سوى التستّر و انتفاء تلك الأمور، و أين هذا عمّا يصلح دليلا لذلك التخصيص أو التعميم؟ و هل هو إلّا هادم (2) أساسه (3)، هذا.

مع ما في جعل الحيوانيّة شرطا لقيديّة المأكول من الرجوع إلى ترتّب الطلب بالفصل على وجود جنسه (4)، و حيث إنّ الجنس


1- هذا هو العمدة في ردّ التكلّف المزبور، محصله أن الضرورة الآنفة الذكر القاضية بصحة الصلاة في كلّ شي ء سوى غير المأكول و الحرير و الذهب مردّها في الحقيقة إلى أنه لا يعتبر فيما يرجع إلى لباس المصلّي- وراء التستّر- خصوصية وجودية أخرى، و إنما المعتبر خصوصيّات عدميّة هي عدم الوقوع في غير المأكول و الحرير و الذهب، و معه كيف يصح جعل الضرورة دليلا على اعتبار خصوصيّة وجودية- على أحد التصويرين المتقدمين.
2- الموجود في الطبعة الاولى (هادما) و الصحيح ما أثبتناه.
3- أي هل رجوع ما قضت به الضرورة إلى ما ذكر إلّا هادم أساس ذلك التخصيص أو التعميم.
4- لأنّ مردّ ذلك إلى تعليق الأمر بالفصل على وجود الجنس، و أنه إذا كان اللباس حيوانيا وجب كونه متفصّلا بأحد فصول الأنواع المأكولة، و الترتّب و التعليق لا يصح إلّا مع تغاير وجودي المعلّق و المعلّق عليه، و لا تغاير بين وجودي الجنس و الفصل، فإنّهما موجودان بوجود واحد هو وجود الماهية النوعية و إن انحلّت إليهما بالتحليل العقلي، و إن شئت قلت: إنه إذا وجد الجنس فقد وجد- لا محالة- ضمن أحد فصوله، فإن كان هو المأكول فطلبه تحصيل للحاصل، و إن كان هو غير المأكول فطلب للمحال.

ص: 157

ليس موجودا بوجود آخر مغاير لوجود فصله، فلا يستقيم ذلك إلّا بتكلّف آخر من إرجاع الشرط إلى التعقّب بوجوده (1)، و نحو ذلك ممّا يرتفع به ذلك المحذور. و مع ذلك فعند انتفاء الحيوانيّة (2) و إن


1- فإنّه بفرض الشرط- الحيوانية- متأخرا ترتفع الطوليّة و الترتّب الوجودي بينه و بين المأكولية، و أمكن تقارنهما بل و اتّحادهما في الوجود، و إذ لا نقول بالشرط المتأخر فيلتزم بشرطية التعقّب به، و هو مقارن، و لا مانع من الالتزام بالشرط المقارن المذكور و إرجاع الشرط المتأخر إليه إن كان هناك ما يوجبه و يلجئ إليه- على تفصيل قرّر في محلّه- هذا، و لا يخفى أنّ التكلّف المذكور فيه نوع خفاء.
2- هذا إشكال آخر على دعوى اختصاص شرطية المأكولية بما إذا كان اللباس حيوانيا، حاصله أن مقتضى ذلك انتفاء شرطيتها لدى انتفاء الحيوانية بالضرورة، لكنّه لا يمكن أن يثبت حينئذ الإطلاق المقابل للشرطية- مقابلة العدم و الملكة- بأن يكون الحكم واردا على المقسم الشامل للمأكول و غيره و لا يقيّد بأحدهما، و ذلك لانتفاء المقسم المذكور حسب الفرض، فينتفي بذلك موضوع الإطلاق الذي هو بعينه موضوع التقييد، و بانتفائه ينتفي كلّ منهما و يتحقق الإهمال الثبوتي و هو ممتنع، و كما يمتنع كلّ من الإطلاق و التقييد اللحاظيين كذلك يمتنع نتيجة الإطلاق و نتيجة التقييد بمعونة متمّم الجعل، لما حقّقه قدّس سرّه في الأصول من اختصاص ذلك بموارد الانقسامات الثانوية- لمتعلق التكليف أو موضوعه- المتأخّرة عن مرحلة جعل التكليف، و المأكولية و عدمها ليست منها، بل من الانقسامات الأوّلية التي لا بد أن يكون التكليف الواقعي بالإضافة إليها مطلقا أو مقيّدا، و يستحيل الإهمال الثبوتي فيها بالنسبة إلى الجاعل الملتفت، و قد عرفت لزوم هذا المحال في المورد على المبنى المذكور. على أن نتيجة الإطلاق أو التقييد إنما يتوصل بها الجاعل إلى غرضه من إطلاق ملاك حكمه أو تقييده فيما امتنع لحاظ أيّ منهما في الجعل الأوّل، و في المقام يستحيل اختصاص الغرض بالمأكول أو عمومه لغيره في فرض انتفاء الحيوانية- كما هو واضح-، فيتعيّن الإهمال الواقعي في متعلّق التكليف بالنسبة إلى المأكولية و عدمها، و بما أنه أيضا محال فلا مناص من رفع اليد عن هذا التصوير و الالتزام بالمانعية، هذا.و قد يجلو في الخاطر أنه عند انتفاء الحيوانيّة لا مناص من انتفاء كلّ من الإطلاق و التقييد بالنسبة إلى أقسامها، و الإهمال في هذا الحال ضروري، و إنما المحال هو الإهمال بالنسبة إلى أقسام غير الحيوان من مثل القطن و الكتان و نحوهما، و إذ لا دليل على التقييد بأحدها فيثبت الإطلاق، و نتيجة ذلك تعلّق الوجوب بالصلاة المقيّدة بالمأكول على تقدير كون اللباس حيوانيا، و بالصلاة المطلقة على تقدير كونه غيره.

ص: 158

كانت الشرطيّة منتفية، و لكن لا بالإطلاق المقابل لها، بل إنما ينتفي كلّ من الإطلاق و التقييد بانتفاء موضوعه، و هذا أيضا محذور آخر لا مناص عن الالتزام به بناء على الشرطيّة و تقييد الاشتراط بالحيوانيّة.

و كيف كان فقد عرفت أنّ أصل القول بشرطيّة المأكوليّة لا يرجع إلى محصّل- فضلا عن تقييدها بالحيوانيّة. و أردأ منه تقييد المانعيّة بها- كما مال إليه بعض من عاصرناه قدّس سرّه- بتوهّم أنّ ورود بعض أدلّة الباب في مورد السؤال عن الوبر و نحوه يقتضي ذلك (1)،


1- بدعوى أنّ مرجعه إلى قولنا: إن كان ما تصلّي فيه وبرا- مثلا- فيعتبر أن لا يكون من غير المأكول.

ص: 159

و هو من وضوح الفساد بمكان (1) لا يهمّنا توضيحه.

[الأمر الرابع في إثبات أن المانعية واقعية لا علمية]

الأمر الرابع: إنّه بعد ما اتضح أنّ مانعيّة غير المأكول هي التي نطقت به أدلّة الباب، فلا يخفى أنّ مقتضى إطلاق تلك الأدلّة و انتفاء ما يوجب اختصاصها (2) بصورة العلم بموضوعها هو كونها واقعيّة مترتّبة في نفس الأمر على موضوعها النفس الأمريّ، لا علميّة متوقفة على العلم به (3)- كما ادّعاه غير واحد من الأساطين (4)-، و فرّعوا جوازها في المشتبه على ذلك (5).


1- فإنّه- مضافا إلى ورود المحذورين الأخيرين عليه- مخدوش ثبوتا: بلغوية إناطة مانعية غير المأكول بالحيوانية، ضرورة أن الحيوانية بمنزلة الجنس لغير المأكول فلا تحقّق و لا تحصّل له بدونها، فموضوع المانعية لا محالة هو الحيوان غير المأكول، و مقتضى إناطة الحكم بتحقق موضوعه إناطة المانعية بتحقق الحيوان المذكور، لا إناطة مانعية غير المأكول بتحقّق الحيوانية، و إثباتا: بأنّ وقوع السؤال في بعض النصوص عن الوبر و نحوه من الأجزاء الحيوانية ليس فيه أيّ إشعار- فضلا عن الدلالة- بكون المانعيّة المبيّنة في الجواب مقيّدة بذلك، نعم موضوع المانعية هو وبر غير المأكول، لكن أين هذا من تقييد مانعية غير المأكول بالربويّة.
2- أي اختصاص المانعية.
3- أي بموضوعها، ليكون المانع هو المعلوم كونه غير مأكول.
4- أوّلهم- ظاهرا- السيّد في المدارك، لقوله المتقدم نقله في أول الرسالة: (و النهي إنما تعلق بالصلاة في غير المأكول فلا يثبت إلّا مع العلم بكون الساتر كذلك).
5- أي على كون المانعية علميّة، فحكموا بالجواز الواقعي في المشتبه لانتفاء موضوع المانعية واقعا، و مقتضاه أن لا يؤثّر فيه انكشاف عدم المأكولية إلّا التبدّل من حينه- كما مرّ في أوائل الكتاب.

ص: 160

و قد بناه بعضهم (1) على دعوى كون الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة أو منصرفة إليها (2)، لكن لم يظهر ممّن ادّعاه أنّ المدار على علم المتكلّم أو المخاطب (3)، و بأيّ عناية يمكنه أن يعتبر فيه علم الثالث الذي يلزمه العمل بمراد المتكلم (4). و كيف كان فهذه الدعوى ممّا لا يليق بأن يلتفت إليها أصلا (5).

و كذا دعوى قصور (6) الأدلّة- بعدم ورودها في مقام البيان-


1- أي بنى كون المانعيّة علميّة على الدعوى المذكورة، و يظهر ذلك من الوحيد قدّس سرّه في تعليقته على المدارك (243)، إذ صرّح بأن اللفظ اسم لما هو في نفس الأمر حرام من غير تقييد بالعلم و عدمه، كما و ترشيد إليه عبارة الغنائم الآتية.
2- فيكون معنى ما لا يؤكل لحمه- وضعا أو انصرافا- (ما علم أنّه لا يؤكل لحمه)، فتصبح المانعيّة علميّة لا واقعيّة.
3- بل أو التفصيل بينهما فيكون المدار على علم المتكلم في الجمل الخبرية، و على علم المخاطب المكلّف بالعمل في الجمل الطلبية.
4- كما هو الشأن في الأحكام الشرعية المجعولة على نحو القضايا الحقيقية، فإنها واجبة العمل على كلّ مكلف و إن لم يكن مخاطبا، و هذا كلّه شاهد على ضعف الدعوى في نفسها.
5- إذ هي دعوى لا بيّنة عليها و لا برهان من عقل أو نقل أو لغة أو عرف، و معذورية الجاهل بالحكم أو بموضوعه أمر آخر لا ربط له بمعاني الألفاظ و ظواهرها، و مقتضى القاعدة وضعها لذوات المعاني بما هي.
6- يعني أن هذه الدعوى- كسابقتها- لا تليق بالالتفات، و محصّلها إنكار ثبوت الإطلاق لأدلة الباب لتشمل صورة الجهل.

ص: 161

عن إفادة (1) المانعيّة المطلقة، فإنّ هذه الدعوى إنّما تصحّ فيما سيق لبيان أصل التشريع (2)، لا في مثل عموم الموثّقة و إطلاقات سائر الأدلّة- سيّما المعلّلة منها (3)-، و هل يظفر في أدلة الأحكام بأظهر في العموم و الإطلاق من (4) هذه الأدلّة؟.

و قد ادّعى (5) المحقّق القميّ قدّس سرّه صراحة بعض الأدلّة، و ظهور بعضها الآخر في اختصاص المانعيّة بما علم أنّه من غير المأكول، و الظاهر أن يكون نظره- فيما ادّعى صراحته- إلى صحيحة


1- متعلق ب (قصور).
2- فلم يكن المتكلم في مقام البيان ليؤخذ بإطلاق كلامه- نظير «أقيموا الصلاة».
3- كروايتي المسوخ و السنجاب المتقدمتين، و وجه الخصوصية أن التعليل يفيد عموم الحكم المعلّل به لموارده.
4- الموجود في الطبعة الأولى (عن) و الصحيح ما أثبتناه.
5- هذه هي الدعوى الثالثة لإثبات اختصاص المانعية بصورة العلم، و قد ادّعاها قدّس سرّه في خاتمة جامع شتاته- المتفرقات- (805) في مطاوي الجواب عن سؤال المراد بما هو المعروف من كون الألفاظ أسامي للمعاني النفس الأمرية و ما يترتب عليه من الثمرات، قال قدّس سرّه ما ترجمته:

ص: 162

عبد الرحمن (1) الحاكمة بعدم لزوم الإعادة على من صلّى في عذرة إنسان أو كلب أو سنّور جاهلا بذلك، و في دعوى الظهور إلى دعوى ظهور الحرام الوارد في صدر الموثّقة فيما علم حرمته، و قصر مفاد النواهي الغيريّة- و كذا ما حكم فيها بعدم جوازها في غير المأكول أيضا- بما علم (2) أنّه كذلك.

و لا يخفى ما في جميع ذلك:

أمّا الصحيحة فلأنه- لو سلّم التعدّي (3) عن موردها إلى غير


1- ابن أبي عبد اللّه المروية في الكافي و التهذيبين بإسناد معتبرة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب، أ يعيد صلاته، قال عليه السّلام: «إن كان لا يعلم فلا يعيد»، راجع الباب 40 من أبواب النجاسات من الوسائل، الحديث 5، فإنّ العذرة المذكورة تعدّ من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و قد صرّحت الصحيحة بصحة الصلاة فيها مع الجهل.
2- متعلق ب (قصر)، و قد تقدّم سابقا ذكر ما سيق بلسان النهي الغيري أو بلسان نفي الجواز، و المقصود أنّ نظر المحقّق المذكور قدّس سرّه فيما ادّعاه من ظهور بعض الأدلة في الاختصاص- مضافا إلى صدر الموثقة- إلى هاتين الطائفتين من الأخبار، بدعوى ظهورهما في الصلاة فيما علم أنه غير مأكول.
3- ظاهر العبارة تسليم التعدي عن مورد الصحيحة إلى سائر الأعيان النجسة، و عدم تسليمه بالنسبة إلى الأجزاء الطاهرة من غير المأكول.لكن لم يظهر وجه عدم التسليم الأخير بعد أن لا خصوصية لنجاسة الجزء و لا دخل لها في الحكم بعدم الإعادة من ناحية الوقوع في غير المأكول، فإنّ الصلاة في العذرة كما أنها صلاة في النجس، كذلك هي صلاة في غير المأكول، و قد حكم بصحتها مع الجهل، فإذا صحّ التعدّي من الناحية الأولى عن المورد إلى سائر النجاسات فما المانع من التعدي من الناحية الثانية عنه إلى سائر أجزاء غير المأكول، و عليه فيحكم بموجب الصحيحة بصحة الصلاة في غير المأكول جهلا، و لولاها لأشكل الحكم بناء على ما اختاره قدّس سرّه من عدم شمول حديث (لا تعاد) للجاهل، هذا.و قد أفتى قدّس سرّه في وسيلة النجاة و حاشية العروة بالصحة مع الجهل، فلاحظ.

ص: 163

النجس من الأجزاء حتى إلى نفس اللباس- فأقصى ما يدلّ عليه هذه الصحيحة، و نحوها ممّا يدلّ على الاجتزاء عن الواقع بما وقع امتثالا له- على وجه (1) يعذر الفاعل فيه- هو عدم مانعيّة ما يلزم من


1- متعلق ب (وقع)، و محصّل المرام أن الصحيحة و أشباهها- ممّا حكم فيه بعدم لزوم الإعادة و الاجتزاء بالعمل الناقص عن المأمور به التامّ- إنّما تدل على الاجتزاء به فيما إذا أتى به المكلف عن عذر من نسيان أو غفلة أو جهل مركب أو استناد إلى أمارة معذرة أو أصل مؤمّن، ثمّ انكشف الخلاف و تبيّن نقصه، بحيث لو لا الدليل على الإجزاء لكان مقتضى قاعدة الاشتغال وجوب إعادته، إلّا أن دليل الإجزاء دلّ على نفي اعتبار الجزء أو القيد المفقود في المتعلق في هذه الحالة، و مقتضاه عدم وجوب الإعادة، أمّا إذا أتى به المكلّف مع الالتفات و الشك من دون عذر أو استناد إلى حجة- كما إذا صلّى في غير المأكول كذلك- فلا دلالة لمثل الصحيحة المتقدّمة على الاجتزاء به، و مقتضى كون مانعيّة غير المأكول- بموجب إطلاق أدلّتها- واقعية وجوب الإعادة لإحراز الواقع، و هذا كما ترى أجنبي عمّا هو المدّعى من كون المانعيّة مجعولة من أول الأمر علمية بحيث لا مانعية مع الشك مطلقا.

ص: 164

مانعيّته وجوب إعادة ذلك الفعل، و أين هذا من تخصيصها من أوّل الأمر بالمعلوم؟.

و أمّا تخصيص الحرام الوارد في صدر الموثّقة بالمعلوم فحيث إنّه لم يعهد منه قدّس سرّه دعوى دخل العلم في مداليل الألفاظ (1)، فالأوجه إرجاع ما ادّعاه إلى دعوى أنّ عنوان الحرام قد أخذ بوصف تنجّزه (2)، لا بعنوانه النفس الأمريّ موضوعا لهذا الحكم- كما في حرمة التكسّب بالأعمال المحرّمة (3) و نحوها-، لكن لمّا كان أخذ (4) الوصف المذكور في الموضوع تقييدا لإطلاقه و متوقّفا


1- بل في غنائمه التصريح بعدمه، قال: (إن قلنا بأن المراد ممّا لا يؤكل لحمه في الأخبار هو ما كان كذلك في نفس الأمر كما هو الأظهر لأنه هو مقتضى وضع الألفاظ فلا مناص عمّا ذكره في المنتهى- أي من المنع-) (غنائم الأيام: 150).
2- فيكون الموضوع الواقعي للمانعيّة هو الشي ء المتنجّز حرمة أكله، و مجهول الحرمة ليس كذلك.
3- فإن الإجارة على العمل المحرّم أو الجعالة عليه أو نحوهما من التكسّبات محرمة باطلة، لكن لا بمجرد حرمته الواقعيّة، بل بما أنّ حرمته متنجزة، لأن ملاك الحكم هو انتفاء القدرة على الحرام تشريعا، و المحروميّة منه كذلك، و القدرة على التسليم معتبرة في صحة المعاملة، و هذا يختص بما تنجّزت حرمته، فإنّ غيره لا يكون تامّ التأثير في المنع عن الفعل و التعجيز عنه.
4- جواب عن الدعوى المذكورة، حاصله أنّ الموضوع- و هو حرام الأكل- مطلق، و تقييده بالتنجز يحتاج إلى قرينة مفقودة.

ص: 165

على قرينة مفقودة في المقام، فإطلاقه يدفع هذه الدعوى.

و مع الغضّ عن ذلك فأقصى ما يقتضيه ذلك هو (1) عدم مانعيّة ما أخذ من الحيوان المشكوك حليّته أو حرمته من جهة الشبهة الموضوعيّة أو الحكميّة، و لا يجدي في عدم مانعيّة ما تردّد بين أن يكون مأخوذا من الحلال أو الحرام الممتاز كلّ منهما في الخارج عن الآخر إلّا بالرجوع إلى دعوى دخل العلم في مداليل الألفاظ، و تعميمه لمدلول الإضافة (2) المفيدة للنسبة التقييدية أيضا، و لا أظنّ أن يلتزم به القائل بذلك (3)- فضلا عن مثله (4).

و أمّا دعوى قصر مفاد الخطابات الغيريّة بالمعلوم فالذي يظهر


1- محصّله أن التقييد المذكور إنما يجدي في نفي مانعية الجزء المأخوذ من حيوان معيّن يشك في حليّته و حرمته لشبهة حكمية أو موضوعية، و لا تنحصر موارد الشك في ذلك، بل قد يتصوّر- و لعلّه الغالب- الشك في الجزء لدوران أمره بين كونه مأخوذا من محلّل الأكل أو محرّمه، و في مثله لا يجدي التقييد المذكور شيئا، إذ ليس الجزء المزبور جزءا لما لا يعلم حليّته و حرمته، و بعبارة أخرى: لما لم تتنجّز حرمته، بل مردّد بين كونه جزءا لما علمت حليّته أو لما تنجّزت حرمته.
2- لتكون إضافة الجزء المأخوذ- كالوبر- إلى الحيوان في قولنا (لا تصلّ في وبر الحيوان المحرّم الأكل) مقيدة بالعلم، أي: لا تصلّ فيما علم كونه وبره، و مقتضاه صحّة الصلاة في الثانية من الصورتين الآنفتين أيضا كالأولى.
3- أي يلتزم بهذا التعميم القائل بدخل العلم في مداليل الألفاظ.
4- أي مثل المحقّق المذكور الذي لم يعهد منه هذا القول.

ص: 166

من جملة ما أفاده هو استناده في ذلك إلى دعوى انصراف الخطابات (1) بحال العلم بمتعلّقاتها، و اشتراطها بحكم العقل أيضا بذلك (2)، و لا يبعد أن يكون مراده من حال العلم حال إمكانه (3)، و كيف كان فلو فرض لدعوى الانصراف في المقام معنى محصّل (4)، و صلاحيّته للاختلاف باختلاف أحوال المكلّفين، فلا يخفى ما فيها من الجزافيّة و الغرابة.


1- أوامر كانت أم نواهي، نفسية أم غيرية.
2- بدعوى حكمه بقبح تكليف الجاهل كحكمه بقبح تكليف العاجز، و لعلّ الحكم العقلي المذكور هو الوجه للانصراف المدعى، فيكون من قبيل اقتضاء القرينة العقلية تقييد المطلق و صرف ظهوره الإطلاقي.
3- لعلّ هذا مستفاد من كلماته قدّس سرّه في هذا المقام- كما يظهر بالمراجعة-، و عليه فالخطب أهون، فإنّ دعوى قبح توجيه الخطاب إلى من لا يمكنه العلم ليست بكلّ البعيد، فيشبه خطاب العاجز الذي لا يمكنه الامتثال، و هذا بخلاف دعوى قبح توجيهه إلى مطلق من لا يعلم فعلا و إن أمكنه العلم بالفحص و السؤال.
4- عبارة المقام تتضمن الردّ على دعوى الانصراف من وجهين: أحدهما المناقشة في أن يكون للانصراف المزبور معنى محصّل، نظرا إلى أنّ مقتضاه اختلاف التكليف باختلاف أحوال المكلف علما و جهلا، و صلاحيّة الانصراف لأن يتكفل مثل هذا الاختلاف غير واضحة، كوضوح صلاحيّته للاختلاف باختلاف الأفراد، و الثاني أن الدعوى المذكورة- لو فرض لها معنى محصّل- دعوى جزافية لا وجه لها و لا شاهد عليها.

ص: 167

و أغرب من ذلك دعوى كونه (1) شرطا عقليّا في متعلّق الخطاب، فإنّ الذي يصحّ من دعوى استقلال العقل به هو توقّف تنجّز الخطاب و عدم معذوريّة المكلّف في مخالفته على وجوده العلميّ، و قصوره بنفس وجوده الواقعي عن هذه الصلاحيّة (2)، و أين هذا عن كون (3) العلم بمتعلّق الخطاب- كالقدرة عليه- شرطا عقليّا لصحة الطلب به، و الجهل به موجبا لسقوطه النفس الأمريّ، و أيّ مساس له بالخطابات الغيريّة (4) التي سبيلها سبيل سائر ما يدلّ على القيديّة.

و لعلّ أن يكون ما في بعض كلماتهم- من عدّ العلم و القدرة في مساق واحد من الشرائط العامّة- قد أوجب هذا الوهم، فقاس (5)


1- أي العلم.
2- أي عن صلاحية تنجزه و عدم المعذورية في مخالفته، فإنّ العقل مستقل بأنّ التكليف بمجرد فعليّته و وجوده الواقعي من دون وصوله إلى المكلف لا يصلح لأن يؤاخذ على مخالفته، بل يعذر فيها في هذه الحالة، و إنّما يقطع عذره وصوله إليه و علمه به.
3- للبون البعيد بينهما من جهتين:- إحداهما كون الشرط هو العلم بالخطاب و المدعى كونه العلم بمتعلقه، و الثانية كون المشروط هو تنجز الخطاب و المدعى كونه فعليّته و وجوده الواقعي.
4- يعني و لو فرض كون العلم بالمتعلق كالقدرة عليه شرطا عقليا في حسن الخطاب، لا في تنجزه فهو خاصّ بالخطابات النفسيّة، و لا مساس له بالخطابات الغيريّة التي غاية ما تدلّ عليه هو القيدية للمتعلق دون التكليف النفسي.
5- أي المحقّق المذكور قدّس سرّه.

ص: 168

العلم بمتعلّق الخطاب على القدرة عليه في اشتراط حسن الخطاب به، و قاس الخطاب الغيري على النفسي في اشتراطه بما يتوقّف عليه حسنه، و قد سبقه أستاذه أستاذ الكلّ الوحيد البهبهاني (نوّر ضريحه)- فيما حكي عنه- إلى المقايسة الأخيرة، ففصّل في كون القيديّة بنفس دليلها مقصورة بصورة التمكّن من القيد و ساقطة عند تعذّره (1)، أو كونها مطلقة (2) موجبة لسقوط الخطاب بالمقيّد عند تعذّر قيده بين أن تكون مستفادة من الخطابات الغيريّة (3)، أو من مثل «لا صلاة إلّا بطهور» و نحوه (4).

و أنت خبير بما في كلا القياسين: أمّا الأوّل فلأنّهما (5) و إن اشتركا في معذوريّة المكلّف عند انتفائهما في الجملة، و بهذا الاعتبار عدّا في مساق واحد من الشرائط العامّة (6)، لكن العذر


1- فتسقط حينئذ القيديّة فقط دون الخطاب بالمقيّد.
2- فمتعلقها قيد على كلّ حال، و إذا تعذّر القيد تعذّر المقيّد، فيسقط خطابه.
3- التي لسانها لسان التكليف أمرا أو نهيا، فتختص القيديّة بصورة التمكن، لاشتراط التكليف عقلا بالقدرة نفسيا كان أم غيريا.
4- ممّا لا يشتمل على أمر أو نهي ليختص بحال القدرة، فتكون القيدية فيه مطلقة.
5- أي العلم و القدرة.
6- إذ يصح القول بأنّ جميعها شرائط لعدم المعذوريّة في المخالفة، فإنّ شرائط حسن الخطاب أيضا إذا انتفت يعذر المكلف في مخالفته.

ص: 169

العقلي عند انتفاء أحدهما هو الجهل بنفس التكليف (1) و أثره الأمن من العقاب على مخالفته، و عند انتفاء الآخر هو العجز عن متعلّق التكليف و أثره سقوط نفسه، و مع هذا البون البعيد بينهما من هاتين الجهتين (2) فكيف يقاس أحدهما بالآخر فيما يمتازان فيه؟.

و أمّا الثاني ففيه أوّلا: أنّ مقتضى كون الخطاب غيريّا مسوقا لبيان الارتباط و القيديّة، لا لإنشاء الطلب به هو انسلاخه عن الطلب المولويّ بالكليّة (3)، ألا ترى أنّه قد ورد لبيان ماله دخل في متعلّقات التكاليف الوجوبيّة و الاستحبابيّة و أبواب الأسباب، (4)، بل المباحات العادية (5) بجامع واحد من دون تفكيك في مدلوله


1- لا بمتعلقه، فإنّ العالم بالتكليف الجاهل بمتعلّقه لا يعذر في مخالفته، بل عليه معرفة ما طلب منه المولى ثم امتثاله.
2- إحداهما كون الجهل متعلقا بنفس التكليف و العجز بمتعلقه، و الثاني كون أثر الأول سقوط العقاب على مخالفته و أثر الثاني سقوط أصله.
3- فمدلوله- على خلاف مدلول الخطاب النفسي- أجنبي عن إنشاء الطلب رأسا و مقصور على بيان الجزئية أو القيدية و دخالتها في الماهيّة المركبة، و هذا أمر عقلي صرف مطرد في جميع الماهيات شرعية كانت أم غيرها، و لأجله تعدّ أوامر أو نواهي إرشادية.
4- المراد بها أبواب المعاملات من العقود و الإيقاعات التي هي أسباب لمسبّباتها الاعتبارية.
5- كما إذا سيق الأمر لتعليم تحضير مأكول أو مشروب مباح مركب من أجزاء خارجية، فيقال مثلا: خذ كذا من الخلّ وضعه على النار ثم صبّ عليه كذا من السكر، و هكذا.

ص: 170

باعتبار اختلاف موارده (1).

و مجرّد انبساط الطلب (2) بالمركّب على جميع ما له دخل في متعلّقه من أجزائه و قيوده، و صلاحيّة الخطاب الغيريّ لأن يكون بيانا لتعلّقه بآحادها و طلبا مولويّا بهذا الاعتبار، غير مجد بعد ظهوره في المعنى الواحد المطّرد في الجميع، و عدم الاختلاف في مدلوله العرفي باعتبار وروده لبيان ما له دخل في متعلّق التكليف أو مركّب


1- فمدلوله في أبواب التكاليف هو نفس مدلوله في غيرها، و ليس له في الثانية شائبة طلب أصلا فكذلك في الأولى.
2- هذا غاية ما يمكن أن يقرّب به دعوى دلالة الخطاب الغيري في موارد التكاليف الوجوبية و الاستحبابية على الطلب، و محصّله أن الطلب المتعلق بالمركب أو المقيد ينبسط لا محالة على أجزائه و على التقيّد بقيوده، فيكون لكلّ جزء أو تقيّد شطر من الطلب، و الخطابات الغيريّة المتعلّقة بآحاد هذه الأجزاء و التقيدات بيان لتعلّق الطلب بكلّ منها على هذا النحو، إذن فهي متكفلة للطلب المولوي كالخطاب النفسي المتعلق بجملة العمل.و محصّل الجواب أنّا لا نرى للخطابات الغيرية في الموارد المذكورة دلالة خاصة مفقودة في سائر الموارد، بل المدلول العرفي في الجميع واحد و هو بيان الدخل و الارتباط لا غير، هذا.و لا يخفى أن ما يقال من أن الجزئية و الشرطية و المانعيّة منتزعة عن الحكم التكليفي يراد به أنها منتزعة عن الأمر النفسي المتعلق بالمركب أو المقيّد، لا أنها منتزعة عن الأمر المتعلق بالجزء أو الشرط نفسه أو النهي المتعلق بالمانع كذلك.

ص: 171

آخر.

مضافا إلى ما يستلزمه (1) التفكيك في مدلوله بهذا الاعتبار لأن يكون مستعملا في الطلب بالقدر المشترك بين الوجوب و الاستحباب، و قد بيّن امتناعه في محلّه (2).


1- يعني أنّ لازم دعوى التفرقة بين الأبواب و الالتزام بدلالته في متعلقات التكاليف على الطلب أن تكون الصيغة فيها مستعملة في إنشاء الطلب الجامع بين الوجوب و الاستحباب، و ذلك في مثل المركبات التي تكون تارة واجبة و اخرى مستحبة كالصلاة، فإن الأمر المتعلق بجزئها مثلا نحو (اركع في صلاتك) لمّا كان شاملا للصلاة الواجبة و المستحبة معا فلازم كونه طلبا مولويا غيريا هو استعماله في الطلب الجامع بين الوجوب و الاستحباب، ليفيد وجوب الركوع في الصلاة الواجبة و استحبابه في المستحبة، و هذا ممتنع لدى القوم- و منهم المحقق المزبور قدّس سرّه-، لما بيّن في الأصول من امتناعه بناء على ما اشتهر بين القدماء من تركّب حقيقة كلّ من الوجوب و الندب من جنس هو طلب الفعل و فصل هو المنع من الترك أو الترخيص فيه، و كذا على ما اشتهر بين المتأخرين من بساطتهما و كون التفاوت بينهما بالشدة و الضعف، و ذلك لاستحالة وجود الجنس غير متفصّل بفصل أو وجود الماهية المشكّكة غير محدودة بحدّ، نعم على المختار- من خروج الوجوب و الندب عن مدلول الصيغة، و أنها لا تستعمل إلّا في إنشاء النسبة الإيقاعية، و إنّما يحكم العقل بلزوم إطاعة أمر المولى ما لم يرد منه الترخيص في مخالفته- فلا إشكال، و التفصيل في محله. و كيفما كان، فمع امتناع إنشاء القدر المشترك في التكليف النفسي بناء على مسالك القوم- كما عرفت- فكيف يتصوّر في الغيري.
2- قد عرفت اختصاص الامتناع بالمسلكين المشهورين المتقدمين، و أنه لا امتناع على المسلك المختار، فالإشكال المذكور جدليّ لا برهانيّ.

ص: 172

و ثانيا: أنّه لو سلّم صحة التفكيك في مدلوله بين الأبواب، و كونه في متعلّقات التكاليف ناظرا إلى جهة التكليف دون الوضع، و طلبا مولويّا بهذا الاعتبار، فلا يخفى أنّ ما يعتبره العقل في حسن الخطاب (1) ليس مدلولا لفظيا لهيئة الأمر و النهي، كي تكون القيديّة المقيّدة بالمقدوريّة و نحوها هي مؤدّى الخطابات الغيريّة، و إنّما هو قيد في ناحية المدلول، و شرط عقليّ فيما يطالب به من المكلّف بأيّ كاشف كان، و ظاهر أنّ الطلب بالمركّب بما له من التعلّق بجملة أجزائه و قيوده الملحوظ اعتبار الوحدة فيها هو المتوقّف حسنه على مقدوريّة متعلّقه، لا بآحاد تعلّقاته، و إلّا كانت خطابات مستقلّة. و لو فرض استقلال العقل باشتراط آحادها بذلك (2) كان عند


1- محصّله أنه بعد التسليم فشرائط حسن الخطاب إنما يعتبرها العقل في صحة الطلب الذي هو مدلول الخطاب، و ليست هي جزءا لمدلوله اللفظي كي يكون مفاد الخطاب الغيري القيديّة المقدورة مثلا، و من الواضح أنّ الطلب الذي يعتبر العقل شروطا في صحته هو الطلب المتعلق بجملة العمل بأجزائه و قيوده بلحاظ ما له من الوحدة الاعتبارية، لا الطلبات الضمنية المتعلقة بآحاد أجزائه و تقيّداته- و المدعى دلالة الخطابات الغيرية عليها-، إذ لو اعتبرت الشرائط في كلّ من هذه الطلبات باستقلالها و غير مرتبطة بأخواتها لأصبحت طلبات نفسيّة و أوامر استقلالية، و هو خلف الفرض.
2- يعني من دون استلزامه خطابات مستقلة، بل مع التحفظ على ارتباطيتها بعضها ببعض.

ص: 173

استفادة القيديّة من مثل «لا صلاة إلّا بطهور» أيضا كذلك (1)، و تعذّر إطلاقها بالكليّة. و لعلّ أن يكون الخلط في استفادة القيديّة من الخطاب الغيري أو ترتّبها على النهي النفسي- كما في باب النهي عن العبادة، على أحد الوجهين فيه (2) كما ستعرفه- قد أوجب هذا الوهم (3).

و بالجملة فلا فرق بين أن يستفاد قيديّة الطهارة من قوله سبحانه (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) في آية الوضوء، أو من قوله عليه السّلام «لا صلاة إلّا بطهور» في دلالة كلّ منهما على القيديّة المطلقة (4) على كلّ


1- لأنّ حكم العقل بذلك لا بدّ أن يكون بملاك قيديّتها للعمل و كونها من تعلّقاته، لا لتعلّق الخطاب الغيري بها، و هذا الملاك مطّرد في المثال، و مقتضى ذلك أن تكون القيديّة مقصورة بحال التمكن من دون فرق بين ما سيق بلسان التكليف أو بمثل «لا صلاة إلّا بطهور»، فلا وجه لتفصيل الوحيد قدّس سرّه على كلّ تقدير.
2- إشارة إلى ما سيأتي في الرابع من تنبيهات الخاتمة من البحث عن أنه إذا استفيدت المانعيّة من النهي النفسي المتعلق بحصة من العبادة- باعتبار أنّ حرمتها تنافي إطلاق الأمر بالعبادة فيقيّد بغير الحصّة المحرّمة-، فهل المانعيّة مترتّبة على حرمتها الواقعية، و مسببة عنها، بحيث إذا ارتفعت الحرمة واقعا لانتفاء القدرة مثلا ارتفعت المانعية أيضا، أم أنها غير مترتبة عليها بل هي في عرضها، وجهان، و التفصيل هناك.
3- و هو سقوط القيدية المستفادة من الخطاب الغيري بالتعذّر، قياسا لها بالقيدية المترتّبة- على أحد الوجهين- على النهي النفسي.
4- لعدم الموجب لتقييدها في الأوّل بصورة التمكن- حسبما سمعت.

ص: 174

تقدير.

[الأمر الخامس الأدلة الاجتهادية المستدل بها على الجواز في المشتبه و ردها]

الأمر الخامس: إنّه بعد الفراغ عن كون المانعيّة في المقام مطلقة غير مقصورة بصورة العلم بموضوعها، فقد تشبّثوا لجوازها (1) في المشتبه:

تارة بإطلاق ما يدلّ على جوازها فيما كان من الملابس تستر العورة (2).

و أخرى بإطلاق ما يدلّ على جوازها فيما أخذ من يد المسلم (3)، و ما يلحق به (4).


1- الجواز المدّعى هنا جواز ظاهري تقتضيه أدلة اجتهادية أو أصول عملية، مع كون المانعية الواقعية مترتبة على موضوعها الواقعي، و هذا بخلاف الجواز المدعى في الأمر السابق، فإنّه جواز واقعي ناش عن اختصاص المانعية- واقعا- بما علم عدم مأكوليته.
2- نحو ما دلّ على جواز صلاة الرجل في قميص واحد إذا كان كثيفا، و كذا صلاة المرأة في الدرع و المقنعة، و النهي عن الصلاة فيما شفّ أو وصف، و ما ورد من أمر المرأة بالتستّر في الصلاة بثوبين أو ثلاثة (راجع البابين 21 و 28 من أبواب لباس المصلي من الوسائل)، بدعوى شمول إطلاقها لجميع أنواع اللباس- و منها المشكوك المبحوث عنه-، هذا، و ممن استند إلى هذا الوجه صاحب الجواهر قدّس سرّه (الجواهر 8: 80).
3- بالشراء منه أو من سوق المسلمين و إن لم يثبت إسلام البائع، فإنّ الظاهر أن اعتبار سوقهم إنما هو لأماريّتها على إسلام من فيها من الباعة، و الروايات الدالة على ذلك مذكورة في الباب 50 من أبواب النجاسات من الوسائل.
4- كالمصنوع في أرض يغلب فيها المسلمون، و ما وجد مطروحا في أرضهم ممّا عليه أثر استعمالهم- على كلام في الأخير-، راجع الباب الآنف الذكر.

ص: 175

و ثالثة بدعوى استلزام النزع حال الصلاة للحرج المنفيّ، و بدعوى السيرة العمليّة على عدم التحرّز عن المشتبه (1)، و نحو ذلك.

و لا يخفى عليك ما في جميع ذلك:

أمّا إطلاق جوازها فيما يستر العورة من الملابس فلو فرض الظفر بإطلاق ناظر إلى ما عمل اللباس منه (2) غير مقصور مساقه بخصوص جهة التستّر به كان التمسّك به في المقام مبنيّا على القول بحجيّة الإطلاق و العموم المخصّص بالمنفصل (3) بالنسبة إلى


1- الوجوه الثلاثة الأخيرة استند إليها الفاضل النراقي قدّس سرّه في مستنده قال (4: 316): (و لكن تعارضها- أي الموثقة- الأخبار المصرّحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين و فيما يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة، و تعارضهما بالعموم من وجه، و الأصل مع الجواز فهو الأظهر. و يؤيده بل يدلّ عليه عمل الناس بل إجماع المسلمين حيث إنه لم يعلم كون أكثر الثياب المعمولة من الصوف. مما يؤكل جزما و مع ذلك يلبسها و يصاحبها الناس من العوام و الخواص في جميع الأمصار و الأعصار و يصلون فيه من غير تشكيك أو إنكار، بل لولاه لزم العسر و الحرج في الأكثر) انتهى موضع الحاجة. هذا، و قد وقع في كلمات المحقق القمي و صاحب الجواهر و غيرهما قدّس سرّه أيضا ذكر السيرة و الحرج في سياق الوجوه المجوزة.
2- بأن يكون في مقام البيان من هذه الجهة أيضا و لا يكون مقتصرا على بيان جهة التستّر.
3- فإن الإطلاق المذكور- على تقدير الظفر به- مقيّد بما دلّ على عدم جواز الصلاة في غير المأكول، و معه فالتمسّك به في المقام تمسّك بالإطلاق في الشبهات المصداقيّة لمقيّده، و المحقّق في محلّه فساده.

ص: 176

المصاديق المشتبهة، و قد اتّضح فساده في محلّه، لكن الظاهر أن لا يظفر المتتبّع في أبواب الملابس بإطلاق كذلك، و يكون هذا التشبث ساقطا من أصله.

و تشبّث بعض من عاصرناه قدّس سرّه بإطلاق جوازها في الخزّ بدعوى شموله لما يشكّ في غشّه بوبر الأرانب و نحوه ممّا تداول غشّه به، و إلّا (1) كان الحثّ على الصلاة فيه قليل الجدوى، لندرة العلم بخلوصه، و بالقطع بعدم الفرق بينه و بين سائر المشتبهات يتمّ المطلوب (2).

و أنت خبير بما في كلتا الدعويين (3):

أمّا شمول إطلاقات الباب للمردّد بين الخالص و المغشوش فلأنّ الرخصة في الخزّ إن كانت واردة عليه بعنوانه النفس الأمري (4)- كما هو الأصل في باب الألفاظ (5)- كان ما يدلّ على عدم جوازها في المغشوش تنصيصا بما يقتضيه إطلاقها (6)، لا تقييدا له،


1- أي و إن لم يشمل المشكوك غشّه و اختص بالمعلوم خلوصه.
2- الموجود في الطبعة الاولى (مط) أي مطلقا، و الظاهر أن الصحيح ما أثبتناه.
3- و هما دعوى إطلاق نصوص الخز، و دعوى القطع بعدم الفرق بينه و بين سائر المشتبهات.
4- و هو الخز الخالص غير المغشوش بغيره.
5- فإنه الموضوع له لغة، فيحمل اللفظ عليه لو لا القرينة على الخلاف.
6- أي إطلاق الرخصة، لأنّ مقتضى إطلاقها على هذا التقدير اختصاصها بالخز الخالص، فيخرج المغشوش خروجا تخصّصيا.

ص: 177

و تسمية المغشوش باسمه من الخطأ أو التسامح في التطبيق، و قد تقدّم عدم الاعتداد به (1)، و يكون تسمية المردّد بين الخالص و المغشوش بهذا الاسم مردّدة (2) بين الحقيقيّة الناشئة عن الانطباق على ذلك العنوان، أو التسامحيّة التي لا جدوى لها، و واضح أنّه مع الشكّ في مصداقيّة المصداق لا معنى للتمسّك بالعموم أو الإطلاق، و لا يجوز قولا واحدا. و لو كانت الرخصة واردة على ما يسمّى في العرف خزّا (3)، لا على عنوانه النفس الأمري- كما ادّعاه المستدلّ و بالغ في الإصرار عليه- كان ما يدلّ على عدم جوازها في المغشوش تقييدا لإطلاقه، و التمسّك به لجوازها في المردّد بين الخالص و المغشوش مبنيّا على حجيّة الإطلاق و العموم المخصّص بالمنفصل بالنسبة إلى المصاديق المشتبهة (4)، و الذي أعهده منه قدّس سرّه أنه كان لا يلتزم بذلك.


1- تقدّم ذلك في الجهة الرابعة من الجهات الملحقة بالأمر الثاني.
2- يعني يتردّد أمر تسمية المشكوك خلوصه و غشّه بالخزّ بين كونها تسمية حقيقية- على تقدير خلوصه- أو تسمية مبنيّة على التسامح في التطبيق- على تقدير غشّه-، إذن فهو مردد بين كونه مصداقا للخزّ حقيقة و عدمه، و معه كيف يصح التمسّك بإطلاق نصوص الخزّ، و هل هو إلا من التمسك بالإطلاق في الشبهات المصداقيّة لنفسه، و هو غير جائز قولا واحدا.
3- ليشمل المغشوش- كما يشمل الخالص.
4- أي للمخصص لا لنفس العام أو المطلق- كما كان على التقدير الأوّل-، و هذا و إن كان خلافيا إلّا أن المختار عندنا و عند المستدلّ- ظاهرا لأنّه المعهود منه كما في المتن- عدم الجواز.

ص: 178

و أمّا التعدّي إلى سائر المشتبهات بدعوى القطع بعدم الفرق، فلا يخفى ما فيه من الغرابة، إذ بعد أن كانت الرخصة في الخزّ تخصيصا لعموم المانعيّة على كلّ تقدير (1)، فلو فرض ورودها على مسمّاه العرفي، و شمول دليلها للغشّ الغير المعلوم- كما ادّعاه- كان ذلك تخصيصا آخر تبعيّا (2)، فكيف يدّعى القطع بعدم الفرق بين ما أخرجه المخصّص عن العموم و ما بقي مشمولا له بعد التخصيص؟.

و يتلوه (3) التشبّث بإطلاق ما يدلّ على جوازها فيما أخذ من يد المسلم و ما يلحق به، إذ لا عين و لا أثر لما يدلّ على هذا العنوان (4) الشامل لكلّ مشتبه أخذ من يد المسلم و ما بحكمه في شي ء من روايات ذلك الباب كي تكون من قبيل القضايا الحقيقيّة، و يتمسّك بإطلاقها في كونها بمنزلة الكبرى الكليّة لأنواع


1- من تقديري ورود الرخصة على الخز الحقيقي أو على المسمّى العرفي.
2- اقتضاه التخصيص الأصلي المتعلّق بالخز، إذن فالتعدّي عن الخزّ الخالص إلى المشكوك خاص بالمورد اقتضاه- حسبما يدّعيه المستدلّ- دليل التخصيص، فأخرجه عن عموم المانعية، و أين هذا من سائر المشتبهات التي لا تخصيص في مواردها.
3- أي يتلو سابقه في الضعف التشبّث بإطلاق نصوص جواز الصلاة فيما أخذ من يد المسلم أو سوقهم أو صنع في أرضهم، بدعوى شموله لمشتبه المأكوليّة، و هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الأربعة المتقدّمة.
4- أي عنوان المأخوذ من يد المسلم على نحو تكون يده أمارة في كلّ مشتبه سواء فيه مشتبه التذكية أم غيرها كالمأكولية أو كونه حريرا أو ذهبا أو نحوها.

ص: 179

المشتبهات، و إنّما هي مسوقة بأسرها للترخيص فيما كان يعمل (1) من الفراء و الخفاف من الجلود المشكوكة تذكيتها، لعدم مبالاة مخالفينا بشرائط التذكية (2)، و استحلالهم ذبائح أهل الكتاب و الميتة بالدباغ، و ليست متكفّلة إلّا لإلغاء الشكّ في تذكية ما كانت مأكوليّته محرزة، و لا مجال لأن يدّعى شمولها لما إذا كانت مأكوليّته أيضا مشكوكة، و يتعدى إلى ما عمل من الصوف أو الوبر أيضا (3) بالقطع بعدم الفرق بين ما تحلّه الحياة و ما لا تحلّه، إذ بعد ما عرفت أنّ مساق هذه الروايات مساق القضايا الخارجية (4)، دون الحقيقية، فلا جرم يتوقّف صحة هذه الدعوى على العلم بأنّ ما كانت الفراء و الخفاف تعمل منه مردد (5) بعضه بين أن يكون من جلود


1- أي كان يعمل في تلك الأعصار، فالترخيص ناظر إليها على نحو القضيّة الخارجيّة.
2- لذهابهم إلى عدم اعتبار بعض شرائطها- كالاستقبال.
3- ليثبت الجواز في مشكوك المأكوليّة منهما أيضا.
4- لكونها مسوقة- كما سمعت- لبيان حكم الجلود المعروضة للبيع في أسواق تلك الأعصار، فلا بدّ من أن تؤخذ بعين الاعتبار خصوصياتها التي كانت عليها- و هي كون الجلود مشكوكة التذكية و محرزة المأكوليّة- بل أكثر هذه الروايات واضحة الدلالة على انحصار منشأ السؤال في الشك في التذكية و أنه لا نظر إلى ما سواها، هذا. و لا يذهب عليك أنّ سوقها مساق القضايا الخارجيّة لا ينافي استفادة الحكم الكبروي منها على نحو القضية الحقيقية- كما هو واضح.
5- الموجود في الطبعة الاولى (مردّدا) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 180

المأكول أو غيره. و مع الغضّ (1) عن كفاية الشكّ في ذلك في امتناع هذه الدعوى، فالنظر في روايات الباب يورث القطع بعدمه، و أنّ حال ما كانت تعمل منه الفراء و الخفاف في تلك الأعصار كحال ما تعمل من الجلود المعمولة في عصرنا في مثل بغداد ممّا يكثر فيه مخالفونا، و كما لا نشكّ في مأكوليّة شي ء منه- و إنّما نشكّ في تذكيته- فكذا كان حالها في تلك الأعصار، و من هنا لا عين و لا أثر للسؤال عمّا كان يعمل من الصوف و الوبر (2) في شي ء من الروايات.

هذا كلّه، مضافا إلى أنّه لا يبعد ظهور الأدلّة في أنّ اعتبار اليد في باب التذكية من فروع اعتبارها في إحراز الملكيّة بها (3)، فإن ميتة


1- محصّل جوابه قدّس سرّه عن الدعوى المذكورة وجهان: أحدهما: أن دعوى الشمول للجلود المشكوكة المأكولية فرع العلم بوجودها في تلك الأسواق، و إذ لا علم لنا به فالدعوى ساقطة. و الثاني: دعوى القطع بعدم وجودها فيها، لوضوح ان الجلود المعمولة منها الفراء و الخفاف ليست سوى جلود الأنعام التي ذبحت و أكلت لحومها و شحومها أو عرضت للبيع في الأسواق، فلا يتطرّق إليها الشك إلّا من حيث تذكيتها.
2- و ليس إلّا لعدم الشك في كونهما متّخذين من المأكول، و الشك في تذكية حيوانهما لا أثر له بالنسبة إلى قبيلهما ممّا لا تحلّه الحياة.
3- فإذا وجد في يد مسلم جزء حيوانيّ تحلّه الحياة كانت أمارة على ملكيّته له، و مقتضى ملكيّته كونه مذكى، إذ الميتة النجسة غير قابلة للملك، فالملكية تكشف إنّا عن التذكية، أمّا غير المأكول فهو قابل للملك كالمأكول، فأماريّة اليد على الملكية لا تستلزم كونه من المأكول، و نحوه الحال في الميتة الطاهرة بناء على ما يظهر من عبارة المتن من اختصاص عدم قابلية الملك و البيع بميتة ذي النفس النجسة، هذا.و قد يشكل ما أفيد بأنّ قاعدة اليد لا يختص جريانها بيد المسلم، فإن اللحم الموجود في يد الكافر أيضا محكوم بملكيته له، مع أنه لا يحكم عليه بالتذكية، فكيف الفرعيّة.و يمكن أن يجاب عنه بأن القاعدة و إن جرت بالنسبة إلى يد الكافر أيضا، لكن لم يثبت اقتضاؤها فيه الملكية، فلعلّ الذي تقتضيه بالنسبة إليه هو مجرد حق الاختصاص الثابت في الميتة أيضا، و قد ذكر في محلّه أن أماريّة القاعدة لا تنحصر في الملكية، فكما أنها بالنسبة إلى يد مدّعي الوكالة أو الولاية أو نحوهما أمارة على وكالته أو ولايته، كذلك يمكن أن يكون يد الكافر على اللحم أمارة على مجرد اختصاصه به لا ملكيته.

ص: 181

ذي النفس غير قابلة لأن تملك و تباع و تشترى و ينتفع بها، و لا يترتّب على ما علم أنّه من غير المأكول شي ء من هذه الأحكام- فضلا عمّا شكّ فيه.

فقد ظهر من ذلك ما في التشبّث بالتعليل الوارد في ذيل رواية حفص بن غياث (1) لهذا المدّعى من الغرابة، إذ بعد أن كان


1- أوردها في قضاء الوسائل في الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2، و ذيلها قوله عليه السّلام (لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق)، و الرواية بطولها تفيد جواز الشهادة بالملكية استنادا إلى اليد، و في سندها القاسم بن يحيى و لم تثبت وثاقته، بل عن ابن الغضائري تضعيفه.و محصّل الدعوى أنه يستفاد من هذا التعليل الترخيص الشرعي في كلّ ما لولاه لاختلّ النظام- و منه المقام. و حاصل الردّ إنكار كون المقام منه، و قد بيّن في المتن.

ص: 182

ما لا تحلّه الحياة من غير المأكول- و كذا ما تحلّه هي بعد تذكيته- ملكا يجوز بيعه و شراؤه و كلّ انتفاع به عدا الصلاة فيه- سواء أخذ من يد المسلم أو غيره-، فليت شعري أيّ محذور نوعيّ أو اختلال نظام يلزم من لحوق مشكوكه بمعلومه في ذلك، و نظيره (1) دعوى استقرار السيرة العمليّة على الصلاة في المشتبه.

و أغرب من الجميع دعوى (2) استلزام النزع حال الصلاة الحرج المنفيّ، و ليت شعري لو كان هذا المقدار من الكلفة (3) رافعا للتكليف فلم لم يتشبّث به لجوازها حتى في الثعالب و السمّور، بل لسقوط معظم التكاليف؟.

و بالجملة فهذه الوجوه و إن تمسّك بها المجوّزون، لكنّها بمعزل عن الصلاحيّة، و إنّما المتعيّن هو البحث عن اندراج هذه الشبهة في مجاري قاعدة الاشتغال أو البراءة، و على التقدير الأخير


1- أي نظيره في الغرابة، إذ لا يكاد يكون استقرار سيرة المتديّنين محتملا مع فتوى معظم الفقهاء بعدم الجواز، هذا فضلا عن دعوى اتصالها بزمن المعصومين عليهم السّلام.
2- كلمة (دعوى) غير موجودة في الطبعة الاولى أضفناها لاقتضاء السياق.
3- و لو سلّمت الكلفة و الحرج بحسب نوع المكلفين فهي لا تجدي في رفع التكليف عمّن لا كلفة عليه شخصا- كما حقق في محله.

ص: 183

فهل تشارك (1) الشبهات الموضوعيّة التحريميّة في جريان أصالة الحلّ فيها أيضا، و يعمّهما ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل بجامع واحد، أو أنّه يختص (2) بذلك القسم، و على كلّ تقدير فهل يجري الاستصحاب في موارد الشبهة- إمّا مطلقا أو في الجملة- أو أنّه لا مجرى له مطلقا.

[تعين البحث عما يقتضيه الأصول العملية في مقامات ثلاث]

اشارة

و إذ قد عرفت ذلك فينبغي أن نمهّد للبحث عن اندراجها في مجاري كلّ واحد من هذه الأصول الثلاثة مقاما برأسه، فالمقامات حينئذ ثلاثة:-


1- أي الشبهة المبحوث عنها.
2- أي إن ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل يختص بالشبهات الموضوعية التحريمية، و لا يشمل المقام.

ص: 184

[المقام الأوّل في اندراج الشبهة في الأقل و الأكثر و جريان البراءة فيها]

اشارة

(المقام الأوّل) في تنقيح أنّ مرجع الشبهة إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ و الأكثر، و اندراجها في مجاري البراءة بذلك.

و لنقدّم لتوضيحه مقدّمتين:

الاولى: إنّه لا خفاء في أنّ البحث عن جريان البراءة و عدمه في المقام، و نظائره- ممّا ينشأ تردّد الواجب بين الأقلّ و الأكثر عن شبهة خارجيّة- إنّما هو بعد الفراغ عن جريانها في الارتباطيات، و عدم مانعيّة الارتباطية (1) و الشكّ في تحقّق المطلوب الواقعي المردّد بين الأمرين عن انحلال العلم الإجمالي بالخطاب المعلوم تعلّقه بأحدهما إلى متيقّن هو المعاقب على تركه، و مشكوك تجري البراءة فيه.


1- أشار قدّس سرّه بهذه العبارة إلى ما يذكر في مبحث الشك في الارتباطيات من أن العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر ينحلّ إلى العلم التفصيلي بتعلّقه بالأقلّ و الشك في تعلّقه بالزائد، فتجري البراءة فيه، و أن الشك فيه- و إن استلزم لمكان الارتباطية الشك في تحقق الواجب الواقعي خارجا بالإتيان بالأقل و فراغ الذمة بذلك بعد اشتغالها اليقيني- لا يمنع عن الانحلال المزبور، و سيأتي تفصيل الكلام حول ذلك في البحث الكبروي الآتي، فانتظر.

ص: 185

و واضح أنّه بعد الفراغ عن ذلك فالضابط في تنجّز الخطاب الارتباطي (1) بحسب كميّته أن يكون نفس تعلّقه بكلّ واحد من أجزاء متعلّقه أو قيوده بحيث لو فرض تكليفا استقلاليا و خطابا نفسيّا كان مستجمعا لما يوجب تنجّزه، و خروجه عن مجاري البراءة، و إلّا لم تكن الارتباطيّة مؤثّرة (2) في تنجيز ما ليس بمتنجّز مع الغضّ عنها، و كانت كعدمها، و يكون التكليف المعلوم بالإجمال (3) متوسّطا في التنجز و عدمه باعتبار ما علم أو لم يعلم


1- ملخّص المرام أنه- بعد الفراغ عن أن الارتباطية لا تمنع عن الانحلال- لا يعتبر في تنجّز كلّ من الخطابات الارتباطية المتعلّقة بآحاد الأجزاء و القيود سوى ما يعتبر في تنجّز الخطاب الاستقلالي، بحيث لو فرض الارتباطي استقلاليا لكان متنجّزا، فإن مقتضى ما فرغنا عنه أنه لا أثر للارتباطية في التنجيز و الخروج عن مجاري البراءة أصلا و أن وجودها كعدمها. إذن فالضابط في تنجّز الارتباطي فرضه استقلاليا وجوبيا أو تحريميا- حسب اختلاف الموارد-، و النظر في استجماعه شرائط التنجز و عدمه، و ستعرف أنه في مورد البحث يفرض القيد العدمي خطابا استقلاليا تحريميا، و الشبهة موضوعيّة، و انتظر التفاصيل.
2- أي و إن لم يكن بحيث لو فرض تكليفا استقلاليا كان متنجزا، بل كان مع هذا الفرض غير متنجز، فالارتباطية لا تؤثر في تنجيز غير المتنجز، بل هي كعدمها- كما هو المفروغ عنه حسب الفرض.
3- بعد ما أفاد قدّس سرّه ضابط التنجز بالنسبة إلى الخطابات الارتباطية، أشار إلى حالة التنجز بالإضافة إلى نفس التكليف الأصلي المتعلق بالمركب أو المقيد، و الوجه في كونه متوسطا في التنجز هو تنجّزه على تقدير دون آخر، فإنه إن كان متعلقا بالأقل فهو متنجز، و إن كان متعلقا بالأكثر فكذلك متنجز لا يعذر في مخالفته إذا استندت المخالفة إلى ترك الأقلّ، و ليس متنجزا فيعذر في مخالفته إذا استندت إلى ترك خصوص الزائد المشكوك.

ص: 186

تعلّقه به- على ما حرّر في محلّه.

و إذ لا خفاء في ابتناء جريان البراءة في الارتباطيات على ذلك فالذي يهمّ البحث عنه هو تنقيح أنّه هل يجري (1) ما تنتزع عنه مانعيّة غير المأكول و أشباهه مجرى وجوب قضاء الفريضة الفائتة- مثلا-، أو حرمة شرب الخمر، و نحوهما في كونه بالنسبة إلى آحاد وجودات موضوعه انحلاليا يترتّب على مصداقية كلّ واحد منها تقيّد الصلاة بعدم وقوعها فيه- كما في المثالين (2) و أشباههما-، و يرجع الشكّ فيها (3) إلى الشكّ في القيديّة المترتبة عليها- لا محالة-، و يتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة الخارجية بين الأقلّ و الأكثر (4)، و يندرج في مجاري البراءة بعد الفراغ عن ذلك المبنى، و يكون حال الشبهة


1- الموجود في الطبعة الاولى (تجري) و الصحيح ما أثبتناه.
2- فالانحلال كما يقتضي كون كلّ مصداق للفريضة الفائتة محكوما بوجوب قضائه، و كلّ فرد من الخمر محرما شربه، كذلك يقتضي كون الصلاة متقيّدة بعدم وقوعها في كلّ مصداق لغير المأكول.
3- أي في المصداقية.
4- الأقل هو الصلاة المتقيّدة بعدم وقوعها في المصاديق المعلومة لغير المأكول، و الأكثر هي المتقيّدة بعدم وقوعها فيها و في المشكوكة.

ص: 187

المبحوث عنها حينئذ كحال الشبهة الموضوعيّة التحريميّة بعينه (1).

أو أنّ مرجع الأمر (2) في باب القيود العدميّة سواء كان لها تعلّق بموضوع خارجيّ- كالمقام و نحوه- أو لم يكن- كعدم التكلّم و القهقهة و أشباههما- إلى قيديّة عنوان بسيط و نعت عدميّ لا يقبل التعدّد بتعدّد الوجودات، و لا زيادة باعتبارها، و إنّما يكون التحرّز عن مجموعها محصّلا خارجيّا له، و التكليف بذلك العنوان- استقلاليا كان أو قيديا (3)- متنجزا بنفس العلم به (4)، و الشبهة راجعة إلى المحصّل الخارجي الذي هو بمعزل عن جريان البراءة فيه (5)، و يتردّد هو دون متعلّق التكليف (6) بين الأمرين، و هذا هو الذي يهمّ تنقيحه


1- فإنها تشابهها من جميع الجهات سوى جهة الاستقلالية و الارتباطية، فكما تجري البراءة في المصداق المشكوك خمريته، كذلك في الشبهة المبحوث عنها، لاقتضاء الانحلال الآنف الذكر كونه في الأول شكا في التكليف الاستقلالي، و في الثاني شكا في ثبوت قيدية زائدة، و قد أشرنا آنفا إلى أنّ مقتضى فرض الارتباطي استقلاليا هو فرض الشبهة في المقام شبهة موضوعية تحريمية.
2- محصّل هذا الوجه أن مرجع الشك في المقام و نحوه من القيود العدميّة إلى الشك في المحصّل، و هو شكّ في مقام الامتثال و مجرى لقاعدة الاشتغال.
3- أي تكليفا قيديا- كما في المقام.
4- فلا يتوقّف تنجّزه على العلم بموضوعه أيضا- كما على الوجه الأوّل-، إذ لا موضوع له لمكان بساطته، و إنما الموضوع لمحصّله.
5- لعدم كونه بنفسه متعلقا للتكليف لتجري البراءة مع الشك فيه، و ما هو المتعلق له أمر لا يشكّ فيه.
6- فإن متعلق التكليف- كما عرفت- أمر لا تردّد فيه بين الأقل و الأكثر،لعدم قابليته للتعدد بتعدد الوجودات لبساطته، و إنما التردد في محصّله، و أنه هو التحرّز عمّا يشمل المشكوك أو لا، و مقتضى القاعدة فيه الاشتغال.

ص: 188

في المقام، و عليه يبتني اندراج الشبهة المبحوث عنها في مجاري البراءة أو الاشتغال- بعد الفراغ عن ذلك المبنى-، دون سائر ما ذكر، و لا محصّل له (1) سوى التشبّث بالارتباطيّة، و استلزام الشكّ في مانعيّة المشتبه للشكّ في الخروج عن عهدة التكليف بالصلاة، و هو- كما ترى- خروج عن الفرض (2) و رجوع عن ذلك المبنى- كما لا يخفى.

الثانية: إنّه بعد أن تبيّن أنّ مبنى الوجهين في المسألة هو كون القيد العدمي المنتزعة عنه مانعيّة غير المأكول و أشباهه ممّا يتنجّز خطابه بنفس العلم به، أو يتوقف تنجّزه على العلم بموضوعه أيضا (3)، فالمهمّ حينئذ هو تنقيح ضابط القسمين، و توضيح ما به يمتاز رجوع الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في الامتثال عن رجوعها إلى الشكّ في التكليف، ثم البحث عن اندراج الشبهة المبحوث عنها في أيّ الضابطين.

و محصّل ما عندنا في ذلك هو أنّه- بعد أن لا خفاء في أنّه لا بدّ في متعلّق التكليف من أن يكون عنوانا اختياريّا يصلح لأن يتعلّق به الإرادة الفاعليّة (4) إمّا بنفسه، أو بتوسيط ما يكون ذلك العنوان


1- أي لسائر ما ذكر.
2- إذ المفروض الفراغ عن جريان البراءة في الارتباطيات في نفسها.
3- لتجري في الشبهة المبحوث عنها قاعدة الاشتغال على الأوّل، و أصالة البراءة على الثاني.
4- فإن الإرادة الآمريّة إنما تتعلّق بما يصلح لأن تتعلّق به الإرادة الفاعليّة، و هو الفعل الاختياري، و لا يكاد يتعلق التكليف بما هو خارج عن الاختيار، و سقوط التكليف به لحصول الغرض أو لانتفاء الموضوع أمر آخر.

ص: 189

مسبّبا توليديّا له (1)- فإمّا أن يكون (2) العنوان المذكور اختياريا كلّه، و لا تعلّق له بموضوع خارج عن الاختيار أصلا- كالتكلّم و نحوه-، أو يكون له تعلق بالموضوع المذكور، و هذا يتصوّر على وجوه:- فتارة يكون ذلك الموضوع متحققا خارجيا (3)- كما في مثل استقبال القبلة أو استدبارها.

و أخرى يكون عنوانا كلّيا ذا أفراد محقّقة الوجود و مقدّرته، و هذا يتصوّر على وجهين:

فتارة يؤخذ عنوان الموضوع بلحاظ صرف وجوده المساوق للإيجاب الجزئي موضوعا لحكمه، كما في الماء أو التراب- مثلا- بالنسبة إلى وجوب الوضوء أو التيمّم، و أشباههما ممّا يكون إطلاق كلّ من متعلّق الحكم و موضوعه بدليّا (4)، و يختصّ ذلك بالتكاليف


1- فإن اختياريّة الواسطة و السبب التوليدي تكفي في اختياريّة ذيها- و هو المسبب المتولّد منه قهرا- كالإحراق المتولّد من الإلقاء و التطهير المترتّب على الغسل، ضرورة أن القدرة على السبب قدرة على المسبّب.
2- شروع في تقسيم متعلق الحكم باعتبار تعلّقه بموضوع خارجي و عدمه و نوعيّة الموضوع إلى أربعة أقسام، و هذه أولى المقدمتين اللتين أعدّهما قدّس سرّه قبل الخوض في صميم البحث.
3- أي موجودا شخصيا عينيا كالقبلة في المثال.
4- فإنّ المطلوب في المثالين هو صرف وجود الوضوء و التيمم، و موضوعهما صرف وجود الماء و التراب، لا مطلق وجوده لينحلّ الحكم و يتعدّد بتعدد وجودات موضوعه- كما في القسم الرابع-، بل لا يترتّب على تعدّد وجوداته سوى التوسعة في الامتثال و التخيير العقلي بينها في امتثال واحد.

ص: 190

الوجوديّة- كما ستعرفه (1)- فيكفي تمكّن المكلّف من أحد مصاديقه في فعليّة خطابه، و لا يترتّب على مصداقيّة الزائد سوى التوسعة في امتثاله.

و أخرى يكون موضوعا للحكم بلحاظ مطلق وجوده، كالعقد- مثلا- أو الخمر بالنسبة إلى وجوب الوفاء به أو حرمة شربه، و نحو ذلك ممّا يستفاد أخذه موضوعا للحكم على نهج القضايا الحقيقيّة من عموم الدليل أو إطلاقه الشمولي (2)، فينحلّ ذلك الحكم حينئذ بالنسبة إلى آحاد وجودات موضوعه إلى حكم خاصّ لموضوع كذلك، كما هو الشأن في محمولات القضايا الحقيقيّة بالنسبة إلى أشخاص موضوعاتها، و يستكشف اشتمال كلّ واحد منها على ملاك حكمه من ذلك (3).

و موضوعات التكاليف العدميّة بأسرها من هذا القبيل، و لا يعقل (4)


1- ستعرف بعد قليل أن موضوعات التكاليف العدمية- المحرّمات- بأجمعها من قبيل القسم الرابع، و لا يتصوّر فيها هذا القسم، فاختصّ هذا بالوجودية.
2- يعني أنّ من عموم الدليل- نحو (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) أو إطلاقه الشمولي نحو (لا تشرب الخمر) يستفاد كون الموضوع مأخوذا بلحاظ مطلق وجوده، و على نهج الموضوع في القضية الحقيقية المتكفلة للحكم على أفراد موضوعها المحقّقة الوجود و مقدّرته، بحيث كلّما يفرض له من أفراد- سواء كانت موجودة بالفعل أم معدومة لكنّها مقدّرة الوجود- تدخل فيه و يثبت لها الحكم على تقدير وجودها، و مقتضاه انحلال الحكم و تعدّد وجوده حسب تعدد وجودات موضوعه، فيكون لكلّ موضوع حكم يخصّه.
3- أي من ثبوت الحكم له، فإن الحكم كاشف إنّا عن الملاك.
4- وجه عدم المعقوليّة أن مقتضى لحاظ الموضوع صرف الوجود- كما عرفت في القسم الثالث- هو فعلية الحكم بمجرد وجود موضوعه، من دون أن يتعدّد بتعدّد أفراد موضوعه، و إنما الفعلي حكم واحد لا يستدعي إلّا امتثالا واحدا، و لو كان التكليف العدمي- مثل لا تشرب الخمر- كذلك لزم تحقق امتثاله بالاقتصار على اجتناب أحد أفراد الخمر مع ارتكاب جميع ما سواه، و مثل هذا التكليف من السخافة بمكان لا يكاد يصدر من عاقل فما ظنّك بالمولى الحكيم تعالى علوّا كبيرا.

ص: 191

موضوعيّتها بلحاظ صرف الوجود لتلك الأحكام إلّا إذا اعتبر بالمعنى الجامع لجميع الوجودات (1)، فيتّحد في النتيجة مع القسم الرابع (2) عند عدم صلاحيّة الحكم للانحلال (3)، و مطلوبية نفس السلب الكلّي


1- بأن يراد بالتحرّز عن صرف وجود الموضوع ما يلازمه من التحرّز عن جميع وجوداته على نحو العموم المجموعي و السلب الكلّي، فيكون صرف الوجود بهذا الاعتبار معنى انبساطيا- كما سيأتي منه قدّس سرّه التعبير به- يجمع جميع وجوداته و يلمّ شملها، و يكون المطلوب- في المثال- أمرا وحدانيا هو الاجتناب عن مجموع أفراد الخمر على نحو السلب الكلي، بحيث إذا ارتكب فردا منها فقد خالف التكليف، و لا تكليف بعد ذلك بالنسبة إلى ما عداه لانتفاء الانحلال، حذو ما هو الحال في باب النذر و أخويه بناء على ما هو المتسالم عليه عند الأصحاب- كما أفاده قدّس سرّه فيما يأتي- من أنه لو نذر أن لا يشرب ماء دجلة- مثلا- فبمجرد تعمّد شربه يحنث، و تلزمه كفارة واحدة، و يسقط الخطاب المتوجّه إليه من جهة نذره.
2- فإنه بحسب النتيجة لا بدّ- كما عرفت- من اجتناب جميع الأفراد كما هو الحال في القسم الرابع، غايته أنه هنا لا انحلال فلا يتعدّد الحكم بتعدّد وجودات موضوعه، بخلافه في القسم الرابع.
3- يعني أنه في التكاليف العدميّة إنّما يصار إلى هذا المعنى المعقول من صرف الوجود فيما إذا لم يصلح الحكم للانحلال و التعدد، و كان المطلوب نفس السلب الكلّي- كما في باب النذر و نحوه.

ص: 192

- كما في باب النذر و نحوه ممّا لا يصلح الحكم لأن يتعدّد بتعدّد وجودات موضوعه كما ستعرفه-، و أمّا موضوعات التكاليف الوجوديّة فهي صالحة لأن تؤخذ بجميع هذه الوجوه (1)- كما لا يخفى- و هذا هو محصّل ما ينقسم إليه التكاليف باعتبار تعلّقها بالموضوعات الخارجيّة و عدمه، و قد ظهر انحصار الأقسام فيما ذكر (2).

و كيف كان، فمن الواضحات الضروريّة أنّ المدار (3) في تشريع الأحكام ليس على تشريع كلّ شخص من الحكم (4) بالنسبة


1- بما فيها المعنى الأخير من صرف الوجود.
2- لأن الحصر فيها عقلي، إذ الحكم لا يخلو إما أن لا يكون له موضوع و اخرى له ذلك، و الثاني لا يخلو إما أن يكون شخصيا خارجيا أو كليا ذا أفراد، و الثاني لا يخلو إما أن يلحظ على نحو صرف الوجود أو مطلق الوجود على نحو الانحلال أو الانضمام.
3- هذه هي ثانية المقدمتين بيّن قدّس سرّه فيها- بإيجاز- كيفية تشريع الأحكام و ما لها من مراتب و مراحل.
4- بيان لكيفية تشريع الأحكام بعقدها السلبي، محصّله أن القضايا المتكفّلة للأحكام الشرعية الكلّية ليست إخبارا عن إنشاءات استقبالية تتعدّد حسب تعدد المكلفين و الوقائع، و وعدا بأنه سبحانه ينشئ في كلّ واقعة بإنشاء خاص حكما خاصا بها- عند اجتماع شرائطه فيها- على نهج القضية الخارجية و إلا لزم منه ارتفاع المائز بين موضوع الحكم و علة تشريعه، و خروج ما هو بوجوده العيني موضوع للحكم الى كونه بوجوده العلمي باعثا على تشريعه و علة غائية له، و بالجملة صيرورة شرائط المجعول شرائط للجعل، ضرورة أنّه كما أنّ المؤثّر في تشريع الأحكام و علّته الغائية هو اشتمال المتعلق على ملاك حسنة أو قبحه بوجوده العلمي دون الواقعي، فكذلك تحقّق الموضوع و اجتماع الشرائط في الواقعة الخاصة إنما يكون بوجوده العلمي مؤثّرا في تشريع الحكم فيها على نهج القضية الخارجية و باعثا عليه دون الواقعي، فإذا اعتقد الحاكم وجوده أنشأ حكمه الشخصي في الواقعة صادف الواقع أم لا، و إلّا لم ينشئه أصاب أم أخطأ، هذا، و اللازم المذكور ضروريّ الفساد مخالف لظواهر أدلّة الأحكام الدالّة على كون موضوعاتها شرائط لها بوجوداتها العينيّة لا عللا لتشريعها بوجوداتها اللحاظية.

ص: 193

إلى كلّ مكلّف و في كلّ قضيّة بإنشاء يخصّه، كي يرتفع الفارق بين موضوعات الأحكام و علل تشريعها، و يلزم من التوالي الضروريّ فسادها (1) ما أوضحناه في محلّه.


1- أشار قدّس سرّه بهذا إلى الخلط الواقع في بعض المسائل الأصولية بين شرائط الجعل و شرائط المجعول بترتيب أحكام الأوّل على الثاني:

ص: 194

و إنّما المجعول (1) حكما كليّا على موضوعه المقدّر وجوده- كوجوب الفرائض الخمس على المكلّفين بها في أوقاتها، و الحجّ على المستطيع، و تبادل العوضين عند تحقّق البيع الجامع لشرائطه،


1- بيان للعقد الإيجابي من كيفية تشريع الأحكام، و خبر المبتدأ قوله (هو الحكم الشرعي)، و حاصل المقصود أن ما يصدر من الشارع لدى تشريع الأحكام ليس إخبارا عن إنشاء استقبالي- كما عرفت-، بل هو بنفسه إنشاء لحكم كلّيّ انحلاليّ و جعل له على موضوعه المقدّر وجوده بنحو القضية الحقيقية، بحيث تترتّب عليه فعليّة أحكام شخصية عند تحقّق وجودات ذلك الموضوع من دون إنشاء جديد لها، بل بنفس ذلك الإنشاء الانحلاليّ الأول.

ص: 195

و غير ذلك- هو الحكم الشرعيّ المجعول في جميع الأبواب (1)، و يعبّر عن ذلك الموضوع المقدّر وجوده في أبواب التكاليف بشرائطها، و في الوضعيّات بأسبابها لمناسبة ظاهرة (2)، و يعبّر عن


1- سواء في ذلك أبواب التكاليف- كما في مثالي الصلاة و الحج- و الوضعيّات- كما في مثال البيع.
2- أمّا الأول فباعتبار أن الموضوع شرط متمّم لفاعليّة المقتضي و تأثيره في مرحلة الملاك، ذلك أنّ لوجوده دخلا في فعلية الملاك المقتضي لجعل التكليف، فتماميّة المقتضي المذكور في تأثيره في مقتضاه متوقّفة على تحقّق الموضوع، فهو- إذن- شرط تكوينيّ في هذه المرحلة، و عنه ينشأ أخذه موضوعا معلّقا عليه الحكم في مرحلة التشريع، فأصبحت الشرطية التكوينية منشأ لتعليق الحكم تشريعا المنتزع عنه شرطيّة المعلّق عليه و موضوعيّته، هذا بالنسبة إلى مقام الثبوت و القضية اللبّية. و الأمر كذلك في مقام الحكاية بالقضيّة اللفظيّة، فإنّ الحكم المجعول على نحو القضيّة الحقيقيّة كما يصحّ إلقاؤه بصيغة القضيّة الحمليّة نحو (المستطيع يجب عليه الحج)، كذلك يصحّ إلقاؤه قضية شرطيّة بجعل الموضوع شرطا، فيقال (إذا استطاع المكلف وجب عليه الحج)، و قد ذكروا أن مرجع الموضوع- في القضية الحقيقية- إلى الشرط و بالعكس، و أن القضية المذكورة تنحلّ إلى شرطية مقدّمها وجود الموضوع خارجا و تاليها عنوان المحمول، هذا. و لا يخفى أن مقتضى ما ذكرناه من المناسبة صحة التعبير عن الموضوع بالشرط في جميع الأبواب حتى الوضعيّات، إلّا أنه اختص في هذه الأخيرة باسم السبب لمناسبة اخرى تخصّ هذا الباب، و هي شدّة شبهة بالأسباب التكوينيّة المؤثّرة في مسبّباتها، إذ كما أن النار- فرضا- توجد الحرارة تكوينا، كذلك العقد الإنشائي أو الحيازة- مثلا- يوجد الملكيّة اعتبارا، و الإنشاء عندهم إيجاد في الاعتبار. هذا، و قد يعبّر بالسبب حتى في موضوعات التكاليف، و ستعرف قريبا وجهه.

ص: 196

نفس ذلك المجعول الشرعي (1) على موضوعه المقدّر وجوده بالحكم الشأنيّ في الجميع، إذ كونه من قبيل ما بالقوّة ظاهر.

و كما لا خفاء (2) في أنّ دوران فعليّة ذلك الحكم و كونه بعثا أو زجرا (3) فعليّا للمكلّف، و كذا تحقّق ما أنشِئ بعقد أو إيقاع أو غير ذلك مدار تحقّق ذلك الموضوع هو الذي يقتضيه كونه مجعولا على ذلك التقدير، و تنتزع سببيّة الأسباب لمسبّباتها عن ذلك (4)، و لا


1- و ذلك قبل فعليته بفعلية موضوعه، أما بعدها فهو الحكم الفعلي، و سيذكر الآن.
2- بيان ضمنيّ لمرحلة فعلية الحكم، مجمله ما مرّ من أن مقتضى جعل الحكم على تقدير تحقق موضوعه هو إناطة فعليّته بتحقّقه و دورانها مداره.
3- هذا في التكليفيات، كما أن ما بعده في الوضعيات.
4- أي عن الدوران المذكور، فمن دوران وجود المسبّب مدار وجود السبب تنتزع السببيّة، و الغرض من درج هذه الجملة المعترضة في هذا المقام الإشارة إلى المناسبة في تسمية الموضوع بالسبب، و وجه الشبه بينهما، و أنه لمّا كان منشأ انتزاع عنوان السببيّة للسبب و المسببيّة للمسبب دوران جود الثاني مدار وجود الأول و إناطته به، و كانت هذه العلقة بعينها متحققة بين الموضوع و حكمه ناسب أن يسمّى الموضوع باسم السبب- و إن اختلفا في أن الإناطة بين الأوّلين تكوينيّة ذاتيّة، و بين الأخيرين تشريعيّة جعليّة.

ص: 197

يعقل أن يتخلّف عنه (1) لا وجودا و لا عدما، و إلّا كان خلفا واضحا (2)، و من بداهة امتناعه يتّضح من مهامّ المسائل (3) ما لا يخفى.

فكذا لا خفاء في أنّ تنجّزه (4)- بمعنى تماميّته في تأثيره التشريعيّ المتوقّف على وصوله (5)- إنّما يدور بعد العلم بالكبرى الشرعيّة المذكورة مدار العلم بتحقّق ذلك الموضوع، و انضمام


1- أي يتخلف الحكم عن الموضوع لا وجودا بأن يتخلف عن وجوده فلا يوجد معه، و لا عدما بأن لا ينتفي عند انتفائه،- حذو امتناع تخلف المعلول عن علته.
2- لأنه خلاف فرض كونه مجعولا على ذلك التقدير و حكما على ذلك الموضوع، و الخلف محال، لأنه مناقضة واضحة.
3- كمسألة امتناع الشرط المتأخر، فإن مقتضى ما ذكر من كون الحكم مجعولا عن تقدير تحقق موضوعه هو عدم تخلفه عنه بتقدمه عليه أو تأخره عنه، فلو تقدّم عليه- كما في الشرط المتأخر- لزم الخلف المحال. و كمسألة امتناع الواجب المعلّق، فإن فعليّة الوجوب قبل حلول الوقت المأخوذ في موضوعه و تقدّمه عليه خلف واضح. و نحوهما امتناع الاستصحاب التعليقي المفروض فيه عدم تحقق أحد أجزاء موضوع الحكم المستصحب، فلا تحقق للحكم في الحالة السابقة ليستصحب، و لا يعقل تحققه للخلف المذكور. و منها مسألة وجوب المقدمات المفوّتة قبل وجوب ذيها، فإنه إذ يمتنع فعليّته قبل الزمان المأخوذ في موضوعه للخلف المزبور، فلا وجوب ليترشّح منه إلى المقدمة، فلا محيص من متمّم الجعل لإيجابها، إلى غير ذلك من المسائل.
4- بيان لمرحلة تنجز الحكم.
5- فإنّ الحكم المجعول غير الواصل إلى المكلف لا يكون تامّ التأثير في بعثه نحو العمل، فإن انبعاثه عنه فرع وصوله إليه.

ص: 198

الصغرى إلى تلك الكبرى (1)، إذ هو في كلتا مرحلتي الثبوت و الإثبات (2) بمنزلة النتيجة الحاصلة من انضمام المقدّمتين، و لا يعقل أن تتخلّف عنه (3) لا وجودا و لا عدما، و إلّا عاد ذلك الخلف- لا محالة.

و بالجملة: فالذي يعقل من مراتب الحكم هو هذه الثلاثة (4)


1- فإن وصول الحكم الفعلي إلى المكلف و تنجّزه عليه يتوقّف على علمه بالكبرى الشرعيّة المجعولة على نحو القضية الحقيقية، و على علمه بتحقق موضوعها صغرويّا، و بضمّ هذه الصغرى إلى تلك الكبرى المتشكّل منهما الشكل الأوّل من القياس يستنتج الحكم الفعلي، و يصل إليه، فيكون متنجّزا في حقّه.
2- يعني أن الحكم الفعلي يكون بمنزلة النتيجة في كلتا المرحلتين: مرحلة فعليته و ثبوته الواقعي، و مرحلة تنجّزه و العلم به، فبثبوت المقدّمتين يثبت الحكم، و بالعلم بهما يعلم به.
3- أي تتخلّف النتيجة عن انضمام المقدمتين وجودا و عدما، و إذ قد عرفت آنفا امتناع تخلف فعليّة الحكم عن فعليّة المقدّمتين ثبوتا، للزوم الخلف، فكذلك- إثباتا- يمتنع تخلّف تنجّزه عن العلم بالمقدّمتين، لنفس المحذور.
4- مراده قدّس سرّه بالثلاثة الشأنيّة و الفعليّة و التنجّز، و قد سمعت أن الحكم الشأني هو المجعول الشرعي على موضوعه المقدّر الوجود قبل فعليّته بفعليّة موضوعه، فهو الحكم الشخصي الذي لم يصر بعد فعليّا، بل له شأنيّتها و قوّتها، أما الحكم الإنشائي الذي تقدّم أنه إنشاء الحكم الكلّي على موضوعه المقدّر الوجود على نحو القضية الحقيقيّة و الكبرى الكليّة فليس هو نحو وجود للحكم- حتى شأنا- ليعدّ من مراتبه، إذ ليس هناك بعث فعليّ و لا شأني و لا زجر كذلك و لا غيرهما، و حقيقة الحكم ما كان كذلك. فإن قلت: كيف و له نحو وجود اعتباريّ، إذ يوجد بإنشائه، و يستمرّ وجوده ما لم يعرضه النسخ، و يستصحب بقاؤه إذا شك فيه بلا إشكال، و هو الذي تقدّم دخل العلم به- مضافا إلى العلم بتحقّق الموضوع- في بلوغ الحكم مرتبة التنجّز. قلت: نعم، لكنّه معنى آخر للحكم غير منوط بوجود موضوع أصلا، فإنّه عبارة عن قضيّة تعليقيّة، مفادها إناطة تكليف أو وضع بأمر و دورانه مداره، و ما هذا شأنه أجنبيّ عمّا نحن بصدده من تعداد مراتب الحكم الشخصي المتضمّن بعثا أو زجرا متوجّها إلى مكلّف خاص، أو ملكية أو زوجية أو نحوهما متحقّقة في موضوع كذلك. ثمّ إنّ في عدّ الشأنيّة من مراتب وجود الحكم مسامحة واضحة، فإنّه لا وجود له بعد، بل شأنيّة الوجود، فلا بدّ من ارتكاب التسامح في ناحية الحكم ذي المراتب، و إرادة ما يعمّ الشأنيّة، و الأمر سهل.

ص: 199

بما عرفت من تفسيرها، و ترتّب كلّ لاحقة على سابقتها، و امتناع التداخل فيها (1) و التفكيك بينها (2)، و كونه (3) من الخلف الضروريّ امتناعه، و يطّرد ذلك في جميع أنواعه (4).

و إنّما ينشأ اختلاف الأقسام الأربعة المذكورة- في تنجّز


1- بصيرورة مرتبتين منها مرتبة واحدة، للزوم الخلف.
2- المراد التفكيك في مرحلة الفعلية بين فعلية الحكم و تحقّق موضوعه، و في مرحلة التنجّز بين تنجّزه و العلم به.
3- أي كون التفكيك المذكور من الخلف، و قد مرّ تفصيله.
4- و هي الأقسام الأربعة المتقدمة، و من هنا يبدأ قدّس سرّه فيما عقد له البحث- و هو التحقيق حول اختلاف الأقسام الأربعة في التنجز- بعد ما فرغ من المقدمتين اللتين مهّدهما أمامه.

ص: 200

ما عدا الأخير منها بنفس العلم بالحكم (1) و اجتماع شرائط التكليف (2)، و توقّفه في خصوص الأخير على العلم بموضوعه أيضا (3)- عن كون (4) الخطاب متضمّنا بنفسه للاشتراط بوجود موضوعه أيضا (5)، و متوقّفا كونه (6) خطابا متوجّها في نفس الأمر إلى المكلّف على وجوده في خصوص ذلك القسم، دون سائر الأقسام.

أمّا في القسم الأوّل فظاهر (7)، إذ المفروض تعلق التكليف في هذا القسم بعنوان اختياريّ لا تعلّق له بالموضوع الخارج عن الاختيار أصلا، فلا يتوقّف فعليّة هذا القسم من التكليف بعد القدرة على متعلّقه إلّا على اجتماع شرائطه، و لا تنجّزه أيضا بعد العلم


1- يعني به الحكم الكبروي و أصل التشريع.
2- أي و العلم باجتماع شرائطه العامة و الخاصة.
3- أي مضافا إلى العلم بما ذكر.
4- متعلق ب (ينشأ)، و المقصود أنه في خصوص القسم الأخير يكون الخطاب الكبروي متضمنا للاشتراط بوجود موضوعه و التعليق عليه، و يتوقف صيرورته خطابا فعليا متوجها إلى المكلف على وجود الموضوع المعلّق عليه، و شي ء من الأمرين غير متحقّق في سائر الأقسام، و هذا الاختلاف هو منشأ اختلافها الآنف الذكر بالنسبة إلى مرحلة التنجز.
5- متعلق ب (ينشأ)، و المقصود أنه في خصوص القسم الأخير يكون الخطاب الكبروي متضمنا للاشتراط بوجود موضوعه و التعليق عليه، و يتوقف صيرورته خطابا فعليا متوجها إلى المكلف على وجود الموضوع المعلّق عليه، و شي ء من الأمرين غير متحقّق في سائر الأقسام، و هذا الاختلاف هو منشأ اختلافها الآنف الذكر بالنسبة إلى مرحلة التنجز.
6- الموجود في الطبعة الاولى (متوقفا و كونه) و الصحيح ما أثبتناه.
7- تفصيل لذلك الإجمال و بيان لكيفيّة فعلية الحكم و تنجّزه في كلّ من الأقسام الأربعة، و ما يترتّب عليها من حكم موارد الشبهة المصداقيّة لكلّ منها.

ص: 201

بتشريعه إلّا على العلم باجتماعها (1)، فكلّما (2) رجعت الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في ذلك (3) كان مرجعها إلى الشكّ في التكليف (4)، و تجري البراءة فيها من دون فحص (5) إلّا إذا قام الدليل على وجوبه (6)- على تفصيل بين الشكّ في القدرة و غيرها (7) كما ستعرفه (8).


1- أي اجتماع شرائط التكليف، و المقصود بالعبارة أن التكليف في هذا القسم لا يتوقّف فعليّته على وجود موضوع أصلا، و لا تنجزه على العلم بوجوده. هذا، و لا يخفى على النبيه ما في تخصيص القدرة بالذكر من بين شرائط التكليف من النكتة، فإن التنجز متوقف بعد العلم بالتشريع على العلم باجتماع ما سوى القدرة من الشرائط، أما هي فلا، بل يجب الاحتياط مع الشك فيها- على تفصيل يأتي إن شاء اللّه تعالى.
2- عبّر قدّس سرّه بأداة العموم لأن الحكم عامّ لجميع المقامات، و لا اختصاص له بمقامنا هذا،- كما هو واضح.
3- أي في اجتماع شرائط التكليف بأن شكّ في تحقق بعضها في مورد، فتكون الشبهة حينئذ مصداقية للشكّ في تحقّق مصداق التكليف في المورد، أما إذا شكّ في أصل تشريعه فالشبهة معه حكمية خارجة عن محل الكلام.
4- لأنّ الشك في الشرط شكّ في المشروط.
5- لما حقّق في محلّه من عدم وجوب الفحص في الشبهات المصداقية، فتجري فيها البراءة بدونه.
6- كما في الموارد التي يلزم من ترك الفحص فيها مخالفة التكليف الواقعي غالبا كالنظر إلى الفجر في الصوم، و مراجعة الدفتر في الاستطاعة و بلوغ النصاب، و السؤال في بلوغ المسافة و نحوها.
7- أي تفصيل في وجوب الفحص بين الشك في القدرة و غيرها من سائر الشرائط العامة و الخاصة.
8- عند التعرض لحكم القسم الثالث.

ص: 202

و بعد العلم باجتماعها فإن كان (1) العنوان المتعلّق للتكليف من المقدور بلا واسطة و الصادر بنفسه (2) امتنعت الشبهة المصداقيّة فيه حال صدوره الإراديّ بعد تبيّن مفهومه، إذ يستحيل أن يشكّ من أراد شيئا عند إرادته له في هويّة ما أراده (3)، و إنّما يعقل الشكّ في


1- الشبهة المصداقية لهذا القسم من التكاليف تتصوّر بأحد نحوين: إمّا أن تكون ناشئة عن الشكّ في تحقق إحدى شرائطه- و قد تقدم-، أو ناشئة- بعد العلم باجتماع الشرائط- عن الشكّ في مصداقيّة ما صدر من المكلف للمكلّف به، و هذا ما تصدّى قدّس سرّه لبيانه هنا.
2- هذا في قبال ما سيجي ء من فرض كون المتعلق من المسبّبات التوليدية.
3- فإن الفعل الاختياري- و هو الصادر عن إرادة- لا يعقل صدوره إلّا بعد تصوّره و تبيّن مفهومه لاستحالة تعلق الإرادة بشي ء لا يعرفه المريد، فإذا عرفه و تعلقت به إرادته و حرّك عضلاته نحوه فكيف يشكّ في هذا الحال في وجوده و صدق عنوان المراد عليه؟ و كيف يتحقّق منه تحريك العضلات نحوه عن إرادة و اختيار مع غيبوبته عن ذهنه؟ هذا. و من الغريب استغراب السيّد الأستاذ قدّس سرّه من مقالة أستاذه المحقّق الجدّ قدّس سرّه قائلا: إن الفعل الاختياري إنما يلزم فيه حضوره للفاعل من الجهة التي تعلّق بها غرضه، و أما صدق عنوان آخر من العناوين الخارجية فالشكّ فيه بمكان من الضرورة كما إذا شكّ المتكلم في صدق عنوان الذكر على ما يصدر منه من الكلام حال صدوره (رسالة اللباس المشكوك: 71). فإنّه إذا فرض تعلق الغرض بالتكلم- مثلا- و قد تعلّقت به إرادته و أوجده فلا يشك في صدق عنوانه عليه، و أما عنوان الذكر فالشك في صدقه لا بدّ أن يكون ناشئا عن عدم تعلّق إرادته به إمّا لعدم تصوّر مفهومه أو لغفلته عنه لعدم تعلّق غرضه به، أمّا مع فرض التفاته إليه و معرفته لمفهومه و تعلق إرادته به أيضا فلا يعقل الشك المذكور و عدم حضوره في ذهنه حال صدوره الإرادي منه.

ص: 203

العنوان الاختياري حال صدوره إذا كان من المسبّبات التوليديّة المقدورة بتوسّط أسبابها، و اشتبه السبب المحصّل له (1)، و واضح أنّه متى رجعت الشبهة المصداقيّة إلى مرحلة المحصّل كان مرجعها إلى الشكّ في الامتثال، وجوديّا كان العنوان المتعلّق أو عدميّا (2)، حتى فيما إذا كان المحصّل شرعيّا (3) أيضا و تردّد بين الأقلّ و الأكثر، و لعلّنا نتعرّض لذلك في المحلّ المناسب له- إن شاء اللّه تعالى.


1- فيشكّ حينئذ في أنّ ما يصدر منه هل هو محصّل للمتعلّق و سبب توليدي له أو لا، و لأجله يشكّ في وجود المتعلق بذلك و عدمه.
2- و بعبارة اخرى: كان العنوان متعلّقا لتكليف وجودي أو عدمي، أمّا رجوعها إلى الشك في الامتثال دون التكليف في الوجودي فواضح، و أمّا في العدمي كما إذا حرم عليه إحراق شي ء و تنجّز عليه و شك في أن الإلقاء الكذائي محصّل له أو لا، فلأن المفروض أنه لا شك في ثبوت الحرمة و فعليتها و إنما يشك في أنه هل يتحقّق امتثالها مع فعل مشكوك المحصّلية أو أنه يتوقف على تركه، و مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الترك، و لا يقاس به موارد الشبهة المصداقيّة لموضوع الحرمة- كمشكوك الخمريّة- بدعوى أنّه يشك في تحقّق الامتثال بشربه و قضية الاشتغال تركه، ضرورة أن مقتضى الانحلال الشك في ثبوت التكليف في مورده، و المرجع فيه البراءة.
3- كأفعال الطهارات الحدثية و الخبثية بناء على تعلّق الأمر بالطهارة و كون تلك الأفعال محصّلات شرعية لها، فإذا شك في حصول الطهارة عن الخبث بالغسل مرة أو عن الحدث بالمسح منكوسا- مثلا- لزم الاحتياط، و وجهه مذكور في الأصول مفصّلا (راجع فوائد الأصول 1: 87 و 4: 48، و أجود التقريرات 1: 119 و 2: 178 إلى 180).

ص: 204

نعم في القسم الأوّل (1) يمكن أن يتطرّق الشبهة المصداقية بعد الفراغ عنه، لكن حيث لا أثر لهذه الشبهة في المحرّمات (2) أصلا، و لا في الواجبات أيضا في غير ما يوجب القضاء و الإعادة (3) فقاعدة الفراغ حاكمة (4) على أصالة الاشتغال في هذا القسم (5)، و لا يندرج ما عداه لا في مجاري الاشتغال، و لا البراءة (6).

و أمّا القسم الثاني: فهو- و إن فارق سابقه في التعلّق بالموضوع


1- المراد به ما كان المتعلق مقدورا بلا واسطة، و الوجه في تطرق الشبهة المصداقية إليه بعد الفراغ عنه هو إمكان طروّ النسيان حينئذ، فيشك في هويّة فعليه السابق.
2- إذ لا أثر للشك في مصداقيّة ما صدر منه سابقا للحرام و عدمها، و لو فرض لصدوره منه أثر فمقتضى الأصل عدمه.
3- فإنه أيضا لا أثر يترتّب فعلا على الشك في أنّ ما صدر منه سابقا مصداق للواجب أو لا، و لا يجدي استصحاب عدم صدوره منه لترتيب آثار فسقه مثلا، لعدم ترتّبها على مجرد عدم الصدور.
4- يعني: إذا كان الواجب ممّا يجب بتركه القضاء و الإعادة فلو لا قاعدة الفراغ لكان مقتضى قاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم الإتيان وجوب إعادته في الوقت بل و قضائه خارجه- على بعض الوجوه-، إلّا أن القاعدة المذكورة حاكمة على الأصلين، و مقتضاها صحة المأتي به و مصداقيّته للواجب.
5- يريد قدّس سرّه به القسم الأخير من أقسام ما يتطرّق فيه الشبهة المصداقية بعد الفراغ عنه، و هو الذي اختص بجريان قاعدة الفراغ فيه، و يقابله ما عداه من المحرّمات و الواجبات التي ليس لها إعادة أو قضاء، و هو المراد بقوله قدّس سرّه متعاقبا (و لا يندرج ما عداه. إلخ).
6- لما عرفت من أنه لا أثر لشبهاته المصداقية، و يعتبر في جريان الأصول ترتّب أثر شرعي عليها.

ص: 205

الخارجيّ هنا، دون ما تقدّم- لكن لمّا كان الموضوع المفروض في هذا القسم متحقّقا فعليّا، و متشخّصا خارجيّا، لا كليّا ذا أفراد مقدّرة الوجود، كي يتضمّن الخطاب شرطيّة (1) من هذه الجهة (2)، فلا أثر لهذا التعلّق أصلا (3)، و يكون وجوده كعدمه، و يطّرد في هذا القسم جميع ما تقدّم في سابقه (4) سوى أنّ الشبهة المصداقيّة تتطرّق هنا (5) بالنسبة إلى نفس العنوان المقدور بنفسه أيضا حال صدوره من جهة التعلّق بالموضوع المذكور و إمكان الشكّ فيه- كما في استقبال القبلة


1- المراد بها اشتراط فعلية الخطاب بوجود فرد من ذلك الكلي، و قد أشار قدّس سرّه إلى التضمّن المذكور قبل الدخول في تفاصيل الأقسام، و سيأتي تحقيقه مفصّلا لدى التعرض للقسم الرابع، فانتظر.
2- و إن تضمّن شرطية من سائر الجهات كالشرطية بالنسبة إلى سائر شرائط التكليف.
3- إذ التعلق المزبور لم يوجب شرطية و تعليقا و حكما على موضوع مقدّر الوجود، فلا أثر لوجوده، و كان بمنزلة العدم.
4- من تطرّق الشبهة المصداقية فيه مع الشك في اجتماع شرائط التكليف، و كذا مع العلم باجتماعها و الشك في مصداقية الفعل الصادر بعد الفراغ عنه أو حال صدوره إذا كان من المسببات التوليدية، و أن المرجع في الأوّل البراءة، و في الثاني قاعدة الفراغ، و في الثالث الاشتغال.
5- أما هناك فقد عرفت أنه لا يمكن تطرّقها فيه، و الفارق بينهما تعلّق العنوان المتعلق للتكليف هنا بالموضوع الخارجي- كالقبلة- دونه هناك، و لأجله يمكن هنا الشك في مصداقية الصادر للعنوان المقدور بنفسه حال صدوره الإرادي، للشك في تعلّقه بالموضوع المذكور و عدمه.

ص: 206

و استدبارها و نحو ذلك-، و لازم ذلك (1) هو العلم الإجمالي بتوجّه التكليف الوجوبي أو التحريميّ عند تردّده بين المتباينين- كما عند اشتباه القبلة-، فيجب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة (2)، و الفحص في التحريميّة (3)، و يتخيّر عند تعذّر الأمرين (4).

و لو تردّد بين الأقل و الأكثر (5)- كما إذا تردّد مقدار الموقف في عرفات و المشعر (6) الحرام من جهة الشبهة الخارجية بين الأمرين- اتّجه التفصيل في رجوع الشبهة إلى الشكّ في الامتثال أو التكليف بين الوجوبيّة و التحريميّة، ففي الوقوف الواجب يجب الإتيان به فيما علم أنّه من


1- أي لازم الشبهة المصداقية المذكورة الناشئة عن الشك في الموضوع المزبور، و الملازمة واضحة.
2- بالجمع بين المحتملين تفريغا للذمّة عن التكليف المعلوم بالإجمال.
3- كما إذا حرم استقبال القبلة في حالة خاصة و هو لا يدري أين وجه القبلة، فيحتمل الحرمة أينما توجّه، و في مثله يحكم العقل بوجوب الفحص عنها- و إن كانت الشبهة موضوعية- لتوقف امتثال التكليف المتنجّز عليه، و يكفي في الفحص العلم بوجود القبلة في بعض الجهات خاصّة فيجتنبها.
4- أي الاحتياط و الفحص، فإنه إذا لم يمكن الفحص و لا الموافقة القطعية بالاحتياط التام يتنزل إلى الموافقة الاحتمالية، و يكتفى ببعض المحتملات فعلا- في الشبهة الوجوبية- أو تركا- في التحريمية.
5- هذا في قبال التردد بين المتباينين- السابق ذكره.
6- الموجود في الطبعة الاولى (مشعر) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 207

الموقف (1)، و في حرمة الإفاضة قبل الغروب و الطلوع (2) يقتصر (3) على ما علم خروجه عن حدود الموقف، و يجوز الانتقال من القدر المعلوم إلى المشكوك مع عدم إخلاله بالوقوف الواجب قبل ذلك.

و السرّ في ذلك (4) هو إطلاق الطلب الوجوبيّ (5) بالنسبة إلى


1- فلا يجزي الوقوف في المكان المشكوك كونه منه، و هذا مثال للشبهة الوجوبية، كما أنّ ما بعده مثال للتحريمية.
2- الأوّل بالنسبة إلى الوقوف بعرفات، و الثاني بالنسبة إلى الوقوف بالمشعر الحرام.
3- أي يقتصر في لزوم الاجتناب على ذلك، فلا بأس بالإفاضة إلى المقدار المشكوك بعد أداء ما وجب عليه من الوقوف فيما علم دخوله في الموقف.
4- توضيح ذلك: أن هناك فرقا بين التكاليف الوجوبية و التحريمية، نظرا إلى أن الوجوب متعلّق بعنوان الواجب نفسه، و يطلب إيجاد ما ينطبق عليه هذا العنوان خارجا، فمتعلّقه واقع تحت الطلب، و مقتضاه لزوم إحراز تحققه في الخارج، و عدم الاكتفاء بالمشكوك، لكونه شكا في مرحلة الامتثال بعد تنجز التكليف. أمّا الحرمة فهي عند التحقيق ليست كذلك، بل مشروطة بكون الفعل مصداقا لعنوان الحرام، بمعنى أنه إذا كان الفعل بحيث لو وجد لكان الهويّة الكذائية كان فعله حراما، و إلّا فلا، و عليه فمتعلّقه خارج عن دائرة الطلب مأخوذ شرطا لتعلّقه معلّقا عليه، فلا يلزم إحراز تركه، بل يكون الشك فيه شكا في التكليف و مجرى للبراءة.و بالجملة كلّ من الوجوب و الحرمة متعلق بالوجود الواقعي، إلّا أن مقتضى تعلق الوجوب به أنه مع الشك فيه يشكّ في حصول الامتثال، و قاعدة الاشتغال تقتضي لزوم الإحراز، أمّا الحرمة فمقتضى تعلّقها به أنه مع الشك يُشكّ في التعلق و الأصل البراءة، و سرّ الفرق ما أفاده قدّس سرّه من الوقوع تحت الطلب و عدمه.
5- في قبال اشتراطه بالانطباق على عنوان متعلقة- كما في التحريمي.

ص: 208

الانطباق على عنوان متعلّقه و دخوله تحت الطلب (1)- لا محالة-، و كونه في التحريميّ خارجا عن دائرة الطلب و شرطا لشموله (2)، و لكن لا بمعنى ترتّبه (3) على تحقّق الانطباق في الخارج كي يرجع إلى طلب عدم الشي ء على تقدير وجوده، بل بمعنى كونه منعا عمّا لو وجد لكان تلك الهويّة، فهذه الشرطيّة (4) واقعة في التكاليف الوجوديّة تحت دائرة التكليف (5)، و خارجة عنها في العدميّة (6)


1- أي دخول الانطباق المزبور تحت الطلب، إذ هو مطالب به ضرورة، فالطلب وارد عليه.
2- أي لشمول التحريم، فالتحريم مشروط بالانطباق المزبور معلّق عليه، فهو خارج عن حيّز الطلب، و ليس مطالبا به ليلزم إحرازه.
3- يعني: لا مجال لأن يتوهم أن مقتضى الاشتراط المذكور ترتّب التحريم على تحقق الانطباق خارجا، فإن مرجعه إلى طلب عدم الشي ء على تقدير وجوده، و هو طلب للمحال، بل المراد ترتّب الحرمة على ما لو وجد لكان الهويّة الكذائية، فقولنا (لا تفض من عرفات) يعني: لا تفعل ما ينطبق عليه عنوان الإفاضة، و ليس المراد أنّ ما وجد في الخارج و انطبق عليه العنوان حرام مطلوب تركه ليلزم المحال، بل المراد أنّ ما لو وجد لكان إفاضة فاتركه.
4- و هي شرطية أنه لو وجد لكان كذا أو انطبق عليه عنوان كذا.
5- لتعلّق التكليف فيها بفعل ما لو وجد لكان ذلك الفعل، فيكون فعله مطالبا به، و لا بدّ من إحراز كونه كذلك، لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ كذلك، فيرجع مع الشك إلى قاعدة الاشتغال.
6- لتعلّق التكليف فيها- في الحقيقة- بترك فعل على تقدير كونه لو وجد هو ذلك الفعل، فالتكليف معلق على كونه لدى وجوده هو ذلك.

ص: 209

متوقّف شموله عليها (1)، و من هنا يرجع الشكّ فيها في الوجوديّة إلى الشكّ في الامتثال، و في العدميّة إلى الشكّ في التكليف، و سيأتي مزيد تنقيح منّا لذلك (2)- إن شاء اللّه تعالى.

و يلحق القسم الثالث أيضا بسابقيه في عدم تضمّن الخطاب لشرطيّة من جهة التعلّق بموضوعه، فإنّ الموضوع المفروض في هذا القسم- و إن كان كليّا ذا أفراد صالحة للانطباق على عنوانه- بدليا (3)-، لكن لمّا كان القدر المتوقّف عليه توجّه ذلك التكليف هو تمكّن المكلّف من صرف وجوده (4) المنطبق- على البدل- على أحدها، و لا يترتّب على مصداقيّة الزائد أثر سوى التوسعة في دائرة التخيير العقليّ في مرحلة امتثاله، فلا مدخلية لوجود الزائد و عدمه في التكليف أصلا،


1- أي شمول التكليف العدمي لمورد متوقف على صدق تلك الشرطيّة فيه، فإذا شكّ فيها كان شكا في التكليف المشروط بها لا محالة، و المرجع فيه البراءة.
2- في التنبيه الثالث من تنبيهات الخاتمة.
3- أي انطباقا بدليا، إشارة إلى ما مرّ من بدليّة إطلاق الدليل بالنسبة إلى الموضوع في هذا القسم.
4- يعني أن القدر المتوقف عليه فعليّة التكليف هو ما به يتمكن من امتثاله، و هو صرف وجود الموضوع المتحقق بوجود أيّ من أفراده، فيكفي في فعليته وجود فرد واحد، و لا أثر للزائد عليه سوى التوسعة في الامتثال و تكثّر أبدال التخيير العقلي من دون دخله في أصل التكليف، و عليه فلا أثر للشك فيه مصداقا سوى الشكّ في تحقق الامتثال به و عدمه، و المرجع فيه قاعدة الاشتغال.

ص: 210

و يرجع الشكّ فيه إلى الشكّ فيما ذكر من صلاحيّته للامتثال به.

و أمّا بالنسبة إلى ما يتوقّف عليه التمكّن (1) من صرف وجوده فهو و إن كان شرطا لتوجّه التكليف- لا محالة-، لكن لمّا كان تمكّن المكلّف ممّا تعلّق به ذلك التكليف- كالوضوء مثلا- متوقّفا على تمكّنه من الماء أوّلا ثمّ من استعماله في التطهّر به و نحو ذلك (2)، و الاشتراط بالقدرة- المتضمّن له كلّ تكليف- يعمّ الأمرين جميعا (3)، فلا يعقل أن يتضمّن الخطاب شرطيّة أخرى من هذه الجهة، و يرجع الشبهة المصداقيّة (4) حينئذ إلى الشك في تمكنه من متعلّق التكليف، و يلحقها حكم الشكّ في القدرة.


1- لا يخفى على النبيه ما في العبارة من التنبيه بالعلّة في قالب الموصول و الصلة.
2- يعني: و نحو ما ذكر- من الماء و التمكن منه و من استعماله في الوضوء- بالنسبة إلى غير مثال الوضوء.
3- و هما التمكن من تحصيل الموضوع- كالماء- و التمكن من استعماله فيما تعلق به التكليف- كالوضوء-، و محصّل المقصود أن القدرة المشروط بها التكليف المتعلق بالوضوء مثلا- بمناط شرطيّة القدرة في كلّ تكليف- لا تختص بالقدرة على الفعل نفسه، بل تعمّ القدرة على تحصيل موضوعه، فإنها في الحقيقة من شؤون القدرة على الفعل، و بدونها تنتفي القدرة عليه- لا محالة-، إذن فشرطيّة القدرة التي يتضمنها الخطاب في هذا القسم تشمل القدرة على صرف وجود موضوعه، و لا يتضمّن شرطية أخرى زائدة عليها ليكون بمنزلة قولنا (إذا وجدت الماء و قدرت على الوضوء فتوضأ)، بل الشرطيّة واحدة تلمّ شمل الأمرين جميعا.
4- و هي ما إذا شك في تحقق صرف وجود الموضوع في الخارج.

ص: 211

و هي و إن شاركت بقيّة الشرائط العامّة في اشتراط التكاليف بها، و كان توهّم كونها كالعلم بالخطاب شرطا لتنجّزه دون توجّهه أوضح فسادا من عكسه (1)- المتقدّم نقله عن بعض الأساطين-، لإمكان أن يكون (2) للعلم بالحكم دخل في تماميّة ملاكه (3)، و يقوم الدليل المنتج نتيجة التقييد على ذلك- كما في مسألة الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام على ما اتّضح في محلّه-، و لكن مقتضى استقلال العقل بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه هو امتناع توجّه التكليف إلى القدر المشترك بين القادر و العاجز، فلا تصل النوبة حينئذ إلى التنجّز و المعذورية (4)، بل لا يرجعان إلى


1- و هو كون العلم بالخطاب شرطا لتوجّهه و فعليّته كالقدرة، و قد تقدّم نقله عن المحقّق القمي قدّس سرّه.
2- تعليل لأوضحيّة فساد التوهم المذكور من عكسه، و ذلك بالمقايسة بينهما بذكر توجيه للعكس و برهان على إمكانه الذاتي و الوقوعي أولا، ثمّ التعرّض لحال الأصل و بيان امتناعه استنادا إلى استقلال العقل بقبحه.
3- أشار قدّس سرّه بهذا إلى ما حقّقه في الأصول من أن العلم بالحكم قد يكون له دخل في تماميّة ملاكه ثبوتا فيكون الحكم بالنسبة إلى الجاهل به فاقدا للملاك، و في مثله لمّا لم يمكن الشارع استيفاء غرضه بجعل الحكم مقيدا بالعلم به تقييدا لحاظيا- للزوم الدور-، فلا مناص له من إهمال جعله الأوّليّ، و تتميمه بجعل آخر يفيد فائدة التقييد المذكور، و ينتج نتيجته، و عليه فكون العلم بالحكم شرطا فيه ملاكا و تشريعا بمكان من الإمكان، و قد وقع ذلك في الشريعة في مسألتي وجوب الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام- على ما فصّل في محلّه.
4- فإن التكليف إنما يصل إلى هذه المرحلة فيما إذا كان متوجها إلى المكلف،أمّا إذا امتنع توجّهه إليه- لمكان عجزه- فلا موضوع للتنجّز أو المعذوريّة، إذن فلا محصّل لكون التنجّز و المعذوريّة دائرتين مدار غير العلم و الجهل.

ص: 212

محصّل في غير العلم و الجهل. هذا، مضافا إلى أنّ نفس الطلب التشريعي (1) لكونه إيجادا لداعي الاختيار، و توجيها لإرادة الفاعل المختار إلى ما هو تحت إرادته و اختياره فهو بنفسه يتضمّن فرض القدرة على متعلّقه- و لو مع الغضّ عن الحكم العقليّ المذكور (2)-، و بهذا يوجّه ما أفيد من امتناع (3) تعلّق الإرادة التشريعيّة كالتكوينيّة إلّا بالمقدور.

لكنّها تمتاز (4)- مع ذلك- عن بقيّة الشرائط (5) بأنّ اشتراط


1- تعرّض قدّس سرّه لهذا في الأصول في سياق الردّ على ما حكي عن المحقّق الثاني قدّس سرّه في مبحث الضد من كفاية الإتيان بالفرد المزاحم- و إن لم يكن مقدورا شرعا- لدى امتثال الأمر بالطبيعة، لأن الانطباق قهريّ و الإجزاء عقليّ. فذكر قدّس سرّه أنه مبنيّ على انحصار الوجه في اعتبار القدرة في التكليف في حكم العقل بقبح تكليف العاجز، و التحقيق يقتضي عدم الانحصار، و أن الاعتبار ممّا يقتضيه ذات التكليف، نظرا إلى أن الطلب التشريعي بنفسه إيجاد لداعي المكلّف و تحريك لإرادته نحو فعله الاختياري، فهو متعلّق- لا محالة- بخصوص الحصة المقدورة لا مطلقا، و الفرد المزاحم ليس كذلك، فلا يجزي لدى الامتثال.
2- كما لو بني على إنكار التحسين و التقبيح العقليين.
3- إذ لا وجه لامتناع تعلّق الإرادة التشريعيّة بغير المقدور سوى ما ذكر من كون الطلب توجيها لإرادة الفاعل نحو المقدور خاصّة.
4- استدراك عمّا ذكره قدّس سرّه قبل أسطر بقوله (و هي و إن شاركت. إلخ).
5- فبقيّة الشرائط كالتمييز و البلوغ و العقل و الذكر و الالتفات لا تتصوّر إلّا على أحد الوجهين: أما الأخيران فاشتراط التكليف بهما إنما هو لتوقّف حسن الخطاب عقلا عليهما، و أما البلوغ فلدخله في الملاك خاصة دون حسن الخطاب، لصحة خطاب الصبي المميّز، و أما العقل و التمييز فلدخلهما في الأمرين، و هذا كلّه بخلاف القدرة فإنّها تارة دخيلة في الخطاب فقط- كما في أغلب التكاليف- و تسمّى بالقدرة العقليّة، و أخرى دخيلة في الملاك زائدا على دخلها في الخطاب- كما في الحج و الوضوء- و يعبّر عنها بالقدرة الشرعيّة.

ص: 213

التكاليف بها يتصوّر على وجهين: فتارة لدخلها- كالبلوغ مثلا- في ملاكه، فلا يفوت العاجز مصلحة أصلا- كما في الحجّ و نحوه-، و أخرى لتوقّف حسن الخطاب عليه بعد اطّراد ملاكه (1).

و الكاشف عن الأوّل (2) هو أخذها شرطا شرعيّا في لسان الدليل المسوق للتأسيس (3)، دون التقرير لما يستقلّ به العقل، فيكشف ذلك عن ترتّبه خطابا و ملاكا عليها، و يكون المدار فيها على القدرة العرفيّة


1- بالنسبة إلى القادر و العاجز.
2- بيان للفارق الإثباتي بين القسمين.
3- توصيف بمنزلة التعليل، توضيحه أن الظاهر في كلّ ما أخذ في لسان الدليل أن يكون تأسيسا و مما يكون بيانه من وظيفة الشارع و على عهدته و لا يعلم إلّا من قبله، لا تقريرا لما يستقل به العقل و إرشادا إليه، إذ يكفي فيه الإيكال إلى حكم العقل، فلا داعي إلى تكلّف البيان، و مقتضاه أن يكون أخذ القدرة شرطا في لسان الدليل ناشئا عن دخلها في الملاك، شأنها شأن الشرائط الخاصة، فيستكشف منه إنّا الدخالة المذكورة، لا بيانا لاعتبارها في حسن الخطاب فقط، و إلّا لكان تقريرا بحتا، و هو خلاف الأصل- كما ذكرنا.

ص: 214

على نفس (1) متعلّق التكليف عند فعليّة خطابه، و لا عبرة بالقدرة العقليّة التي لا يراها العرف مصداقا لها (2)، و لا بالقدرة على تحصيلها مع العجز الفعلي عن متعلّق التكليف (3)، و يجوز التعجيز عنه اختيارا قبل حلول زمانه و فعليّة التكليف (4)، إلّا إذا قام الدليل على عدم جوازه (5) أو


1- هذا أحد الفوارق المهمّة بين قسمي القدرة، و الوجه فيه أن القدرة إذا أخذت في لسان الدليل حملت- كسائر القيود المأخوذة في الدليل- على معناها العرفي تعويلا على الظهورات العرفية للألفاظ، و مقتضاه إرادة القدرة العرفية- دون العقلية-، على متعلق التكليف نفسه- دون القدرة على تحصيل القدرة عليه-، و عند فعلية خطابه- لا قبلها و لو بتعجيز نفسه. أمّا إذا لم يؤخذ في لسان الدليل فالعبرة فيها بنظر العقل، و هو مستقل بكفاية القدرة الحقيقيّة التكوينيّة و لو بالقدرة على تحصيل القدرة، بل و إن كان قبل فعليّة الخطاب، و سيأتي ذكره.
2- كما إذا تمكّن من الامتثال بتحمّل جهد كثير فوق الطاقة العادية، بحيث يلحقه بالعاجز في نظر العرف و إن كان متمكنا حقيقة.
3- إذ لا يصدق عرفا- على العاجز فعلا المتمكن من تحصيل القدرة بفعل المقدمات- أنّه قادر، بل هو فعلا عاجز، و إن اكتفى به العقل في حسن توجيه الخطاب إليه لكفاية القدرة الشأنية و القدرة على تحصيلها في ملاك حسنة.
4- فإنّ من كان قادرا قبل فعليّة الخطاب فعجز حينها- و إن كان بتعجيز نفسه- لا يصدق عليه حينها أنه قادر، فلا يشمله الدليل، بل لا مانع من التعجيز الاختياري، لعدم الدليل على حرمته شرعا، و لا على استحقاق العقوبة عليه عقلا، و قاعدة (الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار) غير جارية في المقام- كما حقّقه قدّس سرّه في الأصول.
5- أي عدم جواز التعجيز، كما حكي القول به عن بعض في مسألة إراقة الماء أو إبطال الوضوء قبل الوقت مع العلم بعدم وجدان الماء أثناءه.

ص: 215

وجوب تحصيل التمكّن منه مع إمكانه (1)، و نحو ذلك (2).

و لو لم تؤخذ (3) شرطا شرعيّا كذلك (4)، و كان المتكفّل للاشتراط بها هو الحكم العقليّ المذكور و تضمّن الخطاب بنفسه له (5) كان ضابطا للثاني (6)، لأنّ أقصى ما يقتضيه (7) اشتراطه بها


1- يعني: أو قام الدليل على وجوب تحصيل التمكن منه مع إمكان تحصيله، فإنّه إذا دلّ الدليل على وجوب تحصيله فقد دلّ بفحواه على عدم جواز التعجيز و تفويت القدرة الحاصلة.
2- كما إذا قام الدليل على كفاية القدرة العقلية و إن لم يرها العرف مصداقا للقدرة.
3- الموجود في الطبعة الاولى (يؤخذ) و الصحيح ما أثبتناه.
4- أي في لسان الدليل المسوق للتأسيس.
5- مرّ آنفا أن الدليل على شرطيّة القدرة العقليّة في عامّة التكاليف أمران:
6- و هو القدرة العقلية المتوقف حسن الخطاب عليها دون الملاك.
7- تعليل لامتناع كون القدرة في هذا القسم دخيلة في الملاك، متضمن لبرهان فلسفي، توضيحه: أن الذي يقتضيه الوجهان- الحكم العقلي المذكور و تضمن الخطاب بنفسه للاشتراط بها- هو كون المطلوب بما هو متعلّق للطلب مقيدا بها، فالتقييد- بموجب الوجهين- واقع في مرحلة تعلّق الطلب فلا يتعلق إلّا بالحصّة المقدورة، و لا يقتضيان كون المطلوب بما هو متعلّق للملاك المقتضي للطلب مقيّدا بها ليكون القيد مأخوذا في مرحلة الملاك، و حينئذ فلو فرض للقيد دخل فيه باعتبار أنّ له دخلا في مقتضاه من الطلب لزم أن يكون للمقتضي- بالفتح- دخل في مقتضيه، و يتقيّد المقتضي- بالكسر- بما تقيّد به مقتضاه، و هو ممتنع لامتناع أن يكون للمعلول دخل في علّته، و يؤخذ قيده قيدا فيه. هذا، و في تقريرات أصوله قدّس سرّه إشارة إلى المطلب (راجع أجود التقريرات 1: 267، و فوائد الأصول 1: 191).

ص: 216

بهذين الاعتبارين هو تقييد المطلوب بها بما أنّه المطالب به، لا بما أنّه يقتضي الطلب به، و إلّا لزم دخل مقتضى الشي ء فيما يقتضيه، فيكون وروده عليه (1) كاشفا إنيّا عن اشتماله على ملاك الطلب به من دون أن يكون لما يلازم وروده عليه دخل فيه، و إلّا كان ما يلازم الشي ء دخيلا في ملزومه، فيكفي حينئذ (2) مجرّد التمكّن العقليّ من متعلّق التكليف- و لو بالتمكّن من تحصيل القدرة عليه- في فعليّة خطابه (3)، و يكون التعجيز عنه- و لو قبل فعليّة التكليف- من


1- تفريع على تقييد المطلوب بالقدرة بما أنّه المطالب به، متكفل للبرهان ببيان آخر، يعني: فيكون ورود الطلب- في لسان الدليل- على مطلوبه المطلق غير المقيّد بالقدرة- كما هو مفروض الكلام- كاشفا إنيّا عن اشتمال المطلوب بإطلاقه على الملاك، و إن كان وروده عليه يلازمه القدرة- بمقتضى الوجهين المتقدّمين- إلّا أنّه لا يمكن أن يكون لهذا الملازم دخل في الملاك، و إلّا لزم أن يكون ما يلازم الشي ء دخيلا في ملزوم ذلك الشي ء- و هو الملاك-، و هو ممتنع لامتناع دخل ما يلازم المعلول في علته.
2- أي حين إذ لم تكن القدرة دخيلة في الملاك في هذا القسم، بل كان دخلها فيه ممتنعا بالبرهان المتقدم.
3- متعلق ب (يكفي).

ص: 217

التفويت المحرّم (1)، عكس ما تقدّم في سابقه.

و لو شكّ فيها (2) فسبيله في الصورة الأولى سبيل الشكّ في سائر الشرائط (3)، و تقدّم جريان البراءة فيها (4) بلا فحص، إلّا أن يقوم دليل على وجوبه، بخلافه في الثانية (5) فإنّ ملاكات الأحكام (6) و إن كانت بمعزل عن صلاحية تعلّق التكليف بها أو استقلال العقل بلزوم إحرازها بلا توسيط خطاب (7)- كما لعلّ أن


1- أي للملاك، لما حقّق في محلّه من أن المورد مجرى قاعدة (الامتناع بالاختيار)، لتمامية الملاك في ظرفه، و معه يحكم العقل بوجوب حفظ القدرة عليه لواجدها، و عدم تفويتها بالاختيار بتعجيز نفسه- و لو قبل أوانه.
2- أي في القدرة بشبهة مصداقية.
3- فإنّها كسائر شرائط التكليف شرائط في الملاك و الخطاب معا، و الشك فيها شكّ في أصل التكليف، و مجرى للبراءة.
4- أي في شرائط التكليف، تقدّم ذلك عند الكلام في القسم الأوّل، حيث قال قدّس سرّه: «فكلّما رجعت الشبهة المصداقية إلى الشك في ذلك كان مرجعها إلى الشك في التكليف، و تجري البراءة فيها من دون فحص إلّا إذا قام الدليل على وجوبه».
5- فإنها في هذه الصورة شرط في الخطاب فقط، و الشك فيها و إن كان شكا في توجّهه لكن مقتضى العلم بالملاك هو لزوم الفحص- كما سيبيّن-، و هذا- كما ترى- فارق مهم آخر بين القسمين.
6- الغرض من هذا البيان إثبات وجوب الفحص في موارد الشك في القدرة العقلية.
7- لأن نسبة متعلقات التكاليف إليها نسبة المعدّ إلى المعلول المعدّ له مع توسط أمور غير اختيارية بينهما كزرع الحبّ و صيرورته سنبلا، لا نسبة السبب التوليدي إلى مسبّبه، و مثله لا يصلح لتعلّق التكليف به لعدم صلاحيّته لتعلّق إرادة الفاعل به، كما أنّه لا يستقلّ العقل بلزوم تحصيله- بما هو تحصيل للملاك- من دون توسيط خطاب شرعي، بل غاية ما يستقل به هو امتثال الخطاب، و إنما على المولى جعل التكليف على وجه محصّل للملاك و عدم تفويته على العبد، و التفصيل في محله.

ص: 218

نوضحه في المحلّ المناسب له إن شاء اللّه تعالى-، لكن حيث إنّها تكشف (1) بطريق اللمّ عن الخطاب المحصّل لها (2)، فالعلم بها يستلزم العلم بذلك الخطاب- لا محالة.

و في المقام و إن كان الشكّ في القدرة مستلزما للشكّ في توجّه الخطاب، لكنّ العلم (3) بإطلاق المناط و قوّته (4)، و أنّ الشارع لا


1- الموجود في الطبعة الاولى (يكشف) و الصحيح ما أثبتناه.
2- لما عليه العدليّة من تبعية الأحكام للملاكات الواقعية، فأحدهما يكشف عن الآخر لمّا أو إنّا، و مقتضاه أن العلم بالملاك يستلزم العلم بالخطاب- من غير ناحية اعتبار القدرة العقلية فيه غير الدخيلة في ملاكه-، ففي المقام إذا علم بتماميّة الملاك من جهة العلم باجتماع شرائطه فلا محالة يعلم بفعليّة الخطاب- على تقدير القدرة الواقعيّة-، و يكون متنجزا أيضا على هذا التقدير، و سيأتي مزيد التوضيح.
3- يعني: لكنّه لا يستلزم الشك في المناط لفرض إطلاقه و عدم دخل القدرة فيه، و العلم بإطلاقه و قوّته يلازم العلم بعدم المعذوريّة على تقدير المقدوريّة الواقعيّة.
4- باعتبار كونه ملاكا ملزما مقتضيا للوجوب أو الحرمة.

ص: 219

يرضى أن يفوت عند إمكان حصوله (1) يلازم العلم بعدم المعذوريّة على فرض المقدوريّة الواقعيّة، و هذا (2) هو مناط وجوب الفحص، و كذلك الاحتياط أيضا فيما يجب فيه أحدهما (3) المعيّن أو المخيّر مطلقا، فإنّ مناطه في جميع ذلك هو ثبوت عدم المعذوريّة على


1- و هذا لا ينافي ما تقدّم آنفا من إنكار استقلال العقل بلزوم إحراز الملاكات، لاختصاص ذلك- كما عرفت- بما إذا لم يتوسّط خطاب، و مفروض المقام توسّط الخطاب.فإن قيل: المفروض الشك في فعلية الخطاب.قلنا: نعم، لكن العبرة في المقام بواقعة، نظرا إلى العلم بتماميّة الملاك الملزم فيه، فلا يستلزم الشك في الخطاب الشك فيه، و في مثله يكون الخطاب الواقعي على تقدير فعليّته متنجزا، فلا يعذر بمجرد الشك، للزوم إحرازه الملاك حينئذ إن أمكنه، و مقتضاه لزوم الاختبار و الفحص عن قدرته، فإن تبيّن عجزه كان معذورا في فوات الملاك عنه، نعم إذا كان الشك في الخطاب مستلزما للشك في الملاك- كما في غير المقام- فلا علم به حينئذ ليجب تحصيله، إلّا إذا قام الدليل على وجوب الاحتياط لإحراز الواقع.و من جميع ذلك يظهر بطلان دعوى جريان البراءة في المقام باعتبار كونه من الشك في التكليف، فلاحظ.
2- مرجع الإشارة هو العلم بعدم المعذوريّة- المذكور.
3- الفحص أو الاحتياط، فما يجب فيه أحدهما مخيّرا فكالشبهات الحكميّة الكليّة قبل الفحص في الأدلة و بعض الشبهات الموضوعية كالاستطاعة و نحوها و الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي، و ما يجب فيه الاحتياط معيّنا فكالشبهات الحكميّة و المقرونة بالعلم مع تعذّر الفحص، و ما يجب فيه الفحص معيّنا فكالمقام.

ص: 220

تقدير المصادفة الواقعيّة، إمّا لمكان العلم الإجمالي (1) أو لموجب آخر (2)، فالخطاب المشروط بالقدرة (3) يكشف في المقام عن إطلاق مناطه كشفا إنيّا، و هو عن وجوب الفحص كشفا لميّا (4) و يستقلّ العقل باستكشاف هذا الخطاب الطريقي (5) ممّا عرفت (6)، و يندرج في باب الملازمات العقليّة (7).


1- فإن العلم الإجمالي ينجّز التكليف الواقعي و يرفع المعذورية على تقدير المصادفة.
2- يوجب عدم المعذوريّة المذكورة كالعلم بإطلاق الملاك و قوّته في مفروض المقام، و كاقتضاء وظيفة العبودية التصدّي لامتثال أحكام مولاه في الشبهات الحكميّة، و كلزوم غلبة المخالفة من ترك الفحص في بعض الشبهات الموضوعية.
3- المراد به الخطاب الجامع لجميع شرائطه الدخيلة في الملاك و المشكوك فعليّته للشك في القدرة العقليّة، و مثله يكشف إنّا عن إطلاق ملاكه و فعليّته لفعليّة جميع ما له دخل فيه على الفرض.
4- أي و إطلاق ملاكه يكشف لمّا عن وجوب الفحص عن القدرة المشكوكة وجوبا شرعيا طريقيّا.
5- و هو وجوب الفحص، إذ ليس هو خطابا نفسيا يقصد به التوصّل إلى إيجاد متعلقة خارجا، بل طريقيّ لغرض رعاية الواقع و الوصول إليه.
6- من إطلاق الملاك و قوّته و أن الشارع لا يرضى بفواته عند إمكان حصوله، إذ منه يستكشف العقل الخطاب الطريقي المزبور.
7- و هي المسائل العقلية التي يتوقف حكم العقل فيها على سبق حكم شرعي في مواردها، و يكون الحكم الشرعي بمنزلة الموضوع له كمسألتي وجوب مقدّمة الواجب و الإجزاء و نحوهما، في قبال المستقلّات العقلية غير المتوقّفة على مقدّمة شرعية كأبواب التحسين و التقبيح، و المقام من الأوّل فيقال: كلّما كان هناك خطاب شرعي تامّ الملاك و قد استقلّ العقل بلزوم استيفاء ملاكه إن أمكن، فإذا شك في القدرة على متعلقة كشف عن وجوب الفحص عنها شرعا، كما يكشف عن وجوب المقدمة كذلك.

ص: 221

و هذا البحث (1) سيّال في جميع ما يقصر الخطاب الواحد عن استيفائه تمام ما يقتضيه ملاكه، لاختلاف مرتبة فيه (2) إمّا لكونه (3) ملاكا للحكم الواقعيّ و الطريقيّ المتكفّل للشكّ فيه (4)- كالمقام (5) و نحوه (6)-، أو لقصور فيه عن إيجاب ما يتوقّف عليه (7) إمّا لسبقه


1- و هو البحث عن استكشاف العقل خطابا شرعيا متمّما للخطاب الأوّل.
2- تعليل للقصور الآنف الذكر، و علّة مطّردة في جميع الصور الآتية للمسألة جامعة شمل كافة مواردها المختلفة، و محصّلها وجود اختلاف المرتبة فيما يقتضيه الملاك فلا يمكن استيفاء تمامه إلّا بخطابين مترتبين: أصليّ و متمّم.
3- تفصيل لصور اختلاف المرتبة، و محصّل الصورة الأولى هذه أن يكون الملاك اللازم الاستيفاء ملاكا لحكم واقعي و آخر طريقي موصل إليه عند الشك فيه، و اختلاف المرتبة بين الحكمين المذكورين واضح، ضرورة أن الطريق متأخر عن ذيه، و المجعول لدى الشك في شي ء متأخّر عن ذلك الشي ء.
4- أي المتكفل لبيان الطريق إلى الحكم الواقعي لدى الشك فيه.
5- لما عرفت من أن الملاك فيه لا يمكن استيفاؤه مع الشك إلّا بتتميم الخطاب الواقعي بخطاب طريقي متعلّق بالفحص.
6- من سائر موارد وجوب الفحص، و كذا موارد وجوب الاحتياط.
7- أي لقصور في الخطاب الواقعي عن إيجاب ما يتوقف عليه استيفاء الملاك، فلا يتكفل لوحدة تشريع ما يقتضيه الملاك، إما للاختلاف الزماني، أو للاختلاف الرتبي- كما سيبيّن.

ص: 222

الزماني (1)- كما في المقدّمات المفوّتة التي يجب الإتيان بها قبل وجوب ذيها (2)-، أو لاختلاف بينهما (3) في الرتبة، و لهذا الأخير عرض عريض، و يندرج فيه جميع ما له دخل في الملاك و يستحيل شمول الخطاب له إمّا لتأخّر الخطاب عنه في الرتبة (4)- كما إذا كان موضوعا له (5)، أو دخيلا في القدرة على متعلّقه (6) و نحو ذلك-، أو لتأخّره في الرتبة عن الخطاب كما في نيّة


1- أي سبق ما يتوقف عليه استيفاء الملاك على الخطاب زمانا.
2- كالسير إلى الحج قبل الموسم، فإنّ وجوب ذي المقدّمة- لتأخّره زمانا عن المقدّمة- قاصر عن إيجابها و ترشّح الوجوب منه إليها.
3- أي بين الخطاب و ما يتوقّف عليه الملاك في الرتبة دون الزمان.
4- فإن الاختلاف في الرتبة تارة يتحقّق بتأخّر الخطاب عمّا له الدخل في الملاك رتبة، و اخرى بالعكس.
5- أي كان ما له الدخل في الملاك موضوعا للخطاب، كالعلم بوجوب الجهر أو الإخفات- مثلا- المأخوذ في موضوع الخطابين، فإن الخطاب متأخر عن موضوعه، و معه لا يعقل تقدّمه عليه الذي يقتضيه كون العلم متعلقا بالخطاب نفسه، و إذا استحال أخذه في موضوع الخطاب الأوّل فلا مناص من الخطاب المتمّم المنتج نتيجة التقييد.
6- أي كان ما له الدخل في الملاك دخيلا في القدرة على متعلق الخطاب، و بما أنّ القدرة شرط في حسن الخطاب فالخطاب متأخر عنها رتبة، فهو متأخر عما هو دخيل فيها أيضا، فلا يعقل تكفّل الخطاب له و تعلّقه به، و المفروض دخله في الملاك، فلا محيص للتوصل إليه من متمّم الجعل.

ص: 223

التقرب في العبادات (1)- مثلا- بناء على أنّ المتكفّل لتشريع اعتبارها (2) بنتيجة التقييد هو الجعل الثاني- كما هو أحد الوجهين فيها (3).

ففي جميع ذلك يكون الملاك مقتضيا تشريع ما لم يتكفّله ذلك الخطاب، و متمّما له (4)- لا محالة-، فإمّا (5) أن يكون طريقيّا بالنسبة


1- فإنّ قصد الأمر لتعلّقه بالأمر فهو متأخر عنه لا محالة، و يستحيل أن يتعلّق الخطاب بما هو متعلّق بالخطاب نفسه و متوقف عليه، فلا مخلص إلّا بالخطاب المتمّم المنتج نتيجة التقييد، و تفصيل الكلام موكول إلى محلّه.
2- أي اعتبار نيّة التقرب، و المقصود أنّ كون نيّة التقرّب ممّا نحن فيه مبنيّ على ذلك.
3- و هو الذي اختاره قدّس سرّه في الأصول و حقّقه، و المراد بالوجه الآخر ما يستفاد من قوله قدّس سرّه في العبارة الآتية: (بناء على عدم كون الأمر التعبدي. إلخ)، و هو أنه لمّا كان الغرض من تشريع الأمر التعبّدي هو التعبّد به فيكفي في إيجاب نية القربة مجرّد كونه أمرا تعبديّا من دون حاجة إلى جعل المتمّم، لاقتضاء هذا السنخ من الأمر في نفسه عدم السقوط إلّا بقصد التقرّب، في قبال الأمر التوصّلي الذي يسقط بمجرّد حصول المأمور به بأي وجه اتّفق، و تفصيل الكلام في محلّه.
4- أي و يكون ما شرّع متمّما للخطاب.
5- الصور المتقدمة كانت عللا للقصور الذي هو سبب لتشريع الخطاب المتمّم، و الأقسام الآتية أقسام لنفس الخطاب المتمّم المسبّب عن ذلك القصور، و هي ثلاثة- كما ستسمع.

ص: 224

إليه (1)- كالمقام و نحوه-، أو جاريا مجرى الخطاب الغيريّ المقدّمي (2) كما في المقدّمات العقليّة السابقة على ذيها في الزمان (3)، أو الرتبة (4)، أو منتجا نتيجة التقييد الشرعي كما إذا كانت المقدّمة السابقة على ذيها في الزمان شرعية لا عقلية، كالغسل قبل الفجر في شهر رمضان (5) و نحوه، و كما في نيّة


1- أي بالنسبة إلى الخطاب الأوّل، فإنّ وجوب الفحص أو الاحتياط طريق موصل إليه.
2- و ليس هو منه حقيقة، فإنّ الوجوب الغيري وجوب مترشح من الوجوب النفسي، و هذا ليس كذلك لامتناع الترشّح قبل فعليّة المترشّح منه، إلّا أنه جار مجراه و منتج نتيجته من عدم كونه وجوبا نفسيا مستقلا ناشئا عن ملاك قائم بمتعلقه، بل نحو وجوب متعلق بمقدّمته السابقة على أوانه، ناش عن ملاك التحفظ عليه و على ملاكه و عدم فواته في أوانه، فكان جعله متمما للجعل الأصلي.
3- كالسير إلى الحج قبل زمانه، لتوقّف القدرة على الحج عليه عقلا لا شرعا.
4- كما إذا وجب حفظ الموضوع بقاء في مورد،- و سيأتي بحثه مفصلا في القسم الرابع و التمثيل له بوجوب تجهيز الميت- فإنّ حفظه مقدّمة عقليّة يتوقف عليه القدرة على الامتثال عقلا، لكنّه سابق على ذيه رتبة لتقدّم رتبة الموضوع على حكمه.
5- فإنّه مقدّمة شرعية لا عقلية، إذ يتوقف عليه الاجتناب عن الإصباح جنبا المعتبر في الصوم شرعا، و الدخيل في ملاكه واقعا، و لأجله كان الخطاب المتمّم المتعلق به منتجا نتيجة التقييد الشرعي، و إلّا فالمتعلّق بالمقدّمة العقلية لا ينتج هذه النتيجة، لعدم دخلها بنفسها في الواجب و ملاكه أصلا، بل مجرد توقّف استيفاء الملاك عليها.

ص: 225

التقرّب (1) أيضا- بناء على عدم كون الأمر التعبّدي (2) بمعونة كون الغرض من تشريعه هو التعبّد به كافيا في إيجابها (3)، و كون الغرض المذكور ملاكا لتشريع المتمّم المنطبق عليه. فيكون الخطابان لوحدة ملاكهما بمنزلة خطاب واحد، و لا يكون إيجاب التعبّد- مثلا- و لا الغسل قبل الفجر خطابا مستقلا بواجب آخر كي يعقل الانفكاك بينهما في الطاعة و العصيان، و إلّا كان مخالفا لما يقتضيه ملاكه (4).


1- هذا مثال آخر للقسم الثالث- أعني المتمّم المنتج نتيجة التقييد الشرعي-، هذا. و التقييد في هذا المثال و سابقه واقع في ناحية المتعلق، و موارد أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه- كموردي الجهر و الإخفات- مندرجة في هذا القسم، و يكون المتمّم المجعول فيها منتجا نتيجة التقييد الشرعي في ناحية الموضوع- كما لا يخفى.
2- مرّت الإشارة آنفا إلى ما للمسألة من الوجهين، و أن اندراجها في المقام مبنيّ على أحدهما، و محصّل الكلام: أنه تارة يبنى على أنه يكفي في إيجاب التقرّب كون الأمر المجعول من سنخ الأمر التعبدي، و اخرى على عدم كفايته و الحاجة إلى جعل آخر، و الاندراج في المقام يتمّ على الثاني دون الأوّل، هذا. و من التفنّن تعرّضه قدّس سرّه هناك للعقد الإيجابي من هذا المبنى- الثاني-، و هنا للعقد السلبي، فلاحظ.
3- أي إيجاب نيّة التقرّب.
4- فإن ما يقتضيه ملاكه هو كونه متمّما لملاك الواجب الأصلي و حافظا له، فلا ملاك له باستقلاله في قبال ملاك الأصلي، إذن فليس لهما إلّا إطاعة أو معصية واحدة، و ثواب أو عقاب فأرد.

ص: 226

و كيف كان فكما أن القدرة (1) على نفس العنوان الاختياري المتعلّق للتكليف يمكن أن يؤخذ شرطا شرعيّا تارة و عقليّا أخرى، فكذلك التمكّن من صرف وجود الموضوع في هذا القسم- الثالث- أيضا يصلح للوجهين.

بل يمكن التفكيك فيما كان من هذا القبيل بين التمكّن من الموضوع المذكور و القدرة على العنوان الاختياري المتعلّق للتكليف، فيكون شرطا شرعيا بالنسبة إلى أحدهما، و عقليا بالنسبة إلى الآخر، فيلحق كلّا منهما حكمه.

و الظاهر أن يكون في باب الوضوء من هذا القبيل (2)، فيكون


1- عود إلى أصل المسألة بعد الفراغ عن تحقيق حال القدرة المعتبرة في التكاليف و انقسامها إلى عقليّة و شرعيّة و ما يفترقان فيه من الأحكام، و بعد ما انجرّ إليه الكلام من البحث المستطرد عن متمّم الجعل و التحقيق حول علله و أنواعه. و قد ظهر ممّا سبق حكم الشبهة المصداقية للقسم الثالث، و أن مرجعها إلى الشك في القدرة المختلف حكمه باختلاف قسمي القدرة، و المقصود بيانه هنا هو أنّه لمّا كانت القدرة معتبرة في هذا القسم من التكاليف من وجهين: القدرة على متعلق التكليف نفسه، و القدرة على صرف وجود موضوعه، فلا محالة يختلف الحال من حيث العقلية و النقلية باختلاف الموارد، فتارة تكون القدرة على كلا الأمرين شرعية، و اخرى عقلية كذلك، و ثالثة القدرة على أحدهما شرعية و على الآخر عقلية، و يلحق كلا منهما حكمه.
2- أي من قبيل التفكيك بين القدرتين.

ص: 227

تمكّنه من الماء قدر ما يكفيه لوضوئه أو غسله شرطا شرعيّا، لأنّ آية الوضوء تتضمّن (1) الاشتراط به (2) لاشتمالها على تقييد وجوب التيمم بعدمه (3)، و مقتضاه تنويع المكلّفين (4) باعتبار التمكّن منه و عدمه إلى النوعين، و تخصيص كلّ منهما بما يخصّه، و التفصيل قاطع للشركة. و أمّا التمكّن من استعماله في التطهّر به فلكونه خارجا عمّا يقتضيه التنويع المذكور، و عدم قيام دليل آخر على الاشتراط به بهذا الوجه (5) فليس الاشتراط به إلّا من جزئيات ما يستقلّ العقل باعتباره في حسن الخطاب بعد تماميّة ملاكه.

و من هنا استقرّت الفتوى- إلّا من شاذّ لا يعبأ بخلافه- بأنه لو كلّف بالتيمم و صرف (6) ما يجده من الماء في حفظ نفس محترمة


1- الموجود في الطبعة الاولى (يتضمن) و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي بالتمكن من الماء قدر الوضوء أو الغسل.
3- و ذلك في قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)*.
4- أي مقتضى التقييد في الآية الشريفة هو التفصيل بين الواجد و غيره، و وجوب الوضوء على الأوّل و التيمّم على الثاني، و التفصيل قاطع للشركة، فيختص حكم كلّ منهما به و لا يشاركه فيه الآخر، إذن فقد أخذ في لسان الدليل اشتراط الوضوء بالقدرة على الماء، فتكون من هذه الناحية شرعيّة، و أما القدرة على استعماله في التطهّر فلا تقتضيها الآية الشريفة و لا غيرها من الأدلة اللفظية- كما أفيد في المتن-،- فهي- لا محالة- عقلية.
5- أي بالشرط الشرعي.
6- عطف على التيمم.

ص: 228

فخالف و توضّأ بطل وضوؤه، و لو كلّف بالتيمم لضيق الوقت فخالف و توضّأ لغاية أخرى صحّ وضوؤه، إذ في الصورة الاولى يكون الخطاب بالوضوء أو الغسل ساقطا بملاكه (1)، فلا مجال لتصحيحه بقصد الجهة (2) لمكان انتفائها، و لا بالخطاب الترتّبي لتوقّفه بعد الفراغ عن إمكانه (3)- كما هو التحقيق- على وجودها (4)، بخلافه في الثانية لأنّ أقصى ما يقتضيه (5) وجوب


1- لأنه غير متمكّن من الماء شرعا، لوجوب صرف ما عنده منه في حفظ النفس المحترمة حسب الفرض، و هذا تعجيز مولوي له بالنسبة إلى الماء، موجب لانتفاء شرط وجوب الطهارة المائيّة و خلوّها عن الملاك، فتبطل لا محالة. و بعبارة أخرى: يعدّ المورد من صغريات التزاحم بين المشروط بالقدرة الشرعية و العقلية، و قد حقّق في الأصول تعيّن ترجيح الثاني، و أنه إذا خالف و أتى بالأوّل بطل لخلوّه عن الملاك و الخطاب، فلا مجال لتصحيحه بقصد الملاك لانتفائه، و لا بالخطاب الترتّبي لتوقفه- كالخطاب غير الترتّبي- على الملاك- المفروض انتفاؤه.
2- و هي الملاك.
3- أي عن إمكان الخطاب الترتّبي، و قد حقّقه قدّس سرّه في الأصول بما لا مزيد عليه، و لا يدع مجالا للشك فيه.
4- أي وجود الجهة.
5- محصّله أنه حيث سقط التكليف بالوضوء لما ضاق وقته لأجل عدم وفاء الوقت له، و تبدّل إلى التكليف بالتيمم له بموجب إطلاقات التيمم، فليس مقتضى ذلك خلوّ الوضوء عن الملاك رأسا حتى بالنسبة إلى سائر الغايات كالكون على الطهارة و نحوه-، بل غايته بعد سقوط التكليف به لما ضاق وقته هو سقوط خطابه فقط بالنسبة إلى سائر الغايات، لوقوع التزاحم بينه و بين الخطاب المتعلّق بما ضاق وقته و أهميّة الثاني منه، أما ملاكه فباق بحاله لعدم اشتراطه بالقدرة الشرعية على فعله- كما عرفت-، و معه يمكن تصحيحه- أي الوضوء لسائر الغايات- بكلّ من قصد الملاك و الأمر الترتبي- كنظائره.

ص: 229

التيمّم لما ضاق وقته هو سقوط الطلب بالوضوء لسائر الغايات- خطابا- بمزاحمة ذلك التكليف مع بقاء ملاكه، فيمكن تصحيحه بكلا الأمرين- كما هو الشأن في أشباهه-، و لتمام الكلام في ذلك محلّ آخر.

و أمّا القسم الرابع: فقد عرفت امتيازه عمّا تقدّمه (1) بما له من التعلّق بموضوع خارجيّ ذي أفراد مقدّرة الوجود، و أخذ ذلك الموضوع باعتبار مطلق وجوده و بلحاظ المرآتيّة (2) لما ينطبق عليه في الخارج موضوعا لحكمه، و قضيّة ذلك (3)


1- يمتاز هذا القسم عن سوابقه بأنّ له تعلّقا بالموضوع الخارجي بخلاف الأوّل، و الموضوع عنوان كلّيّ ذو أفراد بخلاف الثاني، و مأخوذ بلحاظ مطلق وجوده بخلاف الثالث.
2- إشارة إلى أن الموضوع في هذا القسم لوحظ عنوانا حاكيا عن أفراده الخارجيّة، و مرآة لمصاديقه، ليتوصّل به إلى الحكم عليها- كما هو الشأن في القضايا الحقيقية-، فهي في الحقيقة المحكوم عليها دونه- كما سيتضح.
3- مرجع الإشارة هو ما به يمتاز هذا القسم عن جميع ما سواه من كون الموضوع مأخوذا بلحاظ مطلق وجوده و مرآتيّته لوجوداته الخارجية، فإن هذا يقتضي- كما أفاده قدّس سرّه- أمرين هما: انحلال الحكم الكبروي الواحد إلى أحكام شخصية خاصة لآحاد وجودات موضوعه منشأه في ظرف وجودها، و اشتراط كلّ من تلك الأحكام- خطابا و ملاكا- بوجود شخص موضوعه، و ستسمع التفصيل.

ص: 230

أمران:- الأوّل: انحلال ذلك الحكم بالنسبة إلى كلّ واحد من تلك الوجودات إلى حكم خاصّ لموضوع كذلك، حسبما يقتضيه مرآتيّة ذلك العنوان لما ينطبق عليه في موضوعيّته (1) لحكمه، كما عرفته (2) في مثالي العقد أو الخمر بالنسبة إلى وجوب الوفاء به و حرمة شربه و نحو ذلك، فيكون المنشأ بذلك الإنشاء (3) و الخطاب المتوجّه إلى المكلّف هو آحاد تلك الخطابات التفصيليّة المنحلّة إليها تلك الكبرى، دون نفسها (4)، إذ ليس هو (5) إلّا إنشاء إجماليّا


1- أي موضوعيّة ذلك العنوان.
2- عرفت ذلك في صدر البحث لدى تعداد الأقسام، فكلّ عقد وجد يكون قد أنشِئ له وجوب الوفاء بشخصه، و كذا الخمر.
3- تفريع على الأمر الأوّل، محصّله أن مقتضى الانحلال المذكور كون الإنشاء الكبروي إنشاء إجماليا منحلّا إلى إنشاءات صغرويّة لخطابات تفصيليّة فعليّة متوجهة إلى المكلفين.
4- أي ليس المنشأ هو نفس الكبرى.
5- أي ليس الإنشاء الكبروي إلّا إنشاء إجماليا لتلك الخطابات لا للكبرى نفسها فالمنشأ هي تلك الخطابات و قد أنشئت بإنشاء إجماليّ واحد.

ص: 231

لها.

الثاني: ترتّب كلّ واحد من تلك الخطابات التفصيليّة- التي عرفت أنّها البعث أو الزجر (1) المتوجّه إلى المكلّف- على شخص موضوعه، و اشتراطه- خطابا و ملاكا- بوجوده (2)، بحيث لا يعقل لنفس ذلك الشخص من الخطاب و لا لملاكه تحقق إلّا بتحقق شخص موضوعه، و ينشأ هذا الاشتراط عن أخذ كلّ واحد ممّا ينطبق على ذلك العنوان مقدّر الوجود (3)، و إيراد حكمه عليه بهذه


1- أي الفعليّان المتوجّهان فعلا إلى المكلف.
2- فإنّ أخذه في لسان الدليل موضوعا للحكم يكشف إنّا عن دخله في الملاك، و اشتراط فعلية الملاك شخصا- كالخطاب- بتحقّقه الشخصي.
3- كما هو شأن القضايا الحقيقيّة التي يرد فيها الحكم على الأفراد المقدّر وجودها بمرآتيّة عنوان الموضوع لها، سواء وجدت فعلا أم مستقبلا أم لم يوجد أصلا إلّا أنها على تقدير وجودها يشملها الحكم و يرد عليها، فالحكم ليس مقصورا على أشخاص ما هو موجود في الخارج محقّقا- بما هو كذلك- كما هو حال القضية الخارجية، بل يعمّ كل ما قدر وجوده- بما هو منطبق عليه العنوان-، و لا يعتبر فعلية وجوده حتى مستقبلا، فيصح مثل (كل عنقاء طائر)، هذا. و بما أنّ الأحكام الشرعية مجعولة كذلك، فمن لحاظ الموضوع فيها كذلك و ورود الحكم على كلّ ما ينطبق عليه ينشأ الاشتراط المتقدم ذكره، ضرورة أن مرجع كون الشي ء على تقدير وجوده محكوما بكذا إلى أنه لو وجد ثبت له الحكم، و لأجله ذكروا أن القضية الحقيقيّة تنحلّ إلى شرطيّة- كما سيأتي بيانه.

ص: 232

المعونة (1)، فيتضمّن أخذه موضوعا للحكم بهذا الوجه (2) لهذه الشرطيّة (3)، و تكون في قوّة الشرطيّة الصريحة، فلو لم يوجد كلّ شخص من العقد- مثلا- أو الخمر أو نجس أو حرام آخر لم يعقل لوجوب الوفاء به، و لا لحرمة شرب ذلك الشخص من الخمر، أو تناول ذلك النجس و غيره خطاب و لا ملاك (4)، و لم تكن للمصلحة أو المفسدة المقتضية له (5) عين و لا أثر في وعاء وجودها (6) أصلا.

و إلى هذا يرجع ما ذكره المنطقيّون من انحلال القضايا الحقيقيّة إلى شرطيّة مقدّمها وجود الموضوع (7) و تاليها عنوان المحمول (8)، فعقد وضعها يتضمّن الاشتراط المذكور (9)، و ينحلّ


1- أي بمعونة كونه مقدّر الوجود و مفروضه.
2- و هو كونه مقدّر الوجود.
3- متعلق ب (يتضمّن)، و قد مرّ آنفا وجه تضمّنه لها.
4- كما هو الحال في سائر شرائط الأحكام المأخوذة في لسان الدليل.
5- أي للخطاب المذكور.
6- أي وجود المصلحة أو المفسدة بوجودها العلمي، شأن سائر العلل الغائية.
7- تقديره: إذا وجد الموضوع، أو كلّما وجد في الخارج شي ء و كان مصداقا للموضوع.
8- كعنوان (حرام) أو (واجب) أو نحو ذلك، و لأجل ذلك كان مرجع الموضوع إلى الشرط و مرجع الشرط إلى الموضوع، و الاختلاف إنما هو في الصيغة الكلامية.
9- أشار قدّس سرّه بهذه الجملة و ما يليها إلى الأمرين المتقدمين: الانحلال و الشرطية، فأسندهما إلى عقدي الوضع و الحمل، و جعل كلا من العقدين متكفلا لأحد ذينك الأمرين، فتدبر في ذلك فإنّه دقيقة شريفة و نكتة لطيفة.

ص: 233

عقد حملها بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع إلى محمولات مستقلّة، و من هنا يكون وجود الموضوع في هذا القسم (1) من


1- و هو القسم الرابع، فإنّه لمّا كان مرجع الموضوع في هذا القسم إلى الشرط، و كان وزان العقد في مثل (يجب الوفاء بالعقد) وزان الاستطاعة في (إذا استطعت فحجّ)، فكلتا الطائفتين تعدّان من الشرائط الخاصّة للتكليف في قبال شرائطه العامّة، و من شأن الخصوصيّة أن تكون متأخّرة عن العموميّة تأخّرا بالرتبة في الذهن و الاعتبار، و لذا لا يسند انتفاء التكليف إلى انتفائها إلّا إذا توفّرت الشرائط العامّة، و إلّا لأسند إلى انتفاء هذه دون تلك، نظير تأخّر رتبة الشرط عن المقتضي و عدم المانع عنهما، و هذا ما أفاده قدّس سرّه من أنّ وجود الموضوع- و هو الشرط الخاص- جزء أخير لشرائط التكليف، هذا.و قد ناقش- في إطلاق ما حقّقه قدّس سرّه من أنّ قضيّة هذا القسم من الأحكام هو الاشتراط السالف الذكر- السيّد الأستاذ قدّس سرّه في رسالة اللباس المشكوك (77 إلى 79)، فسلّمه في موارد تعلّق متعلق التكليف بأمر غير اختياري كالوقت، و فصّل في الاختياري بين ما هو دخيل في اتصاف الفعل بالملاك و بين ما هو دخيل في تحقّق ما هو متّصف به، فسلّم الاشتراط في القسم الأوّل و أنكره في الثاني، و فرّق فيه بين التكليف الإيجابي و التحريمي من حيث اقتضاء الإيجابي وجوب إيجاد الموضوع أيضا كنفس الفعل، عكس التحريمي المقتضي حرمة إيجاده و حرمة إيجاد الفعل على تقدير وجوده.أقول: لا يخفى أنّ تصوير القسمين في الإيجابي يختصّ بما إذا كان المطلوب صرف الوجود كوجوب إكرام عالم، إذ قد يفرض فيه دخل الموضوع في الملاك، فلا ملاك للإكرام إلّا عند وجود العالم، فمع عدمه لا ملاك فلا تكليف بإكرامه ليقتضي إيجاده مقدمة، و قد يفرض عدم دخله فيه، فيكون ملاك الإكرام كوجوبه فعليّا و إن لم يوجد عالم، بل يجب حينئذ إيجاده- إن أمكن- مقدمة لإكرامه، كما يجب على المريض إيجاد الدواء مقدمة لشربه، أمّا إذا كان المطلوب مطلق الوجود مثل (أكرم العالم) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فيتعيّن كونه من القسم الأوّل و لا يتصوّر فيه الثاني، بداهة امتناع إطلاق الأمر بالوفاء بجميع العقود- مثلا- بحيث يقتضي إيجادها ثم الوفاء بها، هذا. و بما أن محطّ كلام المحقّق الجدّ قدّس سرّه في المقام هو خصوص القسم الرابع- حسب تقسيمه- و هو التكليف المتعلّق بما له تعلّق بموضوع خارجي باعتبار مطلق وجوده، فلا انتقاض عليه بموارد طلب صرف الوجود التي عرفت إمكان تصوير القسم الثاني فيها. و أمّا التحريمي فقد ادعى قدّس سرّه جريان القسمين فيه، و مثّل للثاني بحرمة شرب الخمر قائلا: إنّ شربه فعل ذو مفسدة في نفسه، و إنما وجود الخمر في الخارج من مبادئ تحقّق المفسدة، فإذا قدر المكلف على إيجاده تعلّق النهي بإيجاده أو شربه بعد وجوده، و في مثله لا يكون وجود الموضوع شرطا في الفعليّة، هذا. و يعني بكونه ذا مفسدة في نفسه أنّه ذو مفسدة مع قطع النظر عن وجود الخمر و عدمه. و هذا محل تأمّل، فإن فعلية الملاك و تماميّة داعويّته إلى الحكم مصلحة كان أو مفسدة- إنما هي ببلوغه مرحلة من القوّة و الشأنيّة لا يتخلّل بينها و بين تحقّقه الغالبي خارجا- بحصول المصلحة أو الوقوع في المفسدة- سوى فعل المكلف، فيصبح داعيا للجاعل إلى البعث نحو الفعل تحصيلا للمصلحة أو الزجر عنه تحذّرا من الوقوع في المفسدة- و لا يقدح تخلّف الداعي أحيانا- و لا يكاد يصل إلى هذه المرحلة إلّا لدى وجود موضوعه لا قبله، و يزيد ذلك وضوحا مقايسة العلّة الداعية إلى النهي عن فعل بالصارف النفسي الرادع لفاعله عن فعله، فكما أنّ الرادعيّة الفعليّة عنه لا تكون إلّا مع وجود الموضوع، كذلك الداعويّة الفعليّة إلى الردع عنه لا تكون إلّا عنده، و على هذا فمفسدة الإسكار- مثلا- لا تصل إلى المرتبة الآنفة الذكر لتدعو إلى النهي عن شرب الخمر إلّا عند وجود الخمر، هذا. و في كلامه قدّس سرّه مواقع أخر للنظر: منها قوله قدّس سرّه: إن امتثاله يكون بعدم إيجاد الموضوع خارجا أو بعدم إيجاد الفعل المتعلّق به بعد وجوده، إذ يلاحظ عليه أن عدم إيجاد الموضوع ليس امتثالا لحرمة الشرب، فلا مانع من إيجاده ثم لا يشرب ما أوجده، و حرمة الإيجاد إن ثبتت فبدليل آخر، و إلّا فحرمة الشرب لا تقتضي حرمة الإيجاد، و إلّا لحرم إيجاد النجس لمكان حرمة تناوله. و منها قوله قدّس سرّه: و من هنا يعلم أنّه إذا علم المكلّف من حاله أنّه لو أوجد الخمر لشربه- لا محالة- حرم عليه إيجاده، و ليس إلّا لفعليّة التكليف قبل وجود موضوعه في هذا القسم، إذ يناقش بأنّه ليس الوجه فيه ذلك، بل وجهه أن إيجاده- و الحالة هذه- تعجيز لنفسه عن امتثال التكليف في ظرفه، و مقتضى قاعدة (أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار) مع فرض تماميّة الملاك في ظرفه هو حكم العقل بحرمة تعجيز نفسه بإيجاده- على التفصيل المذكور في محلّه.

ص: 234

ص: 235

ص: 236

التكاليف هو الجزء الأخير من شرائط التكليف، حذو الاستطاعة بالنسبة إلى الحجّ، و دخول شهر رمضان في وجوب صومه و نحو ذلك.

لكن لا يخفى أنّ القدر الذي يقتضيه ذلك (1) هو اشتراط كلّ واحد من تلك الخطابات التفصيلية بوجود موضوعه في حدوثه، و يترتّب عدم وجوب العقد مقدّمة للوفاء به، و عدم تفويت الحاضرة مقدّمة لقضائها و نحو ذلك، على اشتراطه ملاكا أيضا بذلك (2).

أمّا اشتراطه به في مرحلة البقاء أيضا و عدمه فأجنبيّ عمّا يقتضيه ذلك الاشتراط بالكليّة، و يتساوى وجوده لعدمه فيما نحن


1- يعني أنّ الذي يقتضيه الاشتراط- المتقدم ذكره- هو اشتراط حدوث الخطاب الشخصي بحدوث موضوعه، أما اشتراط بقائه أيضا ببقائه فلا يقتضيه ما تقدّم، كما لا يقتضي عدمه.
2- فإنه إذا كان الملاك أيضا كالخطاب مشروطا بوجود موضوعه فلا ملاك قبل وجوده ليقتضي وجوب إيجاده، و الوجوب المشروط لا يقتضي إيجاب شرطه، فلا يجب إيجاد العقد مقدمة للوفاء به، و لا تفويت الحاضرة مقدمة لقضائها و نحو ذلك، بل متى ما وجد العقد بنفسه، أو فاتت الحاضرة بنفسها وجب الوفاء، أو القضاء، نعم لو فرض الملاك مطلقا و غير مشروط بذلك كان مقتضاه وجوب الوفاء و القضاء فعلا مطلقا- وجد موضوعه أم لم يوجد-، بل مع عدمه يجب إيجاده مقدمة.

ص: 237

بصدده (1)، لكنّه لا بأس بأن نتطفّل بتوضيحه.

و ظاهر أنّ الاشتراط به- خطابا- (2) ممّا لا محيص عنه على كلّ تقدير (3)، ضرورة أنّ القدرة على متعلّق التكليف تدور مداره (4).

و أمّا ملاكا فلا خفاء في صلاحيّة الخطاب الإيجابي (5) للاشتراط به تارة- كما في العقد بالنسبة إلى وجوب الوفاء به-،


1- فإنّ ما نحن بصدده هو جريان البراءة في الشبهات المصداقية لهذا القسم، و هذا إنما يبتني على اشتراط فعليّة كلّ من الأحكام الشخصية المنحلّ إليها بوجود موضوعه حدوثا، و لا أثر للاشتراط به بقاء و عدمه في ذلك، و مع ذلك فقد أفضل قدّس سرّه بتوضيحه- كما ستسمع.
2- أي اشتراط بقاء الخطاب ببقاء الموضوع.
3- سواء اشترط به ملاكا أيضا أم لا.
4- أي مدار بقاء الموضوع، فإن متعلّق التكليف متعلّق به، و مثله لا بدّ من أن يكون له بقاء ما ليتمكّن المكلّف من الامتثال بفعل ما يتعلّق به، و مقتضى اشتراط الخطاب بالقدرة اشتراطه بما تدور القدرة مداره.
5- فصّل قدّس سرّه في اشتراط بقاء الملاك ببقاء الموضوع و عدمه بين التكاليف الوجوبية و التحريمية، و أفاد أن ملاك التكليف الوجوبي يقع على وجهين: فقد يكون بقاؤه مشروطا ببقاء الموضوع- كما في مثال العقد- فإنه يجوز إعدامه اختيارا فيرتفع معه وجوب الوفاء و ملاكه، و أخرى لا كذلك- كما في وجوب تجهيز الميت- فإنّه لا يجوز إعدامه بل يجب حفظه- بالدليل المتمم للجعل كما ستعرف- إلى أن يتمّ تجهيزه، فيستكشف منه أن ملاك تجهيزه مطلق و غير مشروط ببقائه.

ص: 238

و لعدمه أخرى، كما في بقاء الميّت بالنسبة إلى وجوب تجهيزه، و نحو ذلك ممّا يكون مجرّد تحقّق الموضوع هو تمام العلّة في توجّه خطابه (1)، و لا يتوقّف عليه في مرحلة البقاء سوى التمكّن من امتثاله. و يكون اشتراط التكليف به في الصورة الأولى (2) كاشتراطه بالسفر و الحضر و نحوهما ممّا يدور حسن الواجب في حدوثه و بقائه مداره، و يجوز إعدامه اختيارا بعد فعليّة خطابه (3). و يرجع في الثانية (4) إلى باب الاشتراط بالقدرة (5)، و يكون إعدامه تعجيزا


1- فيكون خطابه و ملاكه فعليّين بمجرد حدوث الموضوع، و لا يتوقف على بقائه سوى القدرة العقلية على امتثاله.
2- و هي ما كان بقاء الملاك فيه مشروطا ببقاء موضوعه كمثال العقد، ففي هذه الصورة يدور ملاك حسن الواجب و فعلية خطابه حدوثا و بقاء مدار الموضوع كذلك، حذو دوران وجوب القصر مدار السفر، و التمام مدار الحضر حدوثا و بقاء.
3- إذ لا مقتضي لوجوب حفظ الموضوع و إبقائه، بل متى ما بقي بقي معه المشروط و إذا ارتفع- و لو اختيارا- ارتفع معه، كما كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الحدوث.
4- و هي ما لا يكون بقاء الملاك مشروطا ببقاء الموضوع، بل مجرّد حدوثه كاف في بقائه- أي الملاك.
5- المقصود بها القدرة العقلية، و باب الاشتراط بها إشارة إلى ما تقدّم من أن التكليف المشروط بالقدرة العقلية يكفي في فعليّته مجرد التمكن العقلي من متعلّقه و لو بالتمكن من تحصيل القدرة عليه، و أن التعجيز عنه محرّم لكونه تفويتا للملاك الفعلي المطلق، و الوجه في رجوع الصورة الثانية إلى هذا الباب هو إطلاق الملاك فيها بقاء، و عدم دخل بقاء الموضوع في بقائه، و عدم توقف ما سوى التمكن من الامتثال على بقائه- كما مرّ-، فإنّ قضية ذلك كفاية القدرة العقلية في بقاء التكليف فلا يجوز التعجيز عن امتثاله و تفويت ملاكه بإعدام موضوعه.

ص: 239

عن الواجب و تفويتا لملاكه، و لامتناع (1) أن يتكفّل الخطاب إيجاب حفظه- و إلّا لزم تقدّمه على نفسه- فيندرج المقام فيما يستحيل أن يستوفي ما يقتضيه الملاك إلّا بخطابين لتعدّد الرتبة- حسبما تقدّم ضابطه-، و يكون المتمّم المتكفّل لإيجاب حفظ الموضوع- كسائر ما يرجع إلى باب التفويت (2)- منتجا نتيجة الخطاب المقدّمي


1- تعليل مقدّم على المعلّل، و حاصل الدعوى المعلّلة به اندراج الصورة الثانية الآنفة الذكر في ضابط متمّم الجعل المتقدّم بحثه مفصّلا، و هو قصور الخطاب الواحد عن استيفاء تمام ما يقتضيه ملاكه لاختلاف مرتبة فيه، فيكون مقتضيا تشريع ما استحال أن يتكفله الخطاب الأصلي و كاشفا عنه كشفا لميّا.و محصّل التعليل أن وجوب إبقاء الموضوع و حفظه في المقام يمتنع أن يتكفّله الخطاب الأصلي، كما يمتنع أن يتكفل وجوب إيجاده لاختلافهما رتبة، فيلزم من تكفّله له تقدّم الشي ء على نفسه، فإن الخطاب متأخر رتبة عن موضوعه، فلو اقتضى إيجاد موضوعه أو إبقاءه بعد وجوده لزم أن يكون متقدّما عليه متحقّقا قبل تحققه، و هذا خلف و مناقضة، و لأجله فإذا اقتضى الملاك إبقاء الموضوع في مورد كالمقام فلا محيص من الخطاب المتمم.
2- قد عرفت أنّ ملاك الحكم في محلّ الكلام لكونه مطلقا و غير مشروط ببقاء الموضوع فهو يقتضي عدم جواز التعجيز عنه، و تفويته بإعدام موضوعه، إذن فهو مندرج في باب التفويت.

ص: 240

الغيريّ، و مندرجا مع إيجاب المقدّمات المفوّتة تحت جامع واحد (1)، و إن اختلفا في كون المانع عن تكفّل الخطاب النفسي لهذا المتمّم هو التقدّم الرتبي ها هنا، و الزماني ثمّة.

و كيف كان ففي مقام الإثبات (2) يتوقّف كونه على الوجه الثاني على قيام الدليل عليه، و إلّا فمقتضى كون المنشأ بذلك الإنشاء


1- هو جامع التفويت، فإنّ التحفّظ على الملاك الفعلي المطلق و عدم تفويته هو المناط المطّرد في البابين، و المقتضي لوجوب حفظ الموضوع هنا و لوجوب المقدّمة المفوّتة هناك، و كلاهما منتجان نتيجة الوجوب الغيري، لكون وجوبهما بمناط التمكن من امتثال التكليف النفسي، و ليسا غيريّين حقيقة لامتناع ترشحهما من وجوب ذيهما، لتقدّم الأوّل عليه رتبة- كما مر وجهه آنفا- و الثاني زمانا، و قد تقدّم ذكر الصورتين في سياق البحث عن ضابط المتمم لدى قوله قدّس سرّه (أو جاريا مجرى الخطاب الغيري. إلى قوله: في الزمان أو الرتبة).
2- بعد ما انتهى الكلام في تحقيق ما يرجع إلى مقام الثبوت لتصوير التكليف الإيجابي- بالنسبة إلى اشتراطه خطابا و ملاكا ببقاء موضوعه و عدم اشتراطه به إلّا خطابا- على صورتين، أشار قدّس سرّه هنا إلى ما يقتضيه الدليل في مقام الإثبات، فأفاد أنّ مقتضى الأصل في هذا المقام كونه من قبيل الأولى، لأنّ الدليل الكاشف عن الإنشاء الواقعي دال على إنشاء حكم معلقا على موضوع، و مقتضاه دوران الحكم مدار موضوعه حدوثا و بقاء خطابا و ملاكا، و لا بدّ لكونه من قبيل الثانية من قيام دليل خاص عليه.

ص: 241

حكما على ذلك الموضوع هو الأوّل، و هو الأصل فيه.

و أمّا التكاليف التحريميّة فاشتراطها بوجود موضوعاتها مطلقا (1) هو المتعيّن فيها، و لا مجال لأن يتطرّق فيها الاحتمال الآخر (2) أصلا، إذ بعد وضوح أنّ مناط حرمة الخمر- مثلا- و كلّ نجس و محرّم هو المفسدة التي في تلك الموضوعات، فلو أمكن أن تكون تلك المفسدة مناطا لوجوب حفظ الموضوع (3) في شي ء من المحرّمات مقدّمة لتمكّن المكلّف من تركه الاختياري كان المناط حينئذ مطلقا بالنسبة إلى وجود الموضوع في بقائه- لا محالة-، حذو ما عرفته في وجوب تجهيز الميّت و نحوه، لكن حيث لا مجال (4) لأن يتوهم مناطيّة تلك المفسدة في شي ء من المحرّمات لذلك فلا محيص عن اشتراط كلّ محرّم- حدوثا و بقاء- بوجود موضوعه مطلقا.

و أمّا وجوب إعدام الموضوع (5) لو توقّف عليه التخلّص عن


1- حدوثا و بقاء خطابا و ملاكا.
2- و هو إطلاق ملاكها، و عدم اشتراطه بقاء ببقاء موضوعه المستتبع لوجوب حفظ الموضوع و حرمة إعدامه.
3- بحيث تقتضي المفسدة الكامنة في الخمر الموجود وجوب إبقائه لكي يتمكن المكلّف من ترك شربه اختيارا، إذ مع انعدامه فشربه منترك قهرا.
4- إحالة إلى الوجدان الجازم بانتفاء هذا الاحتمال رأسا في جميع أبواب المحرّمات، فيتعيّن كون الحرمة مطلقا مشروطة بوجود موضوعها حدوثا و بقاء.
5- تحصّل ممّا تقدّم أن التكليف الوجوبي تارة يجوز إعدام موضوعه- كما في وجوب الوفاء بالعقد- و اخرى لا يجوز- كما في وجوب تجهيز الميت-، و أن التكليف التحريمي يجوز إعدام موضوعه مطلقا في جميع موارده لتعيّن كون الحرمة مشروطة بوجود موضوعها حدوثا و بقاء، و معه لا يعقل حرمة إعدامه. و تعرّض قدّس سرّه هنا لحكم التحريمي من حيث وجوب إعدام موضوعه و عدم وجوبه، و أنّه إذا ثبت وجوبه في مورد فلا ينافي اشتراط التكليف في بقائه بوجود موضوعه، كما كان ينافيه حرمة إعدامه، و سيأتي التفصيل.

ص: 242

الحرام، كما لو علم من نفسه أنّه يغلبه الهوى مع بقائه (1)، أو كان مكرها على تناوله و مختارا في إعدامه فأجنبيّ عن هذا الوادي (2)، على كلّ من تقديري كونه من الإرشاديات العقليّة الراجعة إلى مرحلة الامتثال (3) أو كونه مولويّا مترشحا- حذو وجوب المقدّمة- من النهي (4)، فإنّ إعدام الموضوع و إن كان مستتبعا لسقوط خطابه- لا محالة- لكنّ مناط استقلال العقل بوجوبه في مفروض المقام- بأحد الوجهين (5)-


1- أي بقاء الموضوع كالخمر، فلا يقدر على كفّ نفسه عن شربه، فيعدمه تخلّصا عن الوقوع في المعصية.
2- أي لا ارتباط له بحديث اشتراط التحريم بوجود موضوعه حدوثا و بقاء، فلا يصادمه و لا ينافيه.
3- بناء على إنكار الوجوب الشرعي المولوي للمقدّمة، فيكون حكما عقليّا مستقلا واقعا في مرحلة الإطاعة.
4- أي وجوبا غيريا مترشحا من النهي- حذو ترشح وجوب المقدمة من وجوب ذيها- لتوقف امتثال النهي عليه، فيدخل في باب الملازمات العقلية.
5- هما كونه إرشاديا أو مولويا غيريا.

ص: 243

ليس هو استتباعه لذلك (1)، كي يمتنع أن يتكفّله الخطاب (2) على كلّ من تقديري اشتراطه بموضوعه و عدمه (3)، و إنّما مناطه هو توقّف التخلّص عن عصيان النهي عليه (4) بلا دخل لما يستتبعه فيه (5)، و كون الاشتراط (6) بالموضوع بمعزل عن كونه موجبا


1- أي لسقوط خطابه، فإنّ إسقاط الخطاب غير واجب على المكلّف كي يكون هو المناط المقتضي لوجوب إعدام الموضوع، و إنما الواجب عليه هو امتثال الخطاب بفعل الواجب أو التجنّب عن الحرام.
2- أي يتكفل سقوط الخطاب، يعني: كي يقال إنّه يمتنع تكفل الخطاب سقوط نفسه، إذ الحكم لا يعقل أن يتكفل إيجاد نفسه أو إبقاءه أو إعدامه، فلو فرض اقتضاء الملاك لسقوط الخطاب فلا يتكفّله إلّا خطاب آخر متمّم.
3- إذ لا يختص امتناع تكفل الخطاب سقوط نفسه بصورة إطلاق ملاكه و عدم اشتراطه حدوثا و بقاء بموضوعه، باعتبار أنّ مقتضى الإطلاق المزبور وجوب حفظ الموضوع فلا يعقل معه وجوب إسقاط الخطاب بإعدام الموضوع، بل الامتناع المذكور يعمّ صورة الاشتراط بالموضوع،- المستتبع لجواز إعدامه- أيضا، لما عرفت من أنّ الشي ء لا يمكن أن يتكفل إسقاط نفسه و يسبّب إعدامه.
4- أي على إعدام موضوعه، فيكون إعدامه مقدمة لامتثال النهي و التجنب عن الحرام، إذ المفروض أنّه لو تركه لغلبة الهوى و أوقعه في الحرام.
5- يعني أنّ ما يستتبعه إعدام الموضوع من سقوط الخطاب لا دخل له فيما هو المناط لوجوب إعدامه.
6- الظاهر (و يكون) و الاشتباه من الناسخ، و المقصود أن اشتراط الخطاب بموضوعه حدوثا و بقاء- الذي عرفت أنّه المتعيّن في المحرّمات- لا يقتضي وجوب حفظ الموضوع و حرمة إعدامه، ليمتنع معه حكم العقل بوجوب إعدامه في مفروض المقام توصّلا به إلى التخلّص من الحرام، و يوجب تخصيص حكمه بوجوب ما يتوقف عليه التخلص المذكور بما سوى إعدامه. و هذا ما وسعني عجالة من توضيح عبائر المقام و الكشف عن حقيقة المرام، و لا بدّ من التأمل التامّ.

ص: 244

لتخصيص حكم العقل بوجوب ما يتوقّف عليه التخلّص المذكور بما عدا إعدامه.

و هذا في غير صورة الإكراه (1) ظاهر، و كذا في تلك الصورة أيضا، فإنّ مبنى وجوب الإعدام في هذه الصورة (2) هو اعتبار عدم المندوحة في ترك الواجب أو فعل الحرام المكره عليه، و إلّا فلا موجب له على كلّ تقدير، و حيث إنّ المدار في المندوحة المعتبر عدمها على إمكان التفصّي عمّا أكره عليه (3)، لا على التمكّن من رفع


1- و هي صورة علمه من نفسه أنّه يغلبه الهوى مع بقاء الموضوع، فيرتكب الحرام.
2- محصّل الكلام: أن وجوب الإعدام في هذه الصورة- و هي ما إذا كان مكرها على تناول الحرام و مختارا في إعدامه و إتلافه- مبني على اعتبار عدم المندوحة في ارتفاع التكليف بالإكراه، و المندوحة في المقام موجودة و هي إعدام الموضوع، فيجب التفصّي به عن الحرام المكره عليه، أمّا بناء على عدم اعتباره فلا موجب لوجوب الإعدام، فيجوز فعل الحرام المكره عليه حينئذ، و ترك التفصي عنه بإعدام موضوعه.
3- محصّله: أن العبرة في المندوحة إنما هي بإمكان التفصّي عما اكره عليه، بأن يتخلص منه مع بقاء الإكراه و بقاء المكره عليه على صفة الحرام، فلا يكفي في المندوحة التمكن من رفع إكراه المكره بدفع مال إليه- مثلا- ليرفع اليد عن إكراهه، و لا التمكّن من إخراج المكره عليه عن صفة الحرام كالمكره على الإفطار المحرّم في شهر رمضان فيسافر ليسوغ له الإفطار، فلا يجب على المكره دفع المال المذكور و لا السفر، لعدم كونه مندوحة و تفصّيا عن ارتكاب الفعل المكره عليه، و وجوبه من جهة أخرى- لو فرض- فهو أمر آخر لا كلام لنا فيه، و هذا بخلاف إعدام الموضوع- كالخمر-، فإنه نوع تفصّ عن الحرام المكره عليه، فيجب.

ص: 245

موضوع الإكراه كأن يدفع شيئا إلى المكره ليرفع اليد عن إكراهه، أو التمكّن من إخراج ما أكره عليه عن كونه تركا للواجب أو فعلا للحرام كأن يسافر من أكره على الإفطار في رمضان (1) ليترخّص في إفطاره و نحو ذلك، فحال إعدام الموضوع في هذه الصورة أيضا كما في سابقتها (2)، و لا يخرج باستتباعه سقوط الخطاب عن كونه في


1- لا يخفى أنّه إذا أكره على الإفطار بخصوص مصداقه المحرّم فإفطاره في السفر ليس عملا بما اكره عليه، و إخراجا له عن صفة الحرام، بل هو مخالفة للإكراه. أمّا إذا أكره على الجامع بين المحرّم و المحلّل فهذا أجنبيّ عن الإكراه على المحرّم و على المكره حينئذ اختيار المصداق المحلّل كالسفر و الإفطار فيه، و يجري هذا الكلام في كلّ ما هو من هذا القبيل، فلاحظ، و لعلّ المحقق الماتن قدّس سرّه ينظر إلى أمر آخر، و اللّه أعلم.
2- أي في وجوبه لتوقّف التخلّص من الحرام عليه، و قد عرفت عدم سقوط الحرمة في هذه الصورة بالإكراه، لاعتبار عدم المندوحة فيه و إعدام الموضوع مندوحة.

ص: 246

حدّ نفسه مندوحة عمّا أكره عليه (1)، و لا سبيل إلى مقايسته بالسفر في رمضان و نحوه ممّا يوجب رفع وصف الحرمة عمّا أكره عليه، لا التخلّص عن ارتكابه.

و بالجملة فالبون بعيد (2) بين حرمة إعدام الموضوع و وجوبه، و الذي ينافي اشتراط الملاك في بقائه بوجود موضوعه هو الأوّل،


1- يعني أن الأعدام المذكور يعدّ مندوحة عمّا أكره عليه، فيجب بهذا الاعتبار و إن كان في نفس الحال مسقطا للخطاب و إسقاط الخطاب ليس بواجب و يمتنع أن يتكفّله الخطاب- كما مر-، فلا تنافي بين وجوبه بعنوان المندوحة و التخلّص به من الحرام و عدم وجوبه باعتبار مسقطيّته للخطاب.
2- توضيح لما أشار قدّس سرّه إليه أوّلا من أن وجوب إعدام الموضوع في المثالين المتقدمين و نحوهما أجنبيّ عن هذا الوادي، بل عمّم قدّس سرّه هنا الحكم إلى كلّ مورد يقتضي الملاك لزوم إعدام الموضوع مطلقا كاقتضاء الملاك المقتضي لحرمة عبادة الصنم وجوب إعدامه أيضا، فإن اشتراط خطاب الحرمة و ملاكه بوجود الصنم و دورانهما مداره حدوثا و بقاء لا ينافيه وجوب إعدامه، و إنما الذي ينافيه هو وجوب حفظه و حرمة إعدامه، لما مرّ من أنّه لو اقتضى الملاك وجوب حفظ موضوع الحرام كان الملاك لا محالة مطلقا بالنسبة إلى بقاء الموضوع، لكن لا مجال لتوهم اقتضائه ذلك في المحرمات، فلا محيص عن اشتراطه ببقائه، إذن فالذي يجتمع مع وجوب الحفظ هو إطلاق الملاك لا اشتراطه، بخلاف وجوب الإعدام فإنه لا مانع منه مع فرض الاشتراط، فالصنم- مثلا- يجب إعدامه فإن بقي و لم يعدم حرم السجود له.

ص: 247

دون الثاني، و لا مجال لأن يقاس أحدهما بالآخر، فلو فرض الملاك مقتضيا لزوم إعدام موضوعه بنفسه- كما في الصنم مثلا و أواني الذهب و الفضّة و غير ذلك- فأيّ منافاة يعقل بينه و بين اشتراطه في حدوثه و بقائه به، و هل يعقل أن يكون لوجوب الإعدام في الأمثلة إطلاق (1) بالنسبة إلى حالتي وجود الموضوع في حدوثه أو بقائه.

و كيف كان فقد عرفت أنّه لا أثر للاشتراط في البقاء و عدمه فيما نحن بصدده أصلا (2)، و قد استطردنا توضيحه.

و إنّما الذي يبتني عليه جريان البراءة (3) في الشبهات


1- الظاهر أنّ المراد أن وجوب إعدام الموضوع في الأمثلة المتقدمة لا يعقل له إطلاق كي يقتضي وجوب إحداثه و إبقاء الحادث، ليتحقق التنافي بينه و بين اشتراط حرمة السجود- مثلا- بحدوثه و بقائه، ضرورة التهافت بين وجوب إعدامه و وجوب إحداثه و حفظه، بل وجوب الإعدام أيضا كحرمة السجود مشروط بحدوث الموضوع و بقائه، فإذا وجد بنفسه و كان له بقاء وجب إعدامه و حرم السجود له ما دام باقيا.
2- أشار قدّس سرّه إلى ذلك سابقا بعد الفراغ عن إثبات انحلال القسم الرابع من التكاليف إلى أحكام خاصة لموضوعات كذلك و اشتراط كلّ منها- خطابا و ملاكا- بوجود شخص موضوعه، و أفاد أنّ القدر الذي يقتضيه هذا الاشتراط هو اشتراطه به حدوثا، أما اشتراطه به في مرحلة البقاء أيضا و عدمه فأجنبيّ عما يقتضيه ذلك، و يتساوى وجوده لعدمه فيما نحن بصدده- كما سيأتي بيانه-، و لأجله كان البحث عنه استطراديا.
3- بيان لما نحن بصدده و تعليل لكون مسألة البقاء أجنبيّة عنه، و محصّله: أنّ الذي نحن بصدده هو جريان البراءة في الشبهات الموضوعيّة لهذا القسم، و هذا إنما يبتني على الانحلال و اشتراط كلّ من الخطابات التفصيليّة بوجود موضوعه حدوثا، إذ يكون الشك في حدوثه شكا في التكليف مجرى للبراءة، و لا أثر للاشتراط به بقاء و عدمه في ذلك- كما لا يخفى.

ص: 248

الموضوعية الوجوبية و التحريمية هو الانحلال المتقدّم توضيحه و اشتراط كلّ من الخطابات التفصيلية المنحلّة إليها تلك الكبرى بوجود موضوعه في حدوثه، على كلّ من تقديري الاشتراط في البقاء أيضا و عدمه.

فنتيجة الأمر الأوّل (1) هي دوران تنجّز التكليف في هذا القسم مدار العلم بآحاد تلك الخطابات التفصيليّة المذكورة، لأنّها هي التكاليف الفعليّة و البعث و الزجر المتوجّه إلى المكلف، و أمّا نفس الكبرى فليس العلم بها إلّا علما بخطاب مشروط (2) يتوقف فعليّته


1- أشار قدّس سرّه آنفا إلى الأمرين بقوله: (الانحلال المتقدم توضيحه و اشتراط. إلخ)، و مرّ تفصيلهما في ابتداء البحث عن القسم الرابع، و هذا الكلام عود إلى أصل المطلب الذي كان قدّس سرّه بصدد تحقيقه، هذا.و الوجه في أنّ نتيجة الأمر الأوّل هو دوران تنجز التكليف مدار العلم بآحاد الخطابات التفصيلية المنحلّ إليها و عدم كفاية العلم بالكبرى المنحلّة هو ما أشير إليه في المتن من أنّ الخطابات المنحلّ إليها هي الأحكام الفعليّة المتوجّهة إلى المكلفين، و بضميمة أنّ التنجز يدور مدار العلم بالحكم الفعلي ينتج دوران التنجز مدار العلم بتلك الخطابات.
2- فإنّها حكم كليّ مجعول على موضوعه المقدّر وجوده، و قد عرفت أنّ مقتضاه الاشتراط، فهي ليست إلّا حكما شأنيّا مشروطا فعليّته بوجود موضوعه، فالعلم بها وحدها لا يؤثر في تنجز التكليف.

ص: 249

على وجود شرطه كوجوب الحجّ على المستطيع- مثلا- و نحو ذلك.

و نتيجة الأمر الثاني (1) هي توقّف العلم بكلّ واحد من تلك الخطابات التفصيليّة على العلم بشخص موضوعه، و رجوع الشكّ فيه إلى الشكّ في البعث أو الزجر المجعول على تقديره- كما في الشكّ في الاستطاعة و نحوها-، فكما أنّ نفس تلك الكبرى- كوجوب قضاء الفريضة الفائتة مثلا أو حرمة شرب الخمر و نحو ذلك- ليست بنفسها تكليفا متوجّها بالفعل إلى المكلف، و لا بعثا أو زجرا فعليا له إلّا بعد انضمام الصغرى إليها و بمقداره (2)، فكذلك


1- و هو اشتراط فعليّة كلّ من الخطابات التفصيلية بوجود شخص موضوعه، و الوجه في إنتاجه توقف العلم بفعلية كلّ من تلك الخطابات- الذي عرفت آنفا أن التنجّز يدور مداره- على العلم بوجود شخص الموضوع واضح، فإنّ مقتضى اشتراط شي ء بشي ء و إناطته به استلزام العلم بالثاني العلم بالأوّل و كشفه عنه إنّا، و إذ لا سبيل إلى استكشاف فعلية الخطاب إلّا بالعلم بتحقق موضوعه خارجا فلا محالة يتوقّف العلم بها على العلم به، فمع الشك فيه تكون هي مشكوكا فيها أيضا و مجرى للبراءة، هذا. و المتحصّل من النتيجتين المتقدّمتين أن العلم بوجود الموضوع يستلزم أمرين متلازمين العلم بالخطاب الفعلي و تنجّزه، فإذا شكّ في وجوده فلا علم بالخطاب الفعلي و لا تنجّز.
2- أي بمقدار الانضمام و بعدده، إذ تتعدّد التكاليف المتوجهة بالفعل إلى المكلفين بتعدّد صغريات الموضوع المنضمّة إلى الكبرى، و هكذا في مرحلة التنجّز تتعدّد التكاليف المتنجّزة بتعدّد العلم بالصغريات المنضمّ إلى العلم بالكبرى.

ص: 250

العلم بها أيضا- حذو النعل بالنعل.

و بالجملة فيجري آحاد تلك الخطابات التفصيلية التي عرفت أنّها التكاليف المتوجهة إلى المكلّفين مجرى النتيجة المتحصّلة في نفس الأمر من انضمام صغرى خارجيّة إلى كبرى شرعيّة- كما هو الشأن في جميع شرائط التكليف (1)-، و كما أنّ تحقق تلك النتيجة في نفس الأمر يتوقّف على انضمام الأمرين، فكذلك العلم بها أيضا يتوقف على العلم بالمقدّمتين، و لا يعقل أن يكون العلم بالكبرى وحدها علما بالنتيجة أو منجزا لها مع عدم العلم بها (2)، و إلّا لزم


1- المراد بها ما يقابل الموضوع ذا الأفراد المقدّرة الوجود- الذي به امتاز القسم الرابع عن الأقسام الثلاثة الأول المتقدّمة-، فإنّ شرائط التكليف مشترك فيها بين جميع الأقسام الأربعة، و لا أقلّ من الشرائط العامة، و فعلية كلّ تكليف نتيجة متحصّلة من انضمام صغرى تلك الشرائط إلى الكبرى الشرعية، و تنجزه نتيجة مترتبة على العلم بالأمرين، هذا و في عبارة المتن إشارة إلى أنّ صغرويّة تحقّق الموضوع في القسم الرابع إنما هي بملاك صغرويّة تحقّق شرط التكليف في جميع أقسامه، لما مرّ تحقيقه من اقتضاء الموضوعية في هذا القسم للاشتراط.
2- قيد المعيّة راجع إلى الثاني خاصة أعني منجزا، و ضميرا التأنيث راجعان إلى النتيجة.

ص: 251

التعدي (1) إلى كلّ خطاب مشروط مع الشكّ في حصول شرطه، و كان خروجا عمّا يستقلّ العقل به من قبح العقاب على المجهول.

و قد انقدح ممّا حرّرنا المقام به أنّ انطباق عنوان الموضوع على ما يشكّ كونه مصداقا له من باب المقدّمة الوجوبية (2)، و أنّ حديث (3) المقدّمة العلميّة المتكرّر ذكره و الاستشكال


1- أي التعدي من الأحكام المجعولة على موضوعاتها المقدّر وجودها- كما في القسم الرابع- إلى كلّ حكم مشروط، فيشمل سائر الأقسام، وجه اللزوم أنّه لا خصوصيّة للقسم الرابع تقتضي كفاية العلم بكبراه في العلم بالنتيجة و تنجز خطابه- و إن لم ينضم إليه العلم بتحقّق موضوعه صغرى-، فلو كفى فبملاك الكفاية في الخطاب المشروط- و إن لم يعلم بحصول شرطه صغرى-، و هذا ممّا يستقل العقل بخلافه، فإنّه مستقل بقبح العقاب على المجهول، و التكليف المعلوم كبراه فقط- من دون العلم بصغراه و بحصول شرائطه و المفروض توقّف فعليّته على تحقّقها- مجهول الفعلية، فكيف يتنجّز و يعاقب عليه.
2- التي يعبّر عنها بشرط الوجوب و شرط التكليف أيضا، فإذا كان عنوان الموضوع منطبقا في نفس الأمر على المشكوك و كان هو فردا منه- بحسب الواقع و إن لم يعلم به- فقد تحقّق أحد شروط التكليف و مقدّماته واقعا، و قد مرّ أنّ قضية الموضوعيّة هو الاشتراط.
3- و هو أن التكليف إذا تعلّق بكليّ ذي أفراد معلومة و مشكوكة وجب الاحتياط بمراعاة التكليف بالنسبة إلى الأفراد المشكوكة أيضا من باب المقدمة العلمية، لتوقف العلم بالامتثال بالنسبة إلى الأفراد الواقعيّة على ذلك، و لا مجال لقاعدة (قبح العقاب بلا بيان) نظرا إلى ورود البيان الشرعي بالنسبة إلى الحكم الكبروي.

ص: 252

به (1) في كلمات شيخنا أستاذ الأساتيذ- نوّر ضريحه- في كلا بابي الشبهات الموضوعيّة الوجوبيّة و التحريميّة أجنبيّ عنه (2) بالكليّة، و لا يخفى أنّ ما أفاده قدّس سرّه في دفعه يوهم بظاهره دعوى اختصاص الحكم الواقعي بالمصاديق المعلومة (3)، لكن لمنافاته لما هو المعلوم من مسلكه (4) فينبغي إرجاعه إلى ما


1- أي ذكره بعنوان الإشكال على جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية.
2- أي عن الانطباق المذكور الذي عرفت أنّه من باب المقدّمة الوجوبية، و ذلك لأنّ المقدمة الوجوبية هو وجود المصداق الواقعي لموضوع الوجوب- كالعقد بالنسبة إلى وجوب الوفاء به- و إن كان مجهولا لدى المكلف، و الذي هو مقدمة علمية هو إلحاق المصداق المشكوك بالمعلوم في مقام الامتثال تحصيلا للعلم بالامتثال، و أين أحدهما من الآخر.
3- قال قدّس سرّه في باب الشبهة الموضوعية التحريمية: (إن النهي عن الخمر- مثلا- يوجب حرمة الأفراد المعلومة تفصيلا أو إجمالا، و أما الأفراد المشكوكة فلم يعلم من النهي تحريمه، و ليس مقدمة للعلم باجتناب فرد محرّم يحسن العقاب عليه، و أظهر منه قوله قدّس سرّه في الشبهة الوجوبية: (إن قوله «اقض ما فات» يوجب العلم التفصيلي بوجوب قضاء ما علم فوته و هو الأقل، و لا يدلّ أصلا على وجوب ما شكّ في فوته. ثم قال: فالأمر بقضاء ما فات واقعا لا يقتضي إلّا وجوب المعلوم فواته إلخ).
4- فقد صرّح قدّس سرّه في أوائل مبحث القطع من فرائده بأنّ أحكام الخمر إنما تثبت للخمر لا لما علم أنّه خمر، و قال قدّس سرّه بعد ذلك في مطاوي كلماته: (بناء على أن الحرمة و النجاسة الواقعيتين إنما تعرضان مواردهما بشرط العلم لا في نفس الأمر- كما هو قول بعض-).

ص: 253

أوضحناه (1).

فهذا (2) هو محصّل الفارق بين ما يلحقه شرطيّة أخرى انحلالية من ناحية تعلّقه بالموضوع الخارجيّ، و يكون كالجزء الأخير من شرائط التكليف (3)- كما هو مرجع هذا القسم الأخير- و ما ينتفي ذلك فيه- كما في بقيّة الأقسام-، و تحصّل منه (4) أنّ مرجع كلّ ممّا أخذ شرطا للتكليف أو موضوعا له على نهج القضايا الحقيقيّة إلى الآخر، لما عرفت من أنّ عقد الوضع في تلك القضايا


1- من أنّ فعلية التكليف الواقعي تدور مدار تحقّق موضوعه واقعا- علم به أم لا- و تنجزه يدور- بعد العلم بالكبرى- مدار العلم بتحقق الموضوع، فإذا شك في تحققه كان شكا في التكليف مجرى للبراءة. إذن فتنجزه هو المختص بالمصاديق المعلومة دون أصل فعليته.
2- أشار قدّس سرّه بلفظ الإشارة هذا إلى ما استوفى بحثه و أكمل أشواطه بما لا مزيد عليه من بيان الفارق المنظور بين القسم الرابع و سائر الأقسام، و هو تضمن القسم الرابع شرطية انحلالية ناشئة من تعلّقه بموضوع خارجي ذي أفراد مقدّرة الوجود بلحاظ مطلق وجوده، و عدم تضمن سائر الأقسام لها، لعدم تعلّقها بموضوع كذلك، فهذا الكلام منه قدّس سرّه استنتاج من جميع ما تقدم، و استخلاص منه.
3- قد مرّ الوجه في ذلك عند تعرّضه قدّس سرّه له سابقا.
4- مرجع الضمير بعينه هو المشار إليه باسم الإشارة آنفا.

ص: 254

يتضمّن الاشتراط (1)، و مآل كلّ اشتراط إلى الموضوعية.

و قد تبيّن من ذلك أنّ ضابط رجوع الشبهة المصداقيّة إلى الشكّ في التكليف هو رجوعها إلى الشكّ فيما يستتبع التكليف، و قد عرفت انحصاره (2) بما كان شرطا أو موضوعا له، و ضابط رجوعها إلى الشكّ في الامتثال هو رجوعها إلى الشكّ في تحقق (3) الفعل أو الترك المطالب به بعد العلم بالطلب به- و لو لتردّد موضوعه بين المتباينين، أو محصّله بين الأمرين (4)-، و يلحق الشكّ فيما


1- مرّ شرح هذا و ما بعده سابقا، فلا وجه للإعادة.
2- أي: انحصار ما يستتبع التكليف و يدور فعليّته مداره في الشرط و الموضوع المختلفين اصطلاحا و المتحدين مآلا، و قد تبيّن من التفاصيل المتقدمة حول الأقسام أن الشبهة المصداقية الراجعة إلى الشك في التكليف ناشئة من الشك في حصول الشرط في كل من الأقسام الأربعة، و من الشك في وجود الموضوع في خصوص القسم الرابع، و أنّه في القسم الثالث لمّا كان مرجع الشك في تحقّق موضوعه إلى الشك في القدرة اختصّ إلحاقها بسائر الشرائط في جريان البراءة من دون فحص بما إذا كانت شرعيّة لا مطلقا.
3- فيكون شكا في الامتثال بعد ثبوت التكليف و تنجزه بالعلم به تفصيلا أو إجمالا، و المرجع فيه قاعدة الاشتغال.
4- فإنّ الشك في تحقق المطلوب بعد العلم بطلبه ينشأ تارة من الشك في أصل صدوره من المكلّف، و أخرى من تردّد موضوعه بين المتباينين، كما إذا تردّد الخمر المعلوم بالإجمال بين إنائين، فيشكّ في تحقّق الترك المعلوم طلبه إن لم يتركهما جميعا، و ثالثة من تردّد محصّله بين الأمرين، كما إذا تردّد الوضوء المحصّل للطهارة بين أمرين، و الجامع هو الشك في المسقط الاختياري، و قد تقدّم أن الشبهة المصداقية في بعض صور القسم الأوّل شكّ في المحصّل، و في بعض صور القسم الثاني من قبيل المعلوم بالإجمال المتردّد بين متباينين، و في بعض صوره الآخر من قبيل التردّد بين الأقلّ و الأكثر الراجع إلى الشك في الامتثال، كما تقدم و أشرنا آنفا إلى تفصيل في القسم الثالث، فليراجع.

ص: 255

يوجب السقوط القهريّ (1)- للعجز مثلا، أو الاضطرار، أو الحرج الرافع للتكليف، أو قيام الغير به، أو ذهاب الموضوع، و غير ذلك- بالشكّ في المسقط الاختياريّ (2) في عدم جواز القناعة


1- بأن يشك في تحقّق أحد المسقطات القهرية و عدمه.
2- فإن قلت: الإلحاق إنما يتم فيما إذا شكّ في طروّ المسقط القهريّ بعد ثبوت التكليف، أما إذا شكّ في وجوده من حين توجه التكليف إليه كما إذا احتمل حرجية الصوم عليه من قبل حلول شهر رمضان- مثلا- فهو من الشك في ثبوت التكليف لا في سقوطه، و المرجع فيه البراءة، إذ لا فرق في ذلك بين ما كان ناشئا من الشك في تحقق موضوع التكليف أو شرطه أو من الشك في وجود المانع عن فعليته- كما في المقام. قلت:- مع الغضّ عن جريان الأصل الموضوعي- استصحاب عدم المانع- في كثير من موارده- فالشك في طروّه إنّما يستتبع الشك في توجّه الخطاب، لا في فعلية الملاك، فحكمه حكم الشك في القدرة العقلية، و قد تقدّم أنّ العلم بإطلاق الملاك الفعلي في موارد الشك في القدرة العقلية يلازم العلم بعدم المعذورية على فرض المقدورية الواقعية، و منه يظهر اختصاص العجز المعدود في المتن من المسقطات القهرية بالعجز المقابل للقدرة العقلية دون الشرعية.

ص: 256

باحتماله (1)، و إن اختلفت النتيجة (2) في وجوب الفحص أو الاحتياط أو التخيير بينهما- كما لا يخفى.

و إذ لا خفاء في صلاحية القيود (3) أيضا للانقسام إلى الأقسام


1- إذ لا يكفي احتمال طروّ المسقط في الاندراج في مجاري البراءة اختياريا كان أم قهريا.
2- يعني أن المسقطات و إن شارك بعضها بعضا في عدم جواز القناعة باحتمالها لكن النتيجة بحسب الموارد مختلفة، فقد تكون النتيجة تعيّن الفحص كما في الشك في العجز، و الاضطرار، و ذهاب الموضوع، و أخرى التخيير بينه و بين الاحتياط كما في موارد العلم الإجمالي، و الشك في المحصل، و الحرج، و قيام الغير، و ثالثة تعيّن الاحتياط كما في الموارد المذكورة إذا تعذر الفحص. و قد سبق منه قدّس سرّه في ذيل البحث عن شرطية القدرة تصريحه بأنّ المناط المطّرد في جميع موارد وجوب الفحص أو الاحتياط هو ثبوت عدم المعذورية على تقدير المصادفة الواقعية، فليراجع.
3- بعد ما فرغ قدّس سرّه من البحث عن تصوير الأقسام الأربعة في التكاليف النفسية، و بيان الضابط لتنجز كلّ منها، و الشبهات المصداقية المتصوّرة فيه، تطرّق إلى البحث عمّا هو المعقود له هذه الرسالة و المقصود فيها بالأصالة، و هي التكاليف الشرطية من القيود الوجودية- الواجب الشرطي- و العدمية- الحرام الشرطي- التي تقيّد بها المطلوبات النفسية، فادّعى وضوح صلاحيّتها للانقسام إلى الأقسام الأربعة، نظرا إلى وضوح أنّ كلّ ما يصلح لأن يتعلّق به التكليف النفسي بأيّ من أقسامه صالح لأن يؤخذ قيدا و متعلقا للتكليف الشرطي وجودا أو عدما كاستقبال القبلة و هو من القسم الثاني- المأخوذ قيدا في الصلاة، و كالوضوء بالماء- و هو من القسم الثالث- المأخوذ كذلك، و هكذا.

ص: 257

الأربعة المذكورة كالنفسيّات، و كون القيديّة من حيث نفسها قابلة للإطلاق تارة و للاشتراط اخرى (1)، فيطّرد فيها ما حرّرناه ضابطا لتنجّز الأقسام، و معيارا لرجوع الشبهة إلى الشكّ في التكليف أو الامتثال، فكلّما كانت القيدية (2)، مشروطة بشرط أو كانت انحلاليّة مترتّبة آحادها (3) على أشخاص موضوعها و شكّ فيها من جهة الشكّ في تحقّق شرطها أو موضوعها فمرجع هذه الشبهة المصداقيّة إلى


1- كما في النفسيات، فالقيدية تارة مطلقة، و أخرى مشروطة بشرط و إن كان لأجل تعلّقها بموضوع ذي أفراد بنحو الانحلال- الذي عرفت أوله إليه-، و نتيجة الفرق بينهما أنّها إذا كانت مشروطة بشرط فيسقط عن القيدية مع انتفاء الشرط- كالطهور المقيّد به الصلاة إذا فرض اشتراط قيديته بالقدرة-، فإنّه لا قيديّة له مع العجز عنه، فتجب الصلاة حينئذ بلا طهور. أمّا إذا كانت مطلقة من هذه الجهة- كما إذا فرض الطهور كذلك- كانت قيديته للصلاة محفوظة في حالتي القدرة عليه و العجز عنه، فمع العجز تسقط الصلاة رأسا للعجز عنها، فإنّ العجز عن القيد عجز عن المقيّد.
2- بيان لما هو الضابط الكلّي الإجمالي لرجوع الشبهة إلى الشك في التكليف أو الامتثال بالنسبة إلى القيود.
3- أي: مشروطة آحاد تلك القيديّة المنحلّة إليها بوجود الأشخاص، و ستعرف اختصاص ذلك بالقيود العدمية، و هذا إشارة إلى ما تقدّم من رجوع الموضوعية في القضايا الحقيقيّة الانحلاليّة إلى الشرطيّة.

ص: 258

الشكّ في تقيّد المطلوب بقيد زائد (1)، و يتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقلّ و الأكثر، و فيما عدا ذلك (2) يرجع الشبهة المصداقية إلى الشكّ في تحقق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به.

و إذ قد تمهّد ذلك فلا يخفى أنّ (3) القيود الوجودية لكونها راجعة بأسرها إلى أحد الأقسام الثلاثة الأول (4)، و لا مجال لأن تكون


1- لأنّ الشك في تحقّق شرط القيدية أو موضوعها- شبهة مصداقية- يستتبع الشك في القيدية نفسها، حذو ما تقدّم من أن الشك في تحقّق شرط التكليف أو موضوعه يستتبع الشك في التكليف، إذن فيشك في تقيّد المطلوب النفسي بهذا القيد زائدا على القيود المعلومة، فيكون من تردّد متعلق التكليف بين الأقل و الأكثر الارتباطيّين الناشئ من شبهة مصداقية.
2- و هي القيود المتنجّزة المعلومة قيديّتها كبرى و صغرى كالقيود المطلقة و المشروطة بشرط معلوم التحقّق و المتعلّقة بموضوع معلوم الوجود، فإذا شك في شي ء منها مصداقا كان من الشك في الامتثال، و مرجعه هنا إلى الشك في تحقّق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به، حذو رجوعه في التكاليف النفسية إلى الشك في تحقّق الفعل أو الترك المعلوم طلبه.
3- تفصيل للضابط الإجمالي المتقدم، و تطبيق له على الأقسام الأربعة بالنسبة إلى كلّ من القيود الوجودية و العدمية.
4- و ليمثّل من قيود الصلاة الوجودية للقسم الأوّل بشرطية الطمأنينة لأفعالها، و القيام للقراءة، و الجلوس للتشهّد و السلام، و للقسم الثاني بشرطية الوقت، و استقبال القبلة، و ستر العورة، و طهارة البدن و اللباس، و للقسم الثالث بشرطيّة الطهور بالماء أو التراب، و شرطية كون الساتر لباسا.

ص: 259

انحلاليّة (1)، و إلّا تعذّر امتثالها (2)، فمرجع شبهاتها المصداقية (3) عند إطلاق التقييد بها (4) إلى الشكّ في الامتثال، و لو كان مشروطا بما


1- يعني أنّه إذا كان القيد الوجودي متعلقا بموضوع ذي أفراد- كالمثالين الأخيرين الآنفين- فلا مجال إلّا لأن يؤخذ بلحاظ صرف وجوده على نحو القسم الثالث، لا انحلاليا و بلحاظ مطلق وجوده على نحو القسم الرابع.
2- فإنّ مقتضى الانحلال تقيّد المطلوب بالقيد المتعلق بالموضوع بلحاظ جميع أفراده، و هذا في الوجودي- مضافا إلى أنّه لا يقتضيه الملاك- خارج عن قدرة المكلف، و كيف يمكنه الوضوء- مثلا- بجميع ما يجوز له التصرف فيه من المياه، أو الستر بجميع ما يملكه من الملابس، و لا يلزم مثل ذلك في الواجبات النفسية كوجوب الوفاء بالعقد، و وجوب ردّ السلام، و نظائرهما- كما هو واضح بالتأمل.
3- يعني أنّه إذ ثبت انحصار ما يتصوّر من القيود الوجودية في الأقسام الثلاثة الأول فلا يتصور فيها شبهة مصداقية ناشئة من الشك في تحقق موضوعها، بخلاف القيود العدمية- كما ستعرف-، إذن فينحصر شبهاتها المصداقية في صورتين: ما إذا كانت القيدية مطلقة و شك في تحقّق القيد لدى الامتثال، فيرجع إلى الشك في الامتثال، و ما إذا كانت مشروطة و شك في تحقّق شرطها خارجا، فإنه يستتبع الشك في تقيّد المطلوب بقيد زائد، و يندرج في تردّد متعلق التكليف من جهة الشبهة الخارجية بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.
4- هذه هي الصورة الأولى الآنفة الذكر.

ص: 260

يشكّ في تحقّقه (1)- كما لو تردّدت المرأة في وجوب ستر رأسها في الصلاة (2) من جهة الشكّ في حريّة نفسها و لم يكن في البين ما يحرز إحدى الحالتين (3)، و نحو ذلك- كان من تردّد الواجب من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ و الأكثر.

و أمّا القيود العدميّة فحال ما كان راجعا منها إلى أحد القسمين الأوّلين (4) هو بعينه حال القيود الوجودية فيما ذكر (5)- على كلام فيما يرجع منها إلى القسم الثاني إذا شكّ فيه من جهة الشكّ في سعة موضوعه كما تقدّم (6)-، و يأتي مزيد توضيح له في تنبيهات


1- و هي الصورة الثانية.
2- فإنّ الواجب عليها الصلاة المقيّدة بستر الرأس إن كانت حرّة، فإذا شكّت في حرية نفسها فمرجعه إلى الشك في تقيّد صلاتها بهذا القيد- زائدا على القيود المعلومة. هذا، و لا يخفى أن الشبهة المبحوث عنها تكون من هذا القبيل بناء على القول بشرطية المأكولية و اختصاص هذه الشرطية بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان، و سيأتي ذكره في أواخر البحث الصغرويّ الآتي.
3- الحريّة و الرقيّة من استصحاب و نحوه.
4- و يمكن أن يمثّل للقسم الأوّل في الصلاة بترك التكلم و القهقهة و البكاء فيها، و للقسم الثاني بترك الالتفات عن القبلة أثناءها.
5- و هو ما ذكر آنفا من الصورتين للشبهة المصداقية للقيود الوجودية.
6- تقدم عند البحث عند الأقسام الأربعة أنّه في القسم الثاني قد يشك في مقدار الموضوع الخارجي الذي تعلّق به متعلق التكليف سعة و ضيقا كالموقف في عرفات و المشعر الحرام إذا تردّد بين الأقل و الأكثر، و قد تقدّم منه قدّس سرّه تحقيق الحال فيه، و أن المتجه التفصيل في رجوع هذه الشبهة إلى الشك في الامتثال أو التكليف بين الوجوبية و التحريمية.

ص: 261

الرسالة (1) (إن شاء اللّه تعالى)، و قد تبيّن حال ما يرجع منها إلى القسم الثالث أيضا ممّا تقدّم (2).

و إنّما الكلام فيما (3) إذا كان العنوان المأخوذ عدمه قيدا للمطلوب- كالوقوع في غير المأكول و نحوه (4)- ممّا يتعلّق (5) بموضوع خارجيّ يتوقّف تحقّق المطلوب على انتفاء مجموع وجوداته، و البحث فيه يقع:

تارة في الصغرى، و أنّ القيد العدميّ المنتزعة عنه مانعيّة هذه


1- و ذلك في التنبيه الثالث منها.
2- تقدّم منه قدّس سرّه عند تصوير الأقسام أن القسم الثالث غير متصوّر في التكاليف العدمية، إذ لا يعقل أخذ موضوع التكليف العدمي بلحاظ صرف وجوده، بل يتعيّن أخذه بلحاظ مطلق وجوده، و قد مرّ وجهه هناك، و لا يخفى اطراد مناطه في التكاليف العدميّة القيديّة و عدم اختصاصه بالنفسيات.
3- و هذا هو القسم الرابع من القيود، و قد عرفت اختصاصه بالعدميّة، و لا يخفى أن اندراج هذه الموارد في القسم الرابع مبنيّ على ثبوت الانحلال فيها صغرويا، و هو ما يتكفّله المبحث الأوّل الآتي.
4- كالميتة و النجس و الحرير و الذهب.
5- المراد بالموصول هو العنوان الذي قيّد المطلوب بعدمه كالوقوع- أي وقوع الصلاة- المتعلق بغير المأكول و نحوه.

ص: 262

الأمور (1) هل هو (2) من الانحلاليّات المتعدّدة بتعدّد أشخاص موضوعاتها، فيترتّب على مصداقيّة كلّ واحد من مصاديقه الخارجيّة تقيّد الصلاة بعدم وقوعها فيه، و يرجع الشكّ في المصداقيّة إلى الشكّ في القيديّة المترتبة عليها- لا محالة-، و يؤول الأمر حينئذ إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقلّ و الأكثر، أو أنّها إنّما تنتزع عن قيديّة عنوان بسيط، و نعت عدميّ مساوق لمحمول المعدولة (3)، و يجري ذلك العنوان مجرى المسبّبات التوليديّة المقدورة بتوسّط أسبابها، و التحرّز عن مجموع وجودات الموضوع مجرى محصّلاتها، فيكون ما قيّد المطلوب به عنوانا بسيطا لا تعلّق له بالموضوع الخارجيّ أصلا (4)، و لا يتعدّد


1- و هي غير المأكول و نحوه، فإنّ مانعيّتها منتزعة من تقيّد الصلاة بعدم الوقوع فيها.
2- مرّ توضيح هذين الوجهين في المقدمة الاولى من مقدّمتي المقام الأوّل المعقود لتنقيح رجوع الشبهة المصداقية فيما نحن بصدده إلى التردّد بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و اندراجها في مجاري البراءة.
3- و هو الذي أخذ حرف النفي جزءا لموضوعه أو لمحموله أو لهما، نحو: زيد لا شارب أو غير شارب الخمر، فيصبح نعتا عدميا بسيطا منتزعا من تركه شرب جميع الأفراد، متحصّلا منها، و يمكن التعبير عنه في المقام بمثل قولنا: صلّ صلاة غير واقعة في غير المأكول، أو صلّ و أنت غير لابس أو غير حامل لغير المأكول و نحو ذلك.
4- فإنّ النعت المذكور عنوان انتزاعيّ عقليّ و مفهوم ذهنيّ لا تحقّق له إلّا في وعاء الذهن، و مثله لا يمكن تعلّقه بموضوع خارج عن وعائه، و لا تعدّده بتعدّد محصّله و منشأ انتزاعه في الخارج عن هذا الوعاء، و لا ينافي ذلك ذكر متعلق له في العبارة الحاكية عنه- كالخمر في المثال-، فإنّه إنما يذكر لبيان حدود ذلك العنوان البسيط و خصوصياته.

ص: 263

بتعدّد وجوداته، و ما يقبل التعدّد بذلك و يتردّد من جهة الشبهة المصداقيّة بين الأقل و الأكثر هو محصّله الخارجيّ الذي بمعزل عن جريان البراءة فيه.

و أخرى في الكبرى، و أنّه لو ترتّبت قيديّة قيد (1) على موضوع خارجيّ لمكان الاشتراط أو الموضوعيّة (2)، و قد شكّ فيها من جهة الشكّ في موضوعها، و تردّد متعلّق التكليف من هذه الجهة بين الأقلّ و الأكثر فهل تقصر أدلّة البراءة بعد الفراغ عن جريانها في الارتباطيات عن شمولها للمقام، أو أنّه- بعد الفراغ عن عدم كون الارتباطيّة (3) موجبة لتنجّز ما ليس بمتنجّز مع الغضّ عنها- فحال الشبهات الموضوعية في الارتباطيات كحالها في النفسيات، و كما


1- يعني: لو ثبت بحسب الصغرى كون القيد العدمي في محل البحث انحلاليا بتعدّد بتعدّد أشخاص موضوعه، و يترتّب على وجود كلّ منها قيديّته للمطلوب، لا عنوانا بسيطا وحدانيا، فيقع الكلام في الكبرى، و أن كلّ ما هو كذلك إذا شكّ في قيديّته من جهة الشك في تحقق موضوعه فهل تشملها أدلة البراءة كما تشمل الشك في النفسيات من جهة الشبهة الموضوعية، أو أنها قاصرة الشمول لها.
2- أمّا الموضوعية فحقيقة، و أمّا الاشتراط فمآلا- كما تقدم.
3- مرّ تفصيله في المقدمة الاولى من مقدّمتي المقام الأوّل.

ص: 264

لم يكن دليل البراءة قاصرا عن الشمول لها فكذلك المقام أيضا- حذو النعل بالنعل. و إذ قد عرفت ذلك فينبغي أن نحرّر كلّا من الأمرين في مبحث برأسه:

[المبحث الأوّل:- في تنقيح الصغرى و هي تعريف المانع و أقسامه]

المبحث الأوّل و ينبغي تقديم أمور:

الأوّل: أنّهم عرّفوا المانع بأنّه الأمر الوجوديّ المتوقّف وجود المعلول على عدمه، و قد تقدّم بعض الكلام في توضيح هذا التوقف (1)، و هذا التعريف يعمّ المانع الشرعي أيضا كالعقلي، لما عرفت أنّ مانعيّته عن الملاك تكوينيّة (2)- حذو سائر الموانع التكوينيّة- من غير فرق بين باب الأسباب و متعلقات التكاليف، لتقيّده (3) بعدم ما يخرجه عن الانطباق على ملاكه، و تنتزع مانعيّته


1- تقدّم ذلك في أوائل الأمر الثالث المعقود لإثبات المانعية فيما نحن فيه و نفي الشرطية، و أفاد قدّس سرّه هناك أن مناط مانعيّة المانع هو دفعه لتأثير المقتضي في المعلول، و أنّه بهذا الاعتبار عدّ عدم المانع من أجزاء العلة.
2- عرفت ذلك في الموضع الآنف الذكر، حيث أفاد قدّس سرّه أن مانعية المانع- حذو شرطية الشرط- و إن كانت منتزعة عن تقييد متعلق الحكم أو موضوعه بعدمه، لكن لمّا كان دخله في ملاك الحكم- على مذهب العدلية- ناشئا عن توقّفه على عدمه- توقّف كلّ معلول تكويني على عدم مانعه- فبهذا الاعتبار يكون مرجع المانع التشريعي إلى المانع التكويني، و يحكم عليه بأحكامه.
3- أي تقيّد متعلّق الحكم أو موضوعه بعدم المانع المخرج له عن الانطباق على ملاكه، و تنتزع مانعيته عن هذا التقيّد.

ص: 265

عن ذلك، لكنّه في أبواب الأسباب (1) يوجب انتفاء المسبّب الشرعي الذي قيّد سببه بعدم تلك الخصوصيّة، و في متعلقات التكاليف يوجب خروج الفرد المتخصّص بها عن الانطباق على المطلوب، و يعبّر عنه (2) بالفساد- كما تقدّم (3).

الثاني: لو تركّب متعلّق التكليف- كالصلاة مثلا- من أجزاء و قيود وجوديّة و عدميّة فتركيب أجزائه، ثمّ (4) تقييدها بالقيود الوجوديّة، ثمّ العدميّة و إن كان متقدّما في الرتبة (5) على تعلّق الطلب به- لا محالة-، لكن حيث إنّه مجرّد اعتبار تصوّري في تلك الرتبة (6)، و لا يوجد مجعول شرعيّ (7) بذلك إلّا بعد تعلّق الطلب به،


1- المراد بها أبواب الموضوعات الشرعيّة المعلّقة عليها الأحكام الوضعية و التكليفية.
2- أي: عن خروج الفرد عن الانطباق على المطلوب.
3- تقدّم ذكر معنى الفساد في الأمر الثالث- المعقود لإثبات المانعية- لدى التكلم عن مقام الإثبات.
4- دلّ قدّس سرّه بالعطف ب (ثمّ) على أن هناك ترتيبا بين الأمور الثلاثة في التصوّر و اللحاظ، فإنّ تقييد شي ء بشي ء متأخر رتبة عن لحاظ ذات المقيّد- بما له من الأجزاء-، كما أن التقييد بالعدم متأخر كذلك عن التقييد بالوجود، لأن الأوّل ينتزع عنه المانعية، و الثاني الشرطية، و قد سبق تأخّر رتبة المانع عن الشرط.
5- لتقدّم الموضوع على الحكم رتبة.
6- و هي الرتبة المتقدمة على تعلق الطلب به.
7- هذا الكلام و كذا ما يأتي منه قدّس سرّه من قوله: (و قد اتضح فساد القول بجعل الماهيات مطلقا) تصريح منه قدّس سرّه بنفي كون الماهيات المخترعة و المركبات الاعتبارية الشرعية مجعولات شرعية مطلقا، فضلا عن كونها من مقولة الأحكام، خلافا لما هو ظاهر الشهيد قدّس سرّه في قواعده، حيث عبّر عنها بالماهيات الجعليّة. و عليه فما قد ينسب إلى المصنف قدّس سرّه- من ذهابه إلى جعلها، و عدّها قسما ثالثا للمجعولات في قبال الأحكام الوضعية و التكليفية- في غير محله. و محصّل ما أفاده قدّس سرّه هنا أنه ليس هناك قبل رتبة الطلب جعل شرعي متعلق بالمركب، و تركيب و تقييد تشريعيان بل مجرد تصوّر للمتعلق بأجزائه و قيوده، و اعتبار لوحدته، نعم إذا تعلّق به الطلب انتزعت الجزئية و الشرطية و المانعية من التعلّق المذكور، و تعدّ هذه الثلاثة مجعولات انتزاعية، لانتزاعها من المجعول المتأصّل- أعني التكليف المتعلق بالمركب- لكن كونها كذلك لا يقتضي كون التركيب و التقييد مجعولين حتى انتزاعا- كما يظهر بالتأمّل.

ص: 266

فمن هنا (1) كانت الجزئية و الشرطيّة و المانعيّة منتزعة في متعلّقات التكاليف عن تعلّق التكليف بها، و في أبواب الأسباب عن جعل المسبّبات الشرعيّة الوضعيّة أو التكليفية على تقديرها (2)، و تنتزع


1- يعني: من تعلق الطلب بالمركب الذي لوحظ له أجزاء و قيود وجودية و عدمية في رتبة متقدمة تنتزع الأمور الثلاثة.
2- أي: و تنتزع الأمور الثلاثة في أبواب الموضوعات- التي أخذت مقدّرة الوجود و جعلت عليها الأحكام الوضعية و التكليفية- من جعل تلك الأحكام على تقدير تحقّق تلك الموضوعات، فتنتزع من الجعل المزبور الجزئية لأجزاء الموضوع، و الشرطية و المانعية لقيوده- كما في أجزاء المتعلق و قيوده-، كما و تنتزع منه السببية للموضوع برمّته، هذا. و لعلّ في عطفه قدّس سرّه انتزاع الثلاثة في أبواب الأسباب على انتزاعها في أبواب المتعلقات- مع اختصاص البحث في المقام بالمتعلقات و كيفية تركيبها و تقييدها- إشارة إلى أن شأن التركيب و التقييد في المتعلقات شأنهما في الأسباب، فكما لا مجال لدعوى الجعل في هذه فكذلك في تلك، و انتزاع الثلاثة من جعل التكليف أو الوضع أمر آخر.

ص: 267

سببيّة تلك الأسباب لمسبّباتها أيضا (1) عن ذلك، و قد اتضح فساد القول بجعل الماهيّات مطلقا (2)، و كذلك القول بتأصّل السببيّة و أخواتها الثلاث (3) المذكورة في الجعل (4) أيضا من ذلك، و انقدح أيضا.

الثالث: لو كان لمتعلّق التكليف تعلّق بموضوع خارجيّ- كما هو المفروض في محلّ البحث- فقد تقدّم (5) أنّ الإضافة اللاحقة


1- أي: تنتزع السببية عن ذلك كما تنتزع عنه الجزئية للسبب و الشرطية و المانعية له.
2- أي: لا جعلا متأصّلا، و لا انتزاعيا- حسبما مرّ وجهه.
3- الموجود في الطبعة الاولى (الثلاثة) و الصحيح ما أثبتناه.
4- الظرف متعلق ب (تأصّل)، هذا، و ليس في كلامه قدّس سرّه ما يتّضح منه فساد القول بتأصل السببية في الجعل، بل مجرد دعوى انتزاعيتها، لكنّه مقرّر في الأصول، و قد برهن قدّس سرّه هناك على امتناع جعل السببية مطلقا تكوينا و تشريعا أصالة و تبعا، و كونها منتزعة من ذات السبب في التكوينيات- و السببية فيها حقيقية-، و من ترتب الحكم على موضوعه في التشريعيات- و السببية فيها مجازية. (راجع أجود التقريرات 2: 384).
5- تقدّم ذلك في أواخر الأمر الثالث تحت عنوان (بقي هنا شي ء)، فقد أفاد قدّس سرّه هناك ردّا على من تشبّث بشرطية المأكولية بدعوى كون (ما لا يؤكل) عنوانا عدميا غير صالح للمانعية، فلا بدّ من رجوعه إلى شرطية المأكولية، أنّه- مضافا إلى أن العنوان المذكور وجوديّ لانتزاعه من حرمة الأكل فاللامأكولية أو حرمة الأكل عنوان لاحق للحيوان، و لا مساس له بالصلاة، فلا يعقل تقييدها بعدمه، و الذي يصلح لأن تقيّد به هي الإضافة اللاحقة للصلاة باعتبار وقوعها في غير المأكول، و هذه الإضافة أمر وجوديّ، فتقيّد الصلاة بعدمها، و تنتزع منه مانعيتها.

ص: 268

للصلاة- من جهة وقوعها في غير المأكول مثلا أو الحرير أو الذهب أو غير ذلك- هي الصالحة لأن يؤخذ عدمها قيدا للمطلوب، و أمّا نفس حرمة أكل الحيوان- مثلا- فهي أجنبيّة (1) عن الصلاة، و ظاهر أنّها بمعزل عن هذه الصلاحيّة.

و إذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ قيديّة عدمها يتصوّر ثبوتها على وجوه: إذ يمكن أن يكون القيد نعتا عدميّا مساوقا لمحمول المعدولة (2)، و التقييد به راجعا إلى اعتبار أن تكون الصلاة واجدة لهذا النعت (3)، فيرجع الأمر حينئذ إلى باب العنوان و المحصّل- كما تقدّم-، و يمكن أن يكون من باب السلب المحصّل (4)، و يرجع


1- الموجود في الطبعة الاولى (أجنبي) و الصحيح ما أثبتناه.
2- مرّ شرحه قريبا.
3- كنعت (اللاواقعة في المأكول).
4- دون الإيجاب المعدول المحمول، و ذلك نحو (صلّ و لا تكن صلاتك في غير المأكول) ممّا يدل على اعتبار عدم تخصّص الصلاة بوقوعها في غير المأكول من دون اعتبار اتّصافها بالنعت العدمي المتقدّم.

ص: 269

التقييد إلى اعتبار عدم التخصّص بتلك الخصوصيّة الوجوديّة، من دون أن يكون للنعت العدمي دخل فيه، فيكون هو حينئذ ملازما لتحقّق القيد، لا قيدا بنفسه (1). و على هذا التقدير أيضا فيمكن أن يكون نفس السلب الكلّي- بوحدته الشاملة لمجموع وجودات الموضوع- قيدا واحدا (2)، كما يمكن أن يكون منحلّا و القيد آحاده (3).


1- أي يكون النعت العدمي ملازما لتحقق قيد (عدم الوقوع في غير المأكول)، إذ متى لم تقع الصلاة فيه فهي متصفة ب (غير الواقعة فيه)- لا محالة-، و قد تقدّم أن العنوان النعتي مسبب توليدي متحصل من الأعدام الخارجية، و ليس النعت المذكور قيدا بنفسه ليرجع إلى الاحتمال الأوّل.
2- بأن تكون الصلاة مقيدة بعدم الوقوع في مجموع أفراد غير المأكول بنحو العموم المجموعي و ملاحظة العدم أمرا واحدا مضافا إلى مجموع الوجودات، أو ملاحظة مجموع الأعدام أمرا واحدا، و بعبارة أخرى: عدم المجموع أو مجموع الأعدام، و هذا هو الاحتمال الثاني، و مقتضاه أنّه لو جازت الصلاة في فرد منها لاضطرار- مثلا- فلا مانعية بالنسبة إلى سائر الأفراد.
3- بأن تكون مقيّدة بعدم الوقوع في كلّ فرد- على نحو الانحلال-، فيكون عدم كل فرد قيدا بنفسه، فيتعدّد القيد بتعدّد الأفراد، و هذا هو الاحتمال الثالث، و مقتضاه عدم سقوط القيديّة عن الباقي إذا سقطت عن البعض لاضطرار و نحوه.

ص: 270

و لا يخفى أنّ الاحتمالات الثلاثة المذكورة تتطرّق في النواهي النفسية أيضا حذو المقام بعينه، و كما أنّ (1) ظهور النهي عن شرب الخمر- مثلا- في مبغوضيّة متعلّقه (2) و استنادها إلى اشتمال موضوعه على مفسدة مقتضية للزجر عن ذلك المبغوض يضادّ مطلوبيّة العنوان العدمي من حيث نفسه، و يدفع الاحتمال الأوّل، و ظهور ما أخذ عنوانا لموضوعه- و هو الخمر في المثال- في الطبيعة المرسلة (3) المنطبقة على كلّ مصداق يكشف عن اشتمال


1- بيان لمرحلة الإثبات، و تقريب لاستظهار الاحتمال الثالث من النواهي النفسية دون الاحتمالين الأولين.
2- فإنّ ظاهر النهي عن شي ء مبغوضية ذلك الشي ء و كونه بنفسه مشتملا على المفسدة، لا محبوبية اتصاف المكلّف بكونه تاركا لذلك الشي ء و كون الاتصاف المذكور ذا مصلحة، فلا دلالة لمثل (لا تشرب الخمر) على مطلوبية كونه لا شارب الخمر بوجه، و إنما يدلّ عليها مثل (كن لا شارب الخمر).
3- فإنّ الخمر اسم جنس مطلق غير مقيد بقيد، و مفاده الطبيعة المطلقة السارية في جميع مصاديقه و المنطبقة على كل منها، فكلّ مصداق وجود للطبيعة مشتمل على المفسدة المقتضية للنهي، فيكون النهي زجرا عن شرب كلّ منها بنحو الانحلال، فلكلّ فرد امتثال و عصيان مستقلان، و أمّا لحاظ جميع وجودات الطبيعة أمرا واحدا و الزجر عن شربها بهذا اللحاظ- ليكون المطلوب السلب الكلّي كما في باب النذر، و يتحقق عصيانه بفعل أول وجوداته، فلا إطاعة و لا عصيان بعده- فهو خلاف الظاهر، لأنّه عناية زائدة لا تكاد تؤدّيها العبارة، و لا يصار إليها إلّا بدليل.

ص: 271

كلّ واحد من مصاديقه على تلك المفسدة، و يدفع الاحتمال الثاني، و يتمّ الانحلال المتقدم توضيحه بذلك، ففي المقام أيضا يطّرد جميع ذلك، إذ بعد ما عرفت (1) من استناد المانعيّة و منشأ انتزاعها إلى عدم صلاحيّة غير المأكول و أشباهه لوقوع الصلاة فيه بعنوانه (2) المرسل المنطبق على آحاد مصاديقه، فأيّ فرق يعقل بين موضوعيّته لتقييد الصلاة بعدم وقوعها فيه، و موضوعية الخمر لحرمة شربه؟ و هل بين تعلّق الطلب النفسي المولويّ بعدم الخصوصيّة (3) الوجودية المانعة و تعلّقه بالعنوان المحرّم النفسي


1- بيان لوجه الاطراد، و وحدة الحكم في المقامين، و عدم صلاحية الاستقلالية و القيدية للفارقيّة.
2- الضمير راجع إلى غير المأكول، و العبارة تتضمن المقايسة بين المقامين، و أنه كما أن النهي عن شرب الخمر ظاهر في مبغوضية متعلقة و اشتماله بنفسه على المفسدة، لا محبوبية الاتصاف بكونه تاركا له، كذلك تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في غير المأكول ظاهر في عدم صلاحيته بنفسه لوقوعها فيه، لا محبوبية الاتصاف بكونها غير واقعة فيه، و كما أنّ عنوان الخمر ظاهر في الطبيعة المرسلة المنطبقة على كلّ مصداق، و المقتضية للانحلال، كذلك عنوان غير المأكول لعدم الفرق بينهما من الناحيتين.
3- أي: بالصلاة المقيّدة بعدم الخصوصية.

ص: 272

فارق آخر سوى كونه من جهة القيديّة في أحدهما و استقلاليا في الآخر؟ و هل يعقل أن يكون ذلك (1) موجبا لقيديّة العنوان البسيط المساوق لمحمول المعدولة أو مانعا عن الانحلال المتقدّم توضيحه؟

فإن قلت: توهّم كون القيد عنوانا بسيطا مساوقا لمحمول المعدولة و إن كان واضحا فساده، لكنّ انحلال السلب الكلّي في أبواب القيود و قياسه بالنفسيّات في ذلك أيضا (2) ظاهر منعه، لأنّ مناط هذا الانحلال هو اشتمال كلّ واحد من وجودات الموضوع على ملاك حكمه (3)، و هذا في القيود لا سبيل إلى دعواه، إذ مقتضى (4) كون القيد العدمي متوقّفا تحققه على انتفاء ما قيّد


1- المشار إليه هو تعلّق الطلب بعدم الخصوصية المانعة أو جهة القيدية، و المقصود أن القيدية لا تمنع عن الظهورين المتقدمين، لتوجب قيديّة العنوان البسيط، أو تمنع عن الانحلال.
2- أي كما قيس بها في نفي مطلوبية العنوان البسيط.
3- مرّ آنفا ذكر هذا المناط، و مرّ أنّ الكاشف عنه هو ظهور عنوان الموضوع في الطبيعة المرسلة.
4- تعليل لما يدّعيه هذا القائل- من بطلان الانحلال في القيود العدمية، و تعيّن قيديّة السلب الكلي بوحدته الشاملة لجميع الوجودات- من وجهين: أحدهما توقّف تحقق القيد العدمي على انتفاء جميع الوجودات، فتبطل الصلاة بأحد تلك الوجودات. و الثاني استناد فساد الصلاة عند تقارن الوجودات إلى القدر المشترك، و عند تعاقبها إلى السابق منها، بدعوى أنّ ما ينتقض بأحد الوجودات و يستند انتقاضه- مع التعدد- إلى السابق منها، أو القدر المشترك، و يلغو غيره إنما هو السلب الكلّي الوحداني دون آحاده المنحلّ إليها، فيكون هو القيد دونها، و مقتضاه قيام المانعية بصرف الوجود الحاصل بأوّل الوجودات، فلا مانعية لغيره.

ص: 273

المطلوب بعدمه كليّا (1)، و استناد الفساد عند اجتماع عدّة من الوجودات إلى القدر المشترك بينها، و مع التعاقب إلى خصوص السابق منها و لغويّة اللاحق هو قيام ملاك المانعيّة بصرف وجود الموضوع بالمعنى المنطبق على السلب الكلّي (2)، و يكون هو القيد بنفسه دون آحاده، و التحرّز عن مجموع الوجودات محصّلا له (3)، و يرجع الأمر في موارد الشبهة إلى تردّد المحصّل الخارجيّ دون نفس متعلّق التكليف بين الأمرين (4).

قلت: بعد أن لا سبيل إلى دعوى قصور في أدلّة أبواب


1- أي بجميع وجوداته.
2- يعني لا صرف الوجود بمعناه الآخر الممتنع في التكاليف العدمية، و قد تقدّم منه قدّس سرّه عند ذكر الأقسام الأربعة أن موضوعات التكاليف العدمية بأسرها من قبيل القسم الرابع، و لا يعقل موضوعيّتها بلحاظ صرف الوجود إلّا إذا اعتبر بالمعنى الجامع لجميع الوجودات فيما إذا كان المطلوب نفس السلب الكلي كما في باب النذر.
3- بدعوى أنّه أمر واحد- اعتبارا- متولد من ترك المجموع، و متحصل منه.
4- أي الأقل و الأكثر، و المرجع في مثله الاشتغال.

ص: 274

الموانع- خصوصا ما نحن فيه (1)- عن الدلالة على استقلال كلّ واحد ممّا ينطبق على عناوين موضوعاتها في المانعيّة ملاكا و خطابا، فالخروج عن ذلك يتوقّف على قيام دليل يكون من قبيل القرينة المنفصلة على خلاف ظواهر الأدلّة، و لو قام دليل على أنّ الاضطرار إلى لبس شي ء منها في حال الصلاة يوجب السقوط كليّا- لا متقدّرا بمقداره- كان ذلك كاشفا عمّا ذكر من قيديّة نفس السلب الكلّي، لكن لا عين و لا أثر لهذا الدليل (2)، بل ما دلّ بعمومه على أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها (3)


1- لعلّ العمدة في وجه الخصوصية لما نحن فيه التعبير بأداة العموم في موثقة ابن بكير المتقدمة الدالة بظاهرها على الاستقلالية و الانحلال، و أمّا الوجه العامّ المطرد في جميع أبواب الموانع فهو ما مرّ من ظهور العناوين المأخوذة موضوعا للمانعية في أدلتها- كالحرير و الذهب و نحوهما- في الطبيعة المرسلة المنطبقة على آحاد مصاديقها- حذو ظهور عنوان الخمر المأخوذ موضوعا للنهي النفسي في ذلك.
2- حاصل الكلام أن ظهور أدلة الموانع في نفسها في الانحلاليّة واضح- حسبما مرّ-، و لا مجال لرفع اليد عنه و الحمل على قيدية السلب الكلّي إلّا بدليل منفصل، كما لو فرض قيام الدليل على أن الاضطرار إلى لبس شي ء منها حال الصلاة يوجب السقوط بالمرّة لا بمقداره، لكن لا دليل من هذا القبيل، بل الدليل على خلافه موجود.
3- هذه قاعدة فقهية متصيّدة ممّا دلّ على رفع ما اضطرّ إليه، و أن كلّ محرّم شرعي فهو محلل لمن اضطر إليه، بضميمة ما يستفاد منها عرفا من لزوم الاقتصار على أقل ما يرتفع به الاضطرار، إذ لا اضطرار بالنسبة إلى الزائد عليه، و الظاهر أنه ليس هناك عموم يدلّ على القاعدة المذكورة، و إن أوهمه ظاهر المتن، فلاحظ.

ص: 275

قاض بخلافه (1)، و قد تسالموا في المقام و أشباهه أيضا على ذلك (2)، و لا بدعوى قيام دليل آخر على ثبوت تكليف جديد (3) بعد خروج السلب الكلّي بالاضطرار إلى بعض الوجودات عن القيديّة، بل جريا منهم على ما يقتضيه أدلّة المانعيّة (4).

و أمّا ما ذكر موجبا للخروج (5) عن ظواهر الأدلّة و كاشفا عن قيديّة نفس السلب الكلّي فكلّه بمعزل عن ذلك (6):

أمّا التوقف على انتفاء ما قيّد المطلوب بعدمه كليّا فاستناده إلى الارتباطيّة ظاهر (7)، و لذا يطّرد في القيود المتباينة أنواعها


1- أي بخلاف السقوط الكلّي.
2- أي على عدم السقوط الكلي.
3- يعني بالنسبة إلى الباقي.
4- من الانحلال و استقلال كلّ فرد في المانعية، فلا يسقط بالاضطرار عن المانعية سوى المضطر إليه دون غيره.
5- المراد به الوجهان المتقدمان آنفا.
6- أي عن كونه موجبا للخروج المذكور و كاشفا عن القيدية المزبورة.
7- فإنّ مقتضى الارتباطية بين أجزاء المطلوب و قيوده الوجودية و العدمية توقّف صحته على وجدانه لجميع ذلك، فيفسد بفقد واحد منها، و إذ عرفت دلالة أدلة الموانع على الانحلال و تعدّد المانعية بتعدّد وجودات موضوعها و تقيّد الصلاة بعدم كلّ منها، فلا محالة يتوقّف صحتها و انطباقها على المطلوب على عدم الجميع، فتفسد بوقوعها في أحدها كما تفسد بفقدها لأحد أجزائها أو شرائطها. و بالجملة فلا دخل لقيدية السلب الكلي في التوقف المذكور، بل هو من مقتضيات الارتباطية سواء بني على السلب الكلي أو على الانحلال.

ص: 276

أيضا (1)، و يدور مقدار الكليّة المعتبرة من هذه الجهة (2) مدار مقدار القيديّة، و يخرج ما سقطت قيديّته بالاضطرار عن الدائرة، و أين هذا عن قيديّة نفس السلب الكلّي؟ و هل هو إلّا من لوازم الانحلال و الارتباطيّة؟

و أمّا استناد الفساد عند اجتماع عدّة من الوجودات إلى القدر المشترك بينها، و مع التعاقب إلى السابق منها فمنافاته لكون القيديّة انحلاليّة و إن توهّمه غير واحد من أفاضل من عاصرناهم، بل كانوا


1- فإنّه يعتبر انتفاء جميع الأنواع التي قيّد المطلوب بعدمها- كغير المأكول و الذهب و الحرير و نحوها- كلّ بجميع مصاديقه، و يفسد العمل بوقوعه في أحد مصاديق أيّ منها كان من غير فرق، و ليس ذلك إلّا من لوازم الارتباطية، و إلّا فعلى القائل المذكور الالتزام بكشف ذلك عن قيدية سلب كلّيّ واحد شامل للجميع، و لا يظن التزامه به.
2- و هي كليّة اعتبار انتفاء كلّ ما قيّد المطلوب بعدمه، و الحاصل أنّه يدور مقدار هذه الكلّية و سعة دائرتها مدار مقدار القيود العدمية بما لكلّ نوع منها من المصاديق- حسبما يقتضيه الانحلال- فتتسع دائرة تلك الكليّة مهما كثرت القيود، و تتضيّق إذا قلّت، و يكون ما سقط عن القيدية باضطرار و نحوه خارجا عن تلك الدائرة.

ص: 277

في حيص و بيص (1) في جريان البراءة في المقام من ذلك، لكنّه مدفوع:

أوّلا بالنقض بما إذا كانت الوجودات المتقارنة أو المتعاقبة متباينة في أنواعها (2).

و ثانيا بالحلّ، فإنّ المقيّد بعدم الخصوصية المانعة ليس هو الشخص الخارجي كي يكون عدم قابليّته لأن يتعدّد أو يتكرّر فساده (3) موجبا لخروج الأنواع المتباينة- فضلا عن أشخاص نوع واحد- عن المانعيّة المطلقة (4)، و إنّما المقيّد بذلك هو الطبيعة


1- يقال: وقعوا في حيص بيص، أي في اختلاط لا مخلص لهم منه، و الظاهر زيادة الواو الواقعة في المتن بين الكلمتين.
2- كما إذا اجتمع مصداق من غير المأكول مع فرد من الحرير متقارنين أو متعاقبين، فإنّ حديث الاستناد آت فيه أيضا، فلو كان الحديث المزبور كاشفا عن قيدية السلب الكلي لكان كاشفا عن قيدية سلب كلّي واحد شامل لوجودات جميع الأنواع المتباينة- حذو ما مرّ في الوجه الأوّل-، و لا يظنّ أن يقول بها هذا القائل.
3- تعدّد الفساد بالنسبة إلى المتقارنين، و تكرّره بالنسبة إلى المتعاقبين.
4- ليختصّ مانعيتها بصورة عدم سبق غيرها عليها، و يختص استقلالها في المانعية بما إذا لم يقترن بها غيرها. و محصّل المرام أن الوجه المذكور إنما يجدي لإثبات قيديّة السلب الكلي و قيام المانعية بصرف الوجود فيما إذا اعتبر قيدا للشخص الخارجي، فيقال حينئذ: إن عدم قابلية الشخص لأن يعرض عليه الفساد أكثر من مرّة يقتضي أن يستند فساده إلى أسبق وجودات مانعه من أيّ نوع كان، و مع التقارن إلى الجامع بينها، فتختص المانعية بذلك، و يسقط ما سواه عن المانعية، فلا مانعية مطلقة للأنواع فضلا عن أشخاص النوع الواحد.ئلكن لا ريب في عدم رجوع القيد إلى الشخص الموجود لعدم كونه المأمور به بنفسه، كيف و هو مسقط للأمر و الأمر به تحصيل للحاصل، و إنما الأمر متعلق بالطبيعة- كما أوضح في محلّه-، فهي المتقيّدة به، إلّا أنّها لا يتصوّر فيها الفساد ليبحث عن أنّ فسادها مستند إلى الأسبق أو الجامع، و إنما المتصف به هو الشخص الخارجي، و القيد غير راجع إليه، فما يرجع إليه القيد لا موضوع فيه للبحث المذكور، و ما فيه موضوعه لا يرجع إليه القيد. هذا، و ستعرف الآن ما يقتضيه تقيّد الطبيعة بعدم المانع.

ص: 278

المأمور بها، و يدور كون السلب الكلّي قيدا بنفسه أو كونه انحلاليا مدار قيام المنافاة لملاك حسنها (1) بصرف وجود الموضوع، بحيث لو ارتفعت عن شخص ارتفعت كليّا، أو قيامها بأشخاص وجوداته بحيث لا ترتفع عن كلّ واحد منها إلّا بما يوجب ارتفاعها (2) عن شخص نفسه (3)، و ينحصر الكاشف الإنّيّ عن ذلك بكون


1- أي: حسن الطبيعة، و المنافاة لملاك حسنها عبارة أخرى عن المانعية عنها، فإنّ المانع الشرعي- كما سبق- مانع تكوينيّ عن الملاك مناف له ثبوتا.
2- الموجود في الطبعة الاولى (ارتفاعه) و الصحيح ما أثبتناه.
3- يعني: يقتصر في ارتفاع المنافاة على الشخص الذي له موجب لارتفاعها عنه، و لا يتعدّى إلى غيره. و محصّل المقصود أنه لمّا كانت المانعية راجعة إلى الطبيعة المأمور بها دون الشخص فمانعية شي ء عنها ناشئة- لا محالة- عن منافاته لملاك حسنها ثبوتا، فإن كان المنافي له هو صرف وجود المانع بحيث ترتفع منافاة المانع له بالمرّة إذا ارتفعت منافاة مصداق منه له فمقتضاه قيدية السلب الكلّي، و إن كان المنافي له كلّ واحد من آحاد وجوداته، بحيث إذا ارتفعت منافاة بعضها له لموجب مّا بقيت منافاة الباقي له بحاله فمقتضاه قيدية الآحاد بنحو الانحلال، و هذا هو الفارق الثبوتي بينهما. و أما إثباتا فالكاشف الوحيد عمّا ذكر هو ملاحظة كون السقوط بالاضطرار- أو نحوه- إلى البعض كليا، أو متقدرا بمقداره، فإن كان الأوّل انكشف قيدية السلب الكلي، و إن كان الثاني انكشف الانحلال، و إذ تقدّم أن الثاني هو المتعين، للعموم المؤيّد بالتسالم، فيتعيّن الانحلال.

ص: 279

السقوط بالاضطرار إلى البعض كليّا أو متقدّرا بمقداره، و إذ قد عرفت أنّ المتعيّن هو الثاني فاحتمال قيدية السلب ساقط من أصله.

و أمّا فساد الفرد (1) فليس إلّا عبارة أخرى عن خروجه عن الانطباق على الطبيعة المأمور بها، و ظاهر أنه لو تعدّد ما يوجب ذلك (2) كان مستندا إلى الجميع بنسبة واحدة- لا محالة- كما هو


1- غرضه قدّس سرّه من هذا الكلام توضيح أن حديث الاستناد السالف الذكر و إن تمّ في الجملة، لكنّ بينه و بين ما نحن بصدده بعد المشرقين، فهو بمعزل عن صلاحيته لإثبات قيدية السلب الكلّي.
2- أي: ما يوجب الفساد و الخروج عن الانطباق المذكور.

ص: 280

الشأن في أشباهه (1)، و لو سبق فساده لبعض ذلك (2) فهل هو إلّا كالسابق فساده لسبق مانع من نوع آخر؟ و هل اللاحق (3) حينئذ إلّا كالوارد على فعل آخر أجنبيّ عن المأمور به؟ و هل بين عدم التأثير في فساده حينئذ و بين الانحلال و عدمه إلّا بعد المشرقين؟.

و بالجملة فالذي ينافي الانحلال و يكشف عن قيديّة نفس السلب الكلّي هو عدم تأثير المسبوق بمثله (4) للفساد إذا لم يؤثّر السابق في (5) فساده لسقوط القيديّة بالنسبة إليه- كما عند


1- مما اجتمعت فيه علّتان على معلول واحد، فإن المحقّق في محله أن التأثير حينئذ يكون لهما مجتمعتين، أو للقدر المشترك بينهما، لا لكلّ منهما مستقلة.
2- أي لبعض موجبات الفساد.
3- أي الموجب اللاحق، و المقصود أن ورود اللاحق لا يؤثر في فساده شيئا بعد تأثير السابق فيه، فوروده عليه بعد فساده بمنزلة وروده على فعل أجنبيّ عن المأمور به في عدم ترتّب أثر عليه.
4- يعني به اللاحق المسبوق بمماثله في النوع، و هذه عبارة أخرى عمّا تقدم آنفا من أن الذي يكشف عن قيدية السلب الكلي هو كون المانعية بحيث إذا سقطت عن شخص سقطت كليّا، فإن لازم كون المانعية كذلك أنّه إذا لم يؤثّر السابق في الفساد لسقوط القيدية بالنسبة إليه لاضطرار- مثلا- فلا يؤثر اللاحق- المماثل له في النوع- أيضا في الفساد، لسقوط القيدية حينئذ عن نوعه رأسا.
5- كلمة (في) غير موجودة في الطبعة الاولى و قد أضفناها لاقتضاء السياق.

ص: 281

الاضطرار-، لا مع بقاء القيديّة (1) بالنسبة إلى السابق بحالها، و خروج الفرد بسبقه عن الانطباق على المأمور به، و لعلّ أن يكون الخلط بين الصورتين (2) قد أوجب هذا الوهم، فلا تغفل.

ثم لو سلّم (3) عدم قابليّة القيود العدميّة لأن تكون انحلاليّة، و بني على قيديّة نفس السلب الكلّي دون آحاده، فأقصى ما يقتضيه ذلك- بعد أن لا مجال لرفع اليد عن موضوعيّة العنوان الخارجي (4)


1- يعني لا يكشف عن قيدية السلب الكلي تأثير السابق فقط في الفساد و لغويّة اللاحق و خروج الفرد بسبقه عن الانطباق على المأمور به- كما كان يدّعيه القائل المتقدم- لما مرّ من أنه إنما يتمّ لو كان المقيد هو الفرد، و ليس كذلك، بل هو الطبيعة، لأنها المأمور بها.
2- و هما عدم تأثير اللاحق في الفساد إذا لم يؤثر السابق فيه، و عدم تأثير اللاحق في الفساد بعد تأثير السابق فيه، فتدبر و لا تغفل.
3- غرضه قدّس سرّه من هذا التسليم الإنكار على ما رتّبه القائل المتقدم على قيدية السلب الكلي من كون التحرز عن مجموع الوجودات محصّلا له، و رجوع الشبهة الخارجية إلى الشك في المحصّل دون نفس متعلق التكليف، و محصّل الدعوى أنه- بناء عليه- يكون المورد من الشك في متعلق التكليف نفسه و دورانه بين الأقل و الأكثر.
4- كعنوان (محرّم الأكل) الملحوظ مرآة لمصاديقه الخارجية، فإن مقتضى موضوعيته كون ملاك المانعية قائما بتلك الوجودات المنطبق هو عليها، و الصلاة مقيدة بعدم وقوعها في تلك الوجودات. و المراد بهذا الكلام دفع احتمال موضوعية العنوان النعتي البسيط المساوق لمحمول المعدولة، و تقيد الصلاة بكونها واجدة لهذا النعت، و قد تقدم بحثه.

ص: 282

الناشئ ملاك المانعيّة عن وجوداته- هو جريان كلّ واحد منها مجرى الجزء (1) لما قيّد الصلاة بعدم وقوعها فيه، إمّا حقيقة بناء على موضوعية مجموع الوجودات لذلك- كما هو المتعيّن فيما كان من أدلّة المانعيّة بصيغة العموم اللغوي (2) بعد تعذّر الحمل على الاستغراقي كما هو المفروض (3)-، أو حكما بناء على أن يكون الموضوع هو الطبيعة بلحاظ صرف وجودها بمعناه الانبساطي (4)


1- فالصلاة- بناء على ما ذكر- مقيّدة بتقييد وحدانيّ بعدم وقوعها في مجموع تلك الوجودات، فعدم وقوعها في كلّ من آحادها جزء للقيد حقيقة أو حكما- كما ستعرف.
2- كالعموم الواقع في موثقة ابن بكير (كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة فاسدة).
3- فإن المفروض تسليم عدم قابلية القيد للانحلالية، فالعموم الوارد لا بدّ من الخروج عمّا هو ظاهره و الأصل فيه من الاستغراقية، و حمله على المجموعية، و مقتضاه تعلّق الطلب بالصلاة المقيّدة بعدم وقوعها في مجموع وجودات غير المأكول باعتبارها أمرا واحدا، و جزئية كلّ منها للقيد حينئذ تكون حقيقية.
4- هذا المعنى من صرف الوجود تقدّم شرحه لدى التعرض لأقسام التكليف الأربعة حينما أفاد قدّس سرّه أن موضوعات التكاليف العدمية إنما يعقل موضوعيّتها بلحاظ صرف الوجود إذا اعتبر بالمعنى الجامع لجميع الوجودات، و ذلك فيما إذا لم يتمّ الانحلال و كان المطلوب هو السلب الكلي- كما في النذر-، فيراد بالتحرّز عن صرف الوجود ما يلازمه من التحرز عن جميع الوجودات على نحو العموم المجموعي، فإذا ارتكب فردا فقد خالف التكليف، و لا تكليف بعده بالنسبة إلى ما عداه.

ص: 283

الجامع لجميع وجوداتها- و هذا هو المتعيّن في مطلقات الباب بعد تعذّر الحمل على الطبيعة المرسلة (1)-، و يتّحد نتيجة الوجهين (2).

و على كلّ منهما (3) فالخطاب النفسي (4) المترتّب على موضوع كذلك (5) و إن لم يتعدّد بتعدّد وجوداته، لكنّه لمّا كان في مقدار شموله تابعا لسعة وجود موضوعه، و كانت مصداقيّة كلّ مصداق


1- تقدّم أنّ مقتضى الظهور الإطلاقي لعنوان الموضوع في مثل (لا تشرب الخمر)، أو المانع في مثل (لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه) هو الطبيعة المرسلة المنطبقة على كل مصداق على نحو الانحلال، فإن بني على تعذّر الأخذ به في المقام- كما هو المفروض- فيتعيّن حمله على الطبيعة بصرف وجودها بالمعنى المشار إليه آنفا المستلزم للسلب الكلي، و يكون المطلوب هو الصلاة المقيّدة بعدم الوقوع في طبيعيّ غير المأكول بالمعنى المزبور الذي مرجعه إلى مطلوبية عدم وقوعها في جميع وجوداته على نحو العموم المجموعي، و عليه فتصبح جزئية كلّ منها حكمية لا حقيقية.
2- فإن نتيجتهما هي جزئية كلّ واحد من الوجودات، و دخالة عدمه في تحقق القيد العدمي للمطلوب.
3- الموجود في الطبعة الأولى (منها) و الصحيح ما أثبتناه.
4- كما في باب النذر و أخويه، و سيأتي ذكره في كلامه قدّس سرّه.
5- أي على موضوع لوحظ مجموع وجوداته موضوعا واحدا.

ص: 284

موجبا لزيادة في شمول ذلك التكليف (1) فيرجع الشكّ في المصداقيّة إلى الشكّ في تلك الزيادة- لا محالة-، و يتردّد متعلّق التكليف من جهة هذه الشبهة بين الأقل و الأكثر.

و بالجملة فرجوع الشبهات الموضوعيّة في محلّ البحث و أشباهه (2) إلى تردّد نفس متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجية بين الأمرين و إن كان على ما أوضحناه من الانحلاليّة أظهر، لكن لا يدور مدارها، بل يطّرد على تقدير عدمها و قيديّة نفس السلب الكلّي أيضا، و يكون حاله عند قيديّته كحاله عند. مطلوبيّته النفسيّة، كما في باب النذر و أخويه- بناء على ما هو المتسالم عليه عند الأصحاب-، فكما أنّه لو نذر أن لا يشرب ماء دجلة (3)- مثلا- فبمجرّد تعمّد شربه يحنث، و تلزمه كفارة واحدة، و يسقط الخطاب المتوجّه إليه من جهة نذره لانتفاء ما يوجب انحلاله- حذو المحرّمات الذاتية (4)-، لكن لو تردّد ماء خاصّ بين أن يكون من


1- فمهما ازدادت مصاديقه ازداد شمول التكليف و اتسعت دائرته بذلك فتتّسع دائرة متعلقة أيضا- لا محالة-، و مقتضاه أن يستتبع الشك في المصداقية الشك في سعة المتعلق و دورانه بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، فيكون من الشك في التكليف.
2- من القيود العدمية.
3- الموجود في الطبعة الاولى (الدجلة) و الصحيح ما أثبتناه.
4- مثال للمنفي، فإن في المحرّمات الذاتية ما يوجب انحلاله و يقتضيه،و قد تقدم بيانه في أوائل هذا المبحث لدى مقايسة المقام بالنهي عن مثل شرب الخمر، و ليس في باب النذر و أخويه ما يوجبه، بل فيه ما يقضي بخلافه و يقتضي اعتبار السلب الكلي، فإن الظاهر تعلّق غرض الناذر بترك مجموع الوجودات جملة واحدة على نحو الارتباط و إخلاء صفحة الوجود عنها بالمرّة، لا ترك كلّ فرد في نفسه على وجه الاستقلال، فهو نذر واحد غير منحلّ إلى نذور، متعلق بالسلب الكلي، و مقتضاه سقوط خطابه بمجرد ارتكاب فرد منه و إشغال حيّز الوجود به، و تحقق الحنث بذلك، فله ارتكاب سائر الأفراد، و ليس عليه أكثر من كفارة واحدة.

ص: 285

دجلة أو غيرها فمرجع ذلك إلى الشكّ في شمول ذلك التكليف للمشتبه المذكور و عدمه، لا إلى الشكّ في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مقدار شموله، إلّا بإخراج ماء دجلة عن كونه بلحاظ المرآتيّة لما ينطبق عليه موضوعا (1) لهذا الحكم، و إرجاع المكلّف به إلى عنوان بسيط يتحصّل بالتحرّز عن وجودات ماء دجلة، و هو خلاف غرض الناذر، و أجنبيّ عمّا تعلّق به نذره و إن


1- المنصوب خبر ل (كونه)، و محصّل هذا الاستثناء أن لا يكون نذره متعلقا بأن لا يشرب ماء دجلة- على نحو السلب المحصّل و تعلّق ترك الشرب بالوجودات الخارجية للماء-، بل بأن يكون غير شارب له على وجه الإيجاب المعدول المحمول، ليكون المنذور التعنون بهذا العنوان البسيط و الاتصاف به المتحصّل من التحرّز عن جميع وجودات الماء، فإن مرجع الشبهة المصداقية- على هذا- إلى الشك في المحصّل و تردّده بين الأقل و الأكثر دون نفس متعلق التكليف، لكن الفرض المزبور بمنأى عن غرض الناذر و مخالف لظاهر نذره.

ص: 286

كان لازما عقليا للمنذور و مسبّبا توليديا له (1)، فكذلك المقام أيضا لو بني على قيديّة نفس السلب الكلّي و منع عن انحلاله، إذ ليس هو (2) إلّا عبارة عن مجموع الأعدام أو عدم المجموع، فيرجع الأمر في موارد الشبهة إلى تردّد نفس متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ و الأكثر على كلّ تقدير، و لا سبيل إلى إرجاع الأمر إلى باب العنوان و المحصّل إلّا بعزل العنوان الخارجي الناشئ عنه ملاك المانعيّة عن موضوعيّته لهذا الحكم، و إرجاع القيد إلى ما يساوق محمول المعدولة، و قد اتضح أنّه لا مجال لدعواه.

هذا كلّه بناء على ما هو المختار من المانعيّة.

و أمّا على القول بالشرطية فبعد أن قام الإجماع، بل قضت الضرورة بصلاحيّة ما أنبتته الأرض بأنواعه في عرض أجزاء المأكول لوقوع الصلاة فيه، فإن جمع بين الأمرين (3) بتعميم موضوع


1- كما هو شأن العنوان العدمي البسيط- كما مر.
2- أي: ليس السلب الكلّي إلّا مجموع الأعدام باعتبار المجموعة أمرا واحدا مترابطا، أو عدم المجموع باعتبار العدم المضاف إلى مجموع الوجودات عدما واحدا.
3- أي بين الشرطية و بين الإجماع و الضرورة المزبورين، و قد مرّ الكلام حول الجمع بين الأمرين بأحد التكلّفين مع ما في كلّ منهما من وجوه الضعف في أواخر الأمر الثالث. و الغرض هنا بيان حال الشبهة الخارجية و ما هو المرجع فيها على القول بالشرطية بكلّ من التكلّفين. و حاصله أنه إذا التزم بشرطية القدر المشترك بين الحيواني المأكول و النباتي فلا بدّ من إحرازه مطلقا كسائر القيود الوجودية، فالشك في تحققه- لاحتمال كون اللباس متخذا من الحيوان غير المأكول- شك في تحقق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به و هو شكّ في الامتثال و مجرى لقاعدة الاشتغال، و إذا التزم بتخصيص الاشتراط بالمأكولية بما إذا كان اللباس حيوانيا اختص لزوم إحراز هذا القيد بصورة العلم بالحيوانية، لأن الحيوانية حينئذ شرط للقيد بمنزلة شرط الوجوب، فمع الشك فيها يشك في قيدية المأكولية، و يتردّد أمر الواجب من جهة الشبهة الخارجية بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، نعم إذا علم بها و شك في المأكولية و عدمها كان شكا في تحقق القيد المعلوم تقيد المطلوب به، و مجرى للاشتغال.

ص: 287

الشرط للقدر المشترك بين الجميع- كما تكلّفه بعضهم- كان القدر المشترك المذكور كغيره من القيود الوجوديّة اللازم إحرازها و الشبهة راجعة إلى الشكّ في الامتثال على كلّ حال.

و لو التزم بالتكلّف الآخر، و قيّدت شرطيّة المأكوليّة بما إذا كان اللباس- مثلا- من أجزاء الحيوان- كما صنعه الآخرون- كانت الحيوانيّة حينئذ بالنسبة إلى قيديّة المأكوليّة جارية مجرى شرط الوجوب- كما أوضحناه (1)-، و يرجع الأمر عند العلم بها و الشكّ في المأكوليّة و عدمها إلى الشكّ في تحقّق القيد المعلوم تقيّد المطلوب به، و عند الشكّ فيها ثمّ الشكّ في المأكوليّة و عدمها أيضا على تقديرها إلى تردد المكلّف به من جهة الشبهة الخارجيّة بين


1- عند تحقيق الحال في الأقسام الأربعة، و بيان الضابط للشبهة المصداقية الراجعة إلى الشك في التكليف أو في الامتثال في النفسيات و القيود.

ص: 288

الأقلّ و الأكثر، و يتّجه التفصيل الأخير (1)- المتقدّم نقله عند تحرير الأقوال في المسألة- بعد ما سنحقّقه من الكبرى آنفا. و كيف كان فقد عرفت أنّه لا أساس و لا محصّل للقول بالشرطيّة في المقام على كلّ تقدير (2)، و هذا تمام الكلام في الصغرى.

[المبحث الثاني:- في تنقيح الكبرى و هي إهمال القوم لحكم الدوران بين الأقل و الأكثر لشبهة خارجية]

المبحث الثاني:- في تنقيح الكبرى.

و لباب ذلك هو أنّهم قد عقدوا في كلّ من مباحث الشبهات الوجوبيّة و التحريميّة بابا مستقلا للبحث عن جريان البراءة فيما إذا كان الشكّ في وجوب شي ء أو حرمته ناشئا عن الشبهة الخارجيّة، بلا تعرض منهم لتنقيح الضابط (3) في ذلك، لكنّهم اقتصروا في مباحث الارتباطيات على ما كان تردّد الواجب بين الأقل و الأكثر


1- و هو التفصيل بين ما إذا علم بالحيوانية و شك في المأكولية فلا يجوز، و ما إذا لم يعلم بها أيضا و كانت النباتية محتملة فيجوز، و وجه اتّجاه هذا التفصيل واضح ممّا مرّ آنفا بضميمة ما سيتمّ تحقيقه في البحث الكبروي الآتي- من جريان البراءة في الشبهات الخارجية المردد فيها الواجب بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.
2- فما ذكرناه من بيان مرجع الشبهة على هذا القول لا يعني اختيارنا له بوجه من الوجوه، و قد عرفت بطلانه مفصلا في الأمر الثالث المتقدم و المعقود لإثبات المانعية و نفي الشرطية.
3- بحيث يكون ملاكا مطّردا يدور مداره جريان كلّ من البراءة أو الاشتغال في هذه الأبواب.

ص: 289

ناشئا عن الشبهة الحكميّة أو المفهوميّة، و أهملوا هذا القسم (1) بالكليّة، حتّى أنّ ظاهر عنوان المسألة الرابعة التي عقدها شيخنا أستاذ الأساتيذ (نوّر ضريحه) في ذلك الباب (2)، و بعض ما أورد فيها من الأمثلة (3) و إن كان ينطبق على ذلك، لكنّ الذي يظهر ممّا أفاده برهانا على وجوب الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة التي عقد تلك المسألة لبيان حكمها من (أنّ متعلّق التكليف مبيّن (4) معلوم


1- و هو ما إذا كان التردّد في الارتباطي بين الأقل و الأكثر ناشئا عن الشبهة الخارجية، فلم يعقدوا له في هذه المباحث بابا مستقلا- كما عقدوه للاستقلالي.
2- و هو باب الارتباطيات، فإنه قدّس سرّه أورد المسألة الرابعة من مسائل هذا الباب تحت عنوان (الشك في جزئية شي ء للمأمور به من جهة الشبهة في الموضوع الخارجي)، و ظاهر هذا العنوان منطبق على القسم الآنف الذكر.
3- و هو تمثيله بما إذا وجب صوم شهر هلالي فشكّ في أنه تامّ أو ناقص، فإن هذا المثال منطبق على القسم المزبور، لدوران أمر الواجب فيه بين الأمرين لشبهة خارجية.
4- هذه نص عبارة الشيخ قدّس سرّه أوردها في المسألة المذكورة بعد ما اختار فيها وجوب الاحتياط، قال قدّس سرّه: و الفارق بين ما نحن فيه و بين الشبهة الحكمية من المسائل المتقدمة التي حكمنا فيها بالبراءة هو أن نفس التكليف فيها مردد بين اختصاصه بالمعلوم وجوبه تفصيلا و بين تعلقه بالمشكوك. فالعقل و النقل الدالّان على البراءة مبيّنان لتعلق التكليف بما عداه من أول الأمر في مرحلة الظاهر، و أمّا ما نحن فيه فمتعلق التكليف مبيّن معلوم. إلى آخر ما ورد هنا في المتن.

ص: 290

تفصيلا لا تصرّف للعقل و النقل فيه، و إنما الشكّ في تحققه في الخارج و الأصل عدمه، و العقل أيضا مستقلّ بوجوب الاحتياط مع الشك في التحقّق)، هو قصر نظره في تلك المسألة بما إذا رجعت الشبهة إلى المحصّل الخارجي (1)، و تردّد هو بين الأمرين، لكن لا يخلو تنزيل بعض ما أورد فيها من الأمثلة على ذلك من التكلّف (2).


1- فإن هذا هو الظاهر من العبارة المتقدمة، و يؤيده قوله قدّس سرّه في المسألة الاولى من مسائل هذا الباب بعد ما استدل فيها للبراءة (نعم قد يأمر المولى بمركّب يعلم أن المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله إذا أتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك، كما إذا أمر بمعجون و علم أن المقصود منه إسهال الصفراء بحيث كان هو المأمور به في الحقيقة أو علم أنّه الغرض من المأمور به، فإن تحصيل العلم بإتيان المأمور به لازم كما سيجي ء في المسألة الرابعة) انتهى. إذن فتخرج المسألة المذكورة عمّا نحن بصدده، و يكون الأمر كما أفيد آنفا من إهمالهم للقسم المتقدّم ذكره.
2- فإنّه قدّس سرّه مثّل لها بمثالين: أحدهما ما مرّ، و الثاني ما أفاده بقوله: (و مثل ما إذا أمر بالطهور لأجل الصلاة- أعني الفعل الرافع للحدث أو المبيح للصلاة- فشك في جزئية شي ء للوضوء أو الغسل الرافعين) انتهى، و هذا الأخير و إن أمكن إرجاعه إلى باب الشك في المحصّل بإرادة شرطية الطهارة المتحصلة من الوضوء أو الغسل دون أنفسهما، و إلّا كان من الدوران بين الأقل و الأكثر لشبهة حكمية لا خارجية، إلّا أن إرجاع الأوّل إلى الباب المذكور مشكل، فإنّ الظاهر أن الشهر عبارة عن نفس الأيام الواقعة بين الهلالين، و ليس أمرا بسيطا متحصّلا منها، فإذا دار أمره بين الناقص و التام لاشتباه الهلال- مع الغض عن الاستصحاب الجاري في المورد- كان من دوران أمر متعلق التكليف نفسه بين الأقل و الأكثر لشبهة خارجية، لا من الشك في محصّل المتعلق و دوران أمره بين الأمرين، اللّهم إلّا بارتكاب التكلّف بدعوى كون الشهر عنوانا بسيطا منتزعا من اجتماع الأيام.

ص: 291

و كيف كان فالمهمّ في المقام هو تنقيح أنّه بعد الفراغ عن جريان البراءة في الارتباطيات فهل يقصر ما يدلّ عليها عن الشمول للشبهة الموضوعيّة المذكورة، أو أنّه يعمّها و الشبهات الحكميّة و المفهوميّة بجامع واحد- كما في النفسيّات.

فنقول: إنّ مدرك جريان البراءة في جميع مجاريها لا يخلو إمّا أن يكون هو استقلال العقل بمعذورية الجاهل، و عدم كون الحكم الشرعي بنفس وجوده الواقعي (1) علّة لاستحقاق عقاب المخالفة، أو يكون هو عموم ما يدلّ على رفع (2) كلّ مجهول هو من مجعولات الشارع (3)، و بيده زمامه، و قابل للتصرّف التشريعي فيه


1- و إنّما بوصوله إلى المكلف و علمه به، و الحكم العقلي المذكور هو المعبّر عنه بقاعدة (قبح العقاب بلا بيان).
2- كحديث (رفع ما لا يعلمون) و نحوه من الروايات الدالة على البراءة الشرعية المفصّلة في علم الأصول.
3- كليا كان المجعول- كما في الشبهات الحكمية- أم شخصيا- كما في الشبهات المصداقية.

ص: 292

بوضع أو رفع أو تنزيل (1) أو غير ذلك من وجوه التصرف الظاهري.

و واضح أنّه لا توقّف لتحقّق موضوع كلّ من الحكم العقليّ و النقليّ المذكورين إلّا على الجهل بمجعول شرعيّ يترتّب العقاب على مخالفته، و يقبل الوضع و الرفع الظاهري الشرعي بنفسه (2)، و لا مدخليّة لخصوصيّة وجوديّة أو عدميّة أخرى في موضوع شي ء من الحكمين، لا من حيث أسباب الجهل (3)، و لا أنحاء


1- فالوضع الظاهري كما في موارد إيجاب الاحتياط المجعول متمّما للخطاب الواقعي حال الجهل به، و موصلا إلى ملاكه الاحتمالي اهتماما به، و قد مرّ ذكره في أقسام متمّم الجعل، و الرفع الظاهري كما في موارد البراءة و الحلية المجعولتين امتنانا على العباد، و توسعة عليهم، لعدم الاهتمام بالملاك الواقعي المحتمل، و التنزيل الظاهري كما في موارد الاستصحاب و نحوه من الأصول التنزيلية المتكفلة لجعل أحد طرفي الشك و البناء عليه و إلغاء الآخر.
2- فإن حكم العقل بقبح عقاب الجاهل بالحكم الشرعي ليس موضوعه سوى الجهل بالحكم الذي يترتب على مخالفته العقاب، كما أن حكم الشرع برفع الحكم المجهول رفعا ظاهريا لا موضوع له سوى الجهل بالحكم الذي يقبل الرفع الظاهري، و ليس في دليل أيّ من الحكمين ما يقتضي دخالة أمر آخر في موضوع شي ء منهما.
3- ككون الجهل ناشئا من الجهل بما من شأنه الأخذ من الشارع- كما في الشبهات الحكمية و المفهومية-، أو من الجهل بالانطباق الخارجي- كما في الشبهات الموضوعية.

ص: 293

المجعول (1)، و من هنا لم (2) يخالف أحد في جريانها في الشبهات الموضوعيّة النفسيّة مطلقا (3)، و إن خالف الأخباريّون في الحكميّة التحريميّة زعما لقيام أدلّة خاصّة على وجوب الاحتياط فيها بالخصوص، لا منعا لتماميّة أدلّة البراءة عند مجهوليّة التكليف واقعا و ظاهرا، و إلّا لم يعقل التفصيل في ذلك بين الشبهة في نفس الحكم و موضوعه، و لا بين كونها وجوبيّة أو تحريميّة (4)- كما لا يخفى.

و على هذا ففي الارتباطيات إمّا أن نقول بتماميّة كلّ من البراءة العقليّة و الشرعيّة، نظرا إلى أنّه بعد رجوع قيديّة القيود أيضا- كالاستقلاليّات- إلى المجعولات الشرعيّة (5) القابلة


1- ككون المجعول حكما نفسيا استقلاليا أو قيديا ارتباطيا، هذا و مقتضى عموم دليلي الحكمين من الناحيتين هو جريانهما في موارد الشبهات الموضوعيّة الواقعة في الارتباطيات، و هو الذي نحن بصدد إثباته في المقام.
2- أي: من أجل تسالمهم على عدم دخل خصوصيّة الجهل بما من شأنه الأخذ من الشارع في موضوع أيّ من الحكمين لا خلاف في جريان البراءة في الشبهات الموضوعية في الجملة، و لا أقل من النفسية منها.
3- أي وجوبية كانت أم تحريمية.
4- و بعبارة اخرى: إن ذهاب الأخباريين إلى وجوب الاحتياط في الشبهة المزبورة إنما هو لدعواهم قيام أدلة خاصة عليه فيها، لا لمنعهم من تمامية أدلة البراءة بالنسبة إليها، و إلّا لم يكن وجه للتخصيص بالحكمية دون الموضوعية، و بالتحريمية دون الوجوبية.
5- و ذلك بجعل منشأ انتزاعها، و تعلق الأمر بالمقيّد بها، و قد مرّ في ثاني الأمور المقدّمة أمام المبحث الأوّل المتقدم ما ينفع المقام.

ص: 294

لأنحاء التصرف الظاهري (1) المجعول بالأصول الظاهريّة، و استناد العقاب المترتّب على عصيان الخطاب من جهة كلّ واحد من القيود إلى قيديّته (2)، و وقوعه بهذا الاعتبار (3) في حيّز التكليف بالمقيد، فلا مجال حينئذ للمنع عن صلاحيّتها في حدّ نفسها (4)- عند الجهل بها- لجريان كلّ من الحكم العقلي و النقلي المذكورين فيها، و تماميّة ذلك بحسب المقتضي، و ينحصر ما يصلح مانعا عن ذلك في العلم بالتكليف المردّد متعلّقه بين الأمرين (5)، و بعد العلم


1- و منه الرفع الظاهري، إذن فهي قابلة للرفع بأدلة البراءة الشرعية فتشملها.
2- فيشملها دليل البراءة العقلية، توضيحه أنّ قيدية القيد للواجب تقتضي كون مخالفته مخالفة للواجب، و عصيانا لخطابه- لانتفاء المقيد بانتفاء قيده-، و يستند العقاب المترتب على مخالفة الخطاب حينئذ إلى مخالفة القيدية، فإذا جهل بها كان العقاب على مخالفته المستند إلى مخالفتها عقابا بلا بيان.
3- أي باعتبار قيديته للواجب، و توقف تحقق المقيد على تحقق القيد، و كون مخالفة هذا مخالفة لذاك، و موافقته موافقة له.
4- أي صلاحيّة القيدية المجهولة لذلك في حدّ نفسها و مع قطع النظر عن الموانع، و المقصود أن المقتضي لجريان الحكمين موجود، و ستعرف ما يصلح مانعا عنه و ردّه.
5- هما المقيد بالقيد المشكوك و غير المقيد به، و المقصود أن العلم الإجمالي بالتكليف المتعلق بالأقل أو الأكثر صالح للمانعية، إذ يوجب سقوط الأصلين الجاريين في الطرفين بالمعارضة، فيتنجز التكليف الواقعي، و يجب الاحتياط بفعل الأكثر.

ص: 295

التفصيلي (1) بتعلّق شخص ذلك التكليف بالأقلّ على كلّ تقدير (2)، و سقوط الأصول النافية فيه بذلك، و رجوع الأمر بالنسبة إلى الخصوصيّة المشكوكة إلى الشكّ في تعلّق التكليف المذكور بها أيضا و عدمه- كما هو ضابط كون الشبهة بدويّة يجري فيها الأصل العقلي و الشرعي- لا إلى كونها (3) هي المتعلّقة للتكليف المعلوم أو طرفها الآخر- كما هو الضابط في طرفيّة الشبهة للعلم الإجمالي الموجب لسقوط الأصول النافية بالمعارضة، كما حرّر في محلّه-،


1- ردّ لصلاحية العلم الإجمالي المذكور للمانعية، و ذلك بدعوى انحلاله إلى علم تفصيلي لا مجال لجريان الأصل فيه و شك بدوي يجري فيه الأصل بلا معارض.
2- فهذا المقدار من المتعلق معلوم تفصيلا فيتنجز بالعلم به، و لا مجال معه للأصول النافية. أمّا الزائد عليه فلا علم بوقوعه في حيّز التكليف، فلا منجّز بالنسبة إليه، فلا مانع من جريان الأصلين فيه، و قد مرّ أن القيدية مجعول شرعي قابل للرفع، و يترتّب العقاب على مخالفته، و بذلك ينحلّ العلم الإجمالي.
3- أي: لا يرجع الشك في الخصوصية إلى الشك في كونها هي وحدها متعلقة للتكليف المعلوم أو طرفها الآخر- الأقل-، ليكون من دوران المعلوم بالإجمال بين المتباينين، و تسقط الأصول النافية في الأطراف بالمعارضة.

ص: 296

فلا جرم ينحلّ هو (1) حينئذ إلى معلوم تفصيليّ و مشكوك بدويّ، و يخرج بذلك عن صلاحيّة المنع عن جريان كلّ من الحكمين فيما عد المتيقّن وقوعه في حيز التكليف، كما في سائر موارد الانحلال، فإنّ تمام موضوعه (2) و ملاكه الدائر هو مداره- على ما حقّق في محلّه- هو تبيّن التكليف (3)- الممكن كونه هو المعلوم الإجماليّ (4)- في بعض الأطراف، و سلامة الأصل الجاري في الآخر


1- ضمير الفاعل هنا و فيما بعده (يخرج) راجع إلى العلم الإجمالي.
2- أي الانحلال.
3- بالعلم به تفصيلا في بعض الأطراف، أو قيام الحجة عليه كذلك على نحو يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليه، بحيث لا يبقى في الطرف الآخر سوى الشك البدوي الجاري فيه الأصل سليما عن المعارض، هذا. و قد ذكروا رجوع المعلوم بالإجمال إلى قضية منفصلة مانعة الخلوّ و انحلاله إلى قضيتين حمليتين متيقّنة و مشكوكة، و التفاصيل موكولة إلى محلّه من الأصول.و لا يخفى أنه لا مجال لدعوى الانحلال الحقيقي في المقام- و إن نسب إلى ظاهر بعضهم قدّس سرّه-، ضرورة تحقق العلم- وجدانا- بتكليف متعلق بأحد الأمرين الأقل أو الأكثر، و عدم زوال هذا الترديد بالعلم التفصيلي و الشك المزبورين، بل الانحلال المدعى حكمي عقلي أو شرعي ناش من العلم التفصيلي بالأقل و حكم العقل أو الشرع على الزائد المشكوك بالبراءة سليمة عن المعارض، و التفصيل في محله.
4- الموجود في الطبعة الاولى (الإجمال) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 297

عمّا يوجب السقوط و الطرفيّة (1)، و هو بعينه متحقّق في محلّ البحث- كما لا يخفى.

و إمّا أن نستند (2) في ذلك إلى خصوص ما يدلّ على البراءة الشرعيّة، و نمنع عن جريان الحكم العقليّ المذكور لمنع كفاية مجرّد العلم بتعلق التكليف المذكور بالأقلّ في الانحلال العقليّ المتوقّف عليه تماميّة البراءة العقليّة (3)، نظرا إلى أنّه- بعد استقلال العقل (4) بعدم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة عند قطعيّة


1- و الذي يوجبهما هو الأصل المعارض.
2- تقريب للمبنى القائل بعدم جريان البراءة العقلية في الارتباطيات في قبال ما تقدّم من تقريب المبنى القائل بجريانها فيها كالبراءة الشرعية، و قد اختار قدّس سرّه العدم في بحث الأصول، و لم يصرّح به هنا و إن كان في إيراده إياه متأخرا عن الآخر نوع ترجيح له.
3- جعل قدّس سرّه جريان البراءة العقلية متوقفا على الانحلال العقلي نظرا إلى أنه لو لا حكم العقل بالانحلال إلى معلوم تفصيلي و مشكوك لم يحكم هو في المشكوك بالبراءة، و هذا على العكس من الانحلال الشرعي، فإنه مترتب على جريان البراءة الشرعية- كما سيبيّن- و متفرع عليه.
4- هذا هو الأساس الذي بنى قدّس سرّه عليه المنع من جريان البراءة العقلية في الارتباطيات.و حاصله: أنّ العقل المستقل في باب الإطاعة قاض بوجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم و عدم جواز الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية، و أن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ كذلك، و هذا لا يصادمه أيّ حكم عقليّ آخر، فلا حكم له بقبح العقاب بلا بيان إذا اقتضى الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية في مورد- كما في المقام-، فإنه لمّا كان التكليف بالأقل معلوم الثبوت على كلّ تقدير فمقتضى وجوب الموافقة القطعية وجوب الإتيان به بضميمة القيد المشكوك، ضرورة أنّ مقتضى احتمال دخالته عدم حصول اليقين بالموافقة بالنسبة إلى الأقل إلّا بذلك، و معه فلا يبقى مجال لحكم العقل بقبح العقاب على مخالفة القيدية المشكوكة، إذن فالعلم التفصيلي بوجوب الأقل لا يوجب انحلال العلم الإجمالي ليندرج الزائد المشكوك في مجاري البراءة العقلية، و إنما يوجبه فيما إذا كان المعلوم التفصيلي متعلّقا بالمطلق- كما في الاستقلاليات- دون المهمل المردّد بين المطلق و المقيد- كالمقام. هذا. و قد يورد عليه- كما عن غير واحد من الأعلام- بأن العقل إنما يستقلّ بوجوب الموافقة القطعية بالنسبة إلى المقدار الذي علم بتعلّق التكليف به و تنجز به عليه- و هو الأقل-، أمّا الزائد فلم يعلم بتعلّق التكليف به أيضا ثبوتا، لعدم قيام حجّة عليه، فالعقاب عليه عقاب بلا بيان، فمقام السقوط لا بدّ أن يطابق مقام الثبوت، و لا يزيد عليه، إلّا أن يقال: إن العلم الإجمالي بنفسه علة تامة لتنجز الواقع، و لا يتوقف تنجيزه على تعارض الأصول في الأطراف و تساقطها، و مقتضاه وجوب الموافقة القطعية بفعل الأكثر، لكنّ هذا خلاف المبنى المختار. أقول: الظاهر- كما يقتضيه التأمل في عبارة المتن- أن المكلف حيث يعلم تفصيلا بتعلق التكليف بالأقل على كل تقدير فالعقل يستقلّ بوجوب تفريغ ذمّته بالإتيان بهذا المطلوب الشرعي و إدراك واقعه جزما، فإذا فرض أن إدراكه كذلك يستلزم ضمّ أمور محتملة إليه لزم ذلك بحكم العقل، فليس لزوم ضم الزائد المحتمل ناشئا من تنجز الواقع بالعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين الأقل أو الأكثر، ليقال بابتنائه على عليّة العلم الإجمالي للتنجز و هو خلاف المختار، بل منشأه تنجّز الأقل بالعلم التفصيلي بمطلوبيّته على كل تقدير، و مقتضاه لزوم تحصيل القطع بموافقته، و لا يكون إلّا بالضمّ المذكور. فإن قلت: لزوم ضمّ الزائد المشكوك ناش من احتمال قيديته للأقل، و حيث إنه لم يثبت القيدية بحجّة معتبرة فمقتضى قبح العقاب بلا حجة عدمه و جواز الاكتفاء بالأقل. قلت: لا سبيل للعقل إلى حكم يلزم منه الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية عن التكليف القطعي، و حكمه بقبح العقاب بلا بيان في المقام كذلك، ففي الحقيقة حكمه بوجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم بيان وارد على قاعدة القبح رافع لموضوعها، فتأمّل. و إن أبيت إلّا عن كون المنجّز في المقام علما إجماليا لا تفصيليا، و كون ما ذكر التزاما بعليّة العلم الإجمالي للتنجز في المقام فلا مضايقة في الالتزام بها في الارتباطيات خاصة، فتبصر.

ص: 298

ص: 299

التكليف- فلا يكاد أن يتمّ الانحلال العقلي بمعلوميّة التكليف في بعض الأطراف، و يندرج الآخر في مجاري البراءة العقليّة إلّا مع عدم استلزامه لهذا المحذور (1)، و لا يكاد يتحقّق ذلك (2) إلّا مع كون


1- و هو محذور الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية مع قطعيّة التكليف، فمع لزوم هذا المحذور لا يحكم العقل بالانحلال و البراءة عن القيدية المشكوكة.
2- أي لا يتحقق الانحلال غير المستلزم للمحذور المذكور إلّا في مورد يكون المعلوم التفصيلي بحيث لا تتوقف موافقته القطعية على ضمّ المشكوك إليه، لكون ذلك المعلوم مطلقا بالنسبة إلى هذا المشكوك- كما في الأقل و الأكثر الاستقلاليين.

ص: 300

المعلوم التفصيلي بحيث لا يتوقّف القطع بموافقته على انضمام المحتمل الآخر إليه، و إطلاقه (1) بالنسبة إليه، و إلّا فمع إهماله من هذه الجهة، و تردّده بين أن يكون بالنسبة إليه على وجه الإطلاق أو التقييد- كما هو الحال في الارتباطيات- فلا يكاد يتحقّق القطع بموافقة القدر الثابت مع عدم انضمام المحتمل الآخر إليه، فضلا عن أن يوجب الانحلال (2)، بل ليس إجمال العلم هاهنا إلّا عبارة أخرى عمّا ذكر من الإهمال (3)، فلا يعقل أن يجعل نفس القضيّة


1- عطف على (كون المعلوم التفصيلي.).
2- أي فكيف يوجب العلم التفصيلي المذكور- و الحالة هذه- الانحلال لتصل النوبة إلى جريان الأصل في المشكوك، إذ هو مستلزم للاكتفاء بالموافقة الاحتمالية عن التكليف المعلوم، و العقل مستقلّ بعدم جوازه.
3- إذ العلم التفصيلي بوجوب الأقل المردّد بين المطلق و المقيد هو عين العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر، و معه فلا يعقل أن يكون مثل هذا العلم التفصيلي موجبا للانحلال، و إلا لزم أن يكون الشي ء موجبا لانحلال نفسه.و إن شئت قلت: العلم الإجمالي بإحدى الخصوصيتين ليس إلّا علما تفصيليا بالجامع بينهما، فكيف ينحلّ به، و إلّا لانحلّ في المتباينين أيضا، و الذي ينحلّ به هو العلم التفصيلي بإحداهما بعينها، و هو غير متحقق في المقام، هذا.و لا يخفى أن الانحلال الممنوع في هذه العبارة هو الانحلال الحقيقي، و الخصم يعترف بامتناعه، و إنما يدّعي الانحلال الحكمي و كون الزائد المشكوك ممّا لم تقم عليه حجة فيحكم العقل بالبراءة عنه، لكن عرفت الوجه في منع الانحلال الحكمي العقلي أيضا.

ص: 301

المهملة موجبة للانحلال.

لكن بعد أن لا مجال للمنع عن شمول دليل الرفع لقيديّة الخصوصيّة المشكوكة على حدّ شموله للنفسيّات، و وضوح أنّ الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة عن التكليف القطعي و إن كان مانعا عن تماميّة البراءة العقليّة- كما قد عرفت-، لكنّه لا يصلح مانعا عن جريان شي ء من الأصول الشرعية (1) حتى مع عدم تكفّلها (2) لما يوجب خروجها عن كونها احتمالية إلى كونها في الظاهر قطعيّة، فضلا عمّا إذا تكفّل لذلك- كما في مثل المقام-، فلا جرم يرتفع


1- لجواز حكم الشارع بكفاية الموافقة الاحتمالية للتكليف المعلوم، كما في الأصول و القواعد الجارية في مرحلة الفراغ، أما العقل فلا سبيل له إلى مثله.
2- يعني: لا يعتبر أن يكون الأصل الشرعي الجاري في المقام متكفّلا لكون الموافقة في الظاهر قطعية، لعدم الحاجة إلى إثباتها، إذ يكفي أن يثبت بالأصل اكتفاء الشارع بالموافقة الاحتمالية بدلا عن القطعية، أما إذا ثبت به كونه موافقة قطعية للتكليف الظاهري فالأمر أوضح، و المقام كذلك، لأنه إذ ترتفع القيدية في الظاهر بدليل الرفع فمقتضاه تعلّق التكليف الظاهري بالأقل، فيكون الإتيان به موافقة قطعية، لا احتمالية.

ص: 302

قيديّة المشكوك في الظاهر، و يؤول الأمر إلى إطلاق ظاهري (1) في المعلوم التفصيلي- لا محالة-، و يجري الارتباطي مجرى غيره (2) في الظاهر، و يتمّ الانحلال من ضمّ هاتين المقدّمتين (3). و تمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه، و إنما تعرّضنا لهذا المقدار- مع خروجه عمّا كنّا بصدده- تنبيها على المبنى.

و على كلّ حال فقد عرفت أنّ ملاك جريان البراءة في الارتباطيات و تمام موضوعها إنّما هو الجهل بتقيّد المطلوب


1- فإنّ الإطلاق يقابل التقييد تقابل العدم و الملكة فإذا ارتفع التقييد في المورد القابل بحديث الرفع ثبت الإطلاق- لا محالة-، فيتمّ لوجوب الأقل إطلاق ظاهري بالنسبة إلى القيد المشكوك، و بمعونته يتم انحلال العلم الإجمالي انحلالا حكميا، و يرتفع الإجمال ظاهرا عن وجوب الأقل. و قد يقال: إنّ نفي التقييد بالأصل لا يكفي في ثبوت الإطلاق إلّا بناء على الأصل المثبت، إذ الإطلاق عنوان انتزاعي منتزع عن عدم التقييد، و لا يثبت العنوان المنتزع بالأصل الجاري في منشأ انتزاعه. و يمكن الجواب بأنّه ليس المقصود في المقام إثبات عنوان الإطلاق، إذ لا أثر يترتب عليه هنا، بل المهمّ إثبات المعنون نفسه- أعني نفي تقيّد الواجب بالمشكوك-، فإنه يكفي نفيه في ارتفاع الإجمال عن الواجب، و لعلّه لذلك عبّر المصنف قدّس سرّه بقوله (و يؤول الأمر) دون (و يثبت الإطلاق).
2- و هو الاستقلالي الذي يكون الانحلال فيه حقيقيا.
3- و هما: ارتفاع قيديّة المشكوك ظاهرا بحديث الرفع، و أول الأمر إلى الإطلاق الظاهري.

ص: 303

بخصوصيّة وجوديّة أو عدميّة أخرى زائدة على ما علم دخله فيه (1)، من دون فرق في ذلك بين استناده إلى الجهل بما من شأنه الأخذ من الشارع- كما في الشبهات الحكميّة و المفهوميّة (2)- أو إلى الجهل بالانطباق الخارجي الموجب لدخل خصوصيّة أخرى في المطلوب- كما في محلّ البحث و أشباهه (3).

و توهّم عدم جريانها في خصوص الأخير لا بدّ و أن يرجع إمّا إلى دعوى قصور في المقتضي بأن يدّعى اختصاص حكم العقل بعذريّة الجهل، و قصر مفاد دليل الرفع بخصوص القسمين الأوّلين (4).


1- أي في المطلوب من الأجزاء و القيود المعلوم دخلها فيه.
2- و هي الشبهة في الحكم الناشئة من اشتباه المفهوم من النص و إجماله مادة أو هيئة أو متعلقا، و من الواضح أن ارتفاع الجهل في هذه الشبهة- كالشبهة الحكمية- إنما يكون ببيان الشارع.
3- من الشبهات الموضوعية للموانع المأخوذ عدمها قيدا في المطلوب، فإنّ من الواضح أن الشك في انطباق عنوان المانع كعنوان (ما لا يؤكل لحمه) على شي ء يستلزم الشكّ في دخل عدم ذلك الشي ء في المطلوب زائدا على دخالة إعدام المصاديق المعلومة منه فيه، و رفع الجهالة في هذا القسم ليس من شأن الشارع- كما لا يخفى.
4- متعلق بكلّ من (اختصاص) و (قصر)، فيكون من باب التنازع في العمل، يعني يدعى اختصاص كلّ من حكم العقل بالبراءة و حكم الشرع بالرفع- و هما مقتضيان لجريان البراءة في الارتباطيات بناء على جريان الأوّل أيضا فيها و غض النظر عن المناقشة المتقدمة فيه- بالقسمين الأوّلين- الشبهة الحكمية و المفهومية-، فالمقتضي بالنسبة إلى الشبهة الموضوعية قاصر.

ص: 304

أو إلى دعوى وجود المانع بأن يدّعى كفاية العلم بالكبرى (1) المتلقّاة من الشارع في اتّصاف القيديّة المترتّبة على كلّ واحد من الانطباقات بالمعلوميّة، و الخروج عن موضوع حكم العقل و النقل بالبراءة.

و كلّ منهما- مضافا إلى اطّراده في الشبهات الموضوعيّة النفسيّة (2)، بل و اطّراد الأخير في الشبهات المفهوميّة أيضا بقسميها (3)- لا يخفى فساده:


1- فيكون العلم بها مانعا عن جريان حكم العقل و النقل بالبراءة في الشبهات الموضوعية، لتقيّد الأوّل بعدم البيان و الثاني بعدم العلم، و الكبرى المذكورة- بموجب هذه الدعوى- تكفي بيانا لصغرياتها الواقعية، و علما بها، فيتنجز التكليف الواقعي بالنسبة إلى جميع انطباقاته الواقعية، و مقتضاه وجوب الاحتياط في المصاديق المشتبهة.
2- لأن ملاك المنع المستند إلى الوجهين المزبورين هو موضوعية الشبهة، و هي متحققة في النفسيات أيضا، فلا بدّ من المنع فيها أيضا، مع أنّ الظاهر التسالم على الجريان فيها.
3- و هما ما دار أمره بين المتباينين و ما دار أمره بين الأقل و الأكثر، فإن الوجه الثاني جار في هذه الشبهات أيضا و لا اختصاص له بالموضوعية، و مقتضاه البناء على وجوب الاحتياط فيما دار أمره منها بين الأقل و الأكثر، كما إذا ورد (أكرم عادلا)، و دار أمر مفهوم العادل بينهما، فيقال إن العلم بهذه الكبرى الشرعية كاف في حصول العلم بوجوب إكرام عادل واقعي، فيجب الاحتياط- كما يجب في الدائر بين المتباينين بلا إشكال.

ص: 305

أمّا الأوّل فهو بالنسبة إلى عموم دليل الرفع ظاهر (1)، لأنّه تخصيص لا موجب له، و عموم الدليل ينفيه (2)، و كذا بالنسبة إلى حكم العقل بمعذوريّة الجاهل بعد تسليم جريانه عند الجهل بالقيديّة أيضا (3)- كما هو المفروض (4)-، فإنّ حكمه بذلك و إن كان (5)


1- أي فساد الأول بالنسبة إلى العموم المذكور ظاهر.
2- لاندراج الشبهات الموضوعية- كالحكمية- في عموم (رفع ما لا يعلمون) من دون أيّ مانع، فإنّ مفاده الرفع الظاهري للحكم المجهول مطلقا، و كما أنّ هناك في الشبهات الحكمية حكما مجهولا مرفوعا بالحديث و هو الحكم الكبروي، كذلك في الشبهات الموضوعية يرفع الحكم الصغروي المجهول، غايته أن الجهل هنا ناش من الجهل بالموضوع الخارجي المتعلق للحكم النفسي أو القيدي.
3- و قد عرفت أنه غير مسلّم و قابل للمناقشة.
4- إذ لو لم يفرض تسليم جريان الحكم العقلي المذكور في الارتباطيات في الجملة لم يكن للبحث عن جريانه في خصوص الشبهات الموضوعية منها مجال.
5- محصّل المرام أن هناك من الأحكام الواقعية- بحسب مقام الثبوت- ما سكت عنه الشارع و لم يبيّنه النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا أيّ من أوصيائه عليهم السّلام لمصلحة تقتضي السكوت عنه و عدم تبليغه، فهو مع كونه حكما لبيّا ذا ملاك في نفسه، لكنّ المصلحة اقتضت ترك تبليغه مطلقا أو لفترة، فلم تتمّ فيه مبادئ فعليّته التامّة بتوجيهه إلى المكلف و بعثه أو زجره به- كما هو الحال عند بيان الأحكام تدريجا في صدر الإسلام. و منها ما بيّنه الشارع و بلّغه، لكنّه اختفى عنّا البيان و لم يصل إلينا لموانع خارجية، أو وصل بيان مجمل مشتبه المفهوم لأمور طارئة. و منها ما بيّنه و وصل إلينا من غير إجمال، لكنّه اشتبه علينا موضوعه لاشتباه في الانطباق الخارجي. و أمّا بحسب الإثبات فتارة يعلم سكوت الشارع و عدم صدور بيان منه، و احتمل مع ذلك وجود التكليف الواقعي في المورد، فكان أمره دائرا بين انتفاء التكليف واقعا و بين وجوده و انتفاء بيانه واقعا لمصلحة. و لا ريب في حكم العقل فيه بالمعذورية و قبح العقاب عليه لكن بملاك يخصّه و لا يطرد في غيره، و هو عدم كون التكليف فعليا متوجها إلى المكلفين رأسا لعدم تمامية مبادئ توجيهه إليهم و بعثهم إليه أو زجرهم عنه- و إن تمّت فيه مبادئ جعله و تشريعه في نفسه و كان له نحو وجود في علمه تعالى- إلّا أنه لا أثر يترتب عليه ما لم يبلّغ، و كان من قبيل الحكم الاقتضائي، فشأنه شأن ما لو علم انتفاء التكليف فيه حتى لبّا، و الجامع هو العلم بانتفاء التكليف الفعلي المتوجه إلى المكلفين، و قبح العقاب حينئذ يكون من السالبة بانتفاء الموضوع. و اخرى لا يعلم سكوت الشارع و احتمل بيانه و استناد جهلنا إلى اختفاء البيان عنّا و عدم وصوله- على ما هو عليه- إلينا للعوائق الخارجية، فلم يصل بالمرة، أو وصل على غير ما كان عليه بحيث أصبح مشتبه المفهوم بالنسبة إلينا. و ثالثة يعلم بيان الشارع و قد وصل إلينا من غير إجمال في مفهومه و اشتباه في المراد منه و إنما يستند جهل المكلف إلى اشتباه المصداق الخارجي و انطباق عنوان الموضوع عليه. و قد أفاد قدّس سرّه أنّ الأول من هذين القسمين أيضا لا إشكال في حكم العقل فيه بالمعذورية و قبح العقاب- كالقسم الأوّل المتقدم-، إلّا أنّ حكمه فيه بذلك لم يكن لملاك خاص به، ليختص بموارد لزوم الرجوع فيها لرفع الجهالة إلى الشارع- و هي موارد الشبهات الحكمية و المفهومية-، كي يبقى في غيرها- و هي الشبهات الموضوعية- القسم الأخير- بلا ملاك يقتضيه، بل إنما يحكم به لملاك مطّرد في الجميع، و هو توقف تمامية الحكم الفعلي في تأثيره في تحريك المكلف بعثا أو زجرا على العلم به و وصوله إليه كبرى و صغرى، و عدم كفاية مجرد صدوره من الشارع و بيانه له- فضلا عن وجوده اللبّي الواقعي من دون بيان- في تمامية تأثيره التشريعي و صلاحيته للباعثية و الزاجرية الفعليتين، فإن من البديهي أنّ الشي ء إنما يحرّك الفاعل نحوه بوجوده العلمي لا الواقعي، فالحكم الفعلي المبيّن غير الواصل إلى المكلف قاصر في نفسه عن التأثير في انبعاثه أو انزجاره، فعدم انبعاثه أو انزجاره الناشئ من القصور المذكور لا يعدّ في نظر العقل عصيانا للمولى يستحق لأجله العقاب، بل عقابه- و الحالة هذه- ظلم يقبح صدوره منه تعالى عن ذلك علوا كبيرا، و هذا- كما ترى- مطّرد في جميع أقسام الشبهة. إذن فلا يبقى لدعوى عدم جريان الحكم العقلي في الشبهات الموضوعية و قصور مقتضيه فيها أيّ وجه يذكر.

ص: 306

ص: 307

بالنسبة إلى ما علم سكوت المولى عنه و شكّ في دخله في

ص: 308

غرضه الواقعي (1) لملاك خاصّ (2) لا يطّرد في غيره، لكن بعد عدم اختصاص (3) عذريّة الجهل بخصوص هذا القسم و اطّرادها فيما إذا احتمل اختفاء البيان أيضا- و لو باعتبار الاشتباه في مفهوم اللفظ- فليس حكمه بذلك لملاك خاصّ يوجب المعذوريّة في خصوص ما لا بدّ فيه من الرجوع إلى الشارع كي يختص بالقسمين الأوّلين (4)، و إنّما هو لملاك مطرد هو توقّف تمامية الإرادة التشريعية- في مرحلة التأثير في بعث المكلّف و زجره- على وجودها العلمي، و قصورها- بنفس وجودها الواقعي و صدورها عن المولى- عن صلاحية التأثير في ذلك، فيكون العقاب حينئذ على عدم الانبعاث أو الانزجار عمّا هو قاصر بنفسه عن التأثير في البعث و الزجر- ظلما يقبح عن المولى صدوره، فهذا هو ملاك استقلال العقل بمعذوريّة الجاهل و قبح المؤاخذة على المجهول، و اطّراده في جميع أقسام الجهل بالحكم الشرعي و عدم اختصاصه بقسم خاصّ منه ممّا لا


1- إذ لو علم بدخل شي ء في غرض المولى و تماميّة الملاك المقتضي للتكليف فيه بحيث تمّ حكم العقل على طبقه لثبت حكم الشرع فيه بالملازمة- و إن سكت عنه ظاهرا-، فإن العقل رسول باطني فيجب الامتثال، و لا مسرح فيه لحكم العقل بعذرية الجهل، لانتفاء الموضوع.
2- الظرف خبر ل (كان)، و قد عرفت فيما مضى آنفا المعنيّ بهذا الملاك الخاص.
3- أي: بعد معلومية عدم الاختصاص و وضوحه.
4- مرّ آنفا بيان هذا و ما بعده، فلا نعيد.

ص: 309

خفاء فيه.

و أمّا الثاني (1) فهو أوضح فسادا من سابقه، إذ بعد ما عرفت من أنّ (2) انحلال الكبرى الشرعية فيما يرجع إلى القسم الثالث (3) بالنسبة إلى آحاد وجودات موضوعه إلى حكم خاصّ استقلالي أو على وجه القيدية مترتّب على شخص موضوعه، و أنّ التكليف الذي يتوجّه إلى المكلّف، و يقبل الوضع و الرفع، و يترتّب عليه عقاب المخالفة هو عبارة عن آحاد تلك الخطابات التفصيلية المنحلّة تلك الكبرى إليها دون نفسها، إذ هي ليست إلّا إنشاء لها على سبيل الإجمال، فلا بدّ حينئذ في خروج كل واحد منها (4) عن موضوع حكم العقل و النقل بالبراءة من معلوميّة شخصه (5) المتوقفة


1- و هو دعوى كفاية العلم بالكبرى الشرعية مانعا عن جريان البراءة في الشبهات الموضوعية.
2- الظاهر زيادة كلمة أن.
3- بل الرابع، و لعلّ الاشتباه من الناسخ، و قد تقدّم ذكر هذا القسم مفصّلا ضمن تقسيم الأحكام باعتبار تعلّق متعلقاتها بالموضوع الخارجي و عدمه إلى أربعة، و تقدم الكلام هناك حول الانحلال و الترتّب المذكورين، و أن الخطابات التفصيلية المترتبة على أشخاص الموضوع و المنحلّة إليها الكبرى هي الخطابات الفعلية المتوجهة فعلا نحو المكلف بعثا أو زجرا، أما نفس الكبرى فليست إلّا إنشاء إجماليا لتلك الخطابات.
4- أي: من تلك الخطابات الفعلية.
5- أي شخص ذلك الخطاب، و قد سبق عند ذكر مراتب الحكم أنّ تنجّزه يدور- بعد العلم بالكبرى الشرعية- مدار العلم بتحقّق موضوعه و انضمام الصغرى إلى الكبرى، و أنه في كلتا مرحلتي الثبوت و الإثبات بمنزلة النتيجة الحاصلة من انضمام المقدمتين. إذن فمجرد العلم بالكبرى لا يكفي في تنجز التكليف و خروجه عن موضوع البراءة، بل لا بدّ فيه من العلم بالصغرى أيضا و إحراز تحقّق الموضوع، فمع الشك فيه شبهة مصداقية يشك في فعليته و توجهه إلى المكلف و يندرج به في مجاري البراءة عقلا و نقلا.

ص: 310

على العلم بشخص موضوعه، و لا جدوى لمجرّد العلم بالكبرى الشرعيّة وحدها في ذلك.

و بالجملة فبعد البناء على عدم مانعيّة العلم بالتكليف المردّد بين الأقلّ و الأكثر عن جريان البراءة بالنسبة إلى ما عدا المتيقن تعلّق التكليف به، و كون الارتباطية كعدمها في ذلك، فلا جرم تجري الشبهات الموضوعيّة في محلّ البحث مجرى الشبهات الموضوعيّة النفسية (1)، و كما أنّه لا مجال للمنع عن جريان البراءة فيها (2) لا بدعوى القصور في المقتضي، و لا بدعوى مانعيّة العلم بالكبرى الشرعيّة، فكذلك فيما نحن فيه، و التفصيل بينهما (3) في كل واحد


1- فإنه مقتضى ما بني عليه من كون الارتباطية كعدمها- كما هو واضح.
2- أي في النفسيات.
3- فإنه إن ادّعي قصور المقتضي فبملاك الموضوعية و هو مطرد في النفسيات و الارتباطيات، و إن ادّعي مانعية العلم بالكبرى فكذلك أيضا و هو مطرد فيهما كذلك، فالتفصيل بين البابين لا محصّل له في شي ء من الوجهين بعد ما عرفت من أن الارتباطية لا أثر لها في تنجيز ما ليس بمتنجز لولاها.

ص: 311

من هاتين الجهتين ممّا لا يرجع إلى محصّل.

و حاصل المقال أنّه بعد ما أوضحنا من رجوع الشبهة المبحوث (1) عنها إلى تردّد متعلّق التكليف من جهة الشبهة الخارجيّة بين الأقلّ و الأكثر على كلّ تقدير (2)، فهي تجري في الارتباطيّة (3) و معلومية التكليف المردّد مجرى الشبهات الحكميّة


1- الموجود في الطبعة الاولى (المبحوثة) و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي: سواء بني على انحلال قيديّة عدم الوقوع في غير المأكول إلى قيود متعدّدة بتعدّد أفراد موضوعها- كما هو المختار حسبما تقدم- أو بني على قيدية نفس السلب الكلي و تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في مجموع الوجودات قيدا واحدا، و عدم الوقوع في كلّ فرد على الأوّل قيد مستقل، و على الثاني جزء القيد، و الشبهة الحاصلة بالنسبة إلى المصداق المشتبه على كلّ من التقديرين خارجية دائرة بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و قد مر تحقيق ذلك كله فيما سبق.
3- أي الشبهة المبحوث عنها تجري من حيث الارتباطية مجرى الشبهات الحكمية و المفهومية المردّد أمرها بين الأقل و الأكثر و المفروض فيهما جريان البراءة، و تجري من حيث موضوعية الشبهة مجرى الشبهات الموضوعية النفسية و المفروض فيها أيضا جريان البراءة، فإذا التزم في كلا المقامين- أعني الحكمية الارتباطية و الموضوعية النفسية- بجريان البراءة، و لم يكن أيّ من الجهتين- الارتباطية و الموضوعية- مانعة عن جريانها، فاجتماعهما في مورد الشبهة المبحوث عنها لا يعقل أن يكون مانعا، و كيف يمكن أن يكون اجتماع أمرين لا مانعية لأيّ منهما محدثا للمانعية.

ص: 312

و المفهوميّة الراجعة إلى تردّد المكلّف به بين الأمرين، و في العلم بالكبرى الشرعيّة و كون الشبهة خارجيّة- ليس من شأنها الرجوع فيها إلى الشارع- مجرى الشبهات الموضوعيّة النفسيّة، و بعد الالتزام بجريان البراءة في كلا المقامين، و عدم مانعيّة شي ء من هاتين الجهتين عن ذلك فلا يعقل أن يؤثّر اجتماعهما في ذلك، و هل هو إلّا كضمّ المعدوم إلى المعدوم؟ و هل التفصيل بين المقامين و المقام و الالتزام بجريان البراءة فيهما دونه إلّا من صرف التحكّم، فلعلّ أن يكون ذهاب المشهور إلى عدم جواز الصلاة في المشتبه- بعد ظهور كلماتهم في المانعيّة و التزامهم بجريان البراءة في كلا المقامين- مبنيّا على منع الصغرى (1) و توهّم رجوع القيد إلى عنوان بسيط اختياريّ يحصل في الخارج بالتحرّز عن مجموع الوجودات- كما يظهر من بعض تعبيراتهم-، و هو (2) و إن كان- بعد ما تقدّم من عدم إمكان رفع اليد عمّا يدلّ على موضوعيّة العنوان المذكور (3) بلحاظ


1- و هي الانحلال، و لو كانوا قائلين بالشرطية أو مانعين من جريان البراءة في أحد المقامين المذكورين- منعا كبرويا- لم يكن وجه لحمل كلامهم على المنع الصغروي.
2- أي رجوع القيد إلى العنوان البسيط.
3- و هو عنوان غير مأكول اللحم، أي موضوعيّته لحكم المانعية بلحاظ وجوداته الخارجية، و قد سبق تفصيل الكلام فيه في البحث الصغروي المتقدم.

ص: 313

تقرّره الخارجي لهذا الحكم- ممّا لا سبيل إليه، بل و ينافيه تسالمهم (1) على لزوم الاقتصار عند الاضطرار على مقدار الضرورة من حيث قضاء نفس الجهة المستتبعة للمانعيّة بذلك- لا بدعوى قيام دليل آخر يوجب ذلك حسبما تقدم بيانه-، لكنّه مع ذلك (2) فهو أهون من منع الكبرى (3)- كما لا يخفى-، و ليس في إهمالهم لذكر هذا القسم (4) في مسائل الباب دلالة على منعهم عن جريان


1- مرّ في البحث المشار إليه بيان منافاته لقيدية العنوان البسيط، بل و منافاته لقيدية السلب الكلي أيضا، و عدم ملائمته إلّا لانحلال القيدية، كما مرّ هناك ظهور تسالمهم على ذلك في كونه جريا على ما تقتضيه أدلة المانعية، لا لأجل قيام دليل آخر- بعد سقوط القيدية رأسا بالاضطرار إلى البعض- على ثبوت تكليف جديد بالنسبة إلى الباقي.
2- أي: مع ما فيه من وجوه الإشكال.
3- و هي جريان البراءة، لما في منع جريانها في المقام مع الالتزام بجريانها في المقامين المتقدّمين من التهافت الواضح، و لا كذلك منع الصغرى، على أن طبع الصغريات أن يكون مجال المناقشة فيها أوسع من الكبريات، هذا و لا يذهب عليك أن المنع الصغروي المحتمل بناء المشهور عليه إنما يتمّ بدعوى قيدية العنوان البسيط- كما صنعه المصنف قدّس سرّه-، فإنها التي تدرج الشبهة في مجاري قاعدة الاشتغال، و لا يستقيم بالبناء على قيدية السلب الكلي، فإن مقتضاها الإدراج في مجاري البراءة- كما على الانحلال- و قد مر بحثه.
4- و هو ما اجتمع فيه جهتا الارتباطية و الموضوعية.

ص: 314

البراءة فيه بعد اطّراد الملاك و اشتراكه، فليكن تنقيحنا له استدراكا لما فاتهم ذكره من أقسام تردّد الواجب بين الأقلّ و الأكثر، و كم ترك الأوّل للآخر، و هذا هو تمام الكلام في المقام الأوّل، و توضيح كون الشبهة المبحوث (1) عنها من مجاري البراءة.


1- الموجود في الطبعة الاولى (المبحوثة) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 315

[المقام الثاني في اندراج الشبهة في المقام في مجاري أصالة الحل]

(المقام الثاني) في توضيح كونها من مجاري أصالة الحلّ المعوّل عليها عند الشكّ في خصوص حلّية الشي ء و حرمته، و المستفاد اعتباره من (1) قول أبي جعفر- عليه أفضل الصلاة و السلام- في رواية عبد اللّه بن سليمان (2) جوابا عن سؤاله عن الجبن المشتبه: «كلّ ما فيه حلال و حرام فهو لك حلال. إلخ»، و قول أبي عبد اللّه- عليه أفضل الصلاة و السلام- في صحيحة عبد اللّه بن سنان: «كلّ شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال. إلخ»، و موثقة مسعدة بن صدقة (3):

«كلّ شي ء هو لك حلال. إلخ».

و محصّل الكلام في ذلك: هو أنّها أيضا باعتبار شمول ما يدلّ على اعتبارها (4) لمحلّ البحث قاضية بعدم مانعيّة المشتبه و جواز


1- الموجود في الطبعة الأولى (عن) و الصحيح ما أثبتناه.
2- رواها في الوسائل في الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث 1، و عبد اللّه بن سليمان هو الصيرفيّ، و هو غير موثّق.
3- الصحيحة مرويّة في الباب 4 من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1، و الموثّقة في نفس الباب- الحديث 4.
4- ستعرف- بعد حين- أنّ الوجه في شمول أدلّة اعتبار هذا الأصل للمقام هو الشك في حلّية الصلاة في المشتبه و حرمته- المنتزع عنها المانعيّة- لا كون الشك في مانعيّته مسبّبا عن الشك في حلّية أكله أو نحو ذلك.

ص: 316

الصلاة فيه، و لكن لا بتقريب أنّ الشكّ في مانعيّة المشتبه لكونه مسبّبا عن الشكّ في حلّية ما أخذ منه (1) و حرمته و هو من مجاري أصالة الحلّ، فقضيّة السببيّة و المسببيّة (2)- حينئذ- هو الحكم بعدم مانعيّته تبعا للحكم على ما أخذ هو منه (3) بالحلّية- بمقتضى هذا الأصل.

و ذلك لأنّ تردّد مثل الصوف المشتبه بين ما يجوز الصلاة فيه و ما لا يجوز يكون- تارة- باعتبار تردّده بين الأخذ من الحلال أو الحرام المعلوم كلّ واحد منهما و الممتاز في الخارج عن الآخر (4) و- أخرى- باعتبار تردّد ما علم أخذه منه بين الحلال و الحرام (5).

و لا خفاء في أنّ ما هو من قبيل القسم الأوّل فليس للشكّ


1- الموجود في الطبعة الاولى (عنه) و الصحيح ما أثبتناه.
2- ليجري الأصل في ناحية السبب و هو أصالة حليّة ما أخذ منه، و يترتّب عليه المسبّب و هو عدم المانعيّة.
3- الموجود في الطبعة الاولى (عنه) و الصحيح ما أثبتناه.
4- كما هو الغالب في موارد الاشتباه في المقام و نظائره.
5- لشبهة حكميّة كما إذا لم يعلم نوع حيوان معيّن أنّه حلال أو حرام، أو موضوعيّة كما إذا تردّد حيوان خارجيّ بين نوعين محلّل و محرّم.

ص: 317

السببيّ فيه مساس بمجاري أصالة الحلّ أصلا (1)، إذ ليس في البين حيوان مشتبه يشكّ في حلّيته و حرمته كي يندرج في مجاري هذا الأصل، و إنّما الشبهة راجعة إلى مرحلة أخذ الصوف من أيّ الحيوانين المعلوم حلّية أحدهما و حرمة الآخر، و واضح أنّها بمعزل عن ذلك (2).

و لا مجال لدعوى استلزام هذه الشبهة للشكّ في حلّية ما أخذ منه (3) هذا الصوف و حرمته و إجراء الأصل فيه بهذا الاعتبار (4)، لأنّ هذا العنوان (5) إذا لوحظ مرآة لما في الخارج فدعوى الاستلزام ممنوعة (6)، كيف و ليس هو خارجا عن الشخصين، و المفروض عدم


1- فلا يجري الأصل المذكور للحكم على ما أخذ منه بالحلّية.
2- أي: عن اندراجها في مجاري هذا الأصل، و بالجملة: الفرق بيّن بين الشك في حلّية الحيوان و حرمته و بين الشكّ في أخذ هذا الصوف من الحيوان المعلوم الحلّية أو المعلوم الحرمة، و الشبهة هنا من القسم الثاني، و مجرى الأصل هو الأوّل.
3- الموجود في الطبعة الاولى (عنه) و الصحيح ما أثبتناه.
4- بأن يقال: إنّ الشك في الأخذ من المحلّل أو المحرّم يستلزم الشك في حلّية المأخوذ منه و حرمته، فيجري فيه أصالة الحلّية، و يترتّب عليه عدم المانعيّة، و قد وصف قدّس سرّه هذه الدعوى في آخر كلامه بالمغالطة.
5- و هو عنوان ما أخذ منه هذا الصوف.
6- إذ- عليه- يكون العنوان مشيرا إلى ما في الخارج، و ما في الخارج لا يشكّ في حلّيته أو حرمته، إذ هو إمّا هذا و هو معلوم الحلّية أو ذاك و هو معلوم الحرمة. إذن فالشك في الأخذ لا يستلزم الشك في حلّية الموجود الخارجيّ المعنون و حرمته. و منه يظهر النظر فيما أفاده السيّد الأستاذ قدّس سرّه في هذا المقام (رسالة اللباس المشكوك: 73) من أنّ معلوميّة حكم كلّ منهما في نفسه لا ينافي الشكّ الفعليّ في حرمة ما أخذ منه هذا الصوف، و أن معنون هذا العنوان موجود خارجيّ يشك في حلّيته و حرمته فعلا. إذ فيه أنّ الموجود الخارجيّ المشار إليه بالعنوان المذكور لا يشكّ في حلّيته و حرمته، بل يشكّ في شخصه، لعدم تعيينه، فلا يعلم أنّه هو هذا الغنم الحلال أو ذاك الأرنب الحرام، فليس في البين موجود خارجيّ يشك في حلّيته و حرمته ليجري فيه أصالة الحلّية. هذا، و قد جعل قدّس سرّه المقام نظير ما إذا وقع بيد المكلف قطعة لحم يشكّ في أخذها من لحم معلوم الحرمة أو من آخر معلوم الحلّية، حيث لا إشكال في جريان أصالة الحلّ فيها. لكنّ هناك- كما ترى- فرقا بين المقامين، فإنّ المدّعى في محلّ الكلام هو الشكّ في حلّية ما أخذ منه الصوف و حرمته، أمّا الصوف نفسه فلا معنى للشك في حلّيته و حرمته بالمعنى المبحوث عنه هنا، أمّا قطعة اللحم- في المثال- فيشكّ فعلا في حلّيتها و حرمتها في نفسها و إن كان هذا الشك ناشئا من الشك في كونها مقطوعة من أيّ اللحمين، و نحوه الكلام فيما مثّل قدّس سرّه به ثانيا من فقد أحد اللحمين، فراجع و تدبّر.

ص: 318

تطرّق الشك في الحلّية و الحرمة بالنسبة إلى شي ء منهما، و لا يعقل أن يكون الشكّ في اتّخاذ هذا الصوف من (1) كلّ منهما موجبا للشكّ


1- الموجود في الطبعة الأولى (عن) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 319

في حلّيته و حرمته (1). و إن لو حظ من حيث نفس هذا المفهوم (2) المنتزع عن لحاظ الاتّصاف باتّخاذ هذا الصوف منه (3)، فهو و إن صحّ دعوى الاستلزام- حينئذ- بهذا الاعتبار (4)، لكن بعد وضوح عدم صلاحيّة نفس المفاهيم الانتزاعيّة من حيث أنفسها لا للاندراج في عموم الموصول أو الشي ء الوارد في عناوين الأدلّة (5)، و لا للحكم عليها بالحلّ و الحرمة فلا جدوى في إحراز الاتّخاذ من


1- أي: في حلّية ما اتّخذ منه و حرمته، فإنّ ما اتّخذ منه- كما عرفت- إمّا هذا و هو حلال قطعا أو ذاك و هو حرام كذلك، و الشك في الأخذ لا يعقل أن يسري إلى حكم المأخوذ منه بعينه فيوجب شكا فيه- كما لا يخفى.
2- و هو مفهوم ما اتّخذ منه هذا الصوف.
3- الموجود في الطبعة الاولى (عنه) و الصحيح ما أثبتناه.
4- فإنّ المفهوم الانتزاعي المذكور لكونه كلّيا مردّدا في صدقه على كلّ من الحيوانين- المتّخذ من أحدهما الصوف و المفروض حلّية أحدهما و حرمة الآخر- فلا محالة يتردّد أمر المفهوم في مفهوميّته بين الحلّية و الحرمة- لو فرض صلاحية المفاهيم أنفسها لتعلّق الأحكام بها، و هي ممنوعة كما حقّق في محلّه و سيشار إليه. و هذا نظير مفهوم (أحدهما) المنتزع من شيئين خارجيّين، فإنّه إذا فرض اتّصاف أحدهما بالحلّية مثلا و الآخر بالحرمة استتبع ذلك تردّد المفهوم المذكور نفسه بين الوصفين.
5- أي: أدلّة أصالة الحلّ، فإنّ المراد بهما الموجود الخارجيّ دون المفهوم المنتزع- كما هو واضح.

ص: 320

الحلال بهذا الأصل لهذه المغالطة.

و أمّا ما يرجع إلى القسم الثاني فهو و إن كان الأصل- حينئذ- قاضيا بحلّية الحيوان المشتبه المذكور عند ترتّب أثر شرعيّ (1) على حلّية الحيوان بالمعنى الممكن إحرازه بهذا الأصل، و لو باعتبار الصلاة في أجزائه مع عدم جريانه لأكل لحمه (2) إمّا لخروجه عن مورد الابتلاء- مثلا- أو لعدم إحراز تذكيته- و لو من جهة الشكّ في قبوله لها- أو غير ذلك، لكنّه- مع ذلك- فلا جدوى له فيما نحن فيه.

و توضيح ذلك: أنّ الأحكام الشرعيّة المترتّبة على المحرّمات الشرعيّة- مثلا- أو محلّلاتها تترتّب (3) عليها تارة باعتبار نفس ذواتها (4)


1- إذ يعتبر في جريان الأصل ترتّب أثر شرعي على مؤدّاه و هو في المقام موجود.
2- يعني: لا يعتبر في جريان هذا الأصل في الحيوان المشتبه ترتّب الأثر عليه بالنسبة إلى أكل لحمه، بل يكفي في الأثر جواز الصلاة في أجزائه و لو كانت لا تحلّها الحياة ممّا لا يعتبر فيه التذكية، و لا يقدح عدم ترتّب حلّية أكل اللحم عليه لخروجه عن محلّ الابتلاء أو لعدم إحراز تذكيته أو نحو ذلك.
3- الموجود في الطبعة الاولى (يترتب) و الصحيح ما أثبتناه.
4- فتكون الذوات تمام الموضوع لتلك الأحكام كما أنّها موضوعات للحلّية أو الحرمة.

ص: 321

من دون أن يكون لاتّصافها بالوصف المذكور (1) دخل (2) في موضوع الحكم، فيكون أخذه في لسان الدليل معرّفا للموضوع (3). و أخرى باعتبار اتّصافه بها، فيكون أخذه فيه عنوانا له (4).

و لا خفاء في أنّ ما هو من قبيل القسم الأوّل فلا ترتّب فيه لأحد الحكمين على الآخر و إنّما يعرضان في عرض واحد لموضوع واحد، و كذلك الشكّ في أحدهما لا يتسبّب عن الشكّ في الآخر و إنّما يتسبّبان معا عن الشكّ في موضوعهما، فإن كان هناك أصل موضوعيّ يوجب تنزيل الموضوع (5) فهو و إلّا فلا جدوى للأصل الحكميّ القاضي بترتّب أحدهما في ترتّب الآخر أيضا و إلغاء الشك فيه، لا بنفسه (6)، و لا بتوسّط إثبات


1- و هو وصف كونه محرّما أو محلّلا.
2- الموجود في الطبعة الاولى (دخلا) و الصحيح ما أثبتناه.
3- أي: يكون الوصف المذكور مأخوذا في لسان الدليل معرّفا و مشيرا إلى موضوع الحكم من دون دخل له فيه.
4- أي: للموضوع، و دخيلا فيه، فيكون اتّصاف الشي ء بالحلّية أو الحرمة مأخوذا في موضوع الحكم الثاني.
5- كالاستصحاب الموضوعيّ الموجب لتنزيل المستصحب منزلة الواقع، فإذا ثبت به الموضوع ترتّب عليه كلا الحكمين في عرض واحد، و إذا انتفى انتفيا جميعا.
6- أي: بنفس الأصل الحكمي الجاري في الأوّل، ضرورة أنهما حكمان متغايران فكيف يثبت أحدهما بالأصل المثبت للآخر.

ص: 322

الملزوم (1) إلّا على القول بحجيّة الأصل المثبت.

و أمّا ما يرجع إلى القسم الثاني فهو أيضا يتصوّر على وجهين:

لأنّ أخذ وصف الحلّية أو الحرمة الشرعيّة في موضوع حكم آخر يكون- تارة- باعتبار معناها الذاتيّ (2) المجعول لذوات الأنواع المحلّلة أو المحرّمة في حدّ ذاتها و نوعها، و المحفوظ عند طروّ ما يوجب الرخصة فعلا أو المنع كالاضطرار- مثلا- أو المغصوبيّة، و- أخرى- باعتبار معناها الفعليّ الذي هو عبارة عمّا ذكر من الرخصة أو المنع الفعليّ المقابل و المنافي كلّ منهما للآخر بهذا الاعتبار، و المجامع له بالاعتبار الأوّل (3).

و لا خفاء في أنّهما- و إن اشتركا في كون الشكّ السببيّ (4) في


1- و هو الموضوع، باعتبار أن ثبوت أحد الحكمين بالأصل يستلزم ثبوت موضوعه و يترتّب على ثبوت الموضوع ثبوت حكمه الآخر، و ذلك لأنّه من الأصل المثبت الذي لا نقول بحجيّته، فإنّ ثبوت الموضوع ملزوم عقليّ لثبوت حكمه فلا يثبت بالأصل الحكمي.
2- و هي الحلّية أو الحرمة الذاتية المجعولة لذوات الأنواع بعناوينها الأوّلية و إن طرأ عليها عنوان ثانوي من اضطرار أو غصب أو نحوهما ممّا يوجب صيرورة الحرام الذاتي حلالا فعلا أو بالعكس.
3- فإنّ الحرمة الفعليّة تنافي الحلّية الفعليّة و تقابلها، لكنّها تجامع الحلّية الذاتيّة، و كذا العكس.
4- و هو الشك في الحكم الأوّل- الحلّية أو الحرمة- المأخوذ في موضوع الحكم الثاني، و وجه الاشتراك واضح، فإنّ أصالة الحلّ كما تجري فيما يشك في حلّيته الذاتيّة كذلك فيما يشك في حلّيته الفعليّة.

ص: 323

كلّ واحد منهما من مجاري أصالة الحلّ-، لكن حيث إنّ غاية ما يستفاد ممّا يدلّ على اعتبار هذا الأصل إنّما هو الرخصة في المشكوك بما هو مشكوك الحكم، و عدم رعاية جانب الحرمة فيه، دون البناء على أنّه الحلال واقعا و حكمه الواقعيّ هو الحلّية، كي يرجع إلى جعل أحد طرفي الشكّ و إلغاء الآخر (1)- كما هو لسان


1- محصّل المرام: أنّ المجعول بأصالة الحلّ- حسبما يستفاد من أدلّتها- هو مجرد الترخيص العمليّ في ارتكاب المشكوك حلّيته و حرمته ما دام هو مشكوك الحكم و متّصفا بهذا الوصف و عدم لزوم رعاية احتمال حرمته بالاجتناب عنه من دون أن يتكفّل البناء على حلّيته الواقعيّة، كما هو لسان الاستصحاب و نحوه من الأصول المحرزة، كي يرجع إلى جعل أحد طرفي الشك- الحلّية- على أنه هو الواقع و إلغاء الطرف الآخر- الحرمة-، فالمجعول بها حلّية ظاهرية خاصّة بحال الشك، و وزانها وزان الحلّية الواقعيّة الفعليّة المجعولة للشي ء في حال الاضطرار خاصّة، دون الذاتيّة المجعولة له في حدّ ذاته. إذن فهي لا تتكفّل سوى الحليّة الفعليّة ما دام الشك. و حينئذ فإن كان المأخوذ في موضوع الحكم الثاني هو الحلّية الفعليّة و الشك فيه مسبّبا عن الشك فيها- كما هو الشأن في القسم الثاني من القسمين الأخيرين- فأصالة الحلّية الجارية في جانب الشك السببيّ حاكمة على الأصل الجاري في ناحية المسبّب و رافعة للشك فيه، و إن كان المأخوذ فيه هو الحلّية الذاتيّة- كما في القسم الأوّل منهما- فلا حكومة حينئذ، إذ هي لا تثبت بالأصل المذكور فلا يصلح لرفع الشك في ناحية المسبّب.

ص: 324

الاستصحاب- مثلا-، فليس الحكم الظاهريّ المجعول بهذا الأصل- حينئذ- إلّا من سنخ الواقعيّ المجعول عند الاضطرار- مثلا- دون الذاتيّ المجعول للشي ء في حدّ ذاته، و لا تكفّل له لجعل متعلّق (1) الشكّ السببيّ و إلغاء الشك فيه إلّا في خصوص القسم الأخير خاصّة، فلا يستتبع ارتفاع الشكّ المسبّبي و مجعوليّة متعلّقة (2) إلّا في خصوص هذا القسم دون القسم الأوّل، فإنّ مناط حكومة الأصل الجاري في أحد الشكّين على الآخر و ارتفاع موضوعه به (3) إنّما هو كونه (4) باعتبار تكفّله لتنزيل الملزوم (5) مستتبعا لتنزيل لازمه أيضا و إلغاء الشكّ فيه- لا محالة-، لا من حيث نفس جريانه فيه مع عدم تكفّله لذلك (6)، إذ لا يعقل أن يكون (7) مجرّد موضوعيّة الشكّ


1- و هو الحلّية.
2- و هو الحكم الثاني الذي أخذت الحلّية في موضوعه.
3- أي: موضوع الشك الآخر بذلك الأصل.
4- الموجود في الطبعة الاولى (لكونه) و الصحيح ما أثبتناه.
5- و هو السبب كما أنّ لازمه هو المسبّب. و المقصود أنّ مناط الحكومة أن يكون الأصل متكفّلا لجعل ما هو ملزوم و موضوع لحكم آخر، فيستتبع- لا محالة- جعل ذلك الحكم و إلغاء الشك فيه.
6- أي: عدم استتباعه لتنزيل اللازم.
7- يعني: لا يعقل أن يكون مجرّد جريان أصل متكفّل لحكم ظاهريّ في الشك السببيّ- كأصالة الحلّية- موجبا لتنزيل ما لا ترتّب له على ذلك الحكم كما إذا كان مترتّبا على الحلّية الذاتيّة و كان الحكم الذي يتكفّله الأصل هو الحلّية الفعليّة، و إذا لم يوجب التنزيل في ناحية الشك المسبّبيّ فلا محالة لا يكون رافعا للشك فيه.

ص: 325

السببيّ لحكم ظاهريّ موجبا لتنزيل ما لا ترتّب له عليه أو رافعا للشك المسبّبي مع عدم تنزيله لما يشكّ فيه.

و إذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ أدلّة الباب بين طائفتين:

الأولى: ما علّق فيه الحكم بمانعيّة الأجزاء على نفس الأنواع و العناوين المحرّمة كالأرانب و الثعالب و السمّور و غير ذلك.

و الثانية: ما علّق فيه على عنوان (ما لا يؤكل) أو على (ما هو حرام أكله) أو نحو ذلك.

و لا خفاء في ظهور الطائفة الأولى- خصوصا مع انضمامها بما ورد من تعليل الحكم بالمسوخية (1)- في ترتّب المانعيّة في عرض حرمة الأكل على نفس تلك الأنواع من حيث عدم صلاحيّتها في حدّ ذاتها لوقوع الصلاة في أجزائها- كعدم صلاحيّتها لأكل لحومها-، لا من حيث كونها محكومة بحرمة الأكل كي يترتّب أحد الحكمين على الآخر.

و أمّا الطائفة الثانية: فكما يصلح الوصف فيها للعنوانيّة فكذا


1- في مرفوعة محمّد بن إسماعيل المتقدّمة، فإنّ المسوخيّة عنوان ذاتيّ للأنواع المسوخة، و تعليل المانعية بها يدلّ على موضوعية تلك الأنواع و تعليق الحكم عليها.

ص: 326

يصلح للمعرّفية أيضا، فيحمل حينئذ على الوجه الأخير (1) بقرينة الطائفة الاولى- لا محالة. بل لو سلّم لبعضها- كصدر الموثّقة (2) مثلا باعتبار التفريع الوارد فيها- ظهور في دخل الاتّصاف بالوصف المذكور في موضوع الحكم، فبعد أظهريّة الطائفة الاولى و كونها باعتبار ما تتضمّنه (3) من التعليل أبعد عن قبول الحمل و التأويل فلا مناص عن حمل الوصف على المعرفيّة و يستقيم التفريع أيضا بذلك (4). و على هذا فلا ترتّب بين الحكمين و لا سببيّة و لا مسبّبيّة


1- و هو المعرّفية لتلك الأنواع و الذوات، و قد مرّ بيان الفرق بينها و بين العنوانيّة.
2- و هو قوله عليه السّلام «الصلاة في كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في شعره إلخ». فإنّ تفريع فساد الصلاة في شعره و نحوه على كونه حراما أكله ظاهر في نفسه في موضوعيّة الاتّصاف بحرمة الأكل و كونه مأخوذا على نحو العنوانيّة، و ليس سبيله سبيل قولهم عليهم السّلام في سائر روايات هذه الطائفة: «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» الذي يتساوى فيه الاحتمالان.
3- الموجود في الطبعة الاولى (يتضمنه) و الصحيح ما أثبتناه.
4- محصّل المرام: أنّ الطائفة الأولى أخبار كثيرة قويّة الدلالة- و لا سيّما مع انضمام التعليل بالمسوخيّة إليها- على عدم صلاحيّة تلك الأنواع للصلاة فيها لذواتها، و يبعد جدا حملها جميعا على إرادة عدم صلاحيّتها لذلك لأجل حرمة أكلها. و أمّا الطائفة الثانية فما سوى صدر الموثّقة يحتمل فيه الأمران، فيحمل- كما مرّ- على المعرفيّة بقرينة الطائفة الأولى. بقي صدر الموثّقة، و هو لأظهريّة الطائفة الأولى منه و عدم صلاحيّته لوحدة؟؟؟ لمقاومتها لا بدّ من رفع اليد عن ظاهره، و حمله أيضا على المعرّفية.

ص: 327

بين الشكّين و إنما يتسبّبان في عرض واحد عن الشكّ في كونه من أفراد الغنم مثلا أو الأرنب، و واضح أنّ نفس الشكّ السببيّ (1) حينئذ ليس بنفسه و مع قطع النظر عن استتباعه للشك في جواز الأكل و عدمه من مجاري أصالة الحلّ- كما لا يخفى.

ثمّ لو سلّمنا ظهور الأدلّة في ترتّب المانعيّة على وصف حرمة الأكل، فغاية ما يسلّم من ذلك إنّما هو ترتّبها عليه على الوجه الأوّل (2)، فإنّ هذا هو الظاهر من الحرمة و الحليّة الموصوفة بهما محرّمات الأنواع و محلّلاتها (3) دون الثاني، و إلّا (4) لزم- مضافا إلى خروجه عن ظواهر أدلّة الباب- دخول ما لا تحلّه الحياة من ميتة الغنم (5)- مثلا- فيما لا تجوز الصلاة فيه، و خروج ما اضطرّ إلى


1- و هو هنا الشك في كونه من أفراد الغنم أو الأرنب مثلا، فانتبه.
2- و هو كون الحرمة المترتّب عليها حرمة ذاتيّة.
3- فإنّ قولنا (ما لا يؤكل لحمه أو يؤكل) يعني النوع الذي يحرم أكله أو يحلّ، و الظاهر من اتّصاف النوع بأحد الوصفين هو اتّصافه به من حيث ذاته لا بلحاظ عوارضه و ثانويّاته.
4- أي: و إن كانت المانعيّة مترتّبة على الحرمة الفعليّة.
5- كصوف الغنم الميتة، فإنها لموتها يحرم أكلها حرمة فعليّة، في قبال الأرنب المضطرّ إلى أكله حيث يحلّ أكله حلّية فعليّة، فلو كانت العبرة بحرمة الحيوان و حلّيته الفعليّتين لزم ما هو ضروريّ البطلان من فساد الصلاة في الأوّل و صحتها في الثاني.

ص: 328

أكله من الأرنب أو الثعلب- مثلا- عنه، و التالي باطل بالضرورة فكذلك المقدّم.

و بالجملة: فلا مناص- بعد تسليم ترتّب المانعيّة على حرمة الأكل- عن الالتزام به على الوجه الأوّل- و لو سلّم عدم ظهور الأدلّة فيه (1).

و على هذا فأصالة الحلّ و إن كانت جارية في الشكّ السببيّ (2)، لكنّها باعتبار عدم تكفّلها لإلغاء الشكّ في ملزوم المانعيّة (3) فلا يعقل أن يستتبع إلغاء الشكّ فيها- كما قد عرفت-، فيبقى الشكّ في المانعيّة- حينئذ- بحاله، و لا بدّ فيه من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل فيه بالخصوص، هذا.

و لا فرق فيما ذكرنا (4) بين أن يكون الشكّ في حلّية الحيوان


1- لما عرفت من لزوم ما هو ضروريّ البطلان لو لم يلتزم بهذا الوجه، فكيف إذا كانت الأدلّة أيضا ظاهرة فيه- كما سمعت.
2- و مقتضاها حلّية أكل ما هو مردّد بين الغنم و الأرنب، لكنّها حلّية فعليّة خاصّة بحال الشكّ، و لا تقتضي الحلّية الذاتيّة لينتفي بها موضوع المانعيّة و ملزومها، فيبقى الشك في المانعيّة بحاله و يرجع فيه إلى الأصل الجاري فيه نفسه.
3- فإنّ ملزومها- كما عرفت- هو الحرمة الذاتيّة، و الأصل لا يقتضي سوى الحلّية الفعليّة، فلا يتكفل إلغاء الشك في الملزوم ليستتبع إلغاء الشك في المانعيّة نفسها.
4- من أنّ جريان أصالة الحلّ في الشك السببيّ لا يجدي في إلغاء الشك في موضوع المانعيّة.

ص: 329

المشتبه من جهة الشبهة الموضوعيّة- مثلا- أو الحكميّة، إذ بناء على شمول ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل للشبهات الحكميّة أيضا (1) فالشك في قابليّة النوع المشتبه للتذكيّة (2) و اقتضاء الأصل الموضوعيّ عدمها- بناء على جريانه فيما إذا كان الشك فيها من جهة القابليّة أيضا (3)- و إن لم يكن مانعا عن جريان أصالة الحلّ لترتيب ما لا توقّف له من الآثار على تذكية الحيوان- كالصلاة فيما لا


1- كما هو أحد القولين، و إن لم يرتضه هو قدّس سرّه، و تفصيل الكلام محرّر في الأصول.
2- توضيحه: أنّ النوع المشتبه شبهة حكمية إن كان يعلم قابليّته للتذكية فلا كلام في جريان أصالة الحلّ فيه، فيحلّ أكله إذا ذكّي، أما إذا كان يشك في قابليّته لها فالأمر كذلك- بناء على عدم جريان الأصل الموضوعيّ- أصالة عدم التذكية- مع الشك في القابلية، أمّا بناء على جريانه معه أيضا فأصالة الحلّ لا تجدي فيما يتوقّف من الآثار على التذكية- كحلّية أكله و نحوها-، أمّا بالنسبة إلى ما لا يتوقّف منها عليها- كجواز الصلاة فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه- فإجداؤها مبنيّ على كون المانعية مترتّبة على الحرمة الفعلية، و قد عرفت امتناعه مضافا إلى ظهور الأدلّة في خلافه، و نحوه- من حيث حكم الصلاة- صورة العلم بقبول النوع المشتبه للتذكية- المتقدّمة.
3- قد حقّق في محلّه أنّ جريان استصحاب عدم التذكية لدى الشك في القابليّة مبنيّ على كون التذكية أمرا بسيطا متحصّلا من ذبح الحيوان بشرائطه مع قابليّة المحلّ، أمّا بناء على كونها الذبح نفسه و القابليّة شرطا في الحل و الطهارة فلا مجال للاستصحاب بل المرجع حينئذ أصالة الطهارة و الحلّية.

ص: 330

تحلّه الحياة من أجزائه و نحو ذلك-، لكن حيث قد عرفت أنّ غاية ما يقتضيه الحكم بحلّية النوع المشتبه بمقتضى هذا الأصل هي الرخصة في أكله (1)، دون اللحوق بالأنواع المحلّلة في حدّ ذاتها و نوعها، كي يترتّب عليه آثارها (2) التي منها جواز الصلاة في أجزائها، فيبقى الشكّ في مانعيّة الأجزاء (3) حينئذ بحاله- كما قد عرفت.

بل لو منعنا عن أصل جريان أصالة الحلّ في الشبهات الحكميّة رأسا (4)، و قلنا بأنّ الأصل فيها هو الحرمة إمّا لنفس كون الشبهة تحريميّة- كما عليه الأخباريّون (5)-، أو لأنّ الأصل في الشبهة التحريميّة- و إن كان في حدّ نفسها هو الحلّ- إلّا أنّ حصر المحلّلات في الطيّبات في قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ)* (6)- مثلا- يوجب انقلاب الأصل في المطعومات (7) على حدّ غيرها


1- أي: بما هو مشكوك الحكم رخصة عمليّة فعليّة لا الحلّية الواقعيّة الذاتيّة.
2- أي: يترتّب على النوع المشتبه آثار الأنواع المحلّلة في ذاتها.
3- مطلقا تحلّها الحياة أم لا تحلّها.
4- يعني: حتّى بالنسبة إلى أكله.
5- القائلون بوجوب الاحتياط في الشبهات الحكميّة التحريميّة.
6- يستفاد الحصر من هذه الجملة باعتبار وقوعها جوابا عن السؤال عمّا أحلّ لهم، قال تعالى (يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ).
7- اختصاصه بالمطعومات مستفاد من سياق الآية المباركة. و هذه القاعدة قوّاها المصنف الجدّ قدّس سرّه و اعتمد عليها في الفقه، و محصّلها: أنّه إذا علّق حكم ترخيصي تكليفي أو وضعي على أمر وجوديّ دلّ بالدلالة الالتزامية العرفية على إناطة الرخصة و الجواز بإحراز ذلك الأمر و عدم جواز الارتكاب عند الشك فيه، فيجب الاحتياط وجوبا طريقيا و لا مجال في مثله لأصالة البراءة، و هذا هو المراد بانقلاب الأصل، و قد جعل قدّس سرّه هذا هو الوجه في تسالمهم على أصالة الحرمة و وجوب الاحتياط في الدماء و الأموال و الفروج في كلّ من شبهاتها الحكمية و الموضوعية، نظرا إلى تعليق كلّ من جواز إزهاق الروح و التصرف المالي و الاستمتاعي على كون المقتول مهدور الدم و المالك طيّب النفس و المرأة زوجة أو ملك يمين، و عليها بنى قدّس سرّه أصالة انفعال الماء حتى يحرز كونه عاصما، حيث علّق اعتصامه على كونه كرّا أو جاريا أو نحوهما من المياه العاصمة، و أصالة حرمة النظر حتى يحرز كونه محرما أو مماثلا و نحو ذلك.

ص: 331

ممّا علّق فيه الحلّ و الإباحة على عنوان وجوديّ كالدماء و الأموال و الفروج و غير ذلك- كما هو ظاهر المحكيّ عن المحقّق و الشهيد الثانيين و شارح الروضة (1) و بعض آخر (2)-، و إن كان لازم هذا الوجه- على تقدير تماميّته (3)- هو التعدّي إلى الشبهات الموضوعيّة (4) أيضا و هم لا يلتزمون بذلك.


1- هو الفاضل الأصفهاني قدّس سرّه في المناهج السويّة- كما قيل.
2- يعني أنّ انقلاب الأصل في المطعومات بمقتضى حصر المحلّلات في الطيّبات و تعليق الحلّ عليها ظاهر المحكيّ عن الأعلام قدّس سرّه.
3- و لا يكاد يتمّ، إذ لا مجال لإجراء القاعدة المذكورة في المطعومات، و التفصيل مذكور في الأصول (فوائد الأصول، الطبعة الحديثة 3: 386).
4- الدائر أمر الحيوان فيها بين الحلّية و الحرمة، و ذلك لاطّراد المناط.

ص: 332

و كيف كان، فغير خفيّ أنّه بناء على أصالة الحرمة (1) في الحيوان المشتبه لإحدى هاتين الجهتين (2) فليس مفادها على كلّ منهما إلّا على مفاد أصالة الحلّ (3)، و كما قد عرفت أنّها (4) لا ترجع (5) إلى إلغاء ملزوم المانعيّة كي يستتبع إلغاءها (6) فكذا لا ترجع هي (7) أيضا إلى تنزيله (8) كي يستتبع تنزيلها، فيبقى الشك في المانعيّة على هذا القول أيضا بحاله- حذو ما سمعت.


1- هذه العبارة إعادة إجمالية لمقدّم الشرطيّة (لو منعنا.) أعيد لأجل ربط التالي به و هو قوله (فليس مفادها إلخ).
2- و هما: كون الشبهة تحريميّة و انقلاب الأصل في المطعومات.
3- إذ لا تقتضي سوى الحرمة الفعليّة و عدم الرخصة في الأكل لا اللحوق بالأنواع المحرمة ذاتا.
4- أي: أصالة الحلّ.
5- الموجود في الطبعة الاولى (يرجع) و الصحيح ما أثبتناه.
6- المقصود إلغاء الشك في ملزوم المانعيّة كي يستتبع إلغاء الشك في المانعيّة نفسها، و التعبير مسامحيّ.
7- أي: أصالة الحرمة.
8- أي: تنزيل ملزوم المانعية، فإنّ ملزومها- كما مرّ- هو الحرمة الذاتيّة، و أصالة الحرمة لا تقتضي سوى الحرمة الفعلية. إذن فكما أنّ أصالة الحلّ لا تجدي في نفي المانعية كذلك أصالة الحرمة لا تجدي في إثباتها، فيبقى الشك في المانعيّة بحاله، و لا بدّ فيه من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل فيه نفسه.

ص: 333

و من ذلك كلّه فقد ظهر أنّه لقد أجاد المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه فيما أفاده في شرح الإرشاد (1): من أنّ حكمهم بتحريم المشتبه- على تقدير التسليم- إنّما يوجب اللحوق بالمعلوم (2) في أكل اللحم فقط، لا في جميع الأحكام (3). و أنّ ما صنعه بعض الأعلام (4) في رسالته المعمولة في المسألة- من إخراج الصوف المأخوذ من (5) المشتبه على كلّ من القولين (6) عن حريم هذا النزاع (7) و إلحاقه بالمأخوذ من (8) الحلال أو الحرام المعلومين (9)، تمسّكا بقضيّة


1- قال قدّس سرّه فيه: «و لا يضرّ حكمهم بأن الحيوان ما لم يعلم أنّه حلال يحكم بتحريمه- على تقدير التسليم-، لأنّ ذلك يلحق بالمعلوم في أكل اللحم فقط- إن كان لدليل- لا في جميع الأحكام المترتبة على ما هو حرام في الحقيقة» انتهى.
2- أي: بمعلوم الحرمة.
3- التي منها جواز الصلاة في أجزائه، و وجه الظهور ما عرفت من أنّ أصالة الحرمة لا تتكفّل جعل ملزوم المانعيّة ليستتبع جعلها، كلّ ذلك بناء على تسليم ترتّب المانعيّة على وصف حرمة الأكل، و قد تقدّم أنّه غير مسلّم.
4- هو الفاضل الآشتياني قدّس سرّه في (إزاحة الشكوك).
5- الموجود في الطبعة الأولى (عن) و الصحيح ما أثبتناه.
6- و هما الرجوع إلى أصالة الحليّة أو إلى أصالة الحرمة في اللحوم.
7- إشارة إلى النزاع المتشعّب منه القولان المزبوران آنفا.
8- الموجود في الطبعة الأولى (عن) و الصحيح ما أثبتناه.
9- فإنّه قدّس سرّه صرّح بأنّه لا مجال لتوهّم جريان أصالة الحلّ في الصوف المشتبه أخذه من معلوم الحليّة أو معلوم الحرمة، إذ ليس في البين- كما تقدّم هنا أيضا- حيوان مشتبه يشكّ في حليّته و حرمته. إذن فهذا القسم من الصوف خارج- موضوعا- عن حريم النزاع المذكور.

ص: 334

السببيّة و المسببية (1)، رادّا بها على ما أفاده المحقّق المذكور (2)- ممّا لا يليق بمثله الخبير بمجاري الأصول.

و بالجملة: فحديث السببيّة و المسببيّة أجنبيّ عن المقام (3)، أو أنّه لا جدوى له (4)، و ليس التمسّك بأصالة الحلّ في محلّ البحث مبنيّا عندنا على ذلك.

و لا مبنيّا على إحراز الإباحة التكليفيّة (5) المقابلة للحرمة


1- تعليل لإخراج الصوف المأخوذ من الحيوان المشتبه عن حريم النزاع، و الظاهر أنّ المراد أنّ النزاع المزبور في هذا القسم إنّما يصحّ بالنسبة إلى الحيوان المأخوذ منه الصوف دون الصوف نفسه، لأنّ الشك في صحة الصلاة فيه مسبّب- في نظره- عن الشك في حليّة حيوانه، فإن بني على أصالة الحلّ فيه ترتّب عليها صحّة الصلاة في صوفه، و إن بني على أصالة الحلّ فيه ترتّب عليها صحّة الصلاة في صوفه، و إن بني على أصالة الحرمة اقتضت بطلانها فيه، إذن فالصوف نفسه خارج- بهذا المعنى- عن حريم هذا النزاع.
2- قال قدّس سرّه (79) بعد نقله كلام المحقق الأردبيلي قدّس سرّه المتقدم رادّا له: «إن المنع يترتّب على تحريم اللحم، فإذا حكم بحرمته- و لو من جهة الأصل و القاعدة- حكم ببطلان الصلاة فيه».
3- بناء على ما هو المختار من عدم ترتّب المانعيّة على حرمة الأكل.
4- بناء على تسليم الترتّب، نظرا إلى أنّ المترتّب عليه هي الحرمة الذاتيّة التي لا يقتضيها الأصل إثباتا و لا نفيا.
5- بأن يحرز بأصالة الحلّ إباحة الصلاة في المشكوك إباحة تكليفيّة ذاتيّة،فيجوز الإتيان بها، أو تشريعيّة فيجوز التعبّد بها و إسنادها إلى الشارع.

ص: 335

الذاتيّة أو التشريعيّة بها، و إحراز الصحّة الظاهريّة أيضا بذلك (1).

كيف و لا بدّ في تحقّق موضوع هذا الأصل من الجهة الاولى (2)- و هي احتمال الحرمة الذاتيّة- من اتّصاف الصلاة في غير المأكول الواقعي بها، و ليس إلى دعواه سبيل، إذ لا دليل على ذلك عند اختلال ما عدا الطهارة (3) من القيود، و على تقدير صحة التعدّي (4) بدعوى قطعيّة المناط و اطّراده (5) فالحرمة مترتّبة على


1- بدعوى أنّه إذا ثبت جواز فعلها أو إسنادها إلى الشارع فلا محالة تكون صحيحة مطابقة للمأمور به و مسقطة للتكليف، و سيأتي ما فيه.
2- محصّله: أنّ موضوع أصالة الحلّ المقابل للحرمة الذاتيّة هو احتمال الحرمة الذاتيّة، و لا يتحقّق هذا الاحتمال إلّا إذا كانت الصلاة في غير المأكول الواقعي حراما ذاتيّا- لتكون في المشكوك مشكوكة الحرمة-، و لم يثبت ذلك بدليل.
3- أي: الحدثيّة، فإنّه يستفاد من بعض الروايات حرمة دخول المحدث في الصلاة حرمة ذاتية، كموثّقة مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السّلام فيمن يصلّي على غير وضوء تقيّة ثم يتوضأ إذا انصرف و يصلّي، قال عليه السّلام: «سبحان اللّه أ فما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفا». (الباب 2 من أبواب الوضوء من الوسائل- الحديث 1).
4- عن الطهارة إلى سائر القيود- و منها المقام.
5- بأن يدّعى أنّ المناط لحرمة الصلاة من دون طهارة هو كونه إخلالا بقيد معتبر في الصلاة، و هذا متحقّق في الصلاة في غير المأكول- مثلا أيضا، و يدّعى أيضا قطعيّة هذا المناط، فيكون من تنقيح المناط القطعيّ الموجب للتعدّي.

ص: 336

المانعيّة (1) دون العكس- كما لا يخفى-، فلا جدوى (2) لإحراز الحلّية المقابلة لها (3) بهذا الأصل في إحراز عدم مانعيّة المشتبه و انطباق المأتيّ به على المطلوب إلّا على القول بحجيّة الأصل المثبت.

و من الجهة الثانية (4) أوضح فسادا من سابقه (5)، إذ بعد تحقّق موضوع القبح العقليّ و التشريع المحرّم (6) بنفس الشكّ في


1- لوضوح أنّها ناشئة عن المانعيّة و مسبّبة عنها، و كلامنا في الحرمة التي هي سبب للمانعية ليترتب على إحراز الحليّة بالأصل إحراز عدم مانعيّة المشتبه و جواز الصلاة فيه.
2- يعني: و إذ أصبحت الحرمة مترتّبة على المانعيّة فإحراز الحلية بالأصل لا يجدي في إحراز عدم المانعيّة إلّا على الأصل المثبت، لأنّ المانعيّة حينئذ موضوع للحرمة، و الأصل الجاري لإحراز الحكم لا يثبت موضوعه، بخلاف العكس، ضرورة أنّ تحقّق الحكم عند تحقّق موضوعه شرعيّ و لا كذلك عكسه.
3- أي: للحرمة الذاتيّة.
4- و هي إحراز الإباحة التكليفيّة المقابلة للحرمة التشريعيّة بهذا الأصل.
5- الموجود في الطبعة الاولى (سابقته) و الصحيح ما أثبتناه.
6- أي تحقّق موضوع التشريع القبيح عقلا و المحرم شرعا، أمّا قبحه عقلا فلأنّ إسناد ما لا يعلم أنّه من المولى إليه تصرّف في سلطانه بغير إذنه و افتراء عليه، و أمّا حرمته شرعا فللأدلّة السمعيّة المذكورة في محلّها- مضافا إلى قاعدة الملازمة.

ص: 337

المشروعيّة (1) سواء كان باعتبار الشكّ في أصل التشريع- كالنافلة الرباعيّة مثلا (2)- أو من جهة الشكّ في الانطباق على المشروع- كما فيما نحن فيه و أشباهه (3)-، فلا مجال لأن يتردّد التعبّد به (4) بين الحلال و الحرام (5) كي يتحقّق موضوع هذا الأصل.

أمّا على ما هو التحقيق في باب التشريع- من دوران حرمته الواقعيّة مدار انتفاء ما يوجب الاستناد إلى الشارع (6)، لا مدار عدم


1- فإنّ موضوع التشريع هو ما لا يعلم مشروعيته و كونه من الدين المتحقق بنفس الشك في المشروعيّة.
2- إذ يشك في أصل تشريعها و ثبوتها في قاموس الشريعة- حذو مشروعيّة الثنائيّة و ثبوتها فيه.
3- من موارد الشبهات الموضوعيّة، ففيما نحن فيه يشكّ في مصداقيّة الصلاة الواقعة في المشكوك للصلاة المشروعة- أعني غير الواقعة في غير المأكول-، و بهذا الاعتبار يعدّ من موارد الشك في المشروعيّة.
4- أي: يتردّد الفعل المتعبّد به و الصادر عن بناء قلبيّ على ثبوته في الشريعة مع عدم العلم به، عملا كان أو إفتاء، فإنّ التشريع ليس مجرّد البناء المذكور، بل الجري العمليّ على طبقه و الفعل بداعي مشروعيّته.
5- بل يتعيّن كونه من الحرام، للقطع بتحقّق موضوعه السابق الذكر، و معه لا تحقّق للشكّ المأخوذ موضوعا لأصالة الحلّ.
6- بأن لم تقم عند المكلّف حجّة معتبرة على الحكم تسوّغ له إسناده إلى الشارع، فإسناده إليه- و الحالة هذه- تشريع محرّم و إن كان الحكم المذكور مشروعا في نفس الأمر، فتمام الموضوع للحرمة الواقعيّة هو عدم ثبوت الحكم بحجّة شرعيّة، لا عدمه الواقعي و لا ثبوت عدمه، فالمشكوك ثبوته كالثابت عدمه في حرمة التعبّد به واقعا، و لا شكّ في حرمته كي يندرج في مجاري هذا الأصل.

ص: 338

المشروعيّة النفس الأمريّة- فظاهر، لعدم انفكاك الشكّ فيها- حينئذ- عمّا فرض موضوعا واقعيا لحرمة التعبّد، فلا يعقل أن يتطرّق الشكّ فيها كي يندرج في مجاري هذا الأصل، أو يتشبّث في إحراز عدم المشروعيّة الواقعيّة بأصالة عدمها (1)، كيف و مع الغضّ (2) عن انتفاء الحالة السابقة فيما ينشأ الشكّ فيها عن الشكّ في الانطباق (3)- كما في نظائر المقام-، و اختصاصها (4) بما إذا كان ناشئا عن الشكّ في أصل التشريع، فمقتضى عدم دوران حرمة التعبّد أو جوازه مدار المشروعيّة النفس الأمريّة و عدمها هو عدم ترتّب أثر على هذا الأصل أصلا، لا باعتبار حرمة التعبّد و هو


1- بأن يستصحب عدم مشروعيّتها السابقة على الحوادث.
2- تعليل لفساد التشبّث بأصالة عدم المشروعيّة الواقعيّة.
3- و هو الثاني من قسمي الشكّ في المشروعيّة المتقدّمين، و انتفاء الحالة السابقة فيه واضح- بناء على المختار من اعتبار وجود الموضوع في العدم النعتيّ-، أمّا بناء على عدم الاعتبار فالحالة السابقة متحقّقة، فإنّ الصلاة قبل وجودها لم تكن منطبقة على المشروع فيستصحب إلى ما بعد وجودها.
4- أي: الحالة السابقة.

ص: 339

ظاهر (1)، و لا باعتبار كون المؤدّى ممّا تناله بنفسه يد الجعل (2) فإنّه إنّما يجدي في جريان الأصل لإحراز عدمه إذا لم يكن البناء العمليّ الذي هو المجعول بالأصول حاصلا بنفس الشكّ وجدانا، و إلّا فيرجع التعبّد به- حينئذ- إلى تحصيل الحاصل و إحراز ما هو


1- وجه الظهور: ما عرفت من أنّ الموضوع الواقعيّ لحرمة التعبّد و التشريع هو عدم ثبوت المشروعيّة، و هو متحقّق وجدانا فتترتّب عليه الحرمة قهرا، و ليس موضوعها عدم المشروعيّة الواقعيّة ليجدي الاستصحاب في ترتبها. فلا وجه لما قد يقال: من أنّه إذا أحرز عدم المشروعيّة بالاستصحاب كان حرمة التشريع لأجل إحراز عدم المشروعيّة لا لأجل الشك فيها، و ذلك لما سمعت من أنّ تمام الموضوع للحرمة هو عدم ثبوت المشروعيّة، و هو حاصل بالوجدان، و إحراز عدمها غير مؤثر في شي ء.
2- محصّله: أنّ ما يعتبر في جريان الأصل العملي من كون مؤدّاه قابلا للجعل الشرعي إثباتا و نفيا و إن تحقّق في المقام، لأنّ أمر تشريع الحكم بيد الشارع فمع الشك فيه يجري استصحاب عدم تشريعه، إلّا أنّه لمّا كان المجعول بالأصل هو البناء العملي على طبق المؤدّى فهو إنّما يصح جعله بالأصل إذا لم يكن حاصلا في نفسه بمجرد الشكّ، و إلّا كان التعبّد بجعل الأصل مع حصول البناء العملي بالوجدان لغوا و تحصيلا تعبّديا لما هو حاصل بالوجدان و هو أردأ أنحاء تحصيل الحاصل، و كان إحراز مؤدّاه به إحرازا تعبّديا لما هو محرز بالوجدان و هو ممّا لا محصّل له، و المقام كذلك فإنّ الشك في المشروعيّة وجدانا يقتضي بناء العمل على ترك إسناد المشكوك إلى الشارع حذرا من التشريع المحرّم، و معه لا مجال للجعل التعبّدي بلسان الأصل لاستلزامه المحذور المتقدم.

ص: 340

محرز وجدانا بالتعبّد، و هو- كما ترى- ممّا لا يرجع إلى معنى محصّل معقول. و حيث إنّ بناء العمل على عدم المشروعيّة النفس الأمريّة ليس إلّا عبارة عن عدم التعبّد الحاصل بنفس الشكّ وجدانا فعدم معقوليّة جعله التعبّديّ- حينئذ- أوضح من أن يخفى.

نعم لو قيل بأنّ المحرّم الواقعيّ في باب التشريع هو التعبّد بما لم يتعبّد به الشارع في نفس الأمر (1)، و أنّ استقلال العقل بقبح التعبّد بالمشكوك لكونه إقداما على ما لا يؤمن من الوقوع فيه، لا لأنّه القبيح الواقعيّ- كما هو أحد الاحتمالين (2) في ارتكاب محتمل الضرر و نحوه ممّا يستقلّ العقل بقبح الإقدام عند الشكّ-، فتدور الحرمة الواقعيّة- حينئذ- مدار المصادفة، و إلّا فيجري مجرى التجرّي (3) اتّجه جريان الاستصحاب حينئذ و حكومته على هذا


1- فيكون حرمته الواقعيّة و قبحه الذاتيّ دائرا مدار عدم المشروعيّة في الواقع، و حرمته حال الشك و عدم قيام الحجّة على المشروعيّة طريقيّة بمناط إدراك الواقع و التحرّز عن الوقوع في التشريع المحرّم، لا واقعيّة متّحدة المناط مع حرمته حال العلم- كما كان على القول الأوّل المختار.
2- و الاحتمال الآخر هو كون الإقدام على ما لا يؤمن من الضرر قبيحا ذاتا، و حراما واقعا- كان الضرر معلوما أو محتملا.
3- أي: و إن لم يصادف الواقع فتعبّد بالمشكوك و كان في الواقع مشروعا، أو أقدم على محتمل الضرر و لم يكن فيه ضرر كان من قبيل التجرّي، حيث ارتكب ما هو محرم ظاهرا لا واقعا.

ص: 341

الحكم العقليّ (1)، لكونه (2) على هذا المبنى كسائر القواعد الظاهريّة المقرّرة لمرحلة التحيّر، فيرتفع موضوعه بالأصل القاضي بتنزيل المتعلّق- كما في قاعدة الطهارة (3) مثلا بالنسبة إلى استصحابها.

لكنّه لا يجدي في جريان أصالة الحلّ، لأنّ الشكّ في المشروعيّة النفس الأمريّة و إن كان مستتبعا- حينئذ- للشكّ في حرمة التعبّد أو جوازه (4)- لا محالة-، لكن بعد استقلال العقل بحكم طريقيّ (5) بنفس الشكّ في المشروعيّة و استتباعه لحكم ظاهريّ (6) بقاعدة الملازمة، فلا جرم تكون الحرمة- حينئذ- معلومة، و يرتفع بذلك موضوع أصالة الحلّ (7)، و لا تصل النوبة


1- و هو حكم العقل بقبح التعبّد بالمشكوك بمناط إحراز الواقع، وجه الحكومة أنه باستصحاب عدم المشروعيّة يحرز عدم المشروعيّة الواقعيّة، فيرتفع الشك المأخوذ موضوعا للحكم العقليّ المزبور.
2- أي الحكم العقلي.
3- فإنّها قاعدة ظاهريّة مقرّرة للشاك في الطهارة فيرتفع موضوعها بالأصل التنزيليّ المحرز للطهارة، و إن كانا متوافقين بحسب المؤدّى- كالمقام.
4- يعني: و هو موضوع لأصالة الحلّ.
5- لنشوئه عن ملاك إدراك الواقع و التطرّق إليه.
6- شرعيّ هو حرمة التعبّد بمقتضى قاعدة الملازمة بين حكم العقل و حكم الشرع.
7- فتكون القاعدة العقليّة حاكمة على أصالة الحلّ، إذ بها أصبحت حرمة التعبّد معلومة- و لو ظاهرا-، فلا شك في حرمتها ليرجع إلى أصالة الحلّ.

ص: 342

إليها و لو مع عدم جريان الأصل الموضوعيّ المذكور (1)- كما في موارد الشكّ في الانطباق على المشروع.

و إن شئت قلت: موضوع القاعدة هو الشكّ السببيّ (2) و موضوع أصالة الحلّ هو الشكّ المسبّبي، فلا جرم تكون القاعدة- حينئذ- كأصالة الحرمة في النفوس و الأموال مثلا (3) حاكمة عليها، بل لو فرض اتّحاد الموضوع و المرتبة (4) فلا بدّ من التخصيص- كما لا يخفى.


1- يعني: فضلا عما إذا كان الأصل المذكور- و هو الاستصحاب الآنف الذكر- جاريا. توضيحه أنّه في موارد عدم جريان الاستصحاب- و هي ما إذا كان الشك في الانطباق على المشروع كما تقدّم- لا تصل النوبة إلى أصالة الحلّ، لحكومة القاعدة عليها- كما سمعت-، أمّا في موارد جريانه- و هي ما إذا كان الشك في أصل التشريع- فعدم وصول النوبة إلى أصالة الحلّ أوضح، لحكومة الاستصحاب على القاعدة أيضا فضلا عن الأصل، لأنّ الاستصحاب أصل موضوعيّ و هما حكميّان.
2- و هو الشك في المشروعيّة و عدمها، فإنّه سبب للشك في حرمة التعبّد و جوازه الذي هو موضوع أصالة الحلّ، و الأصل الجاري في الشك السببيّ حاكم على الجاري في المسبّبي.
3- فإنّ موضوعها هو الشك في الموضوع الخارجي كالشك في كون الشخص مهدور الدم أو محقونه، و هو سبب للشك في جواز قتله و عدمه الذي هو موضوع أصالة الحلّ، فتكون تلك حاكمة على هذه.
4- بأن يفرض أنّ موضوع القاعدة العقليّة أيضا هو الشك في حرمة التعبّد و جوازه، فيتّحد موضوعها مع موضوع أصالة الحلّ، و تصبحان في مرتبة واحدة فلا حكومة في البين، و بما أنّ بينهما تنافيا في الحكم و موضوع القاعدة أخصّ مطلقا من موضوع الأصل فلا بدّ من تخصيص الثاني بالأوّل، إذن فالنتيجة- على هذا الفرض أيضا- هي حرمة التعبّد. و نحوه الكلام بعينه فيما إذا فرض أنّ موضوع أصالة الحرمة في المهمّات هو الشك في الحرمة و الجواز، لا الشك في الموضوع الخارجيّ.

ص: 343

هذا كلّه، مضافا إلى أنّه لو سلّم قضاء الأصل (1) بجواز التعبّد بما يشكّ انطباقه على المطلوب فلا جدوى له في إحراز عدم مانعيّة المشتبه و تطبيق المأتيّ به على المطلوب، لكونه من الملزومات المبنيّ إحرازها على حجيّة الأصل المثبت، و لا في الاكتفاء بمشكوك الانطباق (2) و الموافقة الاحتماليّة حتّى على القول


1- يعني: لو سلّم فيما نحن فيه- الذي مرّ أنّه من قبيل الشك في الانطباق على المشروع- جريان أصالة الحلّ و اقتضاؤها جواز التعبّد بمصداقيّة الصلاة الواقعة في اللباس المشتبه للصلاة المشروعة، فهي لا تجدي فيما يهمنا من إحراز عدم مانعيّة المشتبه و انطباق المأتيّ به على المطلوب إلّا على القول بحجيّة الأصول المثبتة، فإنّ عدم مانعيّة المشتبه ملزوم لمؤدّي الأصل- أعني جواز التعبّد المزبور- و نسبته إليه نسبة الموضوع إلى حكمه، و الأصل المثبت للحكم لا يثبت موضوعه.
2- أي: و لا جدوى للأصل المزبور في الاكتفاء في مقام الامتثال بمشكوك الانطباق و الاجتزاء بالموافقة الاحتمالية- و لو قلنا بالأصل المثبت-، إذ لا ملازمة بين جواز التعبّد المذكور و بين الاجتزاء بمشكوك الانطباق كي يكون القول بحجيّة الأصل المثبت مجديا في إثباته، فإنّ جواز إسناد مشكوك الانطباق إلى الشارع لا يقتضي عقلا و لا شرعا جواز الاكتفاء به لدى الامتثال، و المفروض الشكّ في انطباقه على المطلوب، فتبصّر. هذا، لكن لا يخفى أنّه إذا جرى الأصل المذكور و ثبت به- كما عرفت- عدم مانعيّة المشتبه بناء على الأصل المثبت، لزمه الإجزاء و الصحّة عقلا، لانطباق المأتيّ به على المطلوب، و عليه فالأمران المتقدّمان و إن لم يكن بينهما ملازمة، إلّا أنّهما لازمان لملزوم واحد هو عدم مانعيّة المشتبه، فيثبت الإجزاء على المبنى المذكور بهذه المعونة.

ص: 344

بحجيّة الأصول المثبتة أيضا، إذ لا ملازمة بين الأمرين- كما لا يخفى.

و بالجملة: فليس التمسّك بهذا الأصل عندنا مبنيّا على شي ء من هذه الوجوه- حسبما استوفينا الكلام فيه.

و إنّما بناء الاستدلال على إجرائه في نفس الشكّ في مانعيّة المشتبه، بدعوى رجوعه باعتبار منشأ انتزاع المانعيّة إلى الشكّ في حليّة الصلاة فيه و حرمتها حقيقة (1)، و اندراجه في مجاري هذا الأصل بهذا الاعتبار (2)، و رجوع الحكم على نفس المشتبه و الصلاة فيه بالحليّة الظاهريّة إلى ترخيص ظاهريّ فيه من هذه الجهة (3)، و رفع القيديّة المحتملة عنه في الظاهر.


1- فإنّ المانعيّة لمّا كانت منتزعة من النهي عن الصلاة في غير المأكول- مثلا- فمرجعها إلى حرمة الصلاة فيه، و مرجع الشك فيها بالنسبة إلى المشتبه إلى الشك في حليّة الصلاة في المشتبه و حرمتها.
2- أي: باعتبار الشك في حليّة الصلاة فيه و حرمتها.
3- أي: في المشتبه من جهة وقوع الصلاة فيه.

ص: 345

قال المحقّق القميّ قدّس سرّه (1) في تقريب الاستدلال: (كما أنّ اللحم المشترى من السوق الذي هو مطابق لجنس اللحم القابل لكونه كلّا من النوعين نوعان قابلان لأن يحكم على كلّ منهما بما حكم به الشارع و علم منه حكمه، فكلّ فرد من أفراد هذا الجنس يحكم بحليّته بمقتضى هذا الحديث حتّى يعلم أنّه بعينه الحرام، فكذلك الصوف الذي له فردان بعضها ممّا لا تحلّ الصلاة فيه و بعضها ممّا تحلّ، فإذا اشتبه الحال يحكم بحليّته حتّى يعرف أنّه ممّا لا تحلّ، و الحلّ و الحرمة تابعان لما قصد من الموضوعات من جملة أفعال المكلّفين، ففي بعضها يراد الأكل، و في بعضها اللبس، و في بعضها الصلاة فيه و غير ذلك). انتهى موضع الحاجة (2)، و لا يخفى ما في صدر العبارة من التعقيد (3)، لكنّ المراد غير خفيّ.


1- قاله قدّس سرّه في المتفرّقات من جامع شتاته (806) في مطاوي الجواب عن السؤال عمّا هو المعروف من وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة، و قد سبق حكاية بعض عبائره في هذا الجواب في الأمر الرابع المتقدّم.
2- و محلّ الاستشهاد قوله قدّس سرّه (فكذلك الصوف الذي له فردان بعضها ممّا لا تحلّ الصلاة فيه و بعضها ممّا تحلّ فإذا اشتبه الحال يحكم بحليّته حتى يعرف أنّه مما لا تحلّ)، و قوله قدّس سرّه أخيرا (و في بعضها الصلاة فيه)، فعدّ الصلاة فيه من جملة الأفعال المتعلّقة بالموضوعات المحكوم عليها بالحلّ أو الحرمة، و ظاهر العبارتين شمول روايات أصالة الحلّ للشكّ في مانعيّة المشتبه باعتباره شكّا في حلّية الصلاة فيه و حرمتها.
3- و هو قوله: (الذي هو مطابق لجنس اللحم- إلى قوله- و علم منه حكمه)، يعني أنّ لحم السوق الذي هو من جنس اللحم له نوعان حلال و حرام و يعرف كلّ من النوعين من بيان الشارع، فإذا اشتبه فرد منه أنّه من أيّ النوعين يحكم بحليّته حتّى يعلم أنّه من الحرام.

ص: 346

و كيف كان، فمحصّل التقريب (1) هو: أنّ الموصول أو الشي ء الوارد في عنوان الروايات (2) لا يخلو إمّا أن يراد به نفس الموضوعات المشتبهة الخارجيّة،- كما هو الظاهر من لفظة الشي ء و التمثيل له في رواية مسعدة بالثوب و نحوه (3)، و من ورود الموصول في رواية عبد اللّه بن سليمان جوابا عن سؤاله عن الجبن المشتبه (4)-، فيكون المراد بالحلّ و الحرمة- حينئذ- المعنى الوضعيّ (5) العارض لنفس الموضوعات الخارجيّة باعتبار ما يتعلّق


1- أي: تقريب الاستدلال على جريان أصالة الحلّ في الشك في المانعيّة.
2- ورد الموصول (كلّ ما فيه حلال و حرام) في رواية ابن سليمان، و الشي ء (كلّ شي ء) في معتبرتي ابن سنان و مسعدة.
3- و يؤكّده العموم في ذيلها (و الأشياء كلّها على هذا- الحديث-).
4- فإنّ كلّا من الجبن و الثوب و نحوهما موضوعات خارجيّة مشتبهة.
5- يعني: إذا كان فعل المكلف متعلّقا بموضوع خارجيّ فكما تتعلّق حلية أو حرمة تكليفيّتان بذلك الفعل، كذلك تتعلق حليّة أو حرمة وضعيّتان بموضوعه. بيانه: أنّه لا ريب في وقوع إسناد الحكمين المزبورين إلى الموضوعات الخارجيّة أنفسها في كثير من الآيات و الروايات، كما لا ريب في عدم كونهما تكليفيّتين مع التحفّظ على حقيقيّة الإسناد، لأنّ التكليف هو الحكم الشرعي من حيث الاقتضاء و التخيير، و لا يتصوّر في ذات الموضوع الخارجيّ اقتضاء و لا تخيير، فلا بدّ إمّا من ارتكاب التجوز في الإسناد و تقدير فعل مناسب من أكل أو شرب أو نحوهما، فتكون الحلّية أو الحرمة حينئذ تكليفيّتين، أو إبقاء الإسناد على حقيقته بأن يراد بالحلّية و الحرمة المعنى الوضعيّ منهما العارض لذات الموضوع حقيقة فإنّ المحروميّة أو عدمها كما تتحقق بالنسبة إلى الفعل كذلك هي متحققة بالنسبة إلى الذات المتعلّقة له، فتتصف بالحلّ تارة و بالحرمة أخرى، لكن لا بما هي هي- كما في اتصافها بالطهارة أو النجاسة مثلا-، و لا باعتبار ما يتعلّق بها من فعل المكلّف على نحو الواسطة في العروض بأن تكونا عارضتين على الفعل أوّلا و بالذات و على متعلّقه ثانيا و بالعرض، إذ مرجعه حينئذ إلى المعنى الأوّل، بل على نحو الواسطة في الثبوت، فيكون تعلّق الفعل الحلال أو الحرام بالموضوع الخارجيّ مصحّحا لاتّصاف الموضوع نفسه بهما، فتدبّر.

ص: 347

بها من أفعال المكلّفين، أو يراد به نفس الأفعال المشتبهة من حيث أنفسها (1)، أو باعتبار تعلّقها بموضوعاتها (2) المشتبهة (3)، فيراد


1- متعلق بالمشتبهة.
2- الموجود في الطبعة الاولى (لموضوعاتها) و الصحيح ما أثبتناه.
3- عطف على (من حيث أنفسها)، فإنّ اشتباه الفعل و تردّده بين الحلال و الحرام يكون تارة من جهة اشتباهه بنفسه كالتكلّم المردّد بين كونه محرّما أو محلّلا، و اخرى من جهة اشتباه ما يتعلّق به من الموضوع كشرب المائع المردّد بين الخلّ و الخمر، فيسري اشتباه الموضوع إلى الفعل نفسه- لا محالة.

ص: 348

بهما (1) المعنى الاقتضائي (2) اللاحق لأفعال المكلّفين و ما يقابله من الرخصة و الإباحة الخاصّة التي هي أحد الأحكام الخمسة.

فعلى الأوّل يختصّ جريان هذا الأصل بما إذا استند الشكّ في الحلّ و الحرمة إلى تردّد موضوع خارجيّ بين الأمرين (3).

و على الثاني يعمّ ما إذا استند إلى تردّد المكلّف أيضا بين من يحلّ له الفعل أو يحرم عليه (4) و غير ذلك (5).

و على كلّ منهما فكما لا اختصاص لجريان هذا الأصل بما إذا كانت الحرمة المحتملة- على تقدير ثبوتها الواقعيّ- عارضة


1- أي بالحلّ و الحرمة على هذا التقدير.
2- و هي الحرمة التكليفيّة التي تفيد المنع و اقتضاء الترك، و هذا المعنى- كما سيأتي التحقيق حوله مفصّلا- متحقّق في النواهي الغيريّة المفيدة لقيديّة العدم أيضا- كالنهي عن الصلاة في غير المأكول-، لدلالتها على المنع عن إيقاع الواجب فيه و اقتضاء تركه، فلا اختصاص له بموارد النواهي النفسيّة، و انتظر التفصيل.
3- فلا يجري فيما لم يكن فعل المكلف متعلّقا بموضوع خارجيّ أصلا- كالتكلّم-، أو كان و لم يستند الشك في الحلّ و الحرمة إلى تردّد ذلك الموضوع بينهما- كلبس الحرير بالنسبة إلى الخنثى، و فعل ما يشك المكلّف في تعلّق نذره أو شرطه أو نحوهما بتركه و عدمه.
4- كما عرفت في مثال الخنثى، لاستناد الشك إلى تردّد المكلّف بين كونه ذكرا أو أنثى.
5- كما سمعت من المثال الأخير و أشباهه ممّا يتردّد فعل المكلف ذاته بين الحلّ و الحرمة،- كان لذلك الفعل موضوع خارجيّ أم لم يكن.

ص: 349

للشي ء (1) من جميع الجهات، فلا يكون له منفعة محلّلة أصلا (2)، أو من جهة دون اخرى (3)، بل يعمّ جميع الوجوه و الاعتبارات (4) التي منها الصلاة فيه، و على تقدير حمل الموصول و الشي ء على نفس الأفعال فالأمر في العموم أظهر (5).

فكذا لا اختصاص له بما إذا كان المنع المذكور حكما نفسيّا و خطابا مستقلا ناشئا عن المبغوضيّة الذاتيّة، بل يعمّ ما إذا كان من جهة القيديّة (6) أيضا، لاشتراكهما جميعا فيما هو ملاك الاتّصاف بالحرمة الشرعيّة- و هو الوقوع في حيّز التكليف العدميّ بأحد الوجهين-، و خروج النفسيّة و الاستقلال، و كذلك الاستناد إلى


1- هذا بناء على أن يراد بالموصول و الشي ء الموضوعات المشتبهة.
2- لفرض حرمة الانتفاع بجميع منافعه.
3- فيحرم الانتفاع به في بعض منافعه لا جميعها.
4- يريد قدّس سرّه بذلك التعميم للموارد التي لا تعدّ منفعة للشي ء و لا تكون حرمته باعتبار الانتفاع به في جهة، بل باعتبار آخر كلبس غير المأكول في الصلاة، فإنّه ليس محرّما بما هو لبس و انتفاع منه لمبغوضيّة في هذا الانتفاع مطلقا أو في حال الصلاة، بل لمحبوبيّة الصلاة غير الواقعة فيه و اشتمالها على المصلحة الملزمة، و بهذا الاعتبار تصبح الصلاة الواقعة فيه حراما، بل هو نفسه أيضا من جهة وقوع الصلاة فيه.
5- إذ عليه تتعلّق الحرمة المحتملة بالصلاة الواقعة في الشي ء المشتبه، و تعلّقها بها أوضح من تعلّقها بالشي ء نفسه، فإنّه قد لا يستأنس بعض الأذهان كون غير المأكول نفسه حراما- و لو باعتبار حرمة الصلاة فيه.
6- أي: كان المنع من جهة قيديّة العدم للواجب.

ص: 350

المبغوضيّة الذاتيّة عن مدلول اللفظ (1) لغة و عرفا، فكما أنّ المائع المردّد بين الخلّ و الخمر مردّد هو من جهة شربه، و كذا نفس شربه بين الحلال و الحرام، فكذلك الصوف- المردّد بين ما قيّدت الصلاة بعدم الوقوع فيه و ما رخّص إيقاعها فيه- مردّد هو، و كذلك الصلاة فيه بين الأمرين، و كما أنّ الحكم على المائع المردّد- مثلا- أو شربه بالحليّة (2) يرجع إلى ترخيص فيه من الجهة المشكوكة، فكذا في الصوف المردّد- أيضا- يرجع إلى الترخيص من هذه الجهة، و مرجعه إلى إطلاق ظاهريّ (3) في المطلوب من جهة الوقوع في المشتبه، فيلزمه الصحّة و الإجزاء الظاهري- لا محالة.

و حاصل التقريب يتركّب من مقدّمات ثلاث:

الاولى:- رجوع الشكّ في مانعيّة المشتبه باعتبار منشأ انتزاعها (4)


1- و هو لفظ الحرمة، فإنّ مدلوله- كما سيجي ء- ليس إلّا عبارة عن منع الشارع عن شي ء و حرمانه العباد عنه تشريعا- و لو كان من قبيل المنع عن الصلاة في شي ء-، و لا يعتبر في مفهومه- لغة و لا عرفا- مبغوضيّة الفعل ذاتا، و لا نفسيّة الخطاب الناهي عنه.
2- بموجب روايات أصالة الحلّ.
3- أي: مرجع هذا الترخيص الظاهريّ إلى إطلاق المطلوب إطلاقا ظاهريّا بالنسبة إلى وقوعه في المشكوك و عدمه، فلا يتقيّد- بحسب الوظيفة الظاهريّة- بعدم الوقوع فيه.
4- فإنّ المانعيّة لكونها منتزعة- كما مرّ- من منع الشارع عن إيقاع الصلاة في شي ء فالشك في المانعيّة يرجع إلى الشك في المنع المزبور.

ص: 351

إلى الشك في منع الشارع عن إيقاع الصلاة فيه أو ترخيصه له، و هذه المقدّمة هي بمنزلة الصغرى فيما نحن فيه (1)، و عليها يبتنى التفرقة (2) بين ما نحن فيه و بين ما إذا شكّ في تحقّق القيود الوجوديّة في الاندراج في مجاري هذا الأصل و عدمه.

و الثانية:- عدم اختصاص ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل بما إذا كان المنع المشكوك فيه حكما مستقلا ناشئا عن المبغوضيّة الذاتيّة، كي يختصّ الترخيص الظاهريّ الذي هو مؤدّى هذا الأصل بالشبهات التحريميّة النفسيّة، بل يعمّها و ما إذا كان من جهة القيديّة أيضا- كما نحن فيه و أشباهه- من حيث شمول لفظ الحرام الوارد في عناوين الأدلّة (3) لهما على نمط واحد.

و الثالثة:- ترتّب النتيجة- الصحّة الظاهريّة (4)- على تعلّق


1- إذ ينقّح بها- كما ستعرف لدى تحقيق الحال فيها- أنّ أحد طرفي الشك في الشبهة المبحوث عنها هو حرمة الصلاة في المشتبه، و الطرف الآخر هو حلّيتها، و بذلك يتحقّق في المقام الصغرى لكبرى أصالة الحلّ، فيقال: هذا ما يشكّ في حلّيته و حرمته، و كلّ ما هو كذلك فهو حلال.
2- سيأتي بيان الفرق بين ما نحن فيه- القيود العدميّة- و بين القيود الوجوديّة من حيث الاندراج في مجاري أصالة الحلّ و عدمه، و أنّه مبتن على تعلّق المنع الشرعي بالعدميّة دون الوجوديّة.
3- مطلقا سواء أدلّة اعتبار هذا الأصل و غيرها، و هذه المقدّمة بمنزلة الكبرى فيما نحن فيه.
4- الصحة عطف بيان للنتيجة.

ص: 352

الترخيص الظاهريّ بإيقاع الصلاة في المشتبه من جهة نفس الشكّ في مانعيّته (1) بمقتضى هذا الأصل، لا كما لو فرض جريانه من جهة احتمال الحرمة الذاتيّة- مثلا- أو التشريعيّة- حسبما تقدّم الكلام فيه.

أمّا المقدّمة الأولى:- فالكلام فيها يقع- تارة- في رجوع (2) الجهة المستتبعة للمانعيّة إلى المنع الشرعيّ المولويّ عن إيقاع


1- يعني: أنّ الصحّة الظاهريّة و الإجزاء إنّما يترتّب على ما يقتضيه الأصل من الترخيص الظاهري إذا جرى الأصل المذكور بلحاظ الشك في المانعيّة، لا بلحاظ احتمال الحرمة الذاتيّة أو التشريعيّة، لما تقدّم من عدم اقتضائه الإجزاء لو جرى باعتبار أحد هذين الاحتمالين، بخلاف ما إذا جرى باعتبار الشك في المانعيّة، و ستعرف التفصيل.
2- فإنّ إثبات هذه المقدّمة- التي عرفت أنّها بمنزلة الصغرى فيما نحن فيه- يتوقّف على أمرين:- الأوّل: رجوع مانعيّة غير المأكول مثلا في الصلاة إلى منع الشارع عن إيقاعها فيه، و انحلاله إلى المنع عن إيقاعها في آحاد وجوداته الخارجيّة، و قد تقدّم تحقيق الكلام حول ذلك في المقام الأوّل المعقود لتنقيح كون الشبهة المبحوث عنها من مجاري أصالة البراءة.و الثاني: رجوع إطلاق الصلاة بالنسبة إلى أضداد غير المأكول و عدم مانعيّتها فيها إلى ترخيص الشارع في الصلاة في أيّ فرد منها، فيستنتج منهما أنّ المصداق المشتبه المردّد بين كونه من مصاديق عنوان المانع أو أحد أضداده الوجوديّة يشك في منع الشارع عن الصلاة فيه أو ترخيصه فيها، فيندرج في صغريات أصالة الحلّ.

ص: 353

الصلاة في آحاد ما ينطبق على عنوان المانع في الخارج، و- اخرى- في رجوع إطلاق المطلوب أيضا بالنسبة إلى الأضداد الوجوديّة الواقعة طرفا للشبهة- كأجزاء المأكول مثلا أو القطن أو الكتّان- إلى الرخصة الشرعيّة المقابلة للمنع المذكور.

أمّا الأوّل: فهو ظاهر ممّا أسلفناه في المقام السابق (1)، إذ بعد انحلالها (2)- كحرمة شرب الخمر مثلا- بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع إلى تقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه (3)، فوقوعه بهذا الاعتبار (4) في حيّز التكليف بالمقيّد (5) و تعلّق نفس ذلك التكليف به من هذه الجهة ممّا لا خفاء فيه.

و بهذا يفترق ما نحن فيه عمّا إذا شكّ في تحقّق القيود الوجوديّة (6)، إذ هي لكونها واقعة في حيّز التكليف باعتبار الوجود


1- من انحلال الحكم في القسم الرابع من أقسام متعلّق التكليف- أعني ما له تعلق بموضوع خارجي ذي أفراد مقدّرة الوجود- و اندراج ما نحن فيه في هذا القسم.
2- أي: انحلال المانعيّة.
3- أي: في كلّ واحد من وجودات الموضوع.
4- أي: باعتبار عدم الوقوع فيما ذكر.
5- و هو الصلاة، فإنّ التكليف متعلّق بالصلاة المقيّدة بعدم الوقوع في آحاد هذه الوجودات.
6- بأن يشكّ في تحقّق جزء الواجب أو شرطه للشك في مصداقيّة الموجود له، فإنّه لا مجال لإجراء أصالة الحلّ فيه، لعدم وقوعه في حيّز التكليف العدمي و المنع الشرعي ليتردّد أمر مشكوكه بين الحلال و الحرام.

ص: 354

فهي جارية باعتبار منشأ انتزاع جزئيّتها أو شرطيّتها مجرى الواجبات النفسيّة (1)، و ليست هي (2) متضمّنة لتعلّق منع شرعيّ بالفاقد أصلا كي يندرج الشبهة بهذا الاعتبار في مجاري هذا الأصل، و لو فرض اندراجها (3) فيها من جهة أخرى ملازمة لتلك الجهة (4) كما لو شكّ في حرمته الذاتيّة- مثلا- أو التشريعيّة. و هذا


1- فإنّ الجزئيّة و الشرطيّة إذ تنتزعان من تعلّق التكليف بالعمل المركّب من أجزاء المقيّد بشرائط فكلّ من الأجزاء و الشرائط مطلوبة الوجود ضمنا، و واقعة في حيّز التكليف الوجودي- حذو الواجبات النفسيّة.
2- أي: القيود الوجوديّة لا تتضمّن منعا شرعيّا كما كانت القيود العدميّة تتضمّنه، إلّا إذا بني على اقتضاء الأمر بالشي ء- و لو شطرا أو شرطا- للمنع عن تركه ليستلزم تعلّق المنع بالفاقد له، لكنّ المقرّر في محلّه بطلان المبنى.
3- الموجود في الطبعة الاولى (اندراجه) و الصحيح ما أثبتناه.
4- أي: اندراج الشبهة المذكورة في مجاري هذا الأصل من جهة أخرى ملازمة لجهة الشك في الجزئيّة أو الشرطيّة- كما إذا شك في حرمة الفعل المقترن بمشكوك الجزئيّة أو القيديّة حرمة ذاتيّة أو تشريعيّة-، و قد مرّ استظهار الحرمة الذاتيّة للصلاة الفاقدة للطهارة الحدثيّة، فإنّه تندرج شبهتها المصداقيّة حينئذ في مجاري أصالة الحلّ.و عبّر قدّس سرّه بالجهة الملازمة نظرا إلى أنّ ما يفرض في هذه الموارد من حرمة تكليفيّة فهي لازمة للجزئيّة أو القيديّة و مترتّبة عليها، و قد تقدم أنّ أصالة الحلّ الجارية في المشتبه منها- على هذا الفرض- لا تجدي في إثبات ملزومها إلّا على الأصل المثبت.

ص: 355

بخلاف الموانع فإنّها جارية باعتبار نفس الجهة المستتبعة لمانعيّتها (1)- كما قد عرفت- مجرى المحرّمات النفسيّة مندرجة بهذا الاعتبار في جزئيّات الشكّ في الحرمة الشرعيّة حقيقة.

و من ذلك كلّه فقد انقدح أنّ الاعتراض (2) على التمسّك بهذا الأصل فيما نحن فيه- تارة- بابتنائه على جريانه عند الشك في الحرمة التشريعيّة، و هو ممّا لا سبيل إليه (3)، و- اخرى- بأنّه لو سلّم جريانه فيما نحن فيه لاطّرد في باب الشكّ في الأجزاء و الشرائط أيضا، لاتحاد المناط (4)، و حينئذ فإن التزم بذلك فيها أجمع لزم تأسيس فقه جديد (5)، و إلّا فلا بدّ من التخصيص (6) الذي


1- و التي هي منشأ انتزاعها، و هي منع الشارع عن إيقاع الصلاة فيها.
2- المعترض هو الفاضل الآشتياني قدّس سرّه في رسالته (إزاحة الشكوك).
3- قال قدّس سرّه في الرسالة (46): إن حرمة الصلاة في غير المأكول إنّما هي لفقدها الشرط فالحرمة تشريعيّة، و لا معنى للرجوع إلى أصالة البراءة و الحلّية فيها.
4- و هو دخل الجميع فيما هو المطلوب الشرعي.
5- أقول: لا يلزم ذلك و إنما يلزم نوع استدلال جديد مع وحدة النتيجة، إذ المختار جريان البراءة في الأقلّ و الأكثر الارتباطيّين.
6- أي: تخصيص أدلّة هذا الأصل بغير الشك في الأجزاء و الشرائط (راجع الرسالة: 34- 35).

ص: 356

لا يلتزم به أحد و يستهجن جدا- إلى آخر ما أفاده دامت أيّامه-، ممّا نشأ عن عدم إعطاء المقام من التأمّل حقّه، كيف و قد عرفت أنّه لا مساس لجهة اندراج الشبهة في مجاري هذا الأصل بباب التشريع أصلا، و لا للشكّ في تحقّق (1) القيود الوجوديّة بباب الشكّ في الحرمة الشرعيّة من شي ء، و أنّ بين البابين (2) بونا بعيدا (3).

و أمّا الثاني (4): فلأنّ الحلّ و الإباحة و إن كانت من الأحكام الوجوديّة (5) عندنا دون محض اللاحكميّة- كما ربما يتوهّم-، إلّا


1- الموجود في الطبعة الأولى (تحقيق) و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي: باب الشك في تحقّق القيود الوجوديّة و باب الشك في الحرمة الشرعيّة، فإنّ الذي يناسب الأوّل هو الشك في الوجوب دون الحرمة.
3- الموجود في الطبعة الاولى (بون بعيد) و الصحيح ما أثبتناه.
4- و هو رجوع إطلاق المطلوب بالنسبة إلى أضداد المانع- كأجزاء المأكول و القطن و الكتّان- إلى الرخصة الشرعيّة فيها.
5- محصّل ما أفاده قدّس سرّه في إثبات هذا الأمر: أنّ الإباحة التكليفيّة حكم شرعيّ وجوديّ في قبال الأحكام الأربعة الأخر، و ليست هي مجرد عدم الحكم و الخلوّ عنه لتصبح الأحكام التكليفيّة أربعة- كما قد يتوهّم-، و أنّ حقيقة هذا الحكم هو إرسال المولى عنان عبده و إطلاق لجامه فيما يتساوى وجوده و عدمه، و أنّه إليه يرجع إطلاق المطلوب- كالصلاة- و عدم تقييده وجودا و لا عدما بما لا دخل لوجوده و لا لعدمه فيه- كإيقاعها في الكتان-، بل هو هو في الحقيقة، فإنّ الإطلاق المذكور ليس إلّا عبارة عن إرخاء عنان العبد في إيقاع المطلوب فيه و عدمه، و بذلك يثبت حلّية الصلاة في مثل الكتّان في قبال حرمتها في غير المأكول، و اندراج المشتبه المردّد بينهما في مجاري أصالة الحلّ، هذا. و لا يخفى أنّ مقتضى ذلك كون الإطلاق في الموارد المذكورة- أعني موارد إطلاق المطلوب بالنسبة إلى ما لا دخل لوجوده و لا لعدمه فيه و نظائرها- أمرا وجوديّا، مع أنّ المختار أنّه عدميّ مقابل للتقييد مقابلة العدم و الملكة. و لعلّ التأمّل في عبارة المتن يفضي إلى أنّ المراد أنّ الإطلاق المذكور في نفسه و إن كان عدميّا إلّا أنّه منشأ لجعل الرخصة و الإباحة و هي وجوديّة، فالإباحة و إن كانت من الأحكام الخمسة المجعولة من قبل الشارع، إلّا أنّ مأخذها و منشأ اعتبارها أمر عدميّ هو عدم تحديد المكلف و التضييق عليه و إلزامه بجانب الوجود خاصّة أو العدم كذلك، فتدبّر.

ص: 357

أنّ حقيقتها إنّما هي عبارة عن إرسال المولى و ترخيصه فيما يتساوى وجوده و عدمه في غرضه، و هذا ممّا لا ينفكّ عنه إطلاق المطلوب بالنسبة إلى ما لا دخل لوجوده و لا لعدمه فيه، بل هو عبارة أخرى عنه في الحقيقة- كما لا يخفى-، هذا.

مضافا إلى ظهور موثّقة مسعدة (1) في كفاية مجرّد الشكّ في


1- بيان ذلك: أنّه لا حاجة لنا إلى إثبات الأمر الثاني الأنف الذكر، و أنّ اندراج المشتبه في مجاري أصالة الحلّ لا يتوقّف على تعلّق الحليّة الشرعيّة بالصلاة في الكتّان- مثلا-، و ذلك لعدم الدليل على اعتبار التردّد بين الحلّية و الحرمة في جريان هذا الأصل، بل ظاهر موثقّة مسعدة كفاية التردّد بين الحرمة و عدمها، لقوله عليه السّلام: «كلّ شي ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه»، حيث جعل موضوع أصالة الحلّية- بقرينة الغاية- ما لا يعلم أنّه حرام أو ليس بحرام. و أمّا قوله عليه السّلام في صحيحة ابن سنان: «كلّ شي ء فيه حلال و حرام»، و في رواية ابن سليمان: «كلّ ما فيه حلال و حرام»، اللذان فرض فيهما طرفيّة الضدّ الوجودي- أعني الحلّية- للشبهة فلا يصلحان لتقييد الموثقة، لورود القيد فيهما مورد الغالب، فإنّ الغالب كون طرف الشبهة كذلك، و قد يكون طرفها مجرّد عدم الحرمة- كما في المقام بناء على عدم تسليم تعلّق الحلّية بالصلاة في الكتان و نحوه.

ص: 358

حرمة الشي ء و عدمها في تحقّق موضوع هذا الأصل، و خروج سائر الروايات المفروضة فيها طرفيّة الضدّ الخاصّ الوجوديّ للشبهة- باعتبار الورود مورد الغالب- عن صلاحيّة التقييد.

و أمّا المقدّمة الثانية: فمحصّل الكلام فيها هو أنّ الحرام الوارد في عنوان الأدلّة (1) سواء أريد به المعنى الوضعيّ (2) العارض لذوات الأشياء الخارجيّة من حيث تعلّق أفعال المكلّفين بها، أو الاقتضائيّ العارض لنفس الأفعال، فليس هو إلّا عبارة عمّا منع عنه الشارع و حرم (3) العباد عنه في عالم الجعل و التشريع (4) و لو باعتبار بعض ما يتعلّق به من الأفعال- كالصلاة فيه مثلا-، فالجعل


1- مطلقا سواء أدلّة هذا الأصل و غيرها.
2- مرّ شرح العبارة.
3- بصيغة الثلاثيّ المجرّد المبنيّ للفاعل.
4- أمّا في التكوين فلا محروميّة و لا ممنوعيّة.

ص: 359

التشريعيّ المقتضي لذلك هو التحريم (1)، و المجعول الشرعيّ المعبّر عنه باسم المصدر هو الحرمة، و معروضها هو الحرام، و الحلال ما يقابل ذلك. أمّا استناد المنع و الترخيص المذكورين إلى مبغوضيّة الشي ء في حدّ نفسه و عدم مبغوضيّته كذلك، أو استقلال الجعل (2) المقتضي لذلك، فهو خارج عن مدلول اللفظ لغة و عرفا (3)، و يشهد لذلك الاستعمالات الواردة فيما نحن فيه و أشباهه في لسان الرواة و جواب الأئمّة- عليهم أفضل الصلاة و السلام- بحيث يظهر منه أعميّة حاقّ مدلول اللفظ عن القسمين، لا لأجل تجوّز فيه:- فمنها: ما رواه الكليني قدّس سرّه (4) بإسناده عن أحمد بن إدريس عن محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد- عليه أفضل الصلاة و السلام-: هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟، فكتب عليه السّلام «لا تحلّ الصلاة في حرير محض».


1- إذ يقال: حرّم اللّه الخمر أو شرب الخمر- أي جعل حرمته، أو جعله حراما- فجعله تحريم و المجعول هو الحرمة و متعلّقها- الخمر أو شربه- هو الحرام.
2- أي: كونه خطابا نفسيّا لا غيريا.
3- فإنّ المنع المقوّم لمفهوم الحرمة متحقّق حتّى فيما لم يكن للشي ء مبغوضيّة ذاتيّة، و لم يكن تحريمه بخطاب مستقلّ.
4- رواه عنه في الوسائل في الباب 11 من أبواب لباس المصلي- الحديث 2، و السند صحيح، و رواه الشيخ قدّس سرّه في التهذيبين عن الكليني. و الشاهد فيه تعبيره عليه السّلام بعدم حلّ الصلاة في الحرير المحض- الظاهر في المانعيّة دون الحرمة النفسيّة.

ص: 360

و منها: ما عن الفقيه مرسلا (1) قال: سئل أبو جعفر و أبو عبد اللّه عليهما السّلام فقيل لهما: إنّا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها، أ فنصلّي فيها قبل أن نغسلها؟ فقالا عليهما السّلام:

«نعم إنّ اللّه حرّم أكله و شربه و لم يحرّم لبسه و مسّه و الصلاة فيه»، فإنّ ظاهر السؤال عن الصلاة فيه إنما هو باعتبار المانعيّة دون الحرمة النفسيّة، فقوله- صلوات اللّه و سلامه عليه- «و لم يحرّم» مستعمل باعتبار متعلّقاته الثلاثة (2) في القدر المشترك بينهما (3)- لا محالة-، و هذا من أقوى الشواهد على أعميّة المدلول، و ظهور السياق في وحدة المثبت و المنفيّ في قوله «حرّم» و «لم يحرّم» ممّا يؤكّد ذلك (4) و يؤيّده، بل و يدفع احتمال عموم المجاز (5) أيضا، مضافا


1- رواه عن الصدوق في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات- الحديث 13، و رواه في العلل أيضا مسندا.
2- و هي اللبس و المسّ و الصلاة فيه.
3- أي: بين الحرمة النفسيّة و المانعيّة، الأولى بالنسبة إلى اللبس و المسّ، و الثانية بالنسبة إلى الصلاة، و بضميمة ظهور عدم الاعتماد في ذلك على القرينة يثبت المطلوب.
4- خبر لظهور السياق، و هذا شاهد آخر على أعميّة المدلول، و حاصله دلالة السياق على كون التحريم المثبت في «حرّم» و المنفي في «لم يحرّم» بمعنى واحد، لظهوره في تعلّق كلّ من الإثبات و النفي بشي ء واحد، و ليس إلّا الجامع بين الحرمة النفسيّة و المانعيّة.
5- و هو الاستعمال في الجامع بين الحقيقة و المجاز، و المقصود أنّ الدلالة السياقيّة المذكورة تدفع احتمال عموم المجاز في قوله عليه السّلام «و لم يحرّم لبسه و مسّه و الصلاة فيه»، بتقريب أنّه لو اختصّ مدلول اللفظ لغة بالحرمة النفسيّة، و كان استعماله في الجامع بينها و بين المانعيّة من عموم المجاز ففي جانب الإثبات لا وجه لعموم المجاز، لتعلّقه بالأكل و الشرب و حرمتهما نفسيّة، و حينئذ فلو استعمل في جانب النفي في عموم المجاز انهدم ظهوره السياقي في وحدة المثبت و المنفيّ، إذن فمقتضى الأخذ بهذا الظهور عدم الاستعمال في عموم المجاز و كون الاستعمال حقيقيا في الموردين بجامع واحد.

ص: 361

إلى ضعفه في حدّ نفسه (1)، و إرسال الرواية أو حملها على التقيّة غير ضائر لما نحن بصدده (2).

و منها: ما عن الخصال (3) بإسناده عن جابر الجعفيّ قال:

سمعت أبا جعفر- عليه أفضل الصلاة و السلام- يقول: «ليس على النساء أذان- إلى أن قال- و يجوز أن تتختّم بالذهب و تصلّي فيه و حرم ذلك على الرجال».

و منها: ما عن الشيخ (4) بإسناده عن موسى بن أكيل النميري


1- أي: ضعف هذا الاحتمال، إذ لا وجه له مطلقا.
2- لأنه يكفي فيما نحن بصدده ثبوت الاستعمال العربي- و لو من غير المعصوم عليه السّلام، فلا يقدح فيه إرسال الرواية و عدم ثبوت صدورها منه عليه السّلام فضلا عما إذا ثبت الصدور و حملت على التقيّة.
3- رواه عنه في الوسائل، الباب 16 من أبواب لباس المصلي- الحديث 6.
4- رواه عنه في الوسائل في الباب 30 من أبواب لباس المصلي-الحديث 5، و الرواية مرسلة، و فيها بعد العبارة الواردة في المتن: «و جعل اللّه الحديد في الدنيا زينة الجنّ و الشياطين فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة، إلّا أن يكون في قبال عدوّ فلا بأس به- الحديث-»، أورد هذا الذيل في الوسائل في الباب 32 من هذه الأبواب- الحديث 6.

ص: 362

عن أبي عبد اللّه- عليه أفضل الصلاة و السلام- قال: «و جعل اللّه الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه- الحديث-»، و استعمال الحرمة فيهما (1) في القدر المشترك بين القسمين- كما عرفته في سابقتهما-، بعد وضوح أنّ المنع عن الصلاة فيه إنّما هو لمكان المانعيّة، لا لكونه حراما نفسيّا آخر في عرض اللبس (2)، و كاشفيّته عن أعميّة المدلول ممّا لا خفاء فيه.

و منها: ما عنه (3) بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد- صلوات اللّه عليه-: هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة


1- أي في الروايتين الأخيرتين باعتبار تعلّقها في الأولى بالتختّم و الصلاة، و في الثانية باللبس و الصلاة.
2- فإنّ الصلاة فيه أيضا تختّم و لبس فيشملها تحريمهما، فجعلها في قبالهما دليل على إرادة المانعيّة بالنسبة إليها و كاشف عن أعميّة المدلول.
3- رواه الشيخ قدّس سرّه في التهذيبين، و رواه عنه في الوسائل في الباب 14 من أبواب لباس المصلي- الحديث 4، و السند صحيح.

ص: 363

حرير محض أو تكة من وبر الأرانب، فكتب عليه السّلام: «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض و إن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه». و عدم العمل بإطلاق الفقرة الأخيرة (1) أو طرحها رأسا و حملها- باعتبار تعليق الحكم فيها على التذكية الغير المعتبرة في الوبر و نحوه ممّا لا تحلّه الحياة فيه (2) عندنا (3)- على التقيّة لا ينافي ما نحن فيه (4).

و منها: ما عنه (5) أيضا بإسناده عن عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه- عليه أفضل الصلاة و السلام-: عن رجل ليس معه إلّا ثوب و لا تحلّ الصلاة فيه- إلى آخر الرواية-، فإنّ ظاهر السؤال إنّما هو استناد عدم حلّ الصلاة فيه إلى مانعيّته، لا لكونه حراما نفسيّا، و هو و إن كان في لسان الراوي و لكنّ دلالته على أعميّة المدلول في عرفهم ظاهرة (6).


1- مرّ بيان هذا المطلب في أوائل الرسالة لدى البحث عن حكم الصلاة في غير المأكول إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة وحده.
2- الظاهر زيادة كلمة (فيه).
3- متعلق بغير المعتبرة.
4- كما عرفت نظيره آنفا، لا سيما و الرواية صحيحة يصحّ إسنادها إلى المعصوم عليه السّلام.
5- رواه الشيخ قدّس سرّه في التهذيبين، و رواه عنه في الوسائل في الباب 30 من أبواب التيمم- الحديث 1، و الرواية موثّقة.
6- فإنّ السائل عربيّ من أهل اللسان.

ص: 364

و منها: التوقيع المبارك المحكيّ عن الاحتياج (1) عن الحميريّ عن مولانا صاحب الزمان- صلوات اللّه عليه و على آبائه الطاهرين-: إنّه كتب إليه: روي لنا عن صاحب العسكر عليه السّلام أنّه سئل عن الخزّ الذي يغشّ بوبر الأرانب، فوقّع عليه السّلام: «يجوز»، و روي عنه أيضا أنّه «لا يجوز»، فبأيّ الخبرين نعمل، فأجاب عليه السّلام: «إنّما حرم في هذه الأوبار و الجلود و أمّا الأوبار وحدها فكلّ حلال»، فإنّ مرجع الضمير (2) و إن لم يكن مذكورا لا في كلامه- عليه أفضل الصلاة و السلام- و لا في كلام الراوي، لكنّه بقرينة الظرفيّة (3) ليس هو اللبس، فيتعيّن أن يكون هو الصلاة فيه، و شيوع السؤال عنها أوجب المعهوديّة المغنية عن الذكر. و الإشكال في فقه الحديث لا ينافي المقصود (4).


1- رواه عنه في الوسائل في الباب 10 من أبواب لباس المصلي- الحديث 15.
2- في (يجوز) و (لا يجوز) في كلام الراوي و في (حرم) في كلام الإمام- عليه السّلام-، و يدور أمره بين اللبس و الصلاة فيه.
3- في قوله عليه السّلام «إنما حرم في هذه الأوبار»، فإنه لا يصحّ قولنا: حرم اللبس في هذه الأوبار، و يصحّ: حرم الصلاة فيها، فيكون هو المتعيّن، و استغني عن ذكرها لشيوع السؤال عنها الموجب لمعهوديتها، هذا.لكن الموجود في الوسائل (سئل عن الصلاة في الخز)، و هكذا أورده المحقق الماتن قدّس سرّه في أوائل الرسالة لدى البحث عن حكم الصلاة في جلد الخز، و عليه فمرجع الضمير مصرّح به في الكلام، فلا إشكال.
4- لوضوح اضطراب متنه و إجماله- كما تقدّم-، لكنّه لا يضرّ بما نحن بصدده من استعمال الحلّية و الحرمة في المانعيّة و عدمها.

ص: 365

و منها: التوقيع المبارك الآخر (1) المحكيّ عن خرائج القطب الراوندي عن أحمد بن روح عنه- عجل اللّه تعالى فرجه و أدرك بنا أيّامه و صلّى اللّه عليه و على آبائه الطاهرين-، و فيه «و سألت ما يحلّ (2) أن تصلّي فيه من الوبر و السمّور و السنجاب و الفنك و الدلق و الحواصل، فأمّا السمّور و الثعالب فحرام عليك و على غيرك الصلاة فيه، و يحلّ لك جلود المأكول- إلى آخر التوقيع المبارك-» إلى غير ذلك ممّا يظفر عليه بالتتبّع في خلال الأبواب، و يكشف عن أعميّة حاقّ المدلول، و فيما نقلناه غنى و كفاية.

فلا مجال- حينئذ- للمنع عن شمول ما يدلّ على اعتبار هذا الأصل لما نحن فيه و أشباهه على حدّ شمولها للشبهة التحريميّة النفسيّة، و يرجع الحليّة الظاهريّة المجعولة بهذا الأصل- حينئذ- إلى الأعمّ ممّا (3) يقابل المنع النفسيّ الاستقلاليّ أو الضمنيّ المستتبع للمانعيّة- لا محالة.

و أمّا الثالثة: فلأنّه بعد أعميّة الحكم الظاهريّ المذكور ممّا (4) يقابل كلّ واحد من قسمي المنع، و وضوح كونه ترخيصا


1- أورده المحدّث النوري قدّس سرّه في المستدرك، الباب 3 من أبواب لباس المصلي- الحديث 1، و فيه (عن أحمد بن أبي روح).
2- الموجود في الطبعة الاولى (تحلّ) و الصحيح ما أثبتناه.
3- الموجود في الطبعة الاولى (عمّا) و الصحيح ما أثبتناه.
4- الموجود في الطبعة الاولى (عمّا) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 366

في المشكوك من الجهة التي يشكّ- باعتبارها- في كونه ممنوعا عنه أو مرخّصا فيه، فلا جرم ينحلّ هو (1) في كلّ مورد إلى ما يناسبه- كانحلال خطاب (لا تنقض) على حسب اختلاف متعلّق الشكّ و اليقين (2)-، و ليس ذلك من الجمع بين المعاني المتباينة في خطاب واحد، و إنّما هو من باب انحلال العموم (3)- كما لا يخفى-، فيرجع (4)- حينئذ- في الشبهات التحريميّة النفسيّة إلى الرخصة المقابلة للمنع النفسيّ، و في أمثال المقام إلى ما يقابل الجهة المستتبعة للمانعيّة، و مرجعه إلى إطلاق ظاهريّ في المطلوب (5) من جهة الوقوع في المشتبه، و رفعا لتقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه في الظاهر، فيلزمه الإجزاء الظاهريّ- لا محالة-، كما في سائر موارد إحراز القيود المشكوكة أو رفع تقيّد المطلوب بها بأصل


1- أي: الحكم الظاهري المذكور.
2- من كونه حكما كليّا عقليّا أو شرعيّا، أو حكما جزئيّا، أو موضوعا خارجيّا، أو نحو ذلك.
3- أي: استعمال اللفظ في المعنى الوحدانيّ العام، فينحلّ قهرا إلى أنواعه و أفراده المتكثّرة.
4- تفريع و بيان لقوله «ينحلّ في كل مورد إلى ما يناسبه».
5- أي: مرجع الحكم الظاهري الترخيصي المقابل لقيدية العدم في أمثال المقام إلى إطلاق ظاهريّ في المطلوب- كالصلاة- من جهة الوقوع في المشتبه، و عدم تقيّده- ظاهرا- بعدم الوقوع فيه، و لازمه إجزاء المطلوب الواقع فيه إجزاء ظاهريّا.

ص: 367

موضوعيّ أو حكميّ (1).

و هذا هو الفارق (2) بين ترخيص الشارع للصلاة في المشتبه بمقتضى هذا الأصل باعتبار نفس الشكّ في مانعيّته، و بين ما لو فرض (3) ترخيصه فيها من جهة احتمال الحرمة الذاتيّة- مثلا- أو التشريعيّة، ضرورة أنّ ترخيص الشارع لما يشكّ في انطباقه على المطلوب باعتبار الشك في ترتّب حكم آخر عليه (4)، أو انطباقه على عنوان آخر (5) غير مجد، لا في إحراز تطبيق المأتيّ به على


1- كإحراز الطهارة أو الوقت باستصحابهما- و هو أصل موضوعيّ-، و كرفع جزئية الاستعاذة- مثلا- بأصالة البراءة- و هي أصل حكميّ.
2- أي: رجوع الرخصة الظاهرية المقابلة للمنع الضمني إلى الإطلاق الظاهري في المطلوب و استلزامه الإجزاء الظاهري هو الفارق بين الترخيصين لعدم تحقّق ذلك في الترخيص الثاني- كما ستسمع.
3- جعله قدّس سرّه فرضا لما تقدّم من عدم ثبوت الحرمة الذاتيّة للصلاة في غير المأكول الواقعي، لتكون في المشتبه محتملة الحرمة و مجرى لأصالة الحلّية، و عدم تطرّق الشك في حرمة التعبّد بمشكوك الانطباق ليتحقّق موضوع هذا الأصل، و على تقدير تطرّقه فهو محكوم بأصالة الحرمة، أو مخصّص بها- على التفصيل المتقدّم.
4- و هو الحرمة الذاتيّة المحتمل ترتّبها على فعل مشكوك الانطباق، فإنّ الترخيص الظاهري فيه بمقتضى هذا الأصل لا يجدي في إحراز عدم مانعيّة المشتبه و انطباق المأتيّ به على المطلوب إلّا على الأصل المثبت- كما تقدّم بيانه.
5- يعني: أو باعتبار الشك في انطباق مشكوك الانطباق على عنوان آخر و هو عنوان التشريع-، فإنّ الترخيص الظاهري بالتعبّد به لا يجدي في إحراز عدم مانعيّة المشتبه، و لا في الاكتفاء بمشكوك الانطباق، و قد مرّ شرحه.

ص: 368

المطلوب، و لا في اجتزائه بمشكوك الانطباق- كما تقدّم-، فلا سبيل حينئذ إلى الاكتفاء به مع عدم علاج هذا الشكّ (1)- كما لا يخفى.

و هذا بخلاف ما إذا رجع ترخيصه إلى الإطلاق الظاهريّ المذكور، إذ لا يبقى حينئذ مجال للشكّ في انطباقه على المطلوب- المفروض فيه هذا الإطلاق-، فيلزمه الإجزاء الظاهريّ (2)- لا محالة- بهذا الاعتبار، فكما أنّ إجزاء كلّ واحد من المطلوب الواقعيّ أو الظاهريّ عن الأمر المتعلّق به (3) عقليّ (4) لا يقبل الجعل وضعا و رفعا (5)، فكذلك إجزاء الظاهريّ أيضا- مع انحفاظه و عدم ارتفاعه بانكشاف الخلاف- عن الواقعي (6) من اللوازم العقليّة


1- و هو الشك في مانعيّة المشتبه و تقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه.
2- أي: الإجزاء ما دام لم ينكشف الخلاف- كما سيذكر.
3- يعني: إجزاء المطلوب الواقعي عن الأمر الواقعي، و الظاهري عن الظاهري.
4- ضرورة أنّ الإتيان بالمأمور به بأيّ أمر يفي بالغرض الداعي إلى ذلك الأمر، و معه لا موجب لبقائه، فيستقلّ العقل بالإجزاء و سقوط الأمر.
5- شأن سائر الأحكام العقليّة المستقلّة.
6- متعلّق ب (إجزاء)، و محصّل الكلام: أنّ الأمر الظاهري ما دام منحفظا و لم ينكشف خلافه فالإتيان بمتعلّقه يجزي عقلا عن الواقعي، لأنّ مقتضى جعل الأمر الظاهري هو قيامه مقام الواقعي و جعل العينيّة و الهوهويّة بينهما، فالمطلوب الظاهري بعينه هو الواقعي بحكم الشارع، و مقتضاه الإجزاء ما دام الأمر الظاهري باقيا، فإذا ارتفع بانكشاف الخلاف انتفى الإجزاء، لانتفاء العينيّة الجعليّة بانكشاف المغايرة.

ص: 369

المترتّبة على نفس ذلك الجعل، إذ هو (1) حينئذ بعينه هو المطلوب الواقعيّ بحكم الشارع، فما دام هذا الحكم القاضي بالاتّحاد و العينيّة محفوظا لا يعقل عدم الإجزاء، كما أنّه بعد ارتفاعه بانكشاف الخلاف و تبيّن المغايرة لا يعقل أن ينسحب الإجزاء الظاهريّ الناشئ عن العينيّة الجعليّة- المفروض انكشاف خلافها-، بل لا بدّ فيه من قيام دليل آخر على الاجتزاء عن (2) المطلوب بما وقع امتثالا له، و ليس تبدّل الحال في المقام كتبدّل حالتي الحضور و السفر و نحوهما ممّا يوجب انقلاب التكليف (3)- على أصول المخطّئة-، و لا الإجزاء الواقعيّ الموجب لسقوط التكليف النفس الأمريّ من اللوازم


1- مرجع الضمير هو المطلوب الظاهري.
2- الموجود في الطبعة الاولى (من) و الصحيح ما أثبتناه.
3- أي: الواقعي كانقلاب وجوب التمام واقعا إلى وجوب القصر كذلك، و إنّما الذي يوجبه تبدّل الحال في المقام و أشباهه- على أصول المخطئة- هو انكشاف فوات الواقع، فيحكم العقل بعدم الإجزاء و لزوم التدارك و امتثال الأمر الواقعي، نعم على التصويب يوجب تبدّل التكليف الواقعي، لكنّه خلاف مذهبنا.

ص: 370

الشرعيّة المترتّبة على الإتيان بالمطلوب الواقعيّ، كي يترتّب الحكم به إلى آخر الأبد (1) على الجعل الظاهريّ في ظرف وجوده و لا يؤثّر فيه انكشاف الخلاف، و تمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

و هذا هو تمام الكلام في تقريب التمسّك بأصالة الحلّ في محلّ البحث، و قد عرفت أنّ المنع عن جريانها لا بدّ و أن يرجع: إمّا إلى منع الصغرى (2)، فيمنع عمّا ذكر من انحلال الجهة المستتبعة للمانعيّة- بالنسبة إلى آحاد وجودات الموضوع- إلى قيديّة خاصّة راجعة إلى المنع عن إيقاعها فيه، و يدّعى رجوعها إلى عنوان بسيط عدميّ (3) يتحصّل بالتحرّز عن مجموع الوجودات، فيكون الشبهة


1- يعني: لو كان إجزاء المطلوب الواقعي عن أمره الواقعي حكما شرعيا لترتّب على الجعل الظاهري- المقتضي لكون المطلوب الظاهري بعينه هو الواقعي بحكم الشارع كما عرفت- الحكم بإجزائه عن الواقعي إلى آخر الأبد بمجرّد حدوث الجعل المزبور، من دون أن يؤثّر فيه انكشاف الخلاف، لكنّه ليس كذلك، بل هو- كما مرّ- حكم عقلي، و العقل إنّما يحكم بإجزاء ما جعله الشارع عين المطلوب الواقعي ما دام الحكم بالعينيّة محفوظا لم ينكشف خلافه، لا مطلقا و إلى الأبد.
2- قد مرّ بيان ما هو بمنزلة الصغرى و الكبرى لاستنتاج جريان أصالة الحلّ في المقام، و أنّ تنقيح الصغرى مبنيّ على انحلال المانعيّة إلى تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في كلّ واحد ممّا ينطبق عليه عنوان المانع.
3- بيان لوجه منع الصغرى، و محصّله: دعوى كون الصلاة مقيّدة بعنوان نعتيّ عدميّ بسيط مساوق لمحمول المعدولة كعنوان (الصلاة اللاواقعة في غير المأكول)، فيرجع إلى باب المحصّل الذي لا يتحصّل فيه العنوان إلّا بالتحرّز عن مجموع الوجودات، و قد مرّ تفصيل الكلام في ردّها في المقام الأوّل.

ص: 371

حينئذ بمعزل عن الاندراج في مجاري أصالة الحلّ أيضا كالبراءة- حسبما تقدّم.

أو إلى منع الكبرى، فيدّعى دخل النفسيّة و الاستقلال فيما أخذ الشكّ فيه موضوعا لهذا الأصل، و قد عرفت فساد كلّ منهما (1) بما لا مزيد عليه.

فمن الغريب- و ما عسى أن لا يكون أغرب منه- ما يقال (2) في تقريب خروج الشبهة عن مجاري كلا الأصلين: من أنّ الشكّ فيما نحن فيه إنّما هو في الوضع لا التكليف، فحديث أصل البراءة و الحلّ أجنبيّ عنه.

لأنّ مراده (3) بالوضع لا يخلو: إمّا أن يكون هو الصحّة أو المانعيّة، و بعد اطّراده على كلّ منهما (4) في الشبهات الحكميّة


1- عرفت فساد الاولى ممّا سلف في المقام الأوّل، و الثانية من خلال المقدّمة الثانية من المقدّمات الثلاث المتقدمة هنا.
2- القائل هو الفاضل الآشتياني قدّس سرّه في رسالته (إزاحة الشكوك: 47).
3- تعليل لغرابة المقال.
4- يعني أنّ الوضع على كلّ من معنييه لا يختصّ بالشبهات المصداقيّة التي منها ما نحن فيه، بل يطرّد في الشبهات الحكميّة أيضا، و القائل المزبور يسلّم جريان أصالة البراءة فيها، فكيف ينكره في المقام.

ص: 372

المسلّم جريان البراءة فيها عندنا و عنده، و تسليمه أيضا لانتزاعيّة المانعيّة و أخواتها عن التكليف (1)، و وضوح ترتّب الصحّة الظاهريّة على الأصول الجارية عند الشكّ في القيود (2)، فلا محصّل لهذه المقالة أصلا، اللّهم إلّا أن يرجع مرامه إلى ما تقدّم من منع الصغرى (3) جريا منه فيما أراده بالوضع على غير ما استقرّ عليه الاصطلاح، و هو- و إن اتّضح فساده ممّا تقدّم- لكنّه يرجع حينئذ إلى محصّل (4)، و يعود النزاع علميّا.

نعم على القول بتأصّل المانعيّة و أخواتها في الجعل يشكل التمسّك بهذا الأصل في محلّ البحث، فإنّ الشبهة و إن كانت


1- فيكون المجعول في الحقيقة من سنخ التكليف الذي يسلّم القائل جريان أصالتي البراءة و الحلّ فيه.
2- إذ ليست الصحّة الواقعيّة و لا الظاهريّة مجعولة بالأصالة- وضعا- و لا منتزعة عن المجعول الشرعي، و إنما هي صفة لفعل المكلّف باعتبار مطابقته للمأمور به الواقعي أو الظاهري. إذن فالصحّة الظاهرية تتحقّق بمطابقة الفعل للأصول الجارية في أجزائه و قيوده لدى الشك فيها لشبهة حكمية أو مصداقية، فهي مترتّبة على الأصول المزبورة و من لوازمها، و ليست بنفسها موضوعا لجريانها كي يقال: إنّ حديث أصل البراءة و الحلّ أجنبيّ عن موارد الشك فيها.
3- بأن يريد بالوضع قيدية العنوان العدمي البسيط، و لعلّه باعتبار مشابهته بالأحكام الوضعية التي تتسبّب من أسبابها الخاصّة و تتحصّل منها.
4- فإنّه أمر يمكن دعواه- نظريّا- بخلاف سابقه.

ص: 373

- حينئذ- باعتبار ما يستتبعه الوضع من التكليف (1) راجعة إلى الشكّ في الحرمة، لكن بعد وضوح عدم ارتفاع الشكّ السببيّ بالأصل الجاري في الشكّ المسببيّ فلا جدوى لهذا الأصل في إحراز عدم مانعيّة المشتبه إلّا على حجيّة الأصل المثبت. اللّهم إلّا أن يدّعى عدم توقّف الخروج عن عهدة التكليف على علاج هذا الشكّ (2) بعد ترخيص الشارع في الإتيان بمشكوك الانطباق من جهة نفس هذا الشكّ (3).

و على كلّ حال فحيث إنّ نفس الوضع- حينئذ- ممّا تناله


1- كسائر الأحكام الوضعيّة المتأصّلة بالجعل، فإنّها تستتبع- لا محالة- أحكاما تكليفيّة، و تترتّب هذه عليها ترتّب الحكم على موضوعه، فالمانعيّة على هذا القول تستتبع حرمة إيقاع الفعل مع المانع- بمعناها الأعمّ المتقدّم تحقيقه- و الشكّ فيها يسبّب الشكّ في الحرمة، و بهذا الاعتبار يندرج في مجاري أصالة الحلّ، لكنّه أصل جار في ناحية المسبّب و الحكم، و لا يرفع الشك في ناحية السبب و الموضوع كي يحرز به عدم مانعيّة المشتبه إلّا على الأصل المثبت، فإنّ الأصل المثبت للحكم لا يثبت موضوعه إلّا على المبنى المذكور.
2- و هو الشك في مانعيّة المشتبه.
3- متعلّق بمشكوك الانطباق، يعني أنّه لمّا رخّص الشارع- بمقتضى أصالة الحلّ الجارية في ناحية المسبّب- في الإتيان بالصلاة في المشتبه المشكوك انطباقها على الصلاة المطلوبة- لأجل الشكّ في مانعيّة المشتبه-، فقد يدّعى كفاية ذلك في الخروج عن عهدة التكليف و عدم توقّف الخروج عنها على علاج الشك السببيّ المتعلّق بالمانعيّة نفسها.

ص: 374

بنفسه يد الجعل، فلا مجال للمنع عن شمول دليل الرفع (1) و جريان البراءة الشرعيّة- بناء على هذا المبنى الفاسد من أصله (2)- بعد ما تقدّم من الانحلال، و بهذا يستقيم جريان البراءة في الشبهات الحكميّة (3) أيضا على هذا القول- كما لا يخفى.


1- فإنّه لا مانع من شموله لكلّ ما هو مجعول شرعيّ، تكليفا كان أم وضعا، و منه ما نحن فيه- بناء على القول بتأصّل المانعيّة في الجعل- و المفروض انحلال هذا الحكم و تعدّده بتعدّد أفراد المانع خارجا. إذن فعلى هذا القول و إن لم يكن مجال لجريان أصالة الحلّ بالنسبة إلى المانعيّة نفسها إلّا أنّه لا مانع من جريان أصالة البراءة عنها.
2- و هو تأصّل جعل المانعيّة.
3- يعني الشبهات الحكميّة الكلّية للمانعيّة كما إذا شك في مانعيّة الميتة الطاهرة مثلا في الصلاة، فإنّها بنفسها مجعولة شرعا مشكوك فيها، فترفع بحديث الرفع.

ص: 375

[المقام الثالث في البحث عن اندراج الشبهة في مجاري الاستصحاب الموضوعي]

(المقام الثالث) في البحث عن جريان الأصل الموضوعيّ- المعبّر عنه بأصالة عدم المانع (1)- في المقام.

و قد اختلفت كلماتهم في ذلك، فظاهر من فرّع الجواز و العدم (2) في محلّ البحث على القول بمانعيّة غير المأكول و شرطيّة المأكوليّة تعويلا في ذلك على الأصل الموضوعيّ- كما مرّ ذكره عند نقل الأقوال- هو المفروغيّة عن جريانها فيما نحن فيه بناء على المانعيّة، لكنّه بإطلاقه (3) لا يستقيم إلّا بأحد أمرين:

إمّا بدعوى استقرار طريقة العقلاء عند دوران الأمر بين وجود شي ء و عدمه على البناء على العدم، و لكن لا من حيث مسبوقيّة الحوادث به (4) كي يرجع إلى الاستصحاب، بل لأنّ أولويّة العدم إلى


1- و المانع في المقام هو وقوع الصلاة في غير المأكول، و لم يعبّر قدّس سرّه بالاستصحاب نظرا إلى أعميّة العبارة المذكورة منه، و شمولها لما سيأتي من الأصل العقلائي القاضي بالبناء على العدم، و إن كان الاستصحاب هو العمدة في هذا المقام.
2- و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه- كما مرّ في أوّل الرسالة.
3- قيّده قدّس سرّه بالإطلاق لما سيتّضح من إمكان الاستغناء عن الأمرين في بعض صور المسألة.
4- أي: بالعدم، و بناء العقلاء على العدم من الحيثيّة المذكورة قد عدّ من أدلّة الاستصحاب- كما حرّر في محلّه-، لكنّه ليس هو المقصود في هذا الأمر- الأوّل-، و إنّما المقصود دعوى استقرار السيرة العقلائية على البناء على العدم لمجرّد كونه أولى بالممكن في ذاته، لعدم افتقاره في عدمه إلى علّة خارجة عن ذاته، بخلاف وجوده- المفتقر إليها.

ص: 376

الممكن من حيث ذاته و افتقار وجوده إلى علّة خارجة عن ذاته يوجب البناء- عند الشكّ- على ما هو أولى به من حيث نفسه، حتى بمعناه الناقص الربطيّ (1) بالنسبة إلى العوارض التي يشكّ في تخصّص معروضاتها بها عند حدوثها.

أو بتسليم حجيّة الأصول المثبتة (2).

و حيث إنّ الدعوى الاولى دون إثباتها خرط القتاد (3)، و الثانية بمكان من وضوح الفساد، فالتمسّك بهذا الأصل باستصحاب العدم السابق (4) لا يستقيم إلّا على بعض التقادير.


1- و هو العدم النعتي- الذي هو مفاد (ليس) الناقصة- بالنسبة إلى عوارض الشي ء المشكوك تخصّصه بها عند حدوثه- كقرشيّة المرأة-، فإنّه بمقتضى هذا الوجه يبنى على عدمها حتى بعد وجود معروضها، بخلافه على الوجه الثاني- الاستصحاب- لما سيأتي تحقيقه من المنع عن جريانه في الأعدام الأزليّة.
2- ليصحّ- بموجبه- التمسّك باستصحاب العدم المحمولي لإثبات العدم النعتي.
3- إذ لم يثبت استقرار طريقتهم على البناء على العدم بما هو أولى بذات الممكن من الوجود، كما و لا يقتضيه دليل عقلي و لا تعبّد شرعي.
4- على وجه لا يبتني على حجيّة الأصول المثبتة، و الباء هنا للسببيّة،و في (بهذا الأصل) للتعدية.

ص: 377

و لا بدّ في توضيحه من بيان أمرين:- الأوّل (1): إنّه بعد وضوح أنّ حقيقة المجعول في الأصول العمليّة هي البناء العمليّ على مؤدّياتها، دون الثبوت الواقعيّ كما في باب الأمارات (2)- و لذا يكون مثبتاتها حجّة دونها (3)، كما حقّق في محلّه-، فلا يخفى أنّه كما لا فرق في الأثر العمليّ الذي لا بدّ في جريان الأصل من ترتّبه عليه بين أن يكون بحيث يرجع التصرّف الظاهريّ فيه (4) إلى مرحلة توجّه التكليف و ثبوته (5)، أو إلى ناحية


1- هذا الأمر معقود لبيان الضابط لجريان الاستصحاب في الموضوعات المركّبة، و التمييز بينها و بين العناوين الملازمة لها.
2- فإنّ المجعول فيها هو الكاشفيّة و الطريقيّة، و مقتضاها الثبوت الواقعي لمؤدّياتها تعبّدا، أمّا في الأصول العمليّة فمجرّد البناء العملي و تطبيق العمل على طبق المؤدّى مع البناء على أنّه هو الواقع أو من دون بناء عليه، و أيّا كان فلم يجعل فيها الطريقيّة و ثبوت المؤدّى- كما جعلت في الأمارات.
3- فإنّ الحكم بثبوت المؤدّى حكم بثبوته بجميع لوازمه و ملزوماته و ملازماته، أمّا الحكم بتطبيق العمل على المؤدّى من دون ثبوته فليس حكما به بالنسبة إلى لوازمه و نحوها، و لا يقتضي سوى الجري عملا على طبق المؤدّى و ما يترتّب عليه من الآثار الشرعيّة بلا واسطة عقليّة أو عاديّة، و تمام الكلام في محلّه.
4- أي: في الأثر العملي إثباتا أو نفيا.
5- كما في موارد أصالة البراءة، و الاستصحاب المثبت للتكليف أو النافي له.

ص: 378

الخروج عن عهدة التكليف و سقوطه (1)، من حيث صلاحيّة كلّ منهما لأن تناله يد الجعل و التصرّف على نمط واحد- كما لا يخفى-، فكذا لا فرق بين أن يكون ترتّبه عليه- بأحد الوجهين- باعتبار كون المؤدّى تمام الموضوع للحكم الشرعي، أو لكونه مأخوذا فيه على جهة القيديّة- بأحد أنحائها- (2)، ضرورة كفاية هذا المقدار من الأثر الناشئ عن القيديّة أيضا بالنسبة إلى كلّ من المرحلتين في تحقّق حقيقة المجعول بالأصول- كما لا يخفى.

و ليس العنوان المركّب (3) من مجموع القيد و المقيّد كالصلاة في ظرف طهارة الفاعل- مثلا- أو الغسل بالماء الطاهر إلّا عبارة عن نفس تلك الأمور المحرز ما عدا الطهارة منها بالوجدان و هي


1- كموارد قاعدة الاشتغال و قواعد الفراغ و التجاوز و الحيلولة و نحوها.
2- أي: كون المؤدّى مأخوذا في موضوع الحكم أو متعلّقه على وجه القيديّة بأحد أنحائها- من الجزئيّة و الشرطيّة و المانعيّة للمتعلّق أو الموضوع- كما في استصحاب الطهارة في مثالي الصلاة عن طهارة و الغسل بالماء الطاهر- الآيتين-، و الأثر المترتّب على الأصل حينئذ هو البناء عملا على تحقّق القيد.
3- شروع في البحث عن حكم استصحاب الموضوعات المركّبة و البسيطة، و حاصل المراد بالعبارة: أنّ عنوان (الصلاة في ظرف طهارة المصلّي)- مثلا- ليس عنوانا بسيطا ملازما لذات المقيّد و القيد، كي لا يجدي استصحاب الطهارة لإحرازه إلّا على القول بالأصول المثبتة، و إنّما هو عبارة عن الأمرين نفسيهما، فيكفي في إحرازهما إحراز أحدهما بالوجدان، و الآخر بالأصل.

ص: 379

بالأصل، و ليس هو عنوانا خارجا عمّا هو محرز بهما ملازما له كي يندرج في اللوازم الغير الشرعيّة، و لا (1) كون الماء طاهرا أو المصلّي متطهّرا إلّا عبارة عن نفس تحقّق الوصف فيما اعتبر تحقّقه فيه (2)، و واضح أنّ إثبات الأصل لنفس (3) مؤدّاه (4) إنّما هو عبارة أخرى عن حجيّته، و لا مساس له بباب اللوازم الغير الشرعيّة أو الملزومات (5) التي يراد من عدم حجيّة الأصل المثبت عدم كفايته في إحرازها و لا في ترتيب (6) ما رتّبه الشارع من الأثر عليها بلا مؤنة إحرازها.

و أمّا مقارنة الشرط للمشروط فإن أريد به منشأ انتزاع هذا العنوان (7)- و هو نفس تحقّق المشروط الذي هو الغسل أو الصلاة


1- عطف على (و ليس العنوان المركّب)، و المقصود هنا بيان حال القيد نفسه.
2- و هو الماء و المصلّي.
3- الموجود في الطبعة الاولى (بنفس) و الصحيح ما أثبتناه.
4- و هو متحقّق في المقام من دون زيادة.
5- أي: مطلقا و إن كانت شرعيّة كالحكم و موضوعه الملزوم له- كما مرّ غير مرّة.
6- أي: و عدم كفاية الأصل في ترتيب آثار تلك اللوازم التي رتّبها الشارع عليها من دون تحمّل مؤنة إحراز اللوازم أنفسها بأمارة أو أصل.
7- أي: عنوان المقارنة، و هذا يفترق عن العنوان- المتقدّم تحقيقه آنفا و المركّب من المقيّد و القيد- بعدم اعتبار المقارنة هناك و اعتبارها هنا، فأصبح هذا عنوانا انتزاعيّا دون ذاك.

ص: 380

في المثالين في ظرف تحقّق الشرط (1) الذي هو طهارة الماء أو المصلّي- فقد عرفت أنّه محرز بعضه بالوجدان و الآخر بالأصل، و لا حاجة إلى إحراز أمر آخر خارج عمّا هو محرز بهما، كي يؤول إلى إحراز اللوازم الغير الشرعيّة بالأصل المحرز لملزوماتها (2).

و إن أريد به نفس هذا العنوان المنتزع عن تحقّق أحد الأمرين في ظرف الآخر فالمفروض ترتّب الحكم على منشأ الانتزاع دون العنوان المنتزع (3)، و بعد ما عرفت من إحراز أحد جزءي ما ينتزع هو عنه بالوجدان و الآخر بالأصل فمقارنة كلّ منهما للآخر- مع أنه لا حاجة إلى إحرازها- متحقّقة قهرا و محرزة بالوجدان- لا محالة (4).


1- أي: مجرّد اجتماعهما في الزمان.
2- الموجود في الطبعة الاولى (بملزوماتها) و الصحيح ما أثبتناه.
3- فإنّ العنوان المنتزع المذكور- المقارنة- ليس هو متعلّق الحكم أو موضوعه- حسب الفرض-، بل المتعلّق هو الصلاة في ظرف طهارة المصلّي، و الموضوع هو الغسل في ظرف طهارة الماء، و هذا مركّب من جزءين يحرز أحدهما بالوجدان و الآخر بالأصل، من دون حاجة إلى إحراز أمر آخر.
4- إذ يحرز بالوجدان مقارنة الصلاة الوجدانيّة أو الغسل الوجداني مع الطهارة المستصحبة.

ص: 381

نعم قد يستفاد من دليل الحكم ترتّبه على العنوان الملازم أو المنتزع عمّا يمكن إحرازه بضمّ الوجدان بالأصل، لا على نفسه (1)، فلا يترتّب على مؤدّى الأصل حينئذ أثر شرعي أصلا، إذ ليس هو حينئذ إلّا جزءا من العنوان الملازم تحقّقه لتحقّق الموضوع، دون نفس الموضوع (2).

و هذا نظير (3) ما ذكروه من جريان استصحاب الشهر السابق بالنسبة إلى يوم الشكّ، و منع ترتّب أحكام أوّل الشهر على ما بعده (4)، نظرا إلى عدم كون الأوّليّة عنوانا مركّبا من (5) العدم


1- أي: على نفس ما يمكن إحرازه بالضمّ المذكور.
2- أي: ليس مؤدّى الأصل جزءا من نفس الموضوع، لأنّ الموضوع- حسب الفرض- عنوان بسيط لا جزء له، و إنّما هو جزء من العنوان المركّب الملازم للموضوع، فلا يجدي الأصل لإحرازه إلّا بناء على حجيّة الأصل المثبت.
3- لا يخفى مغايرة كلّ من الأمثلة الثلاثة للآخر في نوعه، و انحصار الأنواع فيها «أمّا مغايرتها فلأنّ موضوع الحكم في المثال الأوّل عنوان ثانوي منتزع عن اجتماع أجزاء مركب، و في الثاني مسبّب- تكوينا- عن سبب مركب، و في الثالث عنوان بسيط ملازم في الوجود لمركب. و أمّا انحصار الأنواع فيها فللاستقراء.» (منه قدّس سرّه).
4- أي: بعد يوم الشكّ، فلا يترتّب على هذا الاستصحاب سوى آثار الشهر السابق من وجوب الصوم و نحوه.
5- أي: على نفس ما يمكن إحرازه بالضمّ المذكور.

ص: 382

السابق و الوجود اللاحق (1)، كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان و الآخر بالأصل (2) و إنّما هو عنوان ثانويّ ينتزع عن الوجود المسبوق بالعدم (3)، فليس مؤدّى الأصل- حينئذ- إلّا جزءا من العنوان الملازم للموضوع (4) دون نفسه (5)- كما لا يخفى.

و ما ذكروه من عدم كفاية استصحاب رطوبة أحد المتلاقيين إذا كان نجسا في تنجّس الآخر، نظرا إلى عدم ترتّب التنجيس على نفس تماسّ الجسمين عند رطوبة أحدهما، كي تكون نفس الرطوبة- حينئذ- جزءا من موضوع الحكم فيجري فيه ما تقدّم (6)، و إنّما


1- أي: من عدم كون اليوم السابق من الشهر و كون اليوم اللاحق منه.
2- إذ يحرز كون اليوم اللاحق من الشهر الجديد بالوجدان، للعلم بعدم زيادة الشهر على ثلاثين، كما و يحرز عدم كون اليوم السابق من هذا الشهر بالاستصحاب.
3- فهو عنوان بسيط منتزع من المركّب المتقدّم ذكره، و ليس هو نفس المركّب، هذا. و الوجود المسبوق بالعدم عبارة أخرى عمّا ذكر آنفا من العدم السابق و الوجود اللاحق، و ليس مغايرا له.
4- أي: جزءا من العنوان المركّب المذكور الملازم للعنوان الانتزاعيّ المفروض موضوعيّته للحكم، و المنشأ لانتزاعه.
5- أي: ليس جزءا لنفس الموضوع.
6- من اندراجه في الموضوع المركّب المحرز أحد جزءيه- و هو تماسّ الجسمين- بالوجدان، و الآخر- و هو رطوبة أحدهما- بالأصل، هذا.و ترتّب التنجيس على ما ذكر هو أحد القولين في المسألة و في قبالة القول الآخر- الآتي.

ص: 383

يترتّب هو على تأثّر أحدهما عن الآخر و سراية رطوبته إليه، و هو مسبّب عمّا يمكن إحرازه بضمّ الوجدان بالأصل (1)، لا نفسه (2)- كما قد عرفت.

و ما ذكروه في باب الجماعة من ترتّب إدراك الركعة على إدراك (3) الإمام في الركوع، و منع كفاية الأصل في إحرازه (4)، نظرا إلى ترتّبه في لسان الدليل على ركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه (5)، لا


1- فإنّ التماسّ مع الرطوبة سبب تكوينيّ للتأثّر و السراية، و استصحاب السبب التكويني أو جزئه لا يكفي في إحراز مسبّبه إلّا على الأصل المثبت.
2- أي: و ليس هو نفس ما يمكن إحرازه بالضمّ المذكور- كما على الوجه الأوّل.
3- الموجود في الطبعة الاولى (ترتب إدراك الركعة بإدراك) و الصحيح إمّا (تحقّق) بدل (ترتب) أو (على) بدل الباء.
4- أي: في إحراز إدراك الإمام في الركوع، و الأصل هنا هو استصحاب بقاء الإمام راكعا إلى حين وصول المأموم إلى حدّ الركوع.
5- ففي صحيحة الحلبي: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة- الحديث-»، و نحوها غيرها، راجع الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة من الوسائل، و ظاهرها أنّ إدراك الإمام في الركوع الذي به يتحقّق إدراك الركعة إنّما يتحقّق بركوع المأموم قبل أن يرفع الإمام رأسه، لا بمجرّد ركوعه في ظرف ركوعه- نظير الصلاة في ظرف الطهارة- كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه- و هو ركوع المأموم- بالوجدان و الآخر- و هو بقاء ركوع الإمام إلى حين ركوع المأموم- بالأصل. فالقبليّة مأخوذة في موضوع الحكم و هي كالتقدّم و التأخّر و التقارن عنوان بسيط ينبئ عن الإضافة الخاصّة الحاصلة بين ركوع المأموم و رفع الإمام رأسه، و ليس لها حالة سابقة لتستصحب، و أصالة بقاء الإمام راكعا إلى حين ركوع المأموم إنما تجدي- كما عرفت- لإحراز ركوع المأموم في ظرف ركوع الإمام، و المفروض أنّه ليس هو موضوع الحكم بل ملازم لموضوعه، فلا يثبت بها إلّا على القول بحجيّة الأصول المثبتة.

ص: 384

على الركوع في ظرف ركوعه كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان و الآخر بالأصل.

لكن لا يخفى ابتناء ذلك على ظهور القبليّة في لسان الدليل في كونها عنوانا للموضوع (1)، لا تحديدا له، و إلّا فيندرج فيما ذكرنا، و يجري فيه ما تقرّر في حكم الحادثين اللذين يشكّ في بقاء أحدهما عند تحقّق الآخر، أو عدم تحقّقه إلّا بعد ارتفاعه (2)،


1- بأن تكون بعنوانها مأخوذة في الموضوع، أمّا إذا كانت معرّفة له مسوقة لتحديده و بيان أنّ إدراك الركعة إنما يتحقّق بإدراك الإمام في الركوع و اجتماعهما في هذا الحال- الحاصل بركوع المأموم قبل رفع الإمام رأسه- خرج عنوان القبليّة عن الموضوعيّة، و اندرج المورد في الموضوعات المركّبة الممكن إحراز بعض أجزائها بالوجدان و الآخر بالأصل.
2- أي: عدم تحقّق الآخر إلّا بعد ارتفاع الأوّل، و إنّما عبّر قدّس سرّه كذلك و لم يقل: (أو عدم بقائه عند تحقّقه) رعاية للتعبير بالحالة السابقة التي يجري فيها الاستصحاب من الجانبين و هما: استصحاب بقاء أحد الحادثين عند تحقّق الآخر، و استصحاب عدم تحقّق الآخر إلّا بعد ارتفاع الأوّل.

ص: 385

و يختلف مجرى الأصل- حينئذ- باختلاف حال المأموم (1) و إحرازه لأيّ الأمرين من ركوعه أو آخر جزء من ركوع الإمام في زمان خاص و شكّه في الآخر (2)، و عدم إحرازه لشي ء منهما إلّا بعد حين- حسبما حرّر في محلّه.

و بالجملة: فالضابط الذي يدور جريان الأصل لإحراز بعض


1- فإنّ المختار في هذا الباب- على ما حقّق في محلّه- جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ دون معلومة، فإذا علم زمان موت المورّث دون زمان إسلام وارثه فشكّ في بقاء كفره إلى زمان الموت أو عدم بقائه- بأن أسلم قبل الموت- استصحب البقاء فلا يرث، و إذا انعكس الأمر فعلم زمان الإسلام دون زمان الموت فشكّ في تحقّق الموت حال الكفر أو عدم تحقّقه إلّا بعد الإسلام استصحب عدم تحقّقه فيرث. و المقام- بناء على المعرفيّة و تركّب الموضوع- من هذا القبيل، فإذا علم المأموم زمان ركوعه و شكّ في زمان آخر جزء من ركوع الإمام- كما هو الغالب- جرى استصحاب بقاء ركوع الإمام إلى زمان ركوعه و ترتّب عليه إدراكه للركعة، و إذا علم زمان آخر جزء من ركوع الإمام و شكّ في زمان ركوع نفسه جرى استصحاب عدم ركوعه إلى آخر زمان ركوع إمامه و ترتّب عليه عدم إدراكه للركعة، و إذا جهل الزمانين جرى الاستصحابان و تساقطا بالمعارضة و يحكم عليه حينئذ أيضا بعدم إدراك الركعة.
2- الموجود في الطبعة الاولى (الإحراز) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 386

الموضوع مداره إنّما هو تركّبه من مؤدّى الأصل و غيره، و دخله- بما هو كذلك- فيه بأحد أنحائه (1)، فلو لم يكن كذلك كأن يكون الموضوع من أصله عنوانا بسيطا ملازما لما يمكن إحرازه بضمّ الوجدان بالأصل، أو كان مركّبا و لكن لا من نفس مؤدّى الأصل بل من العنوان الملازم له و لغيره، لم يكن الأصل- حينئذ- مجديا- كما لا يخفى.

بل حيث قد عرفت من مطاوي ما حرّرنا أنّ غاية ما يمكن إحرازه بالأصل إنّما هو بقاء المستصحب إلى منتهى ما يشكّ بقاؤه فيه من زمانه، دون العناوين الملازمة لذلك، فالمركّب من العناوين المتباينة التي لا رابط بينها (2) من غير جهة الزمان إنّما يجدي الأصل في إحرازها مع رجوع الوحدة الاعتباريّة الملحوظة فيها- لا محالة (3)- إلى مجرّد اعتبار التحقّق في جزء خاصّ من الزمان (4)،


1- أي: دخل مؤدّى الأصل بما هو جزء الموضوع في الموضوع بأحد أنحاء الدخل على نحو الجزئيّة، فإنّ أنحاء تركّب الموضوع مختلفة، فإمّا مركّب من العرض و محلّه، أو من عرضين لمحلّ واحد، أو لمحلّين، أو من جوهرين، أو من جوهر و عرض غير قائم به.
2- لا واقعا و لا اعتبارا سوى الرابط الاعتباريّ الزمانيّ- و هو الاجتماع في الزمان.
3- قيد للملحوظة، إذ لا مناص من لحاظ الوحدة بين أجزاء المركّب.
4- محصّله: أنّ الوحدة الاعتباريّة الملحوظة بين أجزاء الموضوع المركّب- التي يجدي الأصل في إحرازها- لا بدّ أن ترجع إلى مجرّد الوحدة الاعتبارية الزمانيّة بأن يكون مصحّح اعتبار الوحدة بينها هو تحقّق الجميع في زمان واحد، لا إلى اعتبار أزيد من ذلك كاعتبار ربط خاصّ ثانويّ بينها وراء الربط الزمانيّ العامّ، و إلّا فلا مجال لإحرازه بالأصل إلّا إذا كان لنفس الربط الخاصّ المذكور حالة سابقة، أمّا في غير هذه الصورة فإحراز ذوات الأجزاء كلا أو بعضا بالأصل لا يجدي لإحرازه إلّا على القول بحجيّة الأصول المثبتة.

ص: 387

دون ما إذا رجع هو إلى اعتبار الربط الثانويّ الحاصل بين نفس الحادثين من جهة الاجتماع في زمان واحد- كما لعلّ أن يكون هيئة الحال حكاية عنه (1)-، فإنّه لا سبيل إلى إحرازه بالأصل إلّا مع سبق تحقّق مجموع العنوان، و لا يجديه إحراز أحد الأمرين بالأصل- مثلا- و الآخر بالوجدان، إذ غاية ما يثبت بذلك إنّما هو العنوان الملازم تحقّقه لتحقّق الموضوع، دون نفسه. و لك إلحاق الموضوع في هذا القسم (2) أيضا بالعناوين البسيطة الملازمة للمركّبات الممكن (3) إحرازها


1- أي: عن اعتبار الربط الثانويّ المذكور، كما إذا كان الحكم مترتّبا على مجي ء زيد راكبا، فإنّ إحراز مجيئه بالوجدان و ركوبه بالأصل- مثلا- لا يجدي في إحراز الموضوع- أعني عنوان المجي ء حال الركوب- و إن كان ملازما له إلّا على الأصل المثبت.
2- مرجع الإشارة هو اعتبار الربط الثانويّ المذكور. و الظاهر أنّ المراد إلحاقه بالأنواع الثلاثة المتقدّمة و إدراجه في النوع الثالث منها، لكونه عنوانا بسيطا ينبئ عن ربط خاصّ بين حادثين، نظير القبليّة في المثال المتقدم.
3- صفة للمركّبات.

ص: 388

بضميمة الأصل- كما لا يخفى.

الثاني (1):- إنّ القيود المعتبرة في مثل الصلاة ترجع (2)- تارة- إلى اعتبار وصف وجوديّ أو عدميّ في المصلّي في ظرف فعل الصلاة، و- اخرى- إلى اعتبار ذلك فيما يصلّى فيه- مثلا- أو عليه، و- ثالثة- إلى اعتبار ما ذكر من الخصوصيّة الوجوديّة أو العدميّة في نفس الصلاة، و إن كان لحوقها بتوسّط المصلّي- مثلا-، أو ما يصلّي فيه (3).

و لا خفاء في جريان الاستصحاب و كفايته في إحراز القيد فيما يرجع إلى أحد القسمين الأوّلين بعد سبق تحقّقه فيما اعتبر تحقّقه فيه من الفاعل- مثلا- أو لباسه أو الزمان أو المكان (4) أو غير ذلك،


1- هذا الأمر معقود لبيان أقسام القيود المعتبرة في الصلاة و المختلفة باختلاف ما اعتبر تحقّقها فيه، و التحقيق حول ما يصحّ استصحابه منها و ما لا يصحّ.
2- الموجود في الطبعة الاولى (يرجع) و الصحيح ما أثبتناه.
3- فلا يختصّ هذا القسم بأوصاف الصلاة اللاحقة لها بنفسها من جهر أو إخفات أو موالاة أو ترتيب أو نحوها، بل يعمّ ما يلحقها بتوسّط المصلّي كالاستقبال بها و الستر حالها و نحوهما، أو بتوسّط ما يصلّي فيه أو عليه كالصلاة في الزمان أو المكان أو اللباس الكذائي، أو على المصلّى أو المسجد الكذائي.
4- كما إذا شكّ المصلّي في بقاء طهارته أو طهارة بدنه أو لباسه، أو في بقاء الوقت، أو بقاء إباحة المكان، أو طهارة مسجد الجبهة أو نحو ذلك،فإنّه لا مانع من الاستصحاب لإحراز القيد و التئام الموضوع من ضمّه إلى الوجدان، لاندراجه فيما تقدّم من ضابط الموضوعات المركّبة المحرزة بالضمّ المذكور.

ص: 389

لرجوعه إلى إحراز بعض الموضوع بالأصل و الآخر بالوجدان- كما قد عرفت-، من غير فرق في ذلك بين سبق الالتفات إلى الشكّ و لحوقه (1) مع قطع النظر عن قاعدة الفراغ، أو يفرض الشكّ فيما لا تجري (2) هي فيه و لا يعمّه دليلها (3).

فإنّا و إن اعتبرنا فعليّة الشكّ في مجاري الأصول و لم نقل بكفاية تقديره (4) في ذلك، إذ- مضافا (5) إلى عدم أخذه في


1- بأن كان قبل الصلاة ملتفتا إلى شكّه في بقاء القيد فاستصحبه و صلّى، أو كان غافلا عنه و إنّما التفت إليه بعدها، فإنّه مع قطع النظر عن قاعدة الفراغ الحاكمة على الاستصحاب أو في مورد لا مجرى لها فيه لا مانع من جريان الاستصحاب حين الالتفات بعد الصلاة و ترتيب أثره عليه.
2- الموجود في الطبعة الاولى (يجري) و الصحيح ما أثبتناه.
3- أي: دليل القاعدة، و ذلك كما على القول باعتبار احتمال الالتفات حين العمل في جريان القاعدة، إذ عليه لا مجرى لها في محلّ الكلام لأنّ المفروض فيه العلم بالغفلة.
4- أي: الشكّ التقديريّ و كونه بحيث لو التفت لشكّ، مع انتفائه فعلا لغفلته.
5- استدلّ قدّس سرّه على اعتبار فعليّة الشكّ في مجاري الأصول العمليّة بأمرين:أحدهما: ظهور لفظ الشك- المأخوذ موضوعا للأصول في أدلّتها- في الشك الفعليّ، حذو ظهور سائر الألفاظ في تحقّق معانيها بالفعل و عدم كفاية التقدير فيها. و الثاني: أنّ النتيجة المترتّبة على الجعل الظاهريّ و الأثر العمليّ المرغوب منه- و هو تنجيز الواقع و المعذوريّة عن مخالفته- لا يكاد يتحقّق إلّا بعد فعليّة إحرازه و العلم به و بموضوعه، فإنّ الحكم الظاهريّ و إن شارك الواقعيّ في امتناع دورانه- جعلا- مدار العلم به للزوم الدور، إلّا أنهما يفترقان في الفعليّة، فالواقعي يتمّ فعليّته بفعليّة موضوعه علم به المكلّف أم جهل، و ربّما يترتّب عليه آثار بمجرّد فعليّته- و إن جهل-، أمّا الظاهري فلا أثر له بواقعة المجهول، إذ لا يترتّب عليه التنجيز أو التعذير إلّا بعد العلم به و الالتفات إليه.

ص: 390

موضوعها إلّا على هذا الوجه-، فلا يعقل أن يتحقّق نتيجة الجعل الظاهريّ إلّا بعد فعليّة إحرازه- كما حقّق في محلّه-، لكن حيث إنّ غاية ما يقتضيه ذلك (1) إنّما هو عدم كون الطهارة- مثلا- أو أهليّة البائع لنفوذ التصرّف (2) محرزة بالأصل عند الغفلة التي هي ظرف


1- المشار إليه هو اعتبار فعليّة الشكّ، و محصّل المرام: أنّ مقتضى اعتبار فعليّة الشك ليس إلّا عدم جريان الأصل حال الغفلة، أمّا بعد زوالها و فعليّة الشك فلا مانع من جريانه و ترتيب آثاره الفعليّة عليه، و المفروض أنّ المورد ممّا يحرز بعضه بالوجدان و الآخر بالأصل، و لا فرق بين الصورتين- الالتفات حين العمل أو بعده- إلّا في سبق إحراز الجزء المحرز بالأصل في الأوّل و لحوقه في الثاني، و هذا لا يصلح أن يكون فارقا فيما هو المهمّ، ضرورة عدم توقّف ترتب الآثار الفعليّة على سبق الإحراز.
2- و ذلك فيما إذا كان البائع أهلا للتصرّف سابقا و شك في بقائها حال البيع

ص: 391

فعل الصلاة أو البيع، لا عدم جريانه لإحرازها فيه (1) بعد فعليّة الشكّ و اجتماع أركان الاستصحاب، فمع ترتّب أثر فعليّ على إحراز القيد في ظرف وقوع المقيّد من جهة الإعادة أو القضاء أو التصرّف في المبيع (2)- مثلا- أو غير ذلك، و وضوح رجوع الأمر في كلتا الصورتين إلى إحراز بعض العنوان بالأصل و الآخر بالوجدان (3)، و اشتراكهما في رجوع التصرّف الظاهريّ فيهما (4) إلى مرحلة الخروج عن عهدة التكليف و سقوطه- مثلا- أو تحقّق موضوع الحكم، فغاية ما هناك من الفرق بينهما إنّما هو سبق إحراز ما يحرز بالأصل في إحداهما و لحوقه في الأخرى، و هذا ممّا لا يعقل أن يكون فارقا في ذلك.


1- أي: و لا يقتضي ذلك عدم جريان الأصل- بعد فعليّة الشكّ و اجتماع أركان الاستصحاب- لإحراز الطهارة أو الأهلية في ظرف الصلاة أو البيع.
2- أمثلة للأثر الفعلي المترتّب- بعد الفراغ- على إحراز تحقّق القيد عند وقوع المقيّد، فالأثر المترتّب في مثال استصحاب الطهارة هو عدم وجوب إعادة الصلاة أو قضائها، و في مثال استصحاب الأهليّة هو صحّة البيع و جواز تصرّف المشتري في المبيع.
3- المحرز بالوجدان في المثالين هو الصلاة و البيع.
4- أي: اشتراك الصورتين في رجوع التصرّف الظاهريّ فيهما إلى مرحلة سقوط التكليف- كما في مثال طهارة المصلّي-، أو إلى مرحلة ثبوته و تحقّق موضوعه- كما في مثال أهليّة البائع للتصرّف-، فإنّ استصحاب الأهليّة يصحّح البيع و يحقّق موضوع جواز التصرّف في المبيع.

ص: 392

بل و بعد ما عرفت من دوران الصحّة (1) و الإجزاء الظاهريّ المترتّب على الجعل الظاهريّ حدوثا و بقاء مدار وجوده فلا جدوى- حينئذ- لمجرّد الإحراز السابق (2) عند سبق الالتفات إلى الشكّ في علاج الشكّ الفعليّ، و لا غناء به (3) عن فعليّة جريانه لدفع هذا الشكّ أصلا، و لا مجرى حينئذ لقاعدة الفراغ- مثلا- أو أصالة الصحّة في العقود (4)- كما لا يخفى.


1- عرفت ذلك في أواخر البحث عن أصالة الحلّ، حيث أفاد قدّس سرّه هناك أنّ الصحّة و الإجزاء الظاهريّ من اللوازم العقليّة المترتّبة على الجعل الظاهريّ، و أنه ما دام هذا الجعل منحفظا لا يعقل عدم الإجزاء، و بعد ارتفاعه بانكشاف الخلاف لا يعقل بقاء الإجزاء إلّا إذا قام عليه دليل خاصّ، إذن فالصحّة الظاهريّة تدور مدار الجعل الظاهري حدوثا و بقاء.
2- محصّله: أنه إذا دار الإجزاء الظاهري مدار الجعل الظاهري حدوثا و بقاء فعند سبق الالتفات إلى الشك و سبق جريان الأصل لإحراز تحقّق القيد حين وقوع المقيّد لا يكفي هذا الإحراز في علاج الشك الفعليّ- الحاصل بعد الفراغ و المستمرّ من ذي قبل-، و لا يستغنى به عن جريان الأصل فعلا لدفع هذا الشك بقاء، إذ لو لم يجر حينئذ لم يكن للجعل الظاهري بقاء فيرتفع الإجزاء بارتفاعه، و إذ لا مانع بل و لا محيص عن جريان الأصل بعد العمل في صورة سبق الالتفات إلى الشكّ ففي صورة لحوقه أيضا كذلك.
3- الموجود في الطبعة الاولى (له) و الصحيح ما أثبتناه.
4- جواب عن إشكال مقدّر، و هو أنه كيف يجري الاستصحاب بعد الفراغ من العمل مع أنّ المورد في مثال الصلاة مجرى لقاعدة الفراغ، و في مثال البيع مجرى لأصالة الصحّة و هما حاكمتان على الاستصحاب، و جوابه أنه يختص موردهما بالشك الحادث بعد الفراغ غير المسبوق به حين الفعل، و الشك في المقام مسبوق به و مستمرّ من قبل، فلا حاكم على الاستصحاب.

ص: 393

فما أفاده بعض (1) مشايخنا المحقّقين- قدّس اللّه تعالى أسرارهم الزكيّة- من (التفصيل بين الصورتين، نظرا إلى ترتّب جواز الدخول في الصلاة- مثلا- أو الشراء على سبق إحراز القيد بالأصل و عدم ترتّب أثر عليه عند لحوقه إلّا وقوع الصلاة- مثلا- أو البيع عند طهارة المصلّي و نفوذ تصرّف البائع- مثلا-، أو صحّة الصلاة أو البيع الواقع حال الغفلة، و كلّ منهما (2) من اللوازم الغير الشرعيّة) ممّا لا يليق بأنظاره العالية، ضرورة أنّ الجواز (3) المدّعى ترتّبه على سبق إحراز القيد إنّما يراد به في مثل المقام بالمعنى الوضعيّ المقابل لفساد العبادة- مثلا- أو المعاملة، و المساوق لمضيها من حيث (4) الخروج عن عهدة التكليف- مثلا- أو ترتّب


1- هو شيخنا العلّامة الأوّاه الميرزا الرشتي- طاب ثراه- (منه قدّس سرّه).
2- أي من وقوع الصلاة أو البيع واجدا لقيده، و صحّته.
3- و هو جواز الدخول في الصلاة أو جواز الشراء.
4- متعلّق- ب (مضيّها)، فإنّ مقتضى جواز العبادة و مضيّها الخروج عن عهدة التكليف بها و سقوط الإعادة و القضاء، كما أنّ مقتضى صحّة المعاملة و نفوذها ترتّب الأثر المعاملي عليها.

ص: 394

الأثر (1) المعامليّ، دون التكليفيّ المقابل لحرمتها الذاتيّة- مثلا- أو التشريعيّة، و إلّا لقلّ الجدوى فيه (2) و لم يجد في إحراز متعلّق التكليف أو موضوع الحكم إلّا على القول بحجيّة الأصل المثبت- حسبما تقدّم الكلام فيه-، و هو بهذا المعنى (3) ممّا لا يعقل فرق- في ترتّبه على إحراز القيد بالأصل- بين الصورتين.

و بعبارة أخرى نقول: بعد فرض توقّف الخروج عن عهدة التكليف- مثلا- أو ترتّب الأثر المعامليّ على تحقّق العنوان المركّب من مجموع الأمرين، فإحراز هذا العنوان ممّا لا مناص عنه على كلّ تقدير، و حينئذ فإن كان إحراز بعضه بالوجدان- مثلا-


1- الموجود في الطبعة الأولى (أثر) و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي: لو أريد بالجواز المدّعى ترتّبه على الأصل- في صورة سبق الالتفات- الجواز التكليفي الذاتي أو التشريعي، دون مضيّ العمل و صحّته لعلّ الجدوى في إجراء الأصل، فإنّ إجراءه لإحراز إباحة الدخول في الصلاة أو الشراء تكليفا لا يجدي فيما هو المهمّ من إحراز تحقّق متعلق التكليف أو موضوع الوضع إلّا على الأصل المثبت، فإنّ تحقّق المتعلّق أو الموضوع ملزوم للحلّية المذكورة، فهو نظير ما مرّ من أنّ إحراز حلّية الصلاة في المشتبه ذاتا أو تشريعا بالأصل لا يجدي في إحراز عدم مانعيّة المشتبه إلّا على المبنى المذكور.
3- أي: و الجواز بمعناه الوضعيّ المساوق للصحّة و المضيّ و المترتّب على الأصل لا يعقل أن يفرّق في ترتّبه على إحراز القيد بالأصل بين صورتي سبق الالتفات و لحوقه.

ص: 395

و الآخر بالأصل كافيا في ذلك (1) كما حقّقناه و أوضحنا (2) أنّه لا مساس له (3) بباب اللوازم الغير الشرعيّة لم يعقل في ذلك فرق بين الصورتين، و إلّا فكذلك، و التفصيل بينهما في ذلك (4) ممّا لا يمكننا المساعدة عليه.

و كذلك الحال فيما أفاده أخيرا من عدّ الصحّة الظاهريّة من اللوازم العقليّة الغير المترتّبة على الجعل الظاهريّ، إذ هو- مع ما فيه من الخلط بين الصحّة الواقعيّة التي هي من خواصّ الإتيان بنفس المطلوب الواقعيّ (5)، و الظاهريّة التي هي من لوازم نفس الجعل الظاهريّ (6) و فائدته التي لا يعقل عدم ترتّبها عليه عند انحفاظه


1- أي: في إحراز العنوان المركّب ليترتّب عليه الخروج عن عهدة التكليف و الأثر المعاملي.
2- الموجود في الطبعة الاولى (أوضحناه) و الصحيح ما أثبتناه.
3- أي: لإحراز المتعلّق أو الموضوع المركّب بإحراز بعضه بالوجدان و الآخر بالأصل.
4- أي: في كفاية ذلك في إحراز المركّب بالبناء على الكفاية في صورة سبق إحراز القيد، و عدمها في صورة اللحوق- كما عن المحقّق المذكور.
5- فإنّها تنتزع من انطباق المأتيّ به على المأمور به الواقعي و يتّصف هو بها بهذا الاعتبار، و الانطباق أمر تكوينيّ عقليّ لا مدخل للشرع فيه، فالصحّة الواقعية من اللوازم غير الشرعية.
6- فإنّ مقتضى الجعل الظاهريّ بلسان أمارة أو أصل هو صحّة العمل المأتي به على طبقه و تماميّته- شرعا- و مطابقته- كذلك- للواقع، بل الهوهويّة بينهما بحكم الشارع، و لازمه إجزاؤه عن الواقع ما دام الجعل المذكور منحفظا لم ينكشف خلافه- حسبما مرّ تحقيقه في أواخر المقام المتقدّم-، و هذا من اللوازم العقليّة القهريّة للجعل الشرعي و آثاره التي لا تكاد تنفكّ و تنسلخ عنه و لا يعقل عدم ترتّبها عليه، إذ بدونه يلغو الجعل و يسقط عن الفائدة رأسا، و بهذا الاعتبار يصحّ دعوى مجعوليّة الصحّة الظاهريّة بمعنى تبعيّتها للجعل التشريعي و لزومها له و ترتّبها عليه، و تفترق بذلك عن الصحّة الواقعيّة.

ص: 396

- حسبما مرّ الكلام فيه-، مدفوع بأنّ صحّة العمل سواء أريد بها تماميّته بما اعتبر فيه من الأجزاء و القيود المعلوم اعتبارها فيه، أو كونه موافقا للأمر- مثلا-، أو ما يساوق ذلك (1)- و لو باعتبار حكم الشارع بأنّه كذلك (2)- ممّا لا مناص (3) في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم توجّهه إلى المكلّف عن إحرازها (4) على كلّ تقدير، و حينئذ فإن كان إحراز بعض المركّب بالأصل و الآخر بالوجدان مجديا في ذلك (5) لم يعقل فيه فرق بين الصورتين، أو لا


1- إشارة إلى الوجوه و الأقوال المختلفة في تفسير مفهوم الصحّة، و تفصيله مذكور في محلّه من الأصول.
2- أي: بأنه تامّ أو موافق للأمر أو نحو ذلك، و ذلك في موارد الصحّة الظاهريّة الآنفة الذكر.
3- خبر ل (أنّ).
4- أي: إحراز صحّة العمل، ضرورة أنّ الخروج عن العهدة فرع الإتيان بالعمل الصحيح التامّ و مسبب عنه، فإحرازه فرع إحرازه.
5- أي: في إحراز الصحّة.

ص: 397

فكذلك، فالتفصيل بينهما من هذه الجهة (1) أيضا (2) ممّا لا يرجع إلى محصّل، و حريّ لأن يعدّ من كبوة الجواد.

و أمّا القسم الثالث:- فلا يخلو إمّا أن يكون القيد حاصلا من أوّل الشروع ثم يشكّ في ارتفاعه في الأثناء (3)، أو يكون مشكوك الحصول من أوّل الأمر.

أمّا الأوّل: فإن قلنا (4) بكفاية الوحدة الاعتباريّة الملحوظة في


1- أي: من جهة كون إحراز بعض المركّب بالأصل و الآخر بالوجدان مجديا في إحراز الصحّة أو لا.
2- يعني: كالجهة المتقدّم ذكرها و هي جهة كون الإحراز الائتلافي مجديا في إحراز العنوان المركّب المتعلّق للتكليف أو الموضوع للحكم.
3- كما إذا فرض كون الستر أو الاستقبال معتبرا في الصلاة نفسها، فدخل فيها ساترا أو مستقبلا ثمّ شكّ أثناءها في بقائه.
4- محصّل ما أفاده قدّس سرّه في هذا المقام: أنّ جريان الاستصحاب في هذا النحو من القيود يتوقّف على تماميّة أمرين: الأوّل- كون المركّبات الاعتباريّة المختلفة الأجزاء- كالصلاة و نحوها- على غرار المركّبات المتشابهة الأجزاء من مثل التكلّم و المشي و نحوهما مندرجة في كبرى الأمور التدريجيّة المبنيّة على التقضّي و التصرّم مع انحفاظ وحدتها الاتصاليّة العرفيّة الموجبة لاعتبارها باقية- و إن تبادلت أجزاؤها و انعدم بعض و حدث بعض آخر- فيتّحد بذلك متعلّق الشك و اليقين فيها و يصحّ الاستصحاب، و اندراج تلك المركّبات فيما ذكر إنّما يتمّ بالقول بكفاية الوحدة الاعتباريّة الملحوظة فيها و الهيئة الاتصاليّة القائمة بموادّ أجزائها المختلفة في حفظ وحدتها العرفيّة و اتحاد القضيّة المتيقّنة و المشكوكة فيها- حذو التدريجيّات المتناسقة الأجزاء كما سمعت. و الثاني- الالتزام بكون هذه المركّبات باعتبار هيئتها الاتصاليّة المذكورة موضوعا لما اعتبر فيها من القيود الوجوديّة و العدميّة، لا باعتبار أجزائها المتنوّعة و أفعالها المتباينة، إذ لو كانت معتبرة في موادّ الأجزاء نفسها و علم باشتمال الجزء السابق عليها و شكّ في اللاحق لم يكن البناء على وجودها فيه إبقاء لما كان و إبراما لليقين السابق، بل إحداث لما لم يكن و هو بمعزل عن الاستصحاب، لاختلاف موضوعي المتيقّن و المشكوك، و هذا بخلاف ما إذا كان محلّ اعتبارها هي الهيئة الاتصاليّة و الكون الصلاتيّ المستمرّ، لوحدة موضوع المستصحب حينئذ، و بقائه في حالتي الشك و اليقين، فيقال: كانت الهيئة الاتصاليّة واجدة لكذا أو فاقدة له و نشكّ في بقائها على هذه الصفة فيستصحب.

ص: 398

المركّبات الاعتباريّة و الهيئة الاتصاليّة القائمة بموادّ أجزائها في اتحاد متعلّق الشكّ و اليقين عرفا، على حدّ غيرها من التدريجيّات (1) المبنيّة على التقضّي و التصرّم مع انحفاظ وحدتها الاتصاليّة الموجبة لاعتبار البقاء في الآن الثاني، دون الحدوث و الانعدام (2)، و التزمنا بموضوعيّتها (3)- بهذا الاعتبار- لما اعتبر


1- يعني: لمّا كانت الوحدة الاتصاليّة في التدريجيّات المتناسقة الأجزاء تكفي في اتحاد متعلّق الشك و اليقين عرفا- المعتبر في جريان الاستصحاب- فإن ألحقنا المركّبات الاعتباريّة بها و قلنا بكفاية الوحدة الاعتباريّة الملحوظة فيها في ذلك أمكن الاستصحاب، و إلّا فلا.
2- أي: لا أنه في الآن الثاني ينعدم شي ء و يحدث شي ء آخر.
3- هذا ثاني الأمرين المتوقّف عليهما جريان الاستصحاب في المقام،و قد مرّ آنفا.

ص: 399

فيها من القيود، لا موضوعيّة أفعالها بما هي متعدّدة متباينة، اتّجه التمسّك بالاستصحاب- حينئذ- في جميع صور الشكّ في ارتفاع القيد الوجوديّ أو العدميّ في الأثناء، و لو مع استناده إلى الشكّ في رافعيّة الموجود (1) من جهة الشبهة الموضوعيّة- مثلا- أو الحكميّة. فإنّه و إن لم يكن الأصل موجبا لارتفاع الشكّ السببيّ (2) و إحراز حال المشتبه المذكور (3)، إلّا أنّه بعد كفايته في إحراز القيد فلا حاجة إلى إحراز حال المشتبه و رفع الشبهة عنه- كما هو الحال في استصحاب الطهارة عند خروج البلل المشتبه موضوعا أو حكما (4)


1- أي: استناد الشك في ارتفاع القيد إلى الشك في رافعيّة الموجود، على المشهور و المنصور من جريان الاستصحاب في موارد الشك في رافعيّة الموجود- حذو جريانه في موارد الشك في وجود الرافع.
2- و هو الشك في رافعيّة الموجود الذي فرض سببا للشك في ارتفاع القيد، يعني أنّ الاستصحاب و إن لم يحرز به حال الموجود المشكوك رافعيّته و أنه رافع أو غير رافع، إلّا أنه لا مانع من جريانه لإحراز القيد نفسه- بناء على تماميّة ما عرفت من الأمرين-، و معه لا حاجة إلى جريانه في الشك السببيّ المذكور و رفع الشك فيه، و لا يضرّ بقاؤه بإحراز حال القيد نفسه باستصحابه- كما هو الحال في الشك في بقاء الطهارة الناشئ عن خروج البلل المشكوك رافعيّته-، فإنّ الاستصحاب و إن لم يحرز حال البلل المشتبه إلّا أنه بعد كفايته في إحراز الطهارة فلا حاجة إلى رفع الشبهة في ناحية السبب.
3- و هو الموجود المشكوك رافعيّته.
4- أمّا موضوعا فكالمردّد بين البول و المذي، و أمّا حكما فكما إذا كان الخارج مذيا و فرض الشك في رافعيّته شرعا.

ص: 400

و نحو ذلك.

و إن منعنا عن ذلك من أصله (1)، أو قلنا (2) بموضوعيّة كلّ واحد من الأجزاء لما اعتبر فيها من القيود في عرض الآخر، دون نفس الكون الصلاتيّ بما هو أمر واحد مستمرّ- كما هو أظهر الوجهين (3)- لم يجد سبق تحقّق القيد- حينئذ- في جريان الاستصحاب عند الشكّ، لتعدّد متعلّق الشكّ و اليقين (4).

و في جريانه لإحراز نفس الجزء الصوريّ و الهيئة الاتصاليّة


1- المراد به المنع عن الأمر الأوّل المتقدّم ذكره- أعني كفاية الوحدة الاعتباريّة للمركّب في اتحاد متعلّق الشك و اليقين و إلحاقه بهذا الاعتبار بالتدريجيّات.
2- أي: منعنا عن الأمر الثاني السالف الذكر فقط، دون الأوّل.
3- الظاهر رجوعه إلى الأخير، و تسليمه قدّس سرّه أصل الوحدة الاتصاليّة و الكون الصلاتي الواحد المستمر، لكن من دون أن يتعلّق به التكليف و يصبح جزءا صوريا للواجب في قبال الأجزاء الماديّة، و لذا لم يعبّر قدّس سرّه في عبارته هذه بالجزء الصوريّ- و إن عبّر به بعد ذلك عند بيان المبنى القائل باعتباره-، و أيضا من دون أن يكون موضوعا للقيود و إنّما الموضوع لها هي ذوات الأجزاء الماديّة، إذن فكون هذا أظهر الوجهين إنّما هو في قبال موضوعيّة الهيئة الاتصاليّة، لا أصل وجودها.
4- إذ المفروض انتفاء الهيئة الاتصاليّة الحافظة للوحدة رأسا، أو وجودها و عدم موضوعيّتها للقيود المعتبرة بل موضوعيّة ذوات الأجزاء. و على كلّ تقدير فاليقين متعلّق بواجديّة جزء لقيد، و المشكوك فيه هو واجديّة جزء آخر له، و هذا أجنبيّ عن الاستصحاب.

ص: 401

عند الشكّ فيما يوجب قطعها، أو طروّ ما يشكّ أنّه كذلك (1) من جهة الشبهة الموضوعيّة- مثلا- أو الحكميّة- كما هو خيرة شيخنا أستاذ الأساتيذ قدّس سرّه (2)-، أو عدم جريانه فيه أيضا- كما أفاده سيّدنا الأستاذ الأكبر أنار اللّه برهانه-، وجهان مبنيّان على كون الجزء الصوريّ المستكشف اعتباره (3) من أدلّة القواطع عبارة عن أمر وجوديّ مستمرّ يقطعه التكلّم أو القهقهة- مثلا-، كي يرجع الشكّ في تخلّل القاطع، أو قاطعيّة المتخلّل- حينئذ- إلى الشكّ في بقائه و ارتفاعه، و يكون إحرازه بالأصل كافيا فيما لا بدّ للمكلّف من إحرازه (4) و إن كان الشكّ السببيّ باقيا بحاله- كما عرفته في


1- أي أنه قاطع، و بعبارة أخرى: عند الشك في وجود القاطع أو قاطعيّة الموجود.
2- قال قدّس سرّه في الثامن من تنبيهات الاستصحاب: إذا استكشفنا من تعبير الشارع عن بعض ما يعتبر عدمه في الصلاة بالقواطع أنّ للصلاة هيئة اتصاليّة ينافيها توسّط بعض الأشياء في خلال أجزائها الموجب لخروج الأجزاء اللاحقة عن قابليّة الانضمام و الأجزاء السابقة عن قابليّة الانضمام إليها، فإذا شك في شي ء من ذلك وجودا أو صفة جرى استصحاب صحّة الأجزاء بمعنى بقائها على القابليّة المذكورة، فيتفرّع على ذلك عدم وجوب استئنافها، أو استصحاب الاتصال الملحوظ بين الأجزاء السابقة و ما يلحقها من الأجزاء الباقية، فيتفرّع عليه بقاء الأمر بالإتمام.
3- و وقوعه في حيّز الطلب.
4- يعني: يكون إحراز بقاء الجزء الصوري بالاستصحاب في مورد الشك في بقائه المسبّب عن الشك في تخلّل القاطع أو قاطعيّة المتخلّل كافيا في إحراز صحّة الصلاة التي لا بدّ للمكلّف من إحرازها، و لا حاجة إلى رفع الشك السببيّ و إحراز حال المشتبه تخلّله أو قاطعيّته، و لا ضير في بقاء هذا الشك بحاله- كما مرّ في مثال استصحاب الطهارة عند خروج البلل المشتبه.

ص: 402

استصحاب الطهارة عند خروج المذي و نحوه. أو كونه فيما لوحظ (1) فعلا للمكلّف و اعتبر في متعلّق تكليفه عبارة عن نفس عدم تخلّل هذه الأمور دون أمر آخر تكون هي رافعة له، فإنّ أدلّة القواطع- بعد وضوح كونها مسوقة لبيان ما اعتبر في متعلّق التكليف على حدّ غيرها ممّا يستفاد منه (2) الجزئيّة و أخواتها- فلا يستفاد منها (3) إلّا تقيّد المطلوب بعدم تخلّلها في أثنائه، و ليس


1- أي: كون الجزء الصوريّ في نسبته إلى فعل المكلّف المتعلّق للتكليف و علاقته به، و محصّل المرام أنّ مقتضى سياق أدلّة القواطع- كأدلّة الأجزاء و الشرائط و الموانع- هو بيان ما يعتبر في متعلّق التكليف بنفسه و يطالب به المكلّف مباشرة وجودا أو عدما، و ليس ما يصلح مطالبته به كذلك سوى نفس عدم تخلّل أمور معيّنة في الأثناء من التكلّم و القهقهة و نحوهما، أمّا الأمر الوجوديّ المستمرّ في حال الأفعال و السكنات جميعا الذي يقطعه هذه الأمور فلا يصلح لأن يطالب به إلّا بعناية أنّ رفعه بيده، و مثله لا يكاد يقتضيه سياق الأدلّة.
2- الموجود في الطبعة الاولى (عنه) و الصحيح ما أثبتناه.
3- الموجود في الطبعة الاولى (عنها) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 403

التعبير عنها بالقواطع منافيا لذلك (1)، و لا كاشفا عن قيدية ما لا يصلح لأن يطالب به من المكلّف إلّا بعناية أنّ رفعه بيده (2)، فيكون سبيل القواطع أيضا سبيل غيرها من الموانع (3)، و لا يجدي خلوّ الأجزاء السابقة عنها في استصحابه (4)- حذو ما عرفت في سائر القيود (5).

و أمّا إذا كان الشكّ حاصلا من أوّل الشروع فالمسألة مبنيّة على الخلاف في كفاية استصحاب العدم السابق على الحوادث (6) في إحراز عدم تخصّصها بالخصوصيّات المشكوكة عند حدوثها، أو عدم كفايته فيه.

و قد اختلفت كلمات شيخنا أستاذ الأساتيذ قدّس سرّه في ذلك، ففي


1- فإنّ هذا التعبير لا يدلّ على تقيّد المطلوب بأمر وراء عدم التخلّل المذكور.
2- و هو الأمر الوجوديّ المستمرّ، فإنّه بنفسه ليس فعلا صادرا عن المكلّف، بل أمر حاصل قهرا من تتابع أجزاء العمل و تعاقبها، نعم له رفعه و قطعه بفعل أحد تلك الأمور.
3- فكما أنّ الموانع قيود عدمية لأفعال الصلاة فإذا شكّ في طروّها على جزء لاحق فلا يجدي خلوّ الأجزاء السابقة عنها في استصحاب خلوّه عنها، لتعدّد متعلّق الشك و اليقين، كذلك القواطع قيود عدميّة لمطلق الأكوان الصلاتيّة، و لا يجدي خلوّ الأكوان السابقة عنها في استصحاب خلوّ اللاحقة، للعلّة نفسها.
4- أي: في استصحاب خلوّها إلى الأجزاء اللاحقة.
5- يعني بها القيود الوجوديّة.
6- و هو الاستصحاب المعروف باستصحاب العدم الأزلي.

ص: 404

مسألة الشكّ في مخالفة الشرط الواقع في ضمن العقد للكتاب من جهة الشكّ في كون الحكم على وجه لا يقبل التغيير بالشرط بنى على الأوّل (1)، و في مسألة الشكّ في كرّية الماء و حيضيّة الدم على الثاني (2)، بل قضيّة ما أفاده- في خاتمة التنبيه الأوّل من تنبيهات الاستصحاب (3) معيارا لما يجدي استصحاب العدم السابق


1- قال قدّس سرّه في مبحث الشروط من مكاسبه: (فإن لم يحصل له- أي تمييز ما يقبل تغيّره بالشرط ممّا لا يقبل- بنى على أصالة عدم المخالفة.،
2- كما يظهر ممّا ننقله من عبارته قدّس سرّه الآتية.
3- فقد أفاد قدّس سرّه هناك: أنّ الاستصحاب في الأمر العدمي المقارن للوجودات خال عن الإشكال إذا لم يرد به ارتباط الموجود المقارن له به- كما إذا فرض الدليل على أنّ كلّ ما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن حيضا فهي استحاضة، فإنّ استصحاب عدم الحيض في زمان خروج الدم المشكوك لا يوجب انطباق هذا السلب على ذلك الدم و صدقه عليه حتى يصدق (ليس بحيض) على هذا الدم، فيحكم عليه بالاستحاضة، إذ فرق بين الدم المقارن لعدم الحيض و بين الدم المنفيّ عنه الحيضيّة، و سيجي ء نظير هذا الاستصحاب في الفرق بين الماء المقارن لوجود الكرّ و بين الماء المتّصف بالكريّة، و المعيار عدم الخلط بين المتّصف بوصف عنوانيّ و بين قيام ذلك الوصف بمحلّ، فإنّ استصحاب وجود المتّصف أو عدمه لا يثبت كون المحلّ موردا لذلك الوصف العنواني، فافهم، انتهى. و ظاهره المفروغيّة عن عدم الجدوى لاستصحاب عدم الحيضيّة- على نحو العدم المقارن- في إحراز عدم كون الدم دم حيض.

ص: 405

في إحراز القيد و ما لا يجديه ذلك، و جعل ضابط الأوّل ترتّب الأثر على العدم المقارن، و ضابط الثاني ترتّبه على العدم النعتيّ- هي المفروغيّة عن عدم الجدوى لاستصحاب العدم السابق على الحوادث في إحراز حالها (1)، و ما أفاده في هذا الضابط هو الحقيق بأن يفهم و يغتنم، و يسجد شكرا لمن أجراه على قلمه و أ لهم (2).

و توضيحه يتوقّف على تنقيح أمور:- الأوّل: أنّه كما لا فرق في المستصحب العدميّ بين أن يكون تمام الموضوع للحكم، أو يكون جزءا منه على حدّ غيره (3)- كما أوضحناه (4)-، فكذا لا فرق في ترتّب الأثر على استصحابه بين أن يكون باعتبار موضوعيّة نفسه (5) للحكم- بأحد الوجهين-، أو يكون باعتبار أنّ نقيضه الوجوديّ هو المأخوذ كذلك، و يترتّب على


1- أي: حال تلك الحوادث، و هو عدم تخصّصها بالخصوصيّات المشكوكة عند حدوثها.
2- لسموّ المطلب و علوّ شأنه و غاية متانته بمثابة لا يناله إلّا الأوحديّ من ذوي النفوس الكاملة المستعدّة للفيوضات و الإلهامات الربّانيّة، و إنّ شيخنا الأعظم (قدّس اللّه نفسه الزكية) لمن أماثلهم.
3- و هو المستصحب الوجودي.
4- أوضحه قدّس سرّه في الأمر الأوّل المتقدّم في أوائل المقام الثالث.
5- أي: نفس العدم، و حينئذ يترتّب الأثر الشرعي على المستصحب نفسه، و هذا واضح.

ص: 406

انتفائه انتفاؤه (1)، فإنّ انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه و إن لم يكن صالحا لأن تناله يد الجعل- و لو تبعيّا- (2)، إلّا أنّ المجعول الشرعيّ المترتّب على موضوعه في لسان دليله لكونه صالحا لأن يتعبّد بالبناء على كلا طرفي وجوده و عدمه (3)، فبهذا الاعتبار يخرج الأصل النافي له أو لموضوعه عن صلاحيّة التعبّد به. و ما ينسب إلى شيخنا أستاذ الأساتيذ قدّس سرّه- من المنع عن كفاية هذا الأثر في جريان الأصل- من الأوهام المحضة، و كلماته مشحونة بخلافه


1- أي: يترتّب انتفاء الحكم على انتفاء الوجوديّ المأخوذ موضوعا للحكم- تماما أو جزءا- باستصحاب عدمه.
2- لأنّ الشارع إنّما يجعل الحكم عند تحقّق موضوعه، و لا يجعل انتفاء الحكم عند انتفاء موضوعه، بل هو أمر عقليّ ضروريّ، نظير انتفاء المعلول بانتفاء علّته، و مثله لا تناله يد الجعل الشرعي- حتى تبعا- شأنه في ذلك شأن التكوينيّات.
3- فإنّ المجعول الشرعي و إن كانت فعليّته و تحقّقه الواقعي دائرة مدار تحقّق موضوعه- كما هو مقتضى كونه مجعولا على تقديره و مترتّبا عليه في لسان دليله-، إلّا أنّه إذا شكّ في فعليّته فللشارع التصرف الظاهري فيه بالتعبّد بالبناء على وجوده أو عدمه بجعل أصل مثبت له أو لموضوعه، أو ناف كذلك وظيفة عملية للمكلّف الشاكّ، و صحّة تصرّفه في هذا المقام يتبع صحّة تصرّفه في أصل الجعل الواقعي، فإنّه من شؤونه و لواحقه، و الكلّ من مقتضيات شارعيّته و جاعليّته، و بهذا الاعتبار يصحّ إجراء الأصل النافي للحكم لنفيه، أو النافي للموضوع لنفي الحكم المترتّب على وجوده.

ص: 407

- كما لا يخفى على الخبير بها.

ثمّ إنّ الغالب في ترتّب الأثر على الأصل بهذا الاعتبار (1) و إن كان في الأصول العدميّة (2)، لكنّه ليس من خواصّها، بل يطّرد في الوجوديّات أيضا (3)، و من ذلك استصحاب وجود الموانع- كما لا يخفى.

الثاني: إنّه بعد أن تبيّن أنّ ترتّب الأثر على الأصل يكون- تارة- من حيث نفس مؤدّاه، و- أخرى- بعناية نقيضه، فلا يخفى أنّ المخصّص أو المقيّد النافي للحكم الوارد على العنوان المأخوذ في مصبّ الإطلاق أو العموم عمّا (4) إذا تخصّص بخصوصيّة وجوديّة إن كان مسوقا لمحض إفادة ذلك (5) من دون أن يتكفّل لإثبات حكم آخر


1- أي باعتبار أنّ نقيض المستصحب هو المأخوذ في موضوع الحكم.
2- إذ الغالب ترتّب الأثر على المستصحب العدميّ باعتبار أنّ نقيضه الوجوديّ موضوع للحكم، فينتفي بانتفائه.
3- فيستصحب وجود شي ء باعتبار أنّ نقيضه العدميّ موضوع للحكم، فينتفي بوجوده، كما في استصحاب وجود الموانع، فإنّ عدمها هو المأخوذ في موضوع الحكم باعتبار تقيّد المطلوب به- كتقيّد الصلاة بعدم الوقوع في غير المأكول.
4- متعلّق بالنافي، و ذلك مثل (لا يجب إكرام العالم الفاسق)، فإنّه ينفي وجوب الإكرام الوارد على عنوان العالم عن المتخصّص منهم بخصوصيّة الفسق.
5- أي: مجرّد إفادة نفي حكم العام عن المتخصّص بالخصوصيّة.

ص: 408

على المتخصّص بها، كان مفاده حينئذ- استثناء كان أم خطابا غيريّا أو غير ذلك- هو مانعيّة تلك الخصوصيّة عن ذلك الحكم، و دخل عدم التخصص بها في معروضه، و كان ترتّب الأثر على إحراز عدمها لكونه (1) هو القيد الذي تكفّل المخصّص لبيان دخله فيه، لا بعناية نقيضه، إذ المفروض أنّه لا حكم له.

و إن كان مسوقا لإثبات حكم آخر عليه، و كانت إفادته للتخصيص أو التقييد بمعونة تضادّ الحكمين و استحالة تواردهما على متعلّق واحد (2)، رجعت نتيجة التخصيص أو التقييد- حينئذ- إلى تنويع ذلك العنوان إلى نوعين متقابلين: أحدهما هو الخاصّ،


1- أي: العدم، فإنّ مفاد المخصّص أو المقيّد في هذا القسم لمّا كان هو مجرّد مانعيّة الخصوصيّة عن حكم العام و دخل عدمها فيه، فالأثر المترتّب على استصحاب عدمها إنّما هو باعتبار موضوعيّة نفسه على وجه القيديّة، لا باعتبار موضوعيّة نقيضه الوجودي، فإنّ المفروض أنّ وجودها لا حكم له، و حينئذ فإذا فرض- في المثال- أنه أحرز علم زيد بالوجدان فبضميمة استصحاب عدم فسقه يتمّ إحراز الموضوع المركّب لوجوب الإكرام.
2- توضيحه أنّ مفاد المخصّص أو المقيّد في هذا القسم- الثاني- مطابقة إثبات حكم آخر- كحرمة الإكرام- على المتخصّص بالفسق، و بمعونة تضادّ هذا الحكم مع حكم العامّ و استحالة تواردهما على موضوع واحد- و هو العالم الفاسق- أصبح مخصّصا للعام و مفيدا لاختصاص حكمه بغير مورده، بخلاف القسم الأوّل الذي مفاده التخصيص مطابقة.

ص: 409

و الآخر نقيضه (1)، و صرف الحكم الوارد عليه (2) إلى ذلك القسيم- لا محالة-، فيكون التخصّص بتلك الخصوصيّة دخيلا في موضوع أحد الحكمين، و عدمه في الآخر، و المخصّص دالا على الأوّل بالمطابقة، و على الآخر بالالتزام (3)، فيتّحد مع القسم الأوّل من جهة، و يمتاز عنه من اخرى (4) و يترتّب الأثر على إحراز عدمها بأحد الاعتبارين (5) من حيث نفسه، و بالآخر بعناية نقيضه.

و الأثر المترتّب بهذه العناية و إن كان مترتّبا على انتفاء ما أخذ


1- كالفاسق و غير الفاسق، فالعالم الفاسق محكوم بالحكم الذي تكفّله دليل المخصّص- و هو الحرمة في المثال-، و العالم غير الفاسق محكوم بحكم العام- الوجوب.
2- أي: على العنوان العام.
3- الأوّل هو دخل الفسق في موضوع حرمة الإكرام، و الآخر هو دخل عدم الفسق في موضوع وجوب الإكرام، و دلالة المخصّص على هذا الأخير التزاميّة، لأنه إنّما يدلّ عليه بضميمة ما مرّ من تضادّ الحكمين و استحالة تواردهما على متعلّق واحد.
4- يتّحد هذا مع القسم الأوّل من جهة الدلالة الثانية التي هي التزاميّة هنا و مطابقيّة في الأوّل، و يمتاز عنه من الجهة الأولى، فإنّ الأوّل لا دلالة له عليها، و الثاني يدلّ عليها مطابقة.
5- و هو اعتبار دخل عدم الخصوصيّة في موضوع حكم العامّ، فإنّه باستصحاب عدمها يترتّب الأثر على إحرازه من حيث نفسه، في قبال اعتبار دخل الخصوصيّة في موضوع حكم المخصّص، إذ الأثر يترتّب على إحراز عدمها بعناية نقيضه الوجودي.

ص: 410

بجملته في الدليل المخصّص موضوعا لحكمه، و على انتفاء كلّ واحد من أجزائه و قيوده (1)- حسبما تقدّم توضيحه (2)-، لكنّه لمسبّبيّة الشك في الجملة عن الشك في أجزائها (3)، و حكومة


1- فالأثر المترتّب- في مثال حرمة إكرام العالم الفاسق- على إحراز عدم الموضوع بعناية نقيضه الوجودي يترتّب- تارة- على إحراز انتفاء كلّ واحد من قيوده- العلم و الفسق- بالأصل، أو بعضها به و البعض الآخر بالوجدان، و- اخرى- على إحراز انتفاء المجموع- العالم الفاسق-، فيستصحب انتفاء العالم الفاسق.
2- لدى بيان الضابط لجريان الأصل في أجزاء المركّب و قيوده.
3- كما هو مقتضى تشكّل المركّب من أجزائه. و قد يشكل: بأنّ السببيّة المزبورة ليست شرعيّة، و شرعيّتها معتبرة في حكومة الأصل السببيّ على المسببيّ- كما حقّق في محلّه. و يمكن دفعه: بأنه ليس للأجزاء سببيّة بمعناها المصطلح- حذو سببيّة النار للحرارة في التكوين- ليقال: إنّ إجراء الأصل في السبب لإثبات مسبّبه التكوينيّ مبنيّ على حجيّة الأصل المثبت، ضرورة أنه لا سببيّة حقيقة بمعنى التأثير و الترشيح، و لا اعتبارا و شرعا بمعنى الموضوعيّة، لعدم الاثنينيّة في البين، فإنّ المركّب هي الأجزاء بعينها، فإنّه يتألف منها و يتشكّل من اجتماعها، إلّا أنّ مقتضى تشكّل المركّب الاعتباري من الأجزاء شرعا- بتركيب الشارع إياه منها اعتبارا- هو لحوقه بالمركّب الحقيقي في دوران وجوده مدار وجود جميعها، و عدمه على عدم بعضها ثبوتا و إثباتا، و عليه فإذا أحرز وجودها جميعا إحرازا عقليّا أو شرعيّا أو بالتلفيق فقد أحرز وجود المركّب كذلك، و معه لا مجال للتعبّد بعدم وجود المركّب بجملته، و بهذا الاعتبار يكون الأصل المحرز لبعض أجزائه مع إحراز البعض الآخر بالوجدان حاكما على الأصل النافي له برمّته، فتدبّر.

ص: 411

الأصل المحرز لجزء خاصّ عند إحراز البقيّة بالوجدان على الأصل النافي لها (1)، فلا يصلح هو لأن يكون معارضا و لا معاضدا له (2)، و لا تصل النوبة إليه (3) إلّا مع انتفاء الحالة السابقة للجزء رأسا، أو سقوط الأصل المحرز له بما يعارضه في رتبته. و مسألة الحادثين عند العلم بتاريخ أحدهما و الشكّ في الآخر من الأوّل، و عند الجهل بتاريخهما جميعا من الثاني (4)- فلا تغفل.


1- أي للجملة.
2- أي: لا يصلح الأصل النافي للجملة لأن يكون معارضا للأصل المحرز للجزء- إن كان وجوديّا- أو معاضدا له- إن كان عدميّا-، و ذلك لتأخّر رتبته عنه- حسبما عرفت.
3- أي: إلى الأصل النافي للجملة، ضرورة أنه إنما تصل النوبة إلى الأصل المحكوم مع عدم جريان الأصل الحاكم في نفسه، أو سقوطه بالمعارضة مع ما يكافئه رتبة.
4- المراد بالأوّل جريان الأصل المحرز لبعض الأجزاء مع إحراز البقيّة بالوجدان و حكومته على الأصل النافي للجملة، و بالثاني جريان الأصل النافي المذكور و عدم محكوميّته بالأصل الجاري في الجزء.و وجه كون مسألة الحادثين المجهول تاريخ أحدهما خاصة من الأوّل هو جريان الأصل في المجهول تاريخه منهما- كاستصحاب عدم إسلام الوارث حال حياة المورّث- من دون معارض، و حكومته على أصالة عدم تحقّق المركّب من الإسلام و الحياة.و وجه كون صورة الجهل بتاريخهما جميعا من الثاني هو تعارض الأصلين من الطرفين- كالاستصحاب المذكور مع استصحاب عدم موت المورّث إلى زمان إسلام الوارث- و تساقطهما و وصول النوبة إلى الأصل النافي للمركّب.

ص: 412

و على كلّ حال، فإذا وصلت النوبة إلى الأصل المحرز لانتفاء ما أخذ- بجملته- موضوعا في الدليل المخصّص، فغاية ما يمكن أن يترتّب من الأثر عليه هو انتفاء حكمه (1)، و لا مساس له بترتيب الحكم الوارد على العنوان المطلق أو العامّ أصلا، كيف و الجزء الآخر الذي يكشف تحريم إكرام الفاسق عن دخله في وجوب إكرام العالم- مثلا- هو عدم فسقه، لا انتفاء العالم الفاسق بالكلّية إلّا باعتبار استلزامه له (2)، و هذا بخلاف نفس حرمة الإكرام (3)، فإنّها


1- و بعبارة أخرى واضحة: أنّ الأثر الذي يترتّب على استصحاب عدم كون زيد عالما فاسقا- في المثال المتقدّم- هو انتفاء حرمة إكرامه فقط، لا ثبوت وجوب إكرامه أيضا، و ذلك لأنّ الذي اقتضاه الدليل المخصّص بدلالته الالتزاميّة- حسبما تقدّم- هو دخل عدم الخصوصيّة في موضوع الحكم العام، فيكون الواجب إكرام العالم المقيّد بعدم الفسق- العالم غير الفاسق-، لا موضوعيّة انتفاء مجمع العنوانين- كغير العالم الفاسق الصادق على الجاهل مطلقا أيضا- كي يترتّب على استصحاب عدم كونه عالما فاسقا وجوب إكرامه.
2- أي: استلزام عدم فسق العالم لانتفاء العالم الفاسق، فيكون استصحاب انتفاء العالم الفاسق لإثبات الحكم المترتّب على ملزومه- عدم فسق العالم- و هو وجوب الإكرام مبنيّا على حجيّة الأصول المثبتة.
3- التي هي مفاد دليل المخصّص، فإنّ موضوعها هو العالم الفاسق، و بما أنّ الحكم مشروط بوجود موضوعه و ينتفي بانتفائه فاستصحاب عدم كونه عالما فاسقا يترتّب عليه انتفاء حرمة إكرامه.

ص: 413

لمكان اشتراطها بوجود موضوعها فيستتبع انتفاؤه لانتفائها- لا محالة.

و بالجملة: فترتّب الأثر على الأصل المحرز لانتفاء ما أخرجه المخصّص بجملته عن العموم إنّما يختصّ بالقسم الثاني بالنسبة إلى خصوص حكمه، و لا يطّرد في القسم الأوّل أصلا (1)، و لا فيه أيضا بالنسبة إلى حكم العامّ (2)- كما لا يخفى-، و لمكان الخلط في المخصّص- مثلا- بين النوعين، و في ترتّب الأثر على الأصل بين الاعتبارين (3) يقع- من الخلط و الاشتباه في المقام- ما لا يخفى، فلا تغفل.

الثالث:- إنّ تركّب متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها يكون- تارة- من العرض و محلّه، و- اخرى- من عنوانين متباينين أجنبيّ كلّ


1- فإنّ المخصّص- في هذا القسم- لا يتكفّل لإثبات حكم على عنوان العام المتخصّص بالخصوصيّة، فلا أثر يترتّب على الأصل المحرز لانتفاء العنوان المتخصّص بها بجملته.
2- أي: و لا في القسم الثاني بالنسبة إلى حكم العام، لما عرفت من أنّ المخصّص- في هذا القسم- لا يقتضي موضوعيّة انتفاء مجمع العنوانين لحكم العام، ليترتّب هذا الحكم على الأصل المزبور.
3- و هما اعتبار موضوعيّة مؤدى الأصل نفسه للحكم، و اعتبار موضوعيّة نقيضه.

ص: 414

منهما عن الآخر و في عرضه (1).

أمّا ما كان من قبيل الأخير: فحيث إنّه لا رابط بين المتباينات إلّا الزمان، و ليس شي ء منها بوجوده و عدمه مقسّما للآخر إلّا من جهة اقترانه أو عدم اقترانه به (2)، فلا محيص- حينئذ- في الوحدة الاعتباريّة التي لا يعقل التركيب إلّا بها (3) من أن ترجع (4) إلى اعتبار أن يتحقّق أحد الأمرين عند تحقّق الآخر و في ظرف وجوده، فإذا كان القيد (5) وجوديّا كان عبارة عن الوجود المقارن، أو عدميّا فكذلك، و العدم المقارن هو الذي يترتّب الأثر على إحرازه (6) في


1- إذ لا تقوّم لأحدهما بالآخر، بخلاف العرض و محلّه فإنّ العرض قائم بمحلّه، فهو في طوله.
2- فلا يقسّم أحدهما الآخر إلّا بهذا الاعتبار، فزيد- مثلا- تارة مقترن بعمرو زمانا، و اخرى غير مقترن به، و هذا غاية ما بينهما من الارتباط، و لا كذلك ما هو من قبيل الأوّل، فإنّ العرض بوجوده و عدمه مقسّم لمحلّه باعتبار قيامه به تارة، و عدمه اخرى، فزيد- مثلا- إمّا عالم أو غير عالم.
3- فإنّ التركيب عبارة عن جعل الشيئين شيئا واحدا- و لو اعتبارا- و لا تتحقّق هذه الوحدة بين المتباينات إلّا من حيث يتحقّق الارتباط بينها، و قد عرفت أنه لا رابط بينها إلّا الاقتران الزمانيّ، فيتعيّن أن يكون هو محقّق الوحدة بينها.
4- الموجود في الطبعة الاولى (يرجع) و الصحيح ما أثبتناه.
5- المراد به كلّ من أطراف التركيب و أجزاء الارتباط.
6- أي: إحرازه باستصحاب العدم، فإن كان القيد عدميّا ترتّب الأثر على إحراز العدم المقارن من حيث نفسه، و إن كان وجوديّا ترتّب على إحرازه بعناية نقيضه، و إن أخذ وجوديّا في حكم و عدميّا في آخر ترتّب على إحرازه بكلا الاعتبارين.

ص: 415

هذا القسم إمّا من حيث نفسه، أو بعناية نقيضه، أو بكلا الاعتبارين- حسبما تحرّر ضابطه-، من دون فرق بين أن يكون الجزءان جوهريّين، أو عرضيّين، أو مختلفين، و لا فيما إذا كانا عرضيّين بين أن يكونا عارضين لموضوع واحد- كالصلاة و طهارة الفاعل مثلا-، أو لموضوعين كما في ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم الرخصة المالكيّة أو الشرعيّة فيه (1)، و ترتّب الوراثة على إسلام الوارث عند حياة مورّثه، و نحو ذلك، فإنّ كلا منهما و إن كان بالنسبة إلى معروضه من القسم الأوّل، لكنّه بالنسبة إلى الآخر من هذا القسم، و يلحقه من كلّ جهة حكمها.

ثمّ لا يخفى أنّه لا ينحصر القيديّة في هذا القسم بأن يرجع إلى اعتبار المقارن، بل يمكن أن يرجع إلى قيديّة السابق أو اللاحق أيضا (2) أو يعمّ الجميع (3)، إلّا أنّ حكم الجميع من الجهة التي نحن


1- فإنّ كلا من الاستيلاء و عدم الرخصة عرض قائم بموضوع مغاير لما يقوم به الآخر، و كذلك إسلام الوارث و حياة المورّث، و بهذا الاعتبار يعدّ من هذا القسم، و إن كان كلّ من العرضين بالنسبة إلى موضوعه من القسم الأوّل، و يلحق كلّ اعتبار حكمه.
2- و الضابط كون قيد المتعلّق أو الموضوع ذا ربط زمانيّ بمقيّدة بتقدّم أو تأخّر أو تقارن، و لا خصوصيّة للأخير.
3- بأن يكون مطلقا من هذه الجهة و غير مقيّد بأحد الثلاثة.

ص: 416

فيها هو حكم المقارن- كما سيجي ء بيانه (1)-، فلا ينثلم الضابط الذي أفاده شيخنا أستاذ الأساتيذ قدّس سرّه (2) بذلك.

بل قد عرفت ممّا قدّمنا أنّه قد يؤخذ العنوان الملازم (3) لتحقّق أحد الأمرين عند تحقّق الآخر موضوعا للحكم، دون نفسه، فلا يترتّب عليه حينئذ أثر كي يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان و الآخر بالأصل- حسبما تقدّم ضابطه. و الأوصاف المتوقّف لزوم العقد على اتّصاف العوضين بها كسلامتهما عن العيوب، و عدم التفاوت الفاحش بينهما في الماليّة، و نحو ذلك ممّا اعتبر في لزوم العقد وقوعه على المتّصف بها، لا وقوعه في ظرف الاتّصاف مندرجة بأسرها في ذلك (4)- كما لا يخفى.


1- أي بيان حكم المقارن.
2- المراد به ما تقدّم من الضابط الذي أفاده قدّس سرّه لجريان الاستصحاب و عدمه من كون الأثر مترتّبا على العدم المقارن أو على العدم النعتيّ، وجه عدم الانثلام أنه قدّس سرّه لا يروم الحصر في المقارن، بل مطلق الربط الزماني، و ذكر المقارن مبنيّ على الغالب.
3- تنبيه منه قدّس سرّه إلى أنه لا بدّ في هذا المقام من التمييز و عدم الخلط بين أخذ أمرين في موضوع الحكم على نحو التركّب و لحاظ كلّ منهما بوجوده المقارن للآخر أو عدمه كذلك، و بين أخذ العنوان البسيط الملازم لهما في موضوعه دون أنفسهما، فإنّ الأوّل يندرج فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان و الآخر بالأصل، و يترتّب عليه الأثر بذلك، و لا كذلك الثاني إلّا بناء على حجّية الأصول المثبتة، و قد تقدّم التفصيل.
4- أي: في النحو الثاني الذي أخذ فيه العنوان الملازم موضوعا، فإنّ المستفاد من الأدلّة أنه يعتبر في لزوم العقد وقوعه على العوضين المتّصفين بصفة السلامة، أو بعدم التفاوت الفاحش بينهما في الماليّة- و إلّا ثبت خيار العيب أو الغبن- و نحوهما، و هذا عنوان ملازم لوقوع العقد عند تحقّق الاتصاف بها، فلا يترتّب أثر على إحراز السلامة أو عدم التفاوت بالاستصحاب، و إنّما يترتّب على تقدير كفاية وقوع العقد مقارنا للاتصاف المزبور، لكنّ الأدلّة لا تقتضيه.

ص: 417

و أمّا ما كان من قبيل الأوّل فإنّ العرض و إن كان لتقوّمه بأنّ وجوده في نفسه و لنفسه هو بعينه وجوده في موضوعه و لموضوعه (1) صالحا (2) لأن يلاحظ- تارة- بما هو شي ء بحيال ذاته، فيكون- حينئذ- مباينا لموضوعه و عرضا غير محمول (3)، و وجوده أو عدمه بهذا الاعتبار هو المحموليّ (4) المقارن له في الزمان (5) كسائر مقارناته، و- أخرى- بما أنّه حاصل لموضوعه


1- فإنّه لمّا كان وجوده النفسيّ على نحو القيام بالغير و النعتيّة له، فوجوده في نفسه الذي يطرد العدم عن ماهيّة نفسه هو بعينه وجود طارد لعدم مّا عن موضوعه، إذن فللعرض وجود واحد ذو اعتبارين نفسيّ محموليّ و عرضيّ نعتيّ.
2- خبر ل (كان)، يعني أنه لمكان كون وجوده ذا جهتين يصلح لأن يلاحظ على نحوين.
3- كالقيام الملحوظ مباينا لموضوعه، فلا يحمل عليه بنحو (زيد قيام) إلّا تجوّزا.
4- فوجوده المحموليّ كما في قولنا (القيام موجود)، و عدمه المحموليّ كما في قولنا (القيام معدوم)، إذ يصبح الوجود أو العدم محمولا عليه.
5- أي: للموضوع كسائر المقارنات المباينة له، و العبارة تتضمّن الإشارة إلى ما اصطلح عليه من التعبير عن وجود العرض و عدمه بالاعتبار المذكور بالمحموليّ تارة، و المقارن اخرى.

ص: 418

لاحق به، فيكون- حينئذ- عرضيّا محمولا (1)، و نعتا وجوديّا أو عدميّا له، و وجوده أو عدمه هو الرابط النعتيّ اللاحق به (2)، لكن لا محيص في تقيّد معروضه بوجوده أو عدمه من أن يرجع إلى الوجه الثاني دون الأوّل (3)، فإنّ القيديّة النفس الأمريّة التي يكشف عنها كلّ مخصّص أو مقيّد منحصرة في كلتا (4) مرحلتي الثبوت و الإثبات (5) بذلك.

أمّا في مرحلة الثبوت فيتّضح انحصارها به من مقدّمتين ضروريّتين:-


1- فيعبّر عنه بصيغة المشتقّ- كالقائم- و يحمل على موضوعه أو يسلب عنه نحو (زيد قائم أو ليس بقائم).
2- هذا إجمال تفصيل يأتي حول حقيقة النعتيّة و الربطيّة من أنّ ما هو النعت اللاحق بالموضوع و القائم به هو وجوده أو عدمه لا ماهيّته، و بهذا الاعتبار يعبّر عنه بالوجود أو العدم النعتيّ.
3- يعني أنه إذا أخذ المعروض موضوعا لحكم أو متعلّقا له و قيّد بوجود عرضه أو بعدمه، فلا محيص من تقييده بوجوده أو عدمه النعتيّين، دون المحموليّين.
4- الموجود في الطبعة الاولى (كلا) و الصحيح ما أثبتناه.
5- القيديّة النفس الأمريّة هي مرحلة الثبوت، و المخصّص أو المقيّد الكاشف عنها هي مرحلة الإثبات، فلطف العبارة لا يكاد يخفى، و المقصود أنه في كلتا المرحلتين يتعيّن قيديّة النعتيّ.

ص: 419

الاولى:- عدم تعقّل الإهمال النفس الأمريّ في متعلّقات الأحكام و موضوعاتها بالنسبة إلى كلّ واحد من انقساماتها المنقسمة هي بنفسها إليها (1) مع علم الآمر بذلك و التفاته إلى ما له دخل منها وجودا أو عدما في غرضه و ما يتساوى طرفاه فيه (2)، و امتناعه أوضح و أظهر من أن يبرهن عليه باستحالة قيام العرض بمبهم لا تحصّل له في حدّ معروضيّته (3)- كما لا يخفى.


1- فلا بدّ إمّا من إطلاقها النفس الأمريّ أو تقييدها كذلك بأحد طرفي الانقسام- الوجود أو العدم-، و لا يعقل الإهمال الثبوتيّ من العالم الملتفت، أمّا الإثباتي فلا مانع منه، و التفصيل مذكور في محلّه.
2- أي: يتساوى وجوده و عدمه في غرضه.
3- بدعوى أنّ الحكم الشرعي عرض لمتعلّقه أو لموضوعه، فيستحيل قيامه بمتعلّق مبهم أو موضوع مهمل. هذا، و في العبارة دلالة على وضوح المطلب و عدم افتقاره إلى البرهان، كما أنّ فيها إشعارا بأنّ ما ذكر ليس هو برهانه الحقيقي. و وجهه أنّ الأحكام الشرعيّة ليست من سنخ المقولات العرضيّة، بل هي أمور اعتباريّة جعليّة لا تأصّل لها في الأعيان، نعم تشابهها في أنّ الوضعيّة منها تحمل على موضوعاتها الجوهريّة، و التكليفيّة توصف بها الأفعال، و بهذا الاعتبار تحتاج إلى محلّ تقوم به حذو الأعراض، و إبهام المحلّ و عدم تحصّله ممتنع من غير فرق بين البابين. نعم هناك فرق بينهما من حيث إنّ الاستحالة في الأعراض ذاتيّة، و في الأحكام و الاعتباريّات وقوعيّة، إذ الإهمال المذكور لا يزيد على كونه ممتنع الصدور من العاقل الملتفت، و لو كان ممتنعا ذاتا لامتنع صدوره حتى من غير الملتفت. و بالجملة استحالة الإهمال ذاتا في التكوين لا تلازم استحالته كذلك فيما هو بمنزلته في التشريع، غايته استحالة وقوعه من المشرّع الحكيم- تعالى شأنه.

ص: 420

و الثانية: تأخّر مرتبة الإطلاق و التقييد باعتبار ما يقارن الشي ء في زمانه عن تحديده باعتبار انقسامات نفسه (1)، و هذا أيضا في الظهور و البداهة كاستحالة الإهمال النفس الأمريّ، و من جزئيّاته (2).

و واضح أنّ نتيجة هاتين المقدّمتين هي انحصار قيديّة الخصوصيّة العرضيّة لمعروضها في مرحلة الثبوت بالنعتيّ، و امتناع التقييد بالمقارن، إذ بعد ما امتنع أن يكون (3) مهملا بالنسبة إلى


1- ضرورة أنّ الشي ء لا بدّ أن يقاس أوّلا في نفسه، و يلاحظ خصوصيّاته الداخليّة، ثم يقاس إلى ما يباينه و يقارنه في الزمان، و يلاحظ حاله بالنسبة إليها، فلحاظ الانقسامات الداخليّة للشي ء و إطلاقه أو تقييده بالنسبة إليها مقدّم على لحاظ انقساماته الخارجيّة إطلاقا أو تقييدا، و إلّا فلو أهملت الاولى و لو حظ أوّلا الانقسامات الخارجيّة كان بالنسبة إلى الاولى من الإهمال النفس الأمريّ- و لو في هذه المرحلة-، و قد عرفت في المقدّمة الأولى امتناعه.
2- قد عرفت آنفا وجه كونه من جزئياته.
3- أي المعروض، فإنّ مقتضى المقدّمة الأولى امتناع الإهمال الواقعيّ مطلقا، و مقتضى المقدّمة الثانية امتناع إهمال المعروض بالنسبة إلى الوجود و العدم النعتيّين لعرضه، فهو إذن يمتنع أن يخلو من الإطلاق بالنسبة إليهما أو التقييد بأحدهما، ثمّ على ضوء ذلك يلاحظ حال الانقسام بالنسبة إلى المقارن- كما ستسمع.

ص: 421

النعت الوجوديّ أو العدميّ اللاحق من واجديّته لتلك الخصوصيّة، أو فاقديّته لها، فإن أخذ في نفس الأمر مقيّدا بأحدهما لزمه عدم الانقسام حينئذ بالنسبة إلى المقارن رأسا، و امتنع التقييد و الإطلاق بالنسبة إليه بارتفاع موضوعه (1)، و لو فرض مطلقا بالنسبة إليهما كان مقتضى عينيّة وجود العرض لموضوعه مع وجوده لنفسه (2) هو امتناع التقييد بالمقارن للمناقضة و التدافع بين ذلك الإطلاق و هذا التقييد في كلتا (3) مرحلتي الجعل و الملاك (4)، مضافا إلى عدم


1- و هو الانقسام، إذ بعد تقييده بالنعتيّ وجودا أو عدما لا يتصوّر له انقسام بالنسبة إلى المقارن، ضرورة أنّ مقارنته مع وجود العرض أو عدمه حاصلة قهرا، و إذا انتفى الانقسام بالنسبة إليه امتنع الإطلاق أو التقييد بالإضافة إليه، لانتفاء موضوعه.
2- فإنّ معنى العينيّة المزبورة- كما تقدّم- هو أنّ وجوده النفسيّ يكون على نحو القيام بالغير، فلا وجود له على غير هذا النحو، و إذا فرض إطلاق المعروض بالنسبة إلى قيام العرض به و عدمه- و المفروض أنّ قيامه به عين وجوده في نفسه- فمقتضى الإطلاق المذكور التساوي في الحكم بين صورتي وجوده في نفسه و عدمه، و معه كيف يصحّ التقييد بصورة وجوده في نفسه على نحو الوجود المقارن، أو بصورة عدمه كذلك على نحو العدم المقارن، و هل هذا إلّا تناقض.
3- الموجود في الطبعة الاولى (كلا) و الصحيح ما أثبتناه.
4- فإنّه إذا فرض عدم دخالة أيّ من الوجود و العدم النعتيّين للعرض في الملاك المقتضي للجعل فكيف يمكن فرض دخل وجوده المحموليّ أو عدمه كذلك فيه، أ ليس هذا هو التهافت.

ص: 422

رجوعه إلى محصّل (1)- كما لا يخفى-، و إذا انحصر الوجه في القيديّة النفس الأمريّة بذلك فيكون الدليل عليها في الجملة دليلا عليها بذلك الوجه (2)، و لا يترتّب على إجماله من هذه الجهة أثر أصلا، بل لو فرض ظاهرا في قيديّة المقارن فلا محيص عن صرفه عنه- كما هو الشأن في أشباهه (3).

و أمّا في مرحلة الإثبات فانطباق مفاد المركّب التوصيفيّ (4) و ما يجري مجراه (5)- بمدلوله المطابقيّ- على ما عرفت أنّه المتعيّن (6)


1- يعني مع قطع النظر عن امتناع التقييد المذكور للمناقضة، فليس لمثل هذا التقييد- مع فرض ذلك الإطلاق- معنى محصّل معقول.
2- يعني: يكفي في الدلالة على قيديّة النعتيّ قيام الدليل على أصل التقييد- و إن كان مجملا من حيث قيديّة النعتي أو المحمولي-، و ذلك للبرهان الثبوتيّ- المتقدّم- على انحصار القيديّة النفس الأمريّة بالنعتيّ، و لا يضرّ معه إجمال الدليل إثباتا.
3- ممّا يكون ظاهر الدليل أمرا ممتنعا، فإنّه لا محيص عن صرفه عن ظاهره و حمله على الممكن.
4- تفصيل في مرحلة الإثبات و الدلالة بين المركّب التوصيفيّ- كالعالم العادل-، و بين غيره من الاستثناء و المنفصل، بكون قيديّة النعتي في الأوّل مدلولا مطابقيّا للكلام، و في الثاني التزاميّا- كما ستعرف.
5- نحو (أكرم العالم إن كان عادلا).
6- الموجود في الطبعة الاولى (المتيقن) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 423

في مرحلة الثبوت ظاهر (1)، و أمّا ما عدا ذلك فلا يخلو: إمّا أن يكون متكفّلا لمحض إفادة أنّ للخصوصيّة الكذائيّة دخلا- وجودا أو عدما- في الحكم، بلا تعرّض لحال النوع المتخصّص أو اللامتخصّص بها أصلا (2)- كأن يقوم إجماع و نحوه على مجرّد ذلك-، أو يكون متعرّضا لحال ذلك النوع بأحد ما تقدّم من الوجهين (3)، و تستفاد القيديّة من ذلك.

و غير خفيّ (4) أنّ ما يمكن أن يدّعى إجماله من الجهة التي نحن فيها هو خصوص القسم الأوّل، و غاية ما يقتضيه ذلك- بعد تباين الكيفيّتين و انتفاء الجامع بينهما (5)- هو تردّد القيد بين المتباينين، دون الأقلّ و الأكثر- كما عساه يتوهّم (6)-، و واضح أنّه- مع الغضّ


1- فإنّ التوصيف يدلّ على النعتيّة- كما هو واضح.
2- فيدلّ الدليل- كالإجماع و نحوه من الأدلّة اللبّيّة- على مجرّد أنّ للعدالة أو عدم الفسق- مثلا- دخلا في وجوب إكرام العالم، و أنّ العالم المتخصّص بخصوصيّة العدالة أو اللامتخصّص بخصوصيّة الفسق هو الموضوع لهذا الحكم، من دون تعرّضه لحال هذا المتخصّص أو اللامتخصّص أنه على نحو المقارنة أو النعتيّة.
3- من المقارنة أو النعتيّة.
4- تفصيل بين القسمين الأخيرين بصحّة دعوى إجمال الدليل في الأوّل و تردّده بين المقارنة و النعتيّة، دون الثاني.
5- و ليسا من الأقل و الأكثر ليكون الجامع بينهما هو الأقلّ.
6- أي: كونه من التردّد بين الأقلّ و الأكثر بجعل قيديّة المقارنة هي الأقلّ

ص: 424

عمّا عرفت من أنّه لا مجال لإعمال قواعد الإجمال في مثله (1)- فغاية ما يقتضيه إجماله هو عدم الجدوى لإحراز المقارن (2) مع عدم إحراز نعتيّته في ترتيب الحكم إثباتا و نفيا- كما هو الشأن في أشباهه (3).

و هذا بخلاف ما كان من قبيل الثاني (4)، كما هو الغالب فيما بأيدينا من التخصيصات و التقييدات الدائرة، فإنّها- بمداليلها الالتزاميّة اللفظيّة- منطبقة على قيديّة النعتيّ (5)، و لا مجال لدعوى إجمالها من هذه الجهة، فضلا عن التردّد بين الأقلّ و الأكثر الذي قد عرفت ما فيه، لأنّ (6) ما وقع محلا للبحث من ذلك (7) هو ما إذا كان


1- عرفت ذلك آنفا، و أنّ تعيّن قيديّة النعتي- ثبوتا- كاف في رفع إجمال الدليل- إثباتا-، فلا تصل النوبة إلى إعمال قواعد الإجمال.
2- فإنّ مقتضى الإجمال- على نحو الدوران بين المتباينين في المقام- هو العلم إجمالا بقيديّة أحد الأمرين، و مقتضاه عدم كفاية إحراز المقارن من دون إحراز النعتي، ليرتّب عليه الحكم وجودا أو عدما.
3- من موارد المجمل المردّد بين متباينين.
4- و هو ما إذا كان الدليل متعرّضا لنوع الخصوصيّة و مبيّنا له، فيكون حينئذ من المبيّن، دون المجمل- كما كان في القسم الأوّل.
5- يعني أنّ الغالب فيما بأيدينا من الأدلّة اللفظيّة إنّما هو من قسم المبيّن، و هو ظاهر الدلالة- بالدلالة الالتزاميّة- على قيديّة النعتي، و سيأتي بيان كيفيّة الدلالة.
6- تعليل لكون الغالب فيما بأيدينا من المبيّن الدالّ على قيديّة النعتي.
7- أمّا مثل المركّب التوصيفي فلم يقع محلا للبحث، و دلالته على النعتية مسلّمة.

ص: 425

المخصّص- كالاستثناء مثلا، أو المنفصل- نافيا للحكم الوارد على المطلق أو العامّ عن نوعه المتخصّص بخصوصيّة وجوديّة، إمّا ابتداء، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ ذلك (1).

و توضيح أنه لا ينطبق نتيجة التخصيص أو التقييد بكلّ منهما (2) إلّا على ما عرفت أنّه المتعيّن في مرحلة الثبوت هو: أنّه بعد وضوح أنّ التباين الكلّي بين ما هو الموضوع (3) للكبرى المستفادة كلّيتها من الإطلاق أو العموم لما أخرجه المخصّص عن تلك الكلّية- بأحد الوجهين (4)- ممّا لا مناص عنه (5)،- و إلّا لم ترفع


1- أمّا الأوّل فكقولنا (أكرم العلماء إلّا الفسّاق منهم) أو (أكرم العلماء و لا يجب إكرام فسّاقهم)، حيث ينفي ابتداء وجوب الإكرام الوارد على العلماء عن المتخصّص منهم بخصوصيّة الفسق، و أمّا الثاني فكقولنا (أكرم العلماء و لا تكرم فسّاقهم)، حيث إنّه بمعونة الحكم على فسّاقهم بالحرمة يفيد نفي الوجوب الوارد على العامّ عنهم، لاستحالة توارد الحكمين المتضادين على متعلق واحد. هذا، و قد مرّ ذكر القسمين في الأمر الثاني المتقدّم.
2- أي الاستثناء و المنفصل.
3- المراد به الباقي تحته بعد التخصيص.
4- و هما: إخراجه عن تلك الكليّة ابتداء، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ حكمها.
5- ففي المثال لا بدّ من كون الواجب إكرامه هو العالم غير الفاسق، و غير الواجب أو المحرّم إكرامه هو العالم الفاسق، ليكون بينهما تباين كلّي.

ص: 426

المناقضة أو المضادّة عن البين (1)-، فيكون المخصّص حينئذ بحكومته على أصالة العموم كاشفا لا محالة عن تخصّص ذلك الموضوع (2) بما يوجب مباينته له كلّيا- و إن أمسك في مصبّ العموم عن بيانه، و عوّل فيه على المنفصل (3).

و لمكان أنّه لا يعقل أن يتباينا كذلك إلّا بتنويع ذلك العنوان (4) إلى ما أخرجه المخصّص، و قسيمه المنقسم هو إليهما بلا ثالث بينهما، و صرف الحكم الوارد عليه إلى ذلك القسيم، فلا


1- أي: و إن لم يكن تباين كلّي بين الأمرين لزمت المناقضة- إذا كان الإخراج ابتدائيا-، أو المضادّة- إذا كان الإخراج بمعونة الحكم بالضدّ.
2- أي: موضوع العام، فإنّ مقتضى حكومة المخصّص على العام و قرينيّته على التصرّف فيه- بضميمة استحالة المناقضة أو المضادّة بين الأحكام- هو تخصّص موضوع العام بما يوجب مباينته لموضوع المخصّص مباينة كلّية.
3- و لا ضير في تأخير البيان إذا اقتضته المصلحة، أمّا في الاستثناء فلا تأخير، لاتصاله بالعموم.
4- محصّله: أنّ التباين الكلّي الذي عرفت عدم المناص عنه لرفع المضادّة أو المناقضة لا يكون إلّا بتنويع عنوان العام- كالعالم- إلى نوعين قسيمين لا ثالث لهما: أحدهما ما أخرجه المخصّص و هو العالم الفاسق، و الآخر قسيمه الباقي تحت العموم و المحكوم بحكمه و هو العالم غير الفاسق، أو العالم الذي لا يكون فاسقا و لا يكون متخصّصا بخصوصيّة الفسق- على نحو العدم النعتي-، و ليس قسيمه هو العالم الذي لا يوجد معه الفسق و المقارن لعدمه- على نحو العدم المحمولي- و هذا هو النتيجة الضروريّة للتخصيص أو التقييد- في موارد الاستثناء و المنفصل- المقتضي للمباينة الكلّية و التنويع و الانقسام.

ص: 427

جرم يكون هو الباقي من العامّ موضوعا لحكمه بعد ما أخرجه المخصّص، لأنّه هو الذي يبقى منه بعد خروج قسيمه.

و بانضمام هذه المقدّمة الضروريّة- التي هي عبارة أخرى عن التقييد أو التخصيص- إلى ما تقدّم من مغايرة الانقسام اللاحق لذلك العنوان- باعتبار اقترانه بوجود تلك الخصوصيّة أو عدمها- للانقسام اللاحق باعتبار نعتيّته له، و بداهة أنّ المقابلة بينهما (1) بكلّ واحد من الاعتبارين إنّما هي مع ما يقابله بذلك الاعتبار دون الآخر، فمرجع نفي الحكم الوارد على ذلك العنوان عمّا إذا تخصّص بخصوصيّة وجوديّة إنما هو إلى تخصيصه بما لم يكن متخصّصا بها- كالشرط الذي لا يخالف الكتاب، أو المرأة التي لا تكون من قريش (2)، و نحو ذلك-، و عدمها النعتيّ هو الذي تكفّل المخصّص بمدلوله الالتزاميّ (3) لبيان دخله فيه (4)، دون المحموليّ الراجع إلى


1- أي: بين الوجود و العدم، فإنّ كلا منهما إذا اعتبر بأحد الاعتبارين- من المقارنة أو النعتية- فإنما يقابله الآخر إذا اعتبر بنفس ذلك الاعتبار، لا بالاعتبار الآخر، و عليه فإذا اعتبر وجود خصوصيّة الفسق في المخصّص على نحو الوجود النعتي- كما هو المفروض- فلا بدّ أن يعتبر في مقابله من العامّ عدمها على نحو العدم النعتي، دون المحمولي.
2- و العدم فيهما نعتيّ.
3- فإنّ انتفاء حكم العام عن موضوع المخصّص- الذي أفاده المخصّص ابتداء مطابقة، أو بمعونة الحكم عليه بضدّ حكم العامّ التزاما- يستلزم ثبوت حكم العامّ لقسيم موضوع المخصّص، فيكون هذا مدلولا التزاميّا له.
4- أي دخل هذا العدم النعتي في الحكم الوارد على العنوان العامّ.

ص: 428

انتفائها (1)، أو انتفاء ما أخرجه الاستثناء- مثلا- بجملته عن العموم (2)، كيف و ما يقارن وجوده لهذين العدمين (3) ليس قسيما للشرط المخالف- مثلا- إلّا بلازمه لا بنفسه (4)، و لا يخرجه هذه المقارنة- مع الغضّ عمّا يلازمها- عن الانطباق على نفس المقسم (5)


1- أي انتفاء الخصوصيّة الوجوديّة، كانتفاء الفسق، و انتفاء مخالفة الكتاب، و انتفاء الانتساب إلى قريش.
2- أي: انتفاء الجملة الخارجة بالاستثناء، كانتفاء الشرط المخالف للكتاب، و انتفاء المرأة القرشيّة، و انتفاء العالم الفاسق.
3- المقارن وجوده للعدم المحمولي الأوّل- في الأمثلة- هو الشرط المقارن لانتفاء مخالفة الكتاب، و المرأة المقترنة بعدم الانتساب إلى قريش، و العالم الذي لا يوجد معه الفسق. و المقارن وجوده للعدم المحمولي الثاني هو الشرط المقارن لانتفاء الشرط المخالف للكتاب، و المرأة المقارنة لانتفاء المرأة القرشيّة، و العالم المقارن لانتفاء العالم الفاسق، فلا تغفل.
4- فإنّ القسيم للشرط المخالف- كما مرّ- إنّما هو الشرط الذي لا يخالف، و ليس هو الشرط المقارن لانتفاء المخالفة إلّا باعتبار لازمه، إذ الأوّل يلزم الثاني.
5- العبارة لا تخلو عن تعقيد، و المقصود أنّ المقارن المذكور- مع قطع النظر عمّا يستلزمه من العدم النعتي- منطبق على المقسم نفسه، و ليس هو قسما ثالثا في قبال قسمي الوجود و العدم النعتي و قسيما لهما، بل هو باق- بعد- على انطباقه على نفس المقسم بماله من القسمين الآنفي الذكر، فينطبق- مع الغضّ عمّا يلازمه- تارة على الوجود النعتي، و اخرى على العدم النعتي و إن كان هو قسما له في قبال المقارن للوجود، فهو نظير انطباق العالم على الإنسان بقسميه من العادل و الفاسق و إن كان هو قسما له في قبال الجاهل.

ص: 429

الذي خرج بالتخصيص عن كونه تمام الموضوع للحكم إلى كونه كالجزء منه، فلا يعقل (1) أن يكون هو أيضا نوعا آخر في عرضهما، كي يندرج هو أيضا فيما يبقى منه بعد التخصيص في عرض ذلك القسيم، و يكون إحرازه كإحرازه كافيا في ترتيب حكمه.

و أمّا ما قد أفيد (2) من أنّ المخصّص (3) بالاستثناء- مثلا- أو المنفصل ليس كالمخصّص بالتوصيف المتّصل معنونا بعنوان خاصّ (4)، كي يتوقّف ترتيب حكمه على إحراز ذلك العنوان، و إنّما قضيّة عمومه المخصّص هي المعنونيّة بكلّ عنوان لم يكن بذلك الخاصّ، و كفاية إحراز أيّ عنوان لم يكن هو (5) في ترتيب


1- تفريع على انطباق المقارن المزبور على المقسم، يعني: و إذ يصحّ الانطباق المذكور فمقتضاه عدم كون المنطبق قسيما للنوعين- الوجود و العدم النعتيّين-، و نوعا آخر في عرضهما، ليندرج في الباقي تحت العموم، و يكفي إحرازه باستصحاب العدم الأزليّ في ترتيب حكم العامّ، كما يندرج القسيم الآخر- العدم النعتي- فيه، و يكفي إحرازه في ترتيبه.
2- المفيد هو المحقّق الخراساني قدّس سرّه في كفايته.
3- بصيغة المفعول، و كذا اللذان بعده.
4- كعنوان العالم العادل أو العالم غير الفاسق.
5- مرجع الضمير هو ذلك الخاصّ، فكلّ عنوان يفرض سوى عنوان الخاصّ- و هو العالم الفاسق في المثال- فالعامّ المخصّص معنون به، و هو مندرج فيما يبقى من العامّ بعد التخصيص، و من جملتها عنوان العالم الذي لا يوجد معه الفسق، و عليه فيكفي في ترتيب حكم العام إحرازه باستصحاب العدم المحمولي.

ص: 430

حكمه، فالشرط الذي لم يوجد مخالفته للكتاب- مثلا-، و كذلك المرأة التي لم يوجد انتسابها إلى قريش، و نحو ذلك مصداق من العامّ و ليس بمصداق للخارج قطعا، فيكون من الباقي بعد التخصيص- لا محالة-، و يترتّب عليه حكمه.

فهو- و إن اعتمده من اعتمده-، لكنّك إذا أحطت خبرا بما قدّمنا عرفت أنّه لا سبيل إلى شي ء من جزءي الدعوى (1).

أمّا الأوّل: فلأنّ غاية ما يمكن أن يسلّم (2) من دعوى عدم معنونيّة العامّ بالمنفصل خاصّة، أو الاستثناء أيضا- بناء على لحوقه


1- السلبي و هو عدم معنونيّة العامّ بعنوان خاصّ، و الإيجابي و هو معنونيّته بكلّ عنوان سوى عنوان الخاصّ.
2- محصّل المرام: أنّ معنونيّة العامّ بالمخصّص ذات مرتبتين: إحداهما تنويعه لعنوان العامّ إلى نوعين متباينين قسيمين: أحدهما عنوان الخاصّ و الآخر نقيضه، و اختصاص حكم العامّ بالثاني، و الثانية كونه مأخوذا في مصبّ العموم بحيث ينعقد للكلام ظهور تصديقيّ فيه، و لازمه سراية إجماله إلى العامّ نفسه. و الذي يسلّم اختصاصه بالمتّصل و عدم انسحابه إلى المنفصل هي المرتبة الثانية، و لذا لا نقول بسراية الإجمال في المنفصل، أمّا الاولى فلا محيص عن تعميمها للمنفصل، لما تقدّم من أنّ التنويع و الانقسام من لوازم ذات التخصيص، بل هو عينه.

ص: 431

من هذه الجهة (1) بالمنفصل- هو عدم كونه كالتوصيف المتّصل مأخوذا بعنوانه في مصبّ العموم، بحيث يسري إليه إجماله عند تردّد مفهومه بين الأقلّ و الأكثر (2)، و لا يكون العموم مجديا في رفع إجماله (3) من الجهة الراجعة إلى تخصيصه. أمّا تنويعه لذلك العنوان (4)- بعد تبيّن مفهومه (5) و سقوط أصالة العموم بذلك (6)- إلى ما عرفت (7) من النوعين، و إخراجه له عن كونه تمام الموضوع للحكم- بمقتضى


1- يعني: من الجهة التي ستذكر الآن من عدم أخذه في مصبّ العموم، و فيه إيماء إلى ضعف المبنى، إذ لا وجه لاستثناء الاستثناء من المخصّصات المتّصلة، و إلحاقه بالمنفصل في ذلك.
2- أو بين المتباينين، إذ لا اختصاص لسراية الإجمال في المتّصل بموارد التردّد بين الأقلّ و الأكثر، و لعلّ الوجه في تخصيصه بالذكر أنّ السراية في المتباينين لا تختصّ بالمتّصل، فإنّ الإجمال التبايني للمنفصل أيضا يسري إلى العام، غايته أنه يمنع عن حجيّة ظهوره و في المتّصل يمنع عن أصل انعقاده، و هذا بخلاف الإجمال بين الأقلّ و الأكثر، فإنّه مع انفصاله لا يمنع عن حجيّة ظهور العام بالنسبة إلى الزائد المشكوك.
3- أي: المخصّص من الجهة الراجعة إلى تخصيصه للعموم، و لا كذلك المنفصل فإنّ العموم يجدي في رفع إجماله بالنسبة إلى الزائد المشكوك- كما أشرنا إليه آنفا.
4- أي: تنويع المنفصل- فضلا عن الاستثناء- لعنوان العامّ.
5- أي: المخصّص، احترازا عمّا إذا كان مجملا مردّدا بين أمرين.
6- أي: بالمخصّص المبيّن المفهوم، و هو احتراز عمّا إذا سقط الأصل المذكور بإجمال المخصّص و دورانه بين المتباينين- مثلا.
7- متعلّق بالتنويع.

ص: 432

عمومه أو إطلاقه- إلى كونه كالجزء منه، فقد عرفت أنّه عبارة أخرى عن التخصيص الذي لا محيص عنه (1) في دفع التنافي عن البين، و لا يعقل بدونه تباين العنوانين.

و بالجملة: فمعنونيّة العام بنقيض الخارج- بمعنى صرف حكمه إليه، و كونه هو الموضوع في الكبرى الكليّة المستفادة من (2) الإطلاق أو العموم- هي عين التخصيص أو التقييد، و لو لا ذلك لما كان تخصيصا و لا تقييدا، و لا ارتفعت (3) المناقضة أو المضادّة عن البين، و لا كان للمنع عن التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة مجال (4)- كما لا يخفى.

و أمّا الثاني: فلأنّ شمول المطلق أو العامّ لما ينطبق من مصاديقه (5) على سائر العناوين- حتّى الأنواع و الأصناف المندرجة


1- أي: عن التنويع، و كذا ضمير (بدونه) فيما بعده، و قد مرّ بيان المطلب.
2- الموجود في الطبعة الأولى (عن) و الصحيح ما أثبتناه.
3- مرّ شرحه.
4- فإنّ وجه المنع هو معنونيّة العامّ بنقيض الخارج، و كون المعنون المذكور هو الموضوع للحكم، و ما اشتبه مصداقيّته للمخصّص يشكّ في مصداقيّته للموضوع، و لا مجال للتمسّك بعموم حكم مع الشك في تحقّق موضوعه.
5- ملخّص الكلام: أنّ العام إنّما يشمل مصاديقه بنفس عنوانه، لا بتوسّط عناوين أخر و بمعونة معنونيّته بها، فإنّ ضمّها إليه كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان، و اندراج ما سوى العنوان الخارج منها فيه لا يوجب معنونيّته بها، و دخلها في موضوع الحكم- كما هو الحال أيضا في العامّ غير المخصّص-، فمرجع أصالة العموم أو الإطلاق إنّما هو إلى عدم دخل شي ء منها، لا دخل كلّ منها، بل الدخيل في موضوع الحكم و الدائر هو مداره في غير مورد التخصيص هو عنوان العامّ بما هو، و في مورد التخصيص هو عنوان ما تحصّل من الدليلين، و إحراز انطباقه هو الذي يجدي في ترتيب حكمه، لا إحراز انطباق عناوين اخرى منطبقة عليه.

ص: 433

تحت أجناسها و أنواعها (1)- ليس بتوسّط تلك العناوين، كي يرجع أصالة الإطلاق أو العموم إلى معنونيّته بكلّ عنوان، و يلزم- ممّا بينها من التلازم أو التضاد و التنافي- من المحاذير ما لا يخفى (2)، و يؤول نتيجة التخصيص أو التقييد- حينئذ- إلى خروج أحدها و بقاء البواقي، و يجدي إحراز أيّ واحد منها (3) في ترتيب حكمه.

و إنّما يشمل (4) كلّ واحد منها بنفس عنوانه، لا بعناوينها، و يرجع


1- لفّ و نشر، أي: أنواع جنس العامّ المندرجة تحته، و أصناف نوعه المندرجة كذلك.
2- إذ يلزم من الحكم على عنوانين متلازمين تلازما دائميّا بحكم واحد محذور اللغويّة، و من الحكم على عنوانين متضادّين أو متناقضين بحكم واحد محذور الخلف و المناقضة- كما يظهر بالتأمّل.
3- أي: من العناوين الباقية في ترتيب حكم العامّ.
4- بيان للعقد الإيجابي، و ما هو الصحيح من المقال في المقام.

ص: 434

الأصلان (1)- حينئذ- إلى عدم مدخليّة شي ء منها في موضوعيّته للحكم الوارد عليه، و تساوي وجود أيّ عنوان و عدمه في الكبرى المستفادة كلّيتها من عمومه أو إطلاقه، و بعد كاشفيّة المخصّص عن عدمها (2) بالنسبة إلى ما أخرجه منها فلا يتساوى طرفا هذا الخارج (3) في تلك الكلّية- لا محالة-، بل تدور هي مدار نقيضه (4) و تبقى البقيّة (5) على ما كانت عليه من التساوي و عدم المدخليّة.

فكما أنّه عند عدم التخصيص ينحصر ما هو الصغرى لتلك الكبرى الكليّة فيما أحرز انطباقه على العامّ، و لا يغني عنه إحراز أيّ عنوان، و يجري ضمّ غيره إليه مجرى ضمّ الحجر إلى الإنسان، فكذلك الحال بعد التخصيص- أيضا- بالنسبة إلى ما تحصّل دوران الكليّة مداره من مجموع الدليلين.

و بالجملة: فبون بعيد بين أن يرجع الأصلان إلى معنونيّة المطلق أو العامّ بكلّ عنوان، و بين أن يرجعا إلى عدم معنونيّته بشي ء منها، و الذي يجدي في ترتّب الأثر على إحراز أيّ عنوان


1- يعني بهما أصالتي العموم و الإطلاق.
2- أي: عن عدم كلّية تلك الكبرى.
3- و طرفاه هما وجوده و عدمه، فالخارج وجوده و الباقي تحت العامّ عدمه.
4- أي: تدور تلك الكلّية مدار نقيض الخارج، و تتقيّد به.
5- أي: بقيّة العناوين سوى العنوان الخارج بالتخصيص.

ص: 435

هو الأوّل، و الذي يرجعان إليه هو الثاني (1)، فتدبّر حقّه.

و لو أريد إحراز أنّه ليس بذلك الخاص بهذه المعونة فكونه لازما عقليّا لما يحرز بالأصل، لا محرزا بنفسه به أوضح من أن يخفى (2).

و قد تحصّل ممّا حرّرنا انقسام القيود إلى مقارن محض، و نعتيّ محض، و ما اجتمع فيه الجهتان (3). و اتّضح أنّه في القسم الأوّل يترتّب الأثر على الوجود أو العدم المحموليّ، و في الثاني على الربطيّ، و أنّه في القسم الثالث- و إن كان بما أنّه أخذ في محلّه من النعتيّ، و يلحقه من هذه الجهة حكمه- لكن حيث إنّه


1- يعني: أنّ الصحيح في مرجعهما هو الثاني، و عليه فلا يجدي في ترتّب الأثر إحراز أيّ عنوان سوى العنوان المتحصّل من مجموع الدليلين.
2- يعني: لو كان المقصود من إحراز أحد العناوين الباقية بالأصل إحراز أنه ليس معنونا بالعنوان الخاصّ- على نحو العدم النعتيّ-، فيراد بأصالة عدم تحقّق الفسق مقارنا للعالم- مثلا- إحراز أنّه ليس فاسقا، ليرتّب عليه حكم العامّ، ففيه أنه مبنيّ على حجيّة الأصول المثبتة، لأنّ انتفاء العنوان الخاصّ- على نحو النعتيّة- لازم عقليّ لما أحرز بالأصل من انتفائه المحمولي، و ليس هو محرزا به بنفسه. إذن فإحراز أحد تلك العناوين لا يترتّب عليه أيّ أثر، لا في نفسه، و لا بتوسّط لازمه.
3- كما مرّ في مثالي ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم الرخصة المالكيّة أو الشرعيّة، و ترتّب الوراثة على إسلام الوارث عند حياة المورّث.

ص: 436

بالنسبة إلى ما في عرضه من المقارن فيلحقه من هذه الجهة أيضا حكم المقارن.

ثمّ لا يذهب عليك أنّه لا يراد بالنعتيّ في محلّ البحث خصوص ما كان نعتا اصطلاحيّا لمعروضه، بل يعمّه و ما إذا كان فعلا صادرا عنه (1) أيضا، لاتّحاد المناط و هو دخل النسبة الثبوتيّة أو السلبيّة في معروض الحكم- كما لا يخفى.

الرابع: إنّه بعد أن تحرّر الضابط في ترتّب الأثر على الوجود أو العدم المقارن و النعتيّ، و اتضح أنّه متى ترتّب أثر شرعي على أحدهما بأحد الاعتبارين ترتّب انتفاء ذلك الأثر على إحراز نقيضه بذلك الاعتبار دون الآخر- إذ ليس هو بنقيضه (2)-، فلا يخفى أنّ قضيّة ما أوضحناه فيما تقدّم- من دوران إحراز بعض المركّب بالأصل مدار سبق تحقّقه على الوجه الذي اعتبر قيدا فيه (3)، بحيث لو كان باقيا (4) في ظرف الشكّ الذي أحرز فيه بقيّة الأجزاء التأم هو


1- فلا فرق بين كون الموضوع هو العالم العادل أو غير الفاسق، و المرأة القرشيّة و نحوها، أو كونه هو المكلّف الحاضر أو المسافر، أو المفطر أو الصائم أو نحو ذلك، إذ العبرة بدخل النسبة الثبوتيّة أو السلبيّة في موضوع الحكم، سواء كانت بين النعت و منعوتة، أو بين الفعل و فاعله.
2- أي: ليس النقيض بالاعتبار الآخر نقيضا لذلك الشي ء، فالوجود النعتي نقيضه العدم النعتي لا العدم المحمولي، و كذا العكس.
3- من النعتيّة أو الاقتران.
4- فيستصحب بقاؤه في هذا الظرف، و به يلتئم الموضوع المركّب.

ص: 437

- حينئذ- من نفس هذا الاجتماع، بلا ضميمة ما يلازمه (1) من إضافة بعضها إلى بعض- هي عدم الجدوى لاستصحاب العدم المسبوق به أيّ ماهيّة- و إن كانت عرضيّة- عند (2) تحقّق اخرى- و إن كان معروضها- إلّا في إحراز عدمها المحموليّ المقارن له (3)، و في ظرف وجوده، و ترتيب ما لهذا العدم من الأثر عليه بعناية نفسه أو نقيضه، دون النعتيّ اللاحق به، و ترتيب أثره عليه.

أمّا كفايته لإحراز العدم المحموليّ فظاهر، فإنّه بهذا المعنى هو الذي لا محيص لأيّ حادث (4)- من أيّ مقولة كان- عن مسبوقيّته به، في مقابل وجوده العينيّ- مثلا- أو الاعتباريّ، و بعد أن كان المفروض هو كفاية نفس بقائه إلى زمان أحرز فيه بقيّة أجزاء المركّب في التيامه (5) بلا مؤنة أمر آخر أزيد من نفس هذا الاجتماع، فيكفي الأصل- حينئذ- في إحرازه- لا محالة-، و يندرج


1- أي: العنوان الملازم المنتزع من إضافة بعض الأجزاء إلى بعض- كالتقدّم و التأخّر و هيئة الحال و نحوها-، فإنّ إثباته باستصحاب الجزء مبنيّ على الأصل المثبت- كما تقدّم.
2- ليتحقّق بذلك اجتماعهما، و يلتئم المركّب.
3- أي: عدم الماهيّة العرضيّة المحمولي المقارن لوجود المعروض.
4- فإنّه لكونه ماهيّة ممكنة لا بدّ من سبق عدمه، و لا ريب في تحقّق سبقه- على نحو العدم المحموليّ- في قبال وجوده المحمولي العيني أو الاعتباري، و ستعرف أنه لا يعقل سبقه- على نحو العدم النعتي.
5- متعلّق ب (كفاية)، أي التئام المركّب.

ص: 438

فيما يحرز أحد جزءيه بالوجدان و الآخر بالأصل- حسبما تحرّر ضابطه.

و أمّا عدم كفايته لإحراز النعتيّ- المعبّر عنه في لسان علماء المعقول بالربطيّ و الرابطيّ (1)-، فتوضيحه يتوقّف على تنقيح أمرين:

أحدهما: أنّه كما قد عرفت أنّ (2) العدم الأزليّ المسبوق به كلّ ممكن إنّما هو بمعناه التامّ (3) المحموليّ المقابل لتقرّره في الوعاء المناسب له (4)، فكذلك المسبوق بهذا العدم- أيضا- بالمعنى الصالح لأن يستصحب عدمه (5) إنّما هو الماهيّات المحفوظة في الحالين (6)، و المعرّاة عن الأمرين، فإنّها هي التي


1- باعتبار قيامه بموضوعه، و ارتباطه به.
2- عرفت ذلك قبل قليل عند قوله قدّس سرّه: (فإنّه بهذا المعنى هو الذي لا محيص لأيّ حادث من أيّ مقولة كان عن مسبوقيّته به في مقابل وجوده العينيّ- مثلا- أو الاعتباريّ.
3- و هو مفاد ليس التامّة.
4- أي: وجوده في وعاء العين أو الاعتبار.
5- بأن يكون موضوعا للعدم المستصحب، متقوّما به استصحابه، و محفوظا في حالتي اليقين السابق و الشك اللاحق، في قبال المعنى الآخر للمسبوقيّة بالعدم- الآتي ذكره، و الأجنبيّ عن الاستصحاب.
6- أي: في حالتي الوجود و العدم، فإنّ الماهيّة هي التي يعرضها الوجود تارة، و العدم اخرى، لكنّها في نفسها ليست إلّا هي، و معرّاة عن الأمرين.

ص: 439

يمكن الحكم عليها (1) بالبقاء على عدمها السابق، دون نفس الوجودات (2)، أو المتحصّل من الأمرين (3). إذ- بعد وضوح أنّه لا ينقلب و لا يتبدّل أحد النقيضين بالآخر (4)، و إنّما يطرد كلّ منهما


1- و ذلك بالحكم الشرعي الاستصحابي، فيحكم بموجبه على الماهيّة بأنها باقية على عدمها السابق الأزلي.
2- أي: ليس المسبوق بالعدم و ما كان معدوما سابقا هو الوجود، كي يمكن الحكم عليه بأنه باق على عدمه السابق، إذ لا يعقل اتّصاف الوجود بالعدم و عروض العدم عليه.
3- الظاهر أنّ المراد بالأمرين: الوجود و الماهيّة، و المتحصّل منهما هو الماهيّة الموجودة، و كون هذا هو المسبوق بالعدم محال كسابقه، و بنفس ملاكه، إذ مقتضاه كون الموجود معدوما، و هو اجتماع للنقيضين.
4- فإنّ التبدّل إنّما يكون بين الماهيّات بالنسبة إلى صورها النوعيّة، كتبدّل الخشب فحما الحاصل بانعدام صورة الأوّل و تبدّلها إلى صورة الآخر، و قريب منه الانقلاب، و لا كذلك الوجود و العدم، فإنّه لا تبدّل لأحدهما بالآخر، فلا يعقل أن يصير الوجود عدما و لا العدم وجودا- بمعنى تبدّله إليه-، و لا يقال: كان الوجود عدما فصار وجودا، أو إنّ الوجود صار عدما كما يقال: كان الفحم خشبا و صار الخشب فحما، كي يكون المسبوق بالعدم هو الوجود، و إنّما الماهيّة كانت معدومة فوجدت، أو موجودة فعدمت. أمّا نفس الوجود و العدم فبينهما مطاردة و مناقضة، حيث إنّ كلا منهما ينقض الآخر و يطرده عن الماهيّة، و يزيحه عنها.إذن فالماهيّة هي الموجودة أو المعدومة، و هي المسبوقة بالعدم و الصالحة لاستصحاب عدمها، دون الوجود.

ص: 440

الآخر-، فلا يعقل أن يكون شي ء منها (1) مسبوقا بالعدم بهذا المعنى المتقوّم به استصحابه (2)، و إن كان مسبوقا به (3) بمعنى آخر أجنبيّ عن ذلك، راجع إلى صرف تقدّم أحد النقيضين على الآخر، و هذا (4) من الوضوح و البداهة كاستحالة اجتماع النقيضين و من جزئيّاته (5)، و إن كان أكثر ما يقع من الاشتباه في محلّ البحث إنّما هو من جهة الخلط بين المعنيين، فلا تغفل.

ثانيهما: أنّ حقيقة المقوليّة و النعتيّة التي تقع التامّة الخبريّة، أو الناقصة التقييديّة حكاية عنها أو بإزائها (6) هي في باب الأعراض


1- أي: من الوجودات الصرفة، أو المتحصّلة ممّا ذكر.
2- و هو أن يكون الوجود موضوعا للعدم المستصحب، فيقال: إنّه كان معدوما سابقا فيستصحب.
3- أي: الوجود مسبوقا بالعدم بمعنى آخر أجنبيّ عمّا يتقوّم به الاستصحاب، و هو صرف تقدّم عدم الممكنات على وجودها زمانا- الذي تقتضيه طبيعتها الإمكانية-، فإنّه بهذا الاعتبار يصحّ أن يقال:الوجود مسبوق بالعدم، لكنّها تغاير المسبوقيّة المعتبرة في الاستصحاب.و نظير المقام أنه تارة يقال: زيد مسبوق بالعدالة، و اخرى يقال: فسق زيد مسبوق بعدالته، و كلاهما صحيح، باعتبارين.
4- المشار إليه هو: استحالة أن يكون الوجود مسبوقا بالعدم بالمعنى المتقوّم به استصحابه.
5- فإنّ كون الوجود معدوما يقتضي اتحادهما خارجا، و هذا اجتماع للنقيضين.
6- لفّ و نشر مرتّب، تقديره: أنّ حقيقة المقوليّة التي تقع الجملة التامّة الخبريّة حكاية عنها، و حقيقة النعتيّة التي تقع الناقصة التقييديّة بإزائها.، و المراد بمقوليّة المقولة تحقّقها خارجا بحيث يصدق حدّها على ما في الخارج و تحمل و تقال عليه، و تحقّقها في باب الأعراض إنّما هو بلحوقها بمعروضها، فيصحّ حملها عليه، و أمّا نعتيّتها فهي بلحاظ تحقّقها نعتا و صفة لمعروضها- كزيد العالم-، و لا فارق بين العنوانين- المقولية و النعتية- إلّا الاعتبار، هذا. و قد مرّ أنّ النعتية الوجودية أو العدمية هي المستفادة من أدلة التقييد و التخصيص بدلالتها المطابقية أو الالتزامية.

ص: 441

عبارة عن نفس لحوق العرض بموضوعه، و إضافته إليه، و بهذا الاعتبار يكون عرضيّا محمولا. و واضح أنّ هذا اللحوق و الإضافة ليس من ناحية نفس ماهيّته (1) المعرّاة عن الوجود و العدم، كيف و ماهيّة السواد- مثلا- من حيث هي ليست إلّا هي، و لا يعقل لها من حيث نفسها لحوق و لا إضافة إلى الجسم أصلا، و إنّما وجوده أو عدمه هو النعت (2) اللاحق لمعروضه و الفاني حصوله فيه، لما


1- فليست ماهيّة العرض نفسها هي التي تلحق الموضوع و تكون نعتا له، بل وجوده أو عدمه هو النعت اللاحق له.
2- أمّا نعتيّة الوجود فواضحة، فإنّ قولنا: (زيد قائم) يفيد أنه واجد للقيام منعوت به، فوجود القيام نعت له. و أمّا نعتيّة العدم فلأنّ مفاد قولنا: (زيد ليس قائما) أنه فاقد للقيام، و أنه منتف عنه القيام، فيخبر عنه بأنه غير قائم، و يسند إليه، و ينعت به، و ليس مفاده مجرّد عدم النعت، للفرق الواضح بينه و بين قولنا:(ليس قيام زيد) على نحو ليس التامّة، أو (قيام زيد منتف)، حيث إنّ مفاده نفي القيام المضاف إليه، و هذا لا نعتية فيه، و لذا يصدق حتى مع انتفاء زيد المضاف إليه، فتبصّر.

ص: 442

عرفت من تقوّمه بأنّ وجوده في نفسه و لنفسه هو عين وجوده في موضوعه و لموضوعه (1)، و كذلك عدمه أيضا عند وجوده (2)، و إلى هذا يرجع تقسيمهم (3) للوجود و العدم إلى نفسيّ و رابطيّ (4)، و تخصيصهم الأوّل بالمعروضات، و الثاني بإعراضها.

و بالجملة: فمقوليّة المقولات و رابطيّة وجودها و عدمها (5) ينشآن عن منشأ واحد حقيقي هو لحوقها وجودا أو عدما بمعروضاتها، و إضافتها (6) إليها، فهي بوجودها أو عدمها نعوت وجوديّة أو عدميّة لتلك المعروضات، لا بنعتيّتها لها موجودة أو معدومة (7)، لما عرفت من أنّ الإضافة بينهما في كلّ من طرفي الوجود و العدم


1- إذن فوجوده هو اللاحق بموضوعه و النعت الوجودي له، لا ماهيّته.
2- أي: عند وجود موضوعه، إذن فعدمه هو اللاحق بموضوعه و النعت العدمي له في ظرف وجوده، و قد عرفت وجهه آنفا، و ستعرف اعتبار وجود الموضوع في نعتيّة العدم أيضا كالوجود.
3- الموجود في الطبعة الاولى (تقسيمه) و الصحيح ما أثبتناه.
4- فإنّ مقتضاه أنّ الوجود أو العدم هو الرابطي النعتي، لا الماهيّة.
5- يعني: كونها مقولات عارضة على معروضاتها و رابطات بوجودها أو عدمها بها.
6- الموجود في الطبعة الاولى (إضافته) و الصحيح ما أثبتناه.
7- أي: لا بنعتية ذواتها لمعروضاتها موجودة أو معدومة، و بعبارة أخرى واضحة: وجودها لمعروضاتها أو عدمها عنها هي النعوت لها، و ليست ذواتها نعوتا موجودة أو معدومة لها.

ص: 443

عبارة عن نفس ذلك الوجود و هذا العدم (1).

و إذ تمهّد ذلك فلا يخفى أنّ النعتيّة و الربطيّة- التي عرفت أنّها هي اللحوق و القيام بالموضوع- و إن كانت في طرف الوجود (2) مساوقة لنفس وجود العرض، فلا يعقل أن يوجد هو في نفسه و لنفسه إلّا و كان في موضوعه و لموضوعه- لا محالة (3)-، و يمتنع أن يوجد لا فيه، أو يسبقه بوجوده (4) و لكنّها في طرف العدم السابق لمكان سبقه (5)، و استحالة نعتيّته لموضوعه عند انتفائه (6)، فلا جرم تنفكّ إحدى الجهتين عن الأخرى (7) و لا يعقل أن يكون العدم السابق


1- فالربط و الإضافة و النعتيّة الحاصلة بينهما إنّما هي بنفس وجود العرض لمعروضه، أو عدمه عنه عند وجوده، و سيأتي لهذا تتمة عند البحث عن أجزاء القضيّة.
2- فرّق قدّس سرّه في النعتيّة و اللحوق بين طرفي الوجود و العدم، ففي الأوّل بما أنّ وجود العرض عين لحوقه لموضوعه فنعتيّة وجوده لموضوعه مساوقة لنفس وجوده، فلا انفكاك بين الجهتين، أمّا في الثاني فمع وجود الموضوع- و إن كانت النعتيّة العدميّة متحقّقة- إلّا أنه مع انتفائه تستحيل النعتيّة، و تتعيّن المحموليّة.
3- لما عرفت من تقوّم وجوده النفسي بذلك.
4- أي: يسبق العرض موضوعه في الوجود، فيوجد قبله.
5- أي: سبق عدم العرض على وجود موضوعه، فلم يكن للعدم حينئذ موضوع.
6- أي: عند انتفاء الموضوع، لما عرفت من استحالة النعتيّة و اللحوق- وجوديّا كان أو عدميّا- مع انتفاء المنعوت و الملحوق به.
7- و هما: جهة عدمه في نفسه و عدمه لموضوعه، فلا تحقّق للثانية- أي العدم النعتي-، و تتحقّق الاولى فقط، و هي محموليّة لا محالة.

ص: 444

عليه (1) إلّا المحموليّ المعرّى عن هذا اللحوق و الإضافة، و استمرار هذا العدم إلى ظرف تحقّقه- و إن كان مساوقا لنعتيّته له، و لحوقه به- إلّا أنّ إحرازه بالأصل غير مجد (2) إلّا في إحراز ذاته المجرّدة عن الإضافة إليه، و لا يثبت به إلّا المقارن الذي قد عرفت أنّه بمعزل عن ترتّب الأثر عليه في هذا القسم (3) لا من حيث نفسه، و لا بعناية نقيضه.

فإن قيل: أ ليس قد فصّل (4) علماء الميزان في توقّف صدق


1- أي: على الموضوع، و كذا الضمير الآتي في (تحقّقه).
2- توضيحه: أنه إذا استمرّ العدم السابق على الموضوع إلى زمان تحقّق الموضوع- كما إذا استمرّ عدم القرشيّة إلى زمان وجود المرأة-، و أحرز ذلك وجدانا، فهذا العدم و إن أصبح في هذه المرحلة نعتا له و لا حقا به- لا محالة-، فتكون المرأة- بطبيعة الحال- غير قرشيّة، إلّا أنه لا مجال لإحراز ذلك بالأصل، لانتفاء اليقين السابق بنعتيّة العدم لتستصحب إلى ما بعد وجود الموضوع، لما عرفت من استحالة النعتيّة مع انتفاء المنعوت، نعم يحرز به بقاء ذات العدم مجرّدا عن النعتيّة و الإضافة، و هو عدم محموليّ مقارن، و لا يجدي لإحراز النعتيّ إلّا على القول بالأصل المثبت.
3- و هو القسم الأوّل من المركّب- العرض و محلّه-، أي: لا يترتّب أثر هذا القسم على الأصل المذكور، و إنّما يترتّب عليه أثر القسم الثاني- المركّب من عنوانين متباينين.
4- محصّل التفصيل: أنه إن كان مفاد السالبة سلب الربط بين الموضوع و المحمول- كما في السالبة المحصّلة مثل: ليس زيد عالما- لم يتوقّف صدقها على وجود الموضوع، و إن كان مفادها ربط السلب، أي ربط المحمول السلبيّ بالموضوع- كما في الموجبة المعدولة المحمول مثل: زيد لا عالم- توقّف صدقها على وجوده كالموجبة المحصّلة. و ملخّص الاعتراض: أنّ مقتضى ذلك تحقّق الحالة السابقة بالنسبة إلى العدم النعتي عند انتفاء معروضه، ففي المثال يصدق- قبل وجود زيد- قولنا (ما كان زيد عالما) على نحو السالبة المحصّلة، فيستصحب عدم كونه كذلك إلى ما بعد وجوده، و لا وجه لإرجاع ذلك إلى الموجبة المعدولة المحمول نحو (كان زيد لا عالما)، ليدّعى عدم صدقها مع انتفاء موضوعها، فلا حالة سابقة لها لتستصحب.

ص: 445

السوالب الخارجيّة (1) على وجود موضوعاتها و عدمه بين أن يرجع مفادها إلى ربط السلب- كما في المعدولة محمولها-، أو إلى سلب الربط- كما في السالبة المحصّلة-، فبنوا في الأوّل على التوقّف، و في الثاني على عدمه، و هل يرجع البحث عن تحقّق الحالة السابقة بالنسبة إلى العدم الربطيّ عند انتفاء معروضه إلّا إلى البحث عن صدق السالبة المحصّلة عند انتفاء موضوعها، فكيف ينكر ذلك، و يرجع مفادها إلى العدم النعتيّ المساوق لمفاد المعدولة في الصدق و التحقّق، و هل هذا إلّا رجوع (2) عمّا بني عليه جريان أصالتي البراءة و الحلّ (3) من دعوى عدم رجوع التقييد المستتبع للمانعيّة إلى اعتبار


1- أي: القضايا الخارجيّة السالبة.
2- الموجود في الطبعة الاولى (رجوعا) و الصحيح ما أثبتناه.
3- تقدّم بيان المبنى المذكور لدى البحث الصغرويّ عن كون الشبهة المبحوث عنها من مجاري أصالة البراءة، و أشير إليه إجمالا عند البحث عمّا هو المختار في تقريب الاستدلال بأصالة الحلّ في محلّ البحث، و حاصله كون القيد العدميّ المنتزع عنه المانعيّة انحلاليّا راجعا إلى تقيّد الصلاة بعدم وقوعها في كلّ واحد من مصاديق غير المأكول- مثلا-، و ليس عنوانا بسيطا و نعتا عدميّا مساوقا لمحمول المعدولة- كالصلاة اللاواقعة في غير المأكول-، ليكون المقام من الشك في المحصّل، هذا. و ملخّص الإشكال هنا: أنّ إرجاع العدم النعتيّ إلى العنوان البسيط المساوق للمعدولة رجوع عن المبنى المتقدّم.

ص: 446

النعت العدميّ في متعلّقات الأحكام أو موضوعاتها.

قلت: بعد الغضّ عن أنّ تسالمهم على رجوع الأخبار في نتيجة الحمل إلى الأوصاف هدم لما أسّسوه (1)، و أنّ تصريحهم بتلازم السالبة المعدولة محمولها للموجبة المحصّلة في الصدق نقض لما غزلوه (2)-، فلا يخفى أنّ ما زعموه من رجوع السلب المحصّل إلى سلب الربط الصادق عند انتفاء الموضوع مبنيّ- عند


1- فإنّهم تسالموا على أنّ الأخبار بعد العلم بها أوصاف، و أنه بعد الإخبار بأنّ زيدا- مثلا- عالم يقال: زيد العالم جاء، و مقتضى شموله للسالبة أيضا أنه بعد الإخبار بأنّ زيدا ليس بعالم مثلا- بالسلب المحصّل- يصحّ التوصيف بمثل: زيد اللاعالم- على نحو العدول-، فهما- إذن- متلازمان في الصدق، و مقتضى تلازمهما كذلك اعتبار وجود الموضوع في الأوّل- حذو اعتباره في الثاني.
2- فإنّه إذا كان مثل (زيد ليس بلا قائم) ملازما ل (زيد قائم) في الصدق- لأنّ سلب السلب إيجاب-، فمقتضاه اعتبار وجود الموضوع في الأولى- و هي على الفرض سالبة- حذو اعتباره في الثانية.

ص: 447

جملة منهم (1)- على ما تخيّلوه من عدم اشتمال السوالب على النسبة رأسا (2)، و كون السلب فيها واردا على النسبة الثبوتيّة التي هي في الإيجابيّة، و رجوع مفادها إلى سلب الحمل، و قطع الربط المتحقّق عند انتفائه (3) لا محالة. و عند آخرين- و هم القائلون بتربيع أجزاء القضيّة (4)، و كون الجزء الأخير منها هو وقوع النسبة أو لا وقوعها- على ما توهّموه من كون المادّة المشتركة (5)- التي لا محيص عنها و يرجع إنكارها إلى مكابرة الضرورة (6)- عبارة عن


1- وهم القدماء من أهل المعقول، و على هذا القول فأجزاء القضيّة الموجبة ثلاثة، و السالبة اثنان.
2- بدعوى أنّ مفادها سلب النسبة الثبوتيّة المتحقّقة في الموجبة، إذن فلا نسبة لها، و إنّما تختصّ النسبة بالموجبة.
3- أي: انتفاء الموضوع، فقولنا (ليس زيد قائما)، بمنزلة قولنا (الربط بين زيد و القيام منتف)، و هذا صادق حتى مع انتفاء زيد، لأنّ انتفاء الإضافة بين طرفين كما يكون بانتفائها نفسها مع وجود الطرفين، كذلك يكون بانتفائها لأجل انتفاء أحد الطرفين.
4- و هي الموضوع و المحمول و النسبة و وقوع النسبة في الموجبة، أو لا وقوعها في السالبة، و يعبّر عن الجزء الأخير بالحكم.
5- بين الموجبة و السالبة، بحيث يرد عليها كلّ من الإيجاب و السلب.
6- لقضاء الضرورة بأنّ هناك أمرا واحدا تثبته القضيّة الموجبة و تنفيه السالبة، و أنه لا فرق بين القضيّتين إلّا من ناحية إفادة إحداهما الثبوت و الأخرى الانتفاء.و في العبارة تعريض ببطلان القول الأوّل المستلزم لإنكار المادّة المشتركة، فإنّ السلب- بناء عليه- وارد على النسبة الإيجابيّة، و واقع في طولها.

ص: 448

نفس النسبة التقييديّة (1) المجرّدة عن الأمرين، و الصالحة لورود كلّ منهما عليه، و رجوع مفاد القضيّة إلى الحكاية عن تحقّقها، أو انتفائها اللامتوقّف على وجوده (2).

و المحققون منهم و إن تنبّهوا لفساد كلّ من القولين، و أنّه لا يعقل أن ينقلب ما يتضمّنه القضيّة من المعنى الحرفيّ اسميّا (3)، فيكون (4)


1- كالنسبة في (قيام زيد) المجرّدة عن الإثبات أو النفي، فيرد عليها الإثبات تارة و يفيد أنّ النسبة المذكورة متحقّقة، و النفي اخرى فيفيد أنّها غير متحقّقة.
2- أي: الموضوع، و (اللامتوقّف) نعت ل (انتفائها)، يعني أنّ مرجع قولنا (زيد قائم، أو ليس بقائم)- على هذا المبنى كما عرفت- إلى قولنا (قيام زيد متحقّق، أو منتف)، و من الواضح- كما مرّ- أنّ صدق الأخير لا يتوقّف على وجود زيد. إذن فصدق السالبة المحصّلة على هذا القول- أيضا كسابقه- غير متوقّف على وجود الموضوع.
3- فإنّ مرجع القولين إلى أنّ قولنا (زيد ليس بقائم) مساوق لقولنا (النسبة بين زيد و القيام منتفية)، و مقتضاه لحاظ النسبة معنى اسميّا، و الإخبار عنها بالانتفاء على نحو مفاد ليس التامّة و السلب المحموليّ، و الحال أنّ القضيّة إنّما تتضمنها على وجه المعنى الحرفيّ، و السلب مأخوذ فيها على نحو مفاد ليس الناقصة.
4- تفريع على انقلاب المعنى الحرفيّ اسميّا، أي: يكون السلب- على هذا- محمولا في القضيّة بنفسه، و الربط معنى اسميّا مستقلا بالمفهوميّة، و الحال أنّه معنى حرفي حادث بهويّته عند التركيب الكلامي، حاصل في غيره و لغيره، قائم به، و محصّل للتركيب بين المفاهيم الاسميّة، و الربط بينها في ظرف الاستعمال- بناء على المختار من إيجاديّة المعاني الحرفيّة.

ص: 449

السلب محموليّا، و (1) الربط المحصّل للتركيب، و الحاصل في غيره و لغيره مفهوما استقلاليا، و لا أن يرد (2) السلب على الإيجاب، أو يردا (3) جميعا على الربط الذي ليس بخارج عن حقيقتهما (4)، و لا


1- الموجود في الطبعة الأولى (أو) و الصحيح ما أثبتناه.
2- عطف على (أن ينقلب)، و هذا إشكال آخر على كلا القولين، كلّ من جهة، و محصّله: أنّ السلب- على الأوّل- وارد على الإيجاب، و قد مرّ- آنفا- أنّ هذا مناف لما تقضي به الضرورة من وجود مادّة مشتركة بين الموجبة و السالبة، و- على الثاني- يكون كلّ من السلب و الإيجاب واردين على الربط و النسبة التقييديّة، و هذا- مضافا إلى ما مرّ في الإشكال الأوّل من أنّ الربط لا تتضمّنه القضيّة إلّا معنى حرفيا، فكيف يجعل اسميّا و موضوعا يحمل عليه الوقوع تارة و اللاوقوع اخرى- يشكل بأنّ الربط ليس أمرا خارجا عن حقيقة كلّ من الإيجاب و السلب، بل هو في حاقّ حقيقته على قسمين: إمّا ثبوتيّ هو ثبوت المحمول للموضوع، أو سلبيّ هو سلبه عنه، فلا اثنينيّة في البين ليرد أحدهما على الآخر.
3- الموجود في الطبعة الاولى (يردان) و الصحيح ما أثبتناه.
4- هذا إشارة إلى الوجه الأخير، كما أنّ ما بعده إشارة إلى ما قبله.

ص: 450

يتضمّنه القضيّة إلّا معنى حرفيّا، فبنوا (1) على تثليث أجزاء القضيّة، و قسّموا النسبة في حاقّ حقيقتها إلى ثبوتيّة و سلبيّة، حذو ما قسّموا الرابط الخارجيّ (2)- الذي يقع ما في القضيّة بإزائه- إلى وجوديّ هو نفس وجود المقولات-، و عدميّ هو عدمها، فانطبقت الحكاية بذلك على المحكيّ بحذافيرهما.

و لقد أجادوا فيما صنعوا (3)، و لكنّهم- مع ذلك- فقد غفلوا


1- تفريع على (تنبّهوا)، و الأجزاء الثلاثة هي الموضوع و المحمول و النسبة الثبوتيّة في الموجبة و السلبيّة في السالبة، و قد مرّ- آنفا- عدم الاثنينيّة بين النسبة و بين الثبوت أو السلب، و أنّها في حقيقتها إمّا هي ثبوت شي ء لشي ء أو سلبه عنه.
2- و هو النسبة الخارجيّة الحاصلة بين الطرفين، و القائمة بهما في القضيّة الخارجيّة، و يسمّى بالوجود الرابط، في قبال الوجود المستقلّ (الوجود في نفسه) المنقسم إلى ما وجوده لنفسه- كالجواهر-، و يسمّى بالوجود النفسيّ، و ما وجوده لغيره- كالأعراض-، و يسمّى بالوجود الرابطيّ أو الناعتيّ، و تقع النسبة الكلاميّة بإزاء هذا الرابط الخارجيّ موجدة له، أو حاكية عنه- على الخلاف. فالمراد أنّهم كما قسّموا الرابط الخارجيّ إلى وجوديّ و عدميّ، كذلك قسّموا ما بإزائه من الرابط الكلاميّ إلى ثبوتيّ و سلبيّ، و كما أنّ الرابط الخارجيّ في حقيقته هو وجود المقولة لما تقال عليه أو عدمها عنه، كذلك الربط الكلاميّ في هويّته هو ثبوت المحمول للموضوع أو سلبه عنه، و بذلك ينطبق تمام الحاكي على تمام المحكيّ، فيتطابقان بحذافيرهما.
3- من رفض القولين الأوّلين، و عدم جعل الوقوع أو اللاوقوع جزءاللقضيّة، لا في بنائهم على التثليث و جعل النسبة جزءا للقضيّة في قبال الطرفين، لما سيجي ء من بطلانه، و أنه ليس بينهما هويّة ثالثة ربطيّة.

ص: 451

عن ابتناء التفصيل في صدق هاتين القضيّتين (1) عند انتفاء الموضوع و عدمه على تلك المباني (2)، فنسجوا على منوالهم (3)، حتّى أنّ الفاضل السبزواريّ- مع تغليطه له في محكيّ حواشي الأسفار- قد جرى عليه في منظومة المنطق (4)، و الخطب في مثله لهيّن.

و بالجملة: فحيث إنّه ليس بين المقولات و ما تقال عليه (5)


1- و هما: السالبة المحصّلة و الموجبة المعدولة المحمول.
2- و هي القولان الأوّلان، و قد مرّ بيان ابتناء التفصيل المذكور و دعوى صدق السالبة عند انتفاء الموضوع على أحدهما.
3- في الدعوى المذكورة غافلين عن عدم انسجامها مع مبناهم.
4- قال في حاشية الأسفار 1: 371: (إنّ السالبة باعتبار أنها قضيّة و حكم من الأحكام لا تصحّ إلّا مع اعتبار وجود الموضوع، فلا مورد يصحّ فيه السلب إلّا و يصحّ فيه إيجاب العدول أو إيجاب سلب المحمول، فليس- كما هو المشهور- يصحّ السالبة بانتفاء الموضوع في نفسه دونهما) إلى آخر كلامه قدّس سرّه، و هو واضح الدلالة على اعتبار وجود الموضوع في السالبة كالمعدولة، و مع ذلك جرى في منظومته في المنطق (52) على مسلك المشهور إذ قال: (فكان الإيجاب أخصّ إذ لزم. وجود موضوع له و السلب عمّ).
5- محصّله: أنه ليس في وعاء الخارج وراء المقولة العرضيّة و ما تقال عليه من معروضها حقيقة ثالثة تربط بين الأمرين- كخيط يشدّ أحدهما بالآخر- بحيث إن وجدت وجد الربط بينهما، و إن انتفت انتفى-، بل ليس هناك وراء وجود المعروض سوى وجود العرض أو عدمه الذي هو بعينه وجوده لمعروضه أو عدمه له، و نعتيّته و مقوليّته إنّما هي بذلك، لا بماهيّته- كما تقدّم.و إذ لم يكن في واقع الأمر وراء وجود المعروض سوى وجود العرض أو عدمه- من دون ثالث رابط بينهما- فلا حقيقة للربط و لا أساس له. إذن فلا موضوع لحديث سلب الربط، و لا معنى له محصّل، فهو تعبير شعريّ حسن الظاهر فارغ المؤدّى، و معه كيف يصحّ أن يفرّق به بين السالبة المحصّلة و المعدولة المحمول، و يدّعى عدم توقّفه على وجود الموضوع، بل القضيّتان سواء في توقّف صدقهما على وجوده، لاشتراكهما في الحكاية عن واقع واحد هو انتفاء المقولة عن موضوعها- الراجع إلى نعتيّة عدمها له-، و قد عرفت أنه لا يعقل النعتيّة إلّا عند وجود المنعوت له.

ص: 452

هويّة ثالثة ربطيّة خارجيّة يوجد الربط بينهما بوجودها (1)، و ينتفي بانتفائها (2)، و لا مقوليّتها إلّا من ناحية وجودها و عدمها (3)، دون ماهيّاتها، فليس حديث سلب الربط- حينئذ- إلّا من الشعريّات التي لا محصّل لها إلّا حسن العبارة، فضلا عن أن يفرّق بين السالبة المحصّلة و المعدولة محمولها بمثله، و إنّما الفارق بينهما هو ترتّب هذا الإيجاب على ذلك السلب ترتّب العناوين الثانويّة على


1- الموجود في الطبعة الاولى (بوجوده)، و الصحيح ما أثبتناه.
2- الموجود في الطبعة الاولى (بانتفائه)، و الصحيح ما أثبتناه.
3- هذا هو العقد الإيجابيّ للمطلب، و ما قبله عقده السلبيّ. هذا، و قد مرّ- آنفا- شرح هذه العبارة و ما بعدها.

ص: 453

محصّلاتها (1)، و لمكان التلازم بين العنوانين في التحقّق الخارجيّ فلا جدوى لهذا الفرق فيما نحن فيه (2)، و إن كان مجديا في رجوع الشبهة المبحوث (3) عنها إلى مرحلة التكليف أو المحصّل (4)- حسبما تقدّم الكلام فيه (5).


1- فليس كلّ منهما حاكية عن حقيقة خارجيّة غير ما تحكي عنه الأخرى، إذ ليس في البين إلّا حقيقة واحدة، بل الأولى تحكي عن الواقع بعنوانه الأوّليّ، و الثانية تحكي عن عنوان ثانويّ بسيط منتزع مترتّب على الواقع، و متحصّل منه، فهي تحكي عنه- مطابقة-، و عن الواقع المنتزع عنه و المحصّل له- التزاما.
2- من عدم جريان الاستصحاب لإحراز العدم النعتيّ، فإنّ مقتضى التلازم الخارجيّ بين العنوانين المذكورين، بل وحدة المعنون بهما هو اشتراكهما في كون العدم الملحوظ فيهما عدما نعتيّا، و قد تقدّم أنه لا مجال لإحرازه بالأصل، فلا مجرى لاستصحاب عدم كون الشرط مخالفا- مثلا- على نحو السلب المحصّل، و لا لاستصحاب لا مخالفته على نحو العدول لانتفاء الحالة السابقة، و استصحاب عدم تحقّق المخالفة- عدما محموليّا- لا يجدي لإحراز النعتيّ إلا على القول بالأصول المثبتة.
3- الموجود في الطبعة الاولى (المبحوثة)، و الصحيح ما أثبتناه.
4- فإن قيّدت الصلاة بعدم وقوعها في غير المأكول- على نحو السالبة المحصّلة- كانت الشبهة المبحوث عنها من الشك في التكليف، و من مجاري البراءة، و إن قيدت بكونها لا واقعة فيه- على نحو العدول- كانت من الشك في المحصّل، و من مجاري قاعدة الاشتغال.
5- لدى تنقيح البحث الصغرويّ من المقام الأوّل.

ص: 454

فإن قيل: أ ليس نفس النعت الوجوديّ الحاصل لموضوعه عند حدوثه من الحوادث، فكيف يمنع عن مسبوقيّته بالعدم بما هو كذلك (1)، و يخصّ سبق عدمه بلحاظ مباينته لموضوعه؟ و هل يعقل أن يوجب تعدّد اللحاظ تعدّدا في نفس الأمر (2)، أو يفصّل في استحالة ارتفاع النقيضين بين اللحاظين (3)؟.

أجيب عنه: بأنّه- مع الغضّ عمّا تقدّم (4) من أنّ قسيم الخارج- كالشرط الذي لا يخالف الكتاب مثلا- هو الذي لا محيص في ترتيب الحكم عن إحرازه، و أنّ غاية ما يمكن أن يحرز باستصحاب


1- أي: بما هو حاصل لموضوعه عند حدوثه، و حاصل الإشكال: أنّ النعت وجد حاصلا في موضوع و على وجه النعتيّة، و لم يكن له- بما هو كذلك- وجود قبل ذلك، إذن فوجوده النعتيّ مسبوق بالعدم، و لا يختصّ سبق عدمه بوجوده المحموليّ المباين لموضوعه.
2- إذ ليس هناك في نفس الأمر إلا وجود واحد مسبوق بالعدم، و هو- كما ذكر- الوجود النعتيّ، و لا يتعدّد وجوده الواقعيّ بتعدّد لحاظه نعتيّا تارة، و محموليّا اخرى.
3- و يقال: إنّه إن لوحظ محموليّا استحال ارتفاع وجوده و عدمه معا، بخلاف ما إذا لوحظ نعتيّا، فإنّه- مع عدم موضوعه- لا موجود و لا معدوم، و إنّما المعدوم- حينئذ- هو المحموليّ.
4- تقدّم في الأمر الثالث أنّ قسيم الخارج بالاستثناء أو المنفصل- كالشرط الذي لا يخالف الكتاب- هو الباقي من العامّ موضوعا لحكمه و لا محيص في ترتيب الحكم عن إحرازه، و العدم فيه نعتيّ لاحق بموضوعه، و تقدّم في الأمر الرابع أنّ غاية ما يمكن إحرازه بالأصل هو عدمه المقارن دون النعتيّ، لعدم مسبوقيته على وجه النعتيّة.

ص: 455

عدم أيّ عنوان عند حدوث آخر إنّما هو (1) عدمه المقارن له، دون اللاحق به، لعدم مسبوقيّته على هذا الوجه.

فلا يخفى أنّ مرجع دعوى مسبوقيّة النعوت الوجوديّة- بما هي كذلك- بالعدم إنّما هو إلى أخذ المتحصّل عن وجود تلك الخصوصيّة- بما أنّه وجودها لموضوعها- حادثا مسبوقا بذلك (2)، و قد تبيّن ممّا قدّمنا أنّ مسبوقيّة نفس الوجود الحادث بالعدم (3) ليس بهذا المعنى المتقوّم به استصحاب عدمه، و إلّا كان استصحابا لمعدوميّة نفس الوجود، و هو من الأغلاط الواضحة، و إنّما هو مسبوق به بذلك المعنى الآخر- الذي تقدّم أنّه أجنبيّ عن ذلك.

و بالجملة: فليس المسبوق بالعدم- بالمعنى الصالح لأن يستصحب عدمه- إلّا نفس الماهيّات، و لا عدمها السابق إلّا المحمولي


1- كلمة (هو) غير موجودة في الطبعة الاولى، و قد أثبتناها لاقتضاء السياق.
2- فإنّ معنى كون النعت الوجوديّ- بما هو نعت- مسبوقا بالعدم هو كون وجوده- بما هو وجوده لموضوعه- كذلك، فأصبح الوجود مسبوقا بالعدم، و قد مرّ أنّ استحالته كاستحالة اجتماع النقيضين، و من جزئيّاته.
3- تقدّم في مطاوي الأمر الرابع: أنّ المسبوق بالعدم بالمعنى الصالح لاستصحاب عدمه إنّما هي الماهيّة ذاتها، لا الوجود، لاستحالة أن يكون الوجود معدوما سابقا ليستصحب عدمه، فإنّه من اجتماع النقيضين، و استصحابه استصحاب لاجتماع النقيضين. نعم الوجود مسبوق بالعدم بمعنى آخر هو تقدّم العدم على الوجود زمانا، لكنّه بهذا المعنى لا يجدي شيئا في الاستصحاب.

ص: 456

المعرّى- في باب المقولات- عن اللحوق بموضوعاتها عند انتفائها، و لا استصحابه محرزا سوى العدم المقارن، و لا استصحاب عدمها (1)- بما هي حاصلة في موضوعها و لموضوعها- بدعوى مسبوقيّتها به بذلك المعنى المغالطيّ (2) إلّا من استصحاب اجتماع النقيضين- كما قد عرفت.

و قد ظهر من ذلك أنّ حديث ارتفاع النقيضين أجنبيّ عن محلّ البحث بالكلّية، إذ بعد أن كان التقابل بين الوجود و العدم (3) راجعا


1- أي: ليس استصحاب عدم المقولات- بما هي حاصلة في موضوعها و موجودة فيه- إلّا من استصحاب اجتماع النقيضين، لرجوعه إلى استصحاب كون وجودها على هذا النحو معدوما، و كون الوجود معدوما تناقض واضح.
2- لما فيه من المغالطة و التلبيس على الغافل و التشبيه عليه، حيث يخلط بين مسبوقيّة العدم بالوجود- بمعناها المعقول المتقدّم-، و بين مسبوقيّته به- بمعناها التناقضيّ الغلط-، فيجري الاستصحاب المتقوّم بالمعنى الثاني متخيّلا أنه هو المعنى الأوّل الصحيح.
3- بعبارة واضحة: أنّ التقابل بين الوجود و العدم على قسمين: تقابل النقيضين الممتنع ارتفاعهما، و تقابل العدم و الملكة الصالح له، و هما- بعد اشتراكهما في انتفاء الواسطة بين المتقابلين- يفترقان باختلافهما في نوعيّة الانقسام إلى المتقابلين، ففي باب المناقضة يلحق الانقسام جميع الماهيّات- حتى الفرضيّات المحضة كالعنقاء و اللاعنقاء-، و في باب الملكة و العدم يلحقها بزيادة قيد الشأنية و قابليّة المحلّ، و لأجله يجوز ارتفاعهما عن المحلّ غير القابل، بخلاف سابقه.و قد ظهر ممّا سلف أنّ الوجود و العدم المحموليّين يعدّان من المتناقضين- كالقيام و عدم القيام و مخالفة الكتاب و عدمها-، و أمّا الربطيّان فيندرجان في العدم و الملكة- ككون زيد قائما و عدمه و مخالفة الشرط للكتاب و عدمها-، و المحلّ القابل لهما هو الموضوع الموجود، فينتفيان معا عند انتفائه.

ص: 457

إلى باب المناقضة الموجبة لعدم جواز الارتفاع- تارة-، و إلى باب الملكة و العدم الصالح لذلك- اخرى-، و كان الفارق بين البابين- بعد اشتراكهما جميعا في عدم الواسطة بين المتقابلين- هو تغاير الانقسام إليهما، و لحوقه في أحدهما لأيّ ماهيّة- و لو فرضيّة محضة-، و في الآخر بعد شأنيّة و صلاحيّة زائدة، فاختصاص المناقضة بالمحموليين، و رجوع التقابل بين الربطيّين إلى الثاني أوضح من أن يخفى.

و لو قيل بتقرّر الماهيّات في الأزل (1) من جهة تعلّق العلم الأزليّ بها، أو غير ذلك- كما هو مرجع القول بالأعيان الثابتة- كان حال الموضوع- حينئذ- باعتبار تقرّره السابق أيضا مشكوكا- لا محالة-، و لم يكن لتوهّم الحالة السابقة مجال، و سقط هذا البحث


1- محصّله: أنه لا مجال لاستصحاب العدم النعتيّ حتى لو قيل بالأعيان الثابتة، و أنّ للماهيّات الممكنة المعدومة نحو تقرّر و ثبوت في الأزل- كما عن المعتزلة زعما منهم أنه المصحّح لتعلّق علمه (تعالى الأزليّ بها-، بل و لو قيل بكفاية هذا النحو من التحقّق لموضوع المستصحب في صحّة استصحابه، فإنّ موضوع النعت العدميّ- كالشرط- المفروض تقرّره سابقا لا يعلم حاله أنّه منعوت بعدم المخالفة- مثلا- أو بوجودها، و أيّا منهما كان فهو منعوت به أزلا، و لا يتصوّر له حالة سابقة متيقنة لتستصحب.

ص: 458

من أصله.

فإن قيل: أ ليس قد عوّل الفقهاء على أصالة الضمان عند تردّد اليد على مال الغير بين أن يكون بإذن منه أو بغير إذنه، و على أصالة عدم النسب- أيضا- في جميع الأبواب، فهل يستقيم شي ء من ذلك إلّا على إحراز حال الحادث باستصحاب العدم السابق على حدوثه (1).

قلت: أمّا تعويلهم على أصالة الضمان فهو- و إن كان قد حمله كلّ ممّن يرى التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة، أو التشبّث بقاعدة المقتضي و المانع على مذاقه، و استظهر به (2)-، لكنّ


1- تقريب الإشكال: أنّ موضوع الضمان هو الاستيلاء على مال الغير غير المأذون فيه من مالكه، و قد تحقّق الاستيلاء، و يشكّ في تحقّق إذن المالك معه، فيستصحب عدم اتصاف الاستيلاء بكونه مأذونا فيه- على نحو العدم النعتيّ.و أنّ الانتساب المأخوذ موضوعا للحكم في أبواب الإرث و غيره- على وجه النعتية- إذا شكّ في تحقّقه عند تحقّق المنتسب فيستصحب عدمه الأزليّ لنفي الحكم المترتّب على نقيضه، إذن فالمسألتان مبنيّتان على استصحاب العدم الأزليّ.
2- أي: استعان به لمسلكه، و ذلك: فإنّ الأوّل يرى أنّ مستند حكم الفقهاء بالضمان هو عموم (على اليد ما أخذت) مع الشكّ في مصداق مخصّصة- و هو كون اليد غير عادية-، و الثاني يرى أنّ مستنده هو القاعدة المذكورة، فإنّ مقتضي الضمان- و هو الاستيلاء- محرز، و يشكّ في مانعه- و هو كون اليد أمانيّة-، و مقتضى القاعدة البناء على عدمه و تأثير المقتضي في مقتضاه.

ص: 459

الذي ينادي تعبيراتهم- بأعلى صوتها- به هو استنادهم فيها إلى أصالة عدم الإذن من المالك، دون شي ء آخر، و انطباقه على ما حرّرناه ضابطا لتركّب الموضوع من المقارن أو النعتيّ أوضح من أن يخفى، فإنّ المتحصّل ممّا يدلّ على ضمان اليد- بعد تخصّصه، أو تخصيصه (1) بما إذا لم تكن بإذن من المالك- هو ترتّب الضمان على الاستيلاء على مال الغير عند عدم إذنه فيه، و مرجعه إلى تركّب سببه (2) من عرضين لموضوعين، فيكون كلّ منهما بالنسبة إلى محلّه من النعتيّ، و بالنسبة إلى الآخر من المقارن، و يكفي مسبوقيّة محلّه به (3)


1- الأوّل مبنيّ على أنّ الأخذ في المرويّ (على اليد ما أخذت حتى تؤدّي) ظاهر في القهر و الغلبة، فتخرج اليد المأذونة عن العموم بالتخصّص، و الثاني مبنيّ على خروجها بأدلّة أخر مخصّصة، لا بما ذكر.
2- أي: سبب الضمان و موضوعه، و قد مرّ في الأمر الثالث أنّ المورد من هذا القبيل، و ليس من قبيل التركّب من العرض و محلّه، و أنّ كلا من العرضين بالنسبة إلى موضوعه يكون من النعتيّ، و بالنسبة إلى العرض الآخر من المقارن، فالاستيلاء عرض قائم بفاعله و بالمال، و المفروض إحرازه كذلك بالوجدان، كما أنّ عدم الإذن قائم بالمالك، و لا مانع من استصحاب عدمه بما هو كذلك، فإنّ المالك كان في زمان و لم يكن آذنا في التصرّف، فيستصحب بقاؤه على هذه الصفة، و بضمّه إلى ما أحرز بالوجدان يلتئم موضوع الضمان.
3- أي: يكفي في العرض النعتيّ مسبوقيّة محلّه به- كمسبوقيّة المالك بعدم إذنه- في إحراز ذلك العرض بالأصل.

ص: 460

في إحرازه بالأصل عند إحراز الآخر بالوجدان في التيام سبب الضمان بلا مؤنة أمر آخر- حسبما تحرّر ضابطه.

و أمّا أصالة عدم النسب: فظاهر شيخنا أستاذ الأساتيذ- أنار اللّه تعالى برهانه- هو دعوى التسالم على العمل بهذا الأصل في جميع المقامات (1)، و عليه بنى الحكم بعدم حيضيّة الدم الذي تراه المرأة- المشكوكة قرشيّتها- عند تجاوزها عن الخمسين.

فإن رجع ما أفاده قدّس سرّه إلى دعوى الإجماع على العمل بهذا الأصل بالخصوص- كما يقتضيه تعويله عليه في تلك المسألة (2)، أو ثبت ما يقوى عندنا جدّا- من أنّ خصوص النسب ممّا جرت طريقة العقلاء- حفظا لأنسابهم- على سلبه عمّن لم يثبت انتسابه إليهم (3)- فهو، و إلّا فقد عرفت أنّ غاية ما يمكن أن يحرز باستصحاب عدم أيّ عنوان (4) إلى زمان حدوث من يشكّ في نسبه إنّما هو عدمه المقارن لوجوده (5)، دون المرتبط به، من غير فرق


1- صرّح قدّس سرّه في مبحث الحيض من طهارته (179): بأنّ أصالة عدم الانتساب معوّل عليه عند الفقهاء في جميع المقامات.
2- أي: يقتضي دعوى الإجماع تعويله على الأصل في مسألة الحيض.
3- أي: إلى العقلاء، إذن فعمدة الدليل عليه هي السيرة العقلائيّة غير المردوعة من قبل الشارع.
4- كعنوان القرشيّة و الأبوّة و النبوّة و نحوها.
5- أي: لوجود من يشكّ في نسبه.

ص: 461

بين أن يكون المستصحب عدمه هو العنوان الأوّليّ المعبّر به عن حقيقة النسب، و المأخوذ موضوعا للحكم في لسان دليله- كقرشيّة المرأة مثلا و نحو ذلك-، أو يكون من العناوين الثانويّة المنتزعة عنه- كتحقّق الانتساب بينها و بين قريش (1) و أمثال ذلك-، و تبديل أحد العنوانين بالآخر لا يخرج عدمه السابق عن المحموليّ إلى الربطيّ (2)، و لا ما يحرز باستصحابه عن المقارن إلى النعتيّ، فلو قيل بكفاية إحراز العدم المقارن في تنقيح أنّ المرأة ممّن لا تحيض إلّا إلى الخمسين فلا حاجة إلى تبديل العنوان، و إلّا لم يجد إلّا تبعيد


1- فإنّ الانتساب بينهما عنوان ثانويّ ملحوظ اسميّا يخبر عنه بالتحقّق- تارة- و عدمه- اخرى-، منتزع من الربط النسبيّ الحاصل بين المرأة و قريش، و الملحوظ حرفيّا في العنوان الأوّليّ- قرشيّة المرأة-، حذو انتزاع عنوان النسبة بين زيد و القيام من (زيد قائم).و هذا تعريض بصاحب الكفاية قدّس سرّه، حيث بدّل العنوان الأوّل بالثاني مدّعيا أنّ الأخير مسبوق بالعدم و إن لم يكن الأوّل مسبوقا بوجود و لا بعدم. و محصّل الردّ: أنه لا جدوى للتبديل المذكور سوى تغيير العبارة، و إلّا فهما سواء في نعتيّة عدمهما و انتفاء الحالة السابقة له، و اختصاصها بالعدم المحموليّ منهما- كعدم القرشيّة و عدم تحقّق الانتساب إلى قريش- فلا يثبت باستصحاب الثاني عدم تحقّق الانتساب بين هذه المرأة و بين قريش، كما لا يثبت باستصحاب الأوّل عدم قرشيّتها إلّا بناء على حجيّة الأصل المثبت.
2- يعني: أنّ العدم السابق إنّما هو العدم المحموليّ، و هذا لا يعقل أن يتبدّل إلى الربطيّ بتبديل العنوان.

ص: 462

ذلك البون البعيد (1)- كما لا يخفى.

و ليس مجرّد تعويلهم على هذا الأصل في إحراز حال من يشكّ في نسبه ما لم يصل حدّ الإجماع مجديا في حجّيّته (2)، بعد اضطراب


1- فإنّ تبديل العنوان الأوّلي إلى الثانويّ الانتزاعيّ تبعيد للمسافة، فإذا لم يجد استصحاب العدم المقارن من الأوّل في تنقيح حال المرأة و كان البون إليه بعيدا، لم يجد فيه استصحاب العدم المقارن من الثاني بطريق أولى، بل يصبح البون معه أبعد.
2- يعني أنّ أصالة العدم التي ادّعى شيخنا الأنصاري قدّس سرّه تسالمهم على العمل بها في جميع المقامات إن قام الإجماع على العمل بها كذلك، أو في خصوص باب النسب كفى ذلك في إثبات حجيّتها، لكن لا إجماع تعبديّ معتبر عليه كاشف عن رأي المعصوم، لاستناد المعوّلين على هذا الأصل إلى أصول و قواعد أخر، فإنّ جملة منهم جعل أصالة العدم- مطلقا- من الأصول العقلائيّة التي لا مساس لها بالاستصحاب، و جملة أخرى أرجعها إلى الاستصحاب، و هؤلاء أيضا مختلفون في أنّ الاستصحاب أمارة ظنيّة أو أصل عمليّ، و القائلون بأصليّته بين من يرى حجيّة الأصول المثبتة و بين من لا يراها، فمن المحتمل- قويّا- أنّ هؤلاء عوّلوا على الأصل المذكور في المقام بناء منهم على كونه أمارة معتبرة، و مثبتات الأمارة حجّة، أو بناء منهم على حجّية المثبتات حتى في الأصول العمليّة، إذن فلا إجماع تعبّدي في المقام، كما و لم يتمّ عندنا شي ء من المباني المذكورة. و بالجملة: فإن تمّ ما قوّيناه من جريان السيرة العقلائيّة على سلب النسب عن مشكوك الانتساب فهو، و إلّا فالاستصحاب لا يجدي إلّا لإحراز عدمه المقارن دون النعتيّ إلّا بناء على الأصل المثبت.

ص: 463

كلماتهم في رجوع أصالة العدم إلى الاستصحاب، أو كونها من الأصول العقلائيّة التي لا يدور التعويل عليها مدار تحقّق الحالة السابقة، و اختلافها (1) في كون الاستصحاب من الأمارات المعتبرة من باب الظنّ النوعيّ أو الأصول التعبّديّة، و تعويلهم على الأصول المثبتة- تارة-، و إلغائهم لها- اخرى-، لعدم كون المسألة منقّحة منضبطة.

لكن لا يخفى أنّ العمدة في مسيس الحاجة إلى هذا الأصل إنّما هي في أبواب المواريث، و لا حاجة لأغلب ما يراد ترتيبه فيها (2) إلى (3) سلب النسب (4) عمّن يشكّ في نسبه، كي يندرج فيما لا يجري الأصل لإحرازه.

أمّا إذا كان الشكّ في الفروع- كما إذا شكّ في كونه ابنا للميّت مثلا- فظاهر، فإنّه و إن كانت وراثته منه مترتّبة على كونه ابنا له، و لازمه توقّف الحكم بعدم وراثته منه على سلب البنوّة عنه (5)، لكن


1- أي: اختلاف كلماتهم.
2- أي: ما يراد ترتيبه من الأحكام في أبواب المواريث.
3- الموجود في الطبعة الأولى (على) و الصحيح ما أثبتناه.
4- سلبا نعتيّا- على نحو ليس الناقصة-، بل يكفي سلبه محموليّا بنحو ليس التامّة، فيمكن إحرازه بالأصل.
5- و لا يجدي استصحاب ابن له في إحرازه إلّا على القول بالأصل المثبت.

ص: 464

لا ترتّب لوراثة (1) من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له إمّا عن أصل الإرث- كالدرجة أو الطبقة المتأخّرة-، أو عن الزائد عن أدنى النصيبين- كالأبوين مثلا أو الزوجين (2)- إلّا على انتفاء ابن للميّت إمّا مطلقا، أو ما عدا المعلوم كونه ابنا له، فإنّه هو الذي نطقت به آيات الفرائض، و استفيد من أدلّة المواريث.

أمّا بالنسبة إلى الشكّ في الحاجب فظاهر بعد أن كانت وراثة من يحجبه الولد- بأحد الوجهين- معلّقة في صريح آيات الإرث على انتفائه (3).


1- أي: لا يترتّب على سلب البنوّة عنه وراثة من يشكّ كون هذا المشكوك بنوّته مشاركا له- كسائر الأبناء-، أو حاجبا له عن أصل الإرث- كالواقع في الدرجة المتأخرة من أولاد الأولاد، أو في الطبقة المتأخرة من الإخوة و الأجداد-، أو حاجبا له عن الزائد على أدنى النصيبين ممّن يأتي ذكره، و إنّما يترتّب وراثتهم على انتفاء ابن للميّت- على نحو ليس التامّة- و هو مسبوق بالتحقّق فيحرز بالأصل.
2- فإنّ الابن يحجب الامّ عن الثلث إلى السدس، و يحجب الأب عن أن يردّ إليه الزائد على السدس، و يحجب الزوج عن النصف إلى الربع، و الزوجة عن الربع إلى الثمن.
3- قال تعالى في وراثة الطبقة الثانية التي يحجبها الولد عن أصل الإرث (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ)، و في وراثة الامّ التي يحجبها عن الزائد عن أدنى النصيبين (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوٰاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)، و في وراثة الزوجين اللذين يحجبهما عن الزائد (وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ. وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ)، و في الجميع علّقت وراثة المحجوب على أن لا يكون للميّت ولد- على نحو العدم المقارن.

ص: 465

و أمّا بالنسبة إلى الشكّ في المشارك فهو- و إن لم يكن في الظهور كسابقه (1)- لكن حيث لا خفاء في إطباق أدلّة المواريث على توقّف وراثة كلّ وارث في أيّ طبقة أو درجة لكلّ المال على انحصاره فيه (2)، فمرجع هذا الحصر (3) إلى عقد إيجابيّ- هو في الطبقة و الدرجة الاولى (4) عبارة عن تولّد المعلومين من الميّت-، و سلبيّ- هو عدم تولّد غيرهم منه- لا محالة، بلا مدخليّة لعدم كون المشكوك ابنا له في شي ء من ذلك (5).


1- الموجود في الطبعة الاولى (كسابقته)، و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي: انحصار الوارث في ذلك الواحد أو الأكثر من طبقة أو درجة واحدة.
3- و شأن كلّ حصر أن ينحلّ إلى عقد إيجابيّ، و آخر سلبيّ.
4- أي: بالنسبة إلى الدرجة الاولى من الطبقة الاولى هو تولّد أناس معلومين من الميّت بلا واسطة، و بضميمة العقد السلبيّ- و هو عدم تولّد غيرهم منه- إليه يتحقّق الانحصار المذكور، و يلتئم موضوع وراثتهم لكلّ المال. إذن فهو من الموضوعات المركّبة من جزءين يمكن إحراز أحدهما بالوجدان و الآخر بالأصل.
5- لا في العقد الإيجابيّ و لا السلبيّ.

ص: 466

و بالجملة: فالحكم مترتّب في جميع موارد الشكّ في الفروع على (1) انتفاء المنتسب المشارك- مثلا- أو الحاجب، و هو مسبوق بالتحقّق- كما قد عرفت-، لا على سلب الانتساب عن الشخص- الغير المسبوق به (2)-، فأصالة عدم تولّد ابن للميّت أصلا، أو ما عدا المعلوم تولّده منه يكفي في إحرازه (3)، و إن كان الشكّ في انتساب المشكوك إليه- بعد- بحاله، و لا حاجة إلى علاج هذا الشكّ أصلا، بل لو انعكس الأمر و كان الأصل جاريا في إحراز عدم الانتساب دون المنتسب لم يجد في وراثة من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له إلّا باعتبار استلزام أحد العنوانين للآخر (4)، فيبتني على حجّية الأصل المثبت.

و كذا الحال فيما لو كان الشكّ راجعا إلى من في حاشية النسب- كالإخوة مثلا أو غيرهم (5) من الحواشي (6)- إذ لا توقّف لوراثة من يشكّ في مشاركة مشكوك الاخوّة- مثلا-، أو حجبه له- بأحد


1- الموجود في الطبعة الاولى (إلى)، و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي: بالتحقّق، و (الغير) صفة ل (سلب).
3- أي: في إحراز انتفاء المنتسب، فيترتّب عليه الحكم.
4- يعني: أنّ استصحاب عدم كون الشخص منتسبا- لو جرى- لا يجدي في إحراز عدم وجود المنتسب- الذي هو الموضوع للحكم- إلّا بناء على حجيّة الأصل المثبت، لأنه لازم عقليّ للمستصحب.
5- الموجود في الطبعة الاولى (غيرها)، و الصحيح ما أثبتناه.
6- كأولاد الإخوة و الأعمام و الأخوال و أولادهم.

ص: 467

الوجهين (1)- إلّا على انتفاء الأخ (2)، و لا مدخليّة لعدم كون المشكوك أخا له في ذلك (3)، و إن كان (4) موجبا للحكم بعدم وراثته منه.

و بعد وضوح أنّ الانتهاء إلى عمود النسب (5) و التولّد من


1- و هما: الحجب عن أصل الإرث كحجب الأخ لولد الأخ، و للعمومة و الخؤولة، و الحجب عن بعضه كحجبه للامّ عن الثلث إلى السدس بشروط.
2- أو انتفاء ما عدا معلوم الاخوّة.
3- أي: في وراثة من ذكر.
4- أي: عدم كون المشكوك أخا للميّت، لوضوح ترتّب وراثته على كونه أخا له- كما تقدّم نحوه في الفروع.
5- محصّل الكلام: أنّ عناوين الاخوّة و العمومة و نحوهما من حواشي النسب إنّما تنتزع عن التولّد من الأصول و الانتهاء إلى عمود نسب واحد، كما أنّ عنوان البنوّة ينتزع عن التولّد من النفس بلا واسطة أو معها، و الكلّ مشترك في المسبوقيّة بالعدم، إذ كما أنه كان زمان و لم يكن للميّت ابن، كذلك كان زمان و لم يكن لأبيه أو جدّه- مثلا- ابن، فيجري الأصل لإحراز بقاء هذا العدم المحموليّ، و يترتّب عليه وراثة المشارك للمشكوك و المحجوب له، و هذا بخلاف أصول النسب من الآباء و الأجداد، إذ لا يعقل- مع فرض وجود الميّت و تولّده- أنه كان زمان و لم يكن له أب أو جدّ، بل الأمر بالعكس و أنه كان زمان و كان له أب و جدّ، و مقتضى الأصل حينئذ بقاؤه، فيمنع عن وراثة من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له، نعم لا يحرز به أبوّة مشكوك الأبوّة أو جدودته للميّت ليترتّب عليه وراثته منه إلّا على الأصل المثبت، بل المحكم حينئذ أصالة عدم أبوّته أو جدودته له- على تحقيق يأتي.

ص: 468

الأصول هو الذي ينتزع عنه عنوان الاخوّة- مثلا- أو العمومة، و يترتّب عليه وراثة الحواشي و مشاركتها، أو حجبها لمن تشاركه، أو تحجبه، و من هنا يحجب ابن العمّ- و إن نزل و بعد بهذا الاعتبار (1)- عمّ الأب، لكونه في الانتهاء إلى العمود أقرب منه إليه (2)، فلا جرم يكون الحواشي- أيضا- باعتبار التفرّع عن الأصول مسبوقة- كالفروع- بالعدم لا محالة، و يجري الأصل في إحراز استمرار عدمها، و يترتّب عليه وراثة من يشكّ مشاركة المشكوك أو حجبه له، و إن كان الشكّ في اخوّته له- مثلا- بحاله، و لا حاجة إلى علاج هذا الشكّ أصلا- حذو ما سمعته في الفروع-، و على هذا يستقيم إلحاقهم للخناثى (3) إذا نقصن عن الأربع بالأخوات في عدم


1- أي: باعتبار النزول كابن ابن العمّ، و هكذا نازلا.
2- فإنّ ابن العمّ- فنازلا- يجتمع مع الميّت في جدّة الأدنى، إمّا عمّ الأب فيجتمع معه في جدّة الأعلى، و بما أنّ الأوّل أقرب في الانتهاء إلى الأصول حجب الثاني و ورث دونه، و هذا شاهد على أنّ المحقّق لحواشي النسب هو التولّد من الأصول، و أنّ العبرة في وراثتهم- مع التعدّد- هو الأقربيّة بهذا الاعتبار، و إن بعد باعتبار التفرّع و النزول.
3- فإنّهنّ إن كنّ أربعا حجبن الامّ عن الثلث قطعا، إذ لا أقلّ من كونهنّ جميعا إناثا، و الأخوات الأربع يحجبنها عنه، أمّا إذا نقصن عن الأربع- كالثنتين و الثلاث- فلا حجب لترتّب وراثتها للثلث على أن لا يكون للميّت أخوان، أو أخ و اختان، و هو محرز بالأصل، لا على أن لا يكون المشكوك أخا له غير الممكن إحرازه به.

ص: 469

حجب الامّ عن الثلث، دون الإخوة، إذ لا ترتّب لوراثتها له إلّا على انتفاء الاخوّة، لا على عدم اخوّة المشكوك، فيجري الأصل في إحراز انتفائها، و لا حاجة إلى إحراز حال الخناثى (1)- كما قد عرفت.

نعم لا يجري ذلك فيما إذا شكّ في الأصول، ضرورة أنّ مقتضى الأصل فيها (2) هو بعكس ما مرّ في الفروع و الحواشي، لكن لا يخفى أنّ أصالة بقاء الأب- مثلا- و إن كان مانعا عن الحكم بوراثة من يشكّ كونه مشاركا أو حاجبا له، لكنّه لا يجدي في وراثة مشكوك الأبوّة- أصلا-، بل يحكم بعدم وراثته من الميّت بأصالة عدم أبوّته له، نظرا إلى أنّ حقيقة النسب و منشأ انتزاع هذا العنوان و إن كان من الإضافات القائمة بطرفيها، فإذا أضيفت إلى الأصول كانت توليدا ينتزع عنه عنوان الأبوّة، أو إلى الفروع فتولّدا ينتزع عنه عنوان البنوّة، لكن حيث لا خفاء في مباينة الجهة القائمة بأحد الطرفين للأخرى (3)، و جريان كلّ منهما لموضوعها مجرى


1- أي: من حيث الذكورة و الأنوثة.
2- مرّ آنفا بيان ما يقتضيه الأصل فيها و يترتّب عليه.
3- فجهة التوليد قائمة بالأب و عرض له، و جهة التولّد قائمة بالابن و من إعراضه، فهما متباينتان- ذاتا- و إن تلازمتا- خارجا-، فيكفي في الحكم بوراثة كلّ من الطرفين من الآخر إحراز الجهة القائمة بالوارث- و إن لم تحرز الأخرى-، و بما أنّ توليد مشكوك الأبوّة للميّت أمر حادث مسبوق بالعدم النعتي، إذ كان في زمان موجودا و لم يكن أبا له فيستصحب عدمه و يترتّب عليه عدم وراثته منه، و إن كان الشك في بنوّة الميّت له بحاله، و لا حاجة إلى علاج هذا الشك.و بهذا يفترق هذا المورد عن الموارد السابقة، إذ قد عرفت أنّه ليس لانتفاء بنوّة المشكوك، أو اخوّته، أو عمومته للميت حالة سابقة ليستصحب، و يترتّب عليه عدم وراثته منه، و هذا بخلاف الأبوّة، فإن انتفاء أبوته له مسبوق بالتحقق فيستصحب.

ص: 470

عرض مستقلّ لموضوع كذلك، فلا خفاء حينئذ في انسلاب الجهة الأولى عن الأصول بعد تقرّرها و عند انعدام الفروع، و إن لم تكن الأخرى لمكان عدم تقرّر موضوعها كذلك (1). و بعد وضوح أنّ وراثة كلّ واحد من طرفي عمود النسب عن الآخر إنّما تترتّب (2) على الجهة القائمة به بلا دخل لما يقوم منها بالآخر و ينتزع عنه العنوان الآخر في ذلك (3) و إن كان ملازما له و موضوعا لوراثته


1- المقصود بالعبارة بيان الفارق بين الأبوّة القائمة بالأب، و البنوّة القائمة بالابن، من حيث سبق العدم النعتي في الأوّل دون الثاني، فإنّه كان للأب تقرّر في زمان منسلبا عنه أبوّته للميت، و يشكّ في بقاء عدم أبوّته له فيستصحب، أمّا الابن فلم يكن له تقرّر كذلك، بل وجد إمّا ابنا له أو لا، فلا مجال فيه للاستصحاب.
2- الموجود في الطبعة الاولى (يترتّب) و الصحيح ما أثبتناه.
3- أي: بلا دخل للجهة القائمة بالآخر و المنتزع عنها العنوان الآخر في وراثة الأوّل.

ص: 471

منه (1)- فأصالة عدم توليد مشكوك الأبوّة للميّت يكفي في عدم وراثته منه (2) و إن كان الشكّ في بنوّته له- بعد- بحاله، و لا حاجة إلى علاج هذا الشّك- أصلا-، بل لو انعكس الأمر في مجرى الأصل (3) لم يجد إلّا على القول بحجيّة الأصل المثبت، هذا.

و لمانع أن يمنع عن جريان أصالة عدم الأبوّة- أيضا- بالمعنى المجدي في عدم الوراثة، بدعوى أنّ النسب (4)- لكونه من الأعراض القائمة بموضوعين- فالمسلوب عن الأصول عند انعدام الفروع ليس هو بهذا المعنى المضاف إلى الطرفين، و إنّما هو الأبوّة


1- أي: و إن كانت الجهة الثانية ملازمة للأولى خارجا و موضوعا لوراثة من تقوم به ممّن تقوم به الاولى.
2- مرّ بيانه آنفا، و كذا ما بعده.
3- بأن فرض جريان أصالة عدم بنوّة الميت لمشكوك الأبوّة دون أصالة عدم أبوّته للميت، فإنّه لا يجدي في إحراز عدم أبوته له ليترتّب عليه عدم وراثته منه إلّا على الأصل المثبت.
4- محصّل المناقشة: أنّ النسب عرض من مقولة الإضافة قائم بطرفين، بحيث يكون القيام بهما معا دخيلا في حقيقته مأخوذا في مفهومه، فلا تحقّق لابوّة شخص لآخر إلّا عند تحقّق بنوّة الآخر له، و لا ينتفي الأوّل إلّا لدى انتفاء الثاني، و على هذا فأصالة عدم أبوّة المشكوك للميّت لا يحرز بها إلّا نفي الأبوّة القائمة بطرف واحد، و لا يحرز بها نفي الأبوّة بمعناها القائم بطرفين و الذي هو الموضوع للأثر الشرعي- حسب الفرض-، إلّا إذا أحرز عدم بنوّة الميّت له، و لا مجال لإحرازه بالأصل، لما مرّ من انتفاء حالته السابقة.

ص: 472

و التوليد بالمعنى الغير المتكرّر و القائم بطرف واحد- كما لا يخفى-، ثمّ لو أغمضنا عن ذلك فغاية ما يترتّب من الأثر عليها هو عدم وراثته عن الميّت، و لا تجدي في وراثة من يشكّ مشاركته أو حجبه له إلّا بمعونة أمر آخر (1).

و لقد أطلنا الكلام في تشخيص الضابط في جريان الأصل لإحراز القيود الوجوديّة و العدميّة، و تميّز موارده، حيث لم نقف له على تحرير في كلماتهم، و لم نجد بدّا منه، و الكلام يجرّ الكلام، و الحديث شجون (2). و لنرجع إلى ما كنّا فيه.

فنقول: بعد ما تبيّن من عدم صحة التعويل في إحراز ما يراد إحرازه من القيد العدميّ- في محلّ البحث و أشباهه- باستصحاب العدم السابق على وجود الموضوع، و توقّفه (3) على سبق تحقّقه


1- المراد بالأمر الآخر ما مرّ من إثبات ملازم المستصحب به- المبنيّ على حجيّة الأصل المثبت-، و ذلك بأن يستصحب عدم أبوّة المشكوك لإحراز عدم وجود الأب الملازم له، و ترتيب أثره عليه.
2- الظاهر (ذو شجون)، مثل معروف، أي ذو فنون متشعّبة تأخذ منه في طرف فلا تلبث حتى تكون في آخر، و يعرض لك منه ما لم تكن تقصده.
3- أي: توقّف إحراز القيد العدمي النعتي المذكور بالاستصحاب على سبق تحقّقه في موضوعه المعتبر تحقّقه فيه بعد تقرّره- أي الموضوع- و وجوده، لما حقّق- مستوفى- من أنّه لا تحقّق للعدم النعتي سابقا على وجود موضوعه.

ص: 473

فيما اعتبر تحقّقه فيه بعد تعيّنه و تقرّره المساوق لوجوده- حسبما استوفينا الكلام فيه-، فلا يخلو الأمر في التقييد المستتبع لمانعيّة أجزاء غير المأكول من أن يرجع:

إمّا إلى اعتبار (1) أن لا يكون المصلّي في ظرف فعل الصلاة متلبّسا بها، أو مصاحبا لها، و نحو ذلك من الاعتبارات و العناوين اللاحقة للفاعل، فيكون سبق تحقّقه فيه (2) عند عدم تلبّسه بالمشكوك- مثلا-، أو عدم تلطّخ بدنه به و نحو ذلك كافيا في جريان الأصل لإحرازه عند فعل الصلاة- كما في الطهارة و غيرها من القيود الراجعة إلى اعتبار وصف في الفاعل، حسبما تقدّم الكلام فيه.


1- تقدّم في أوائل المقام الثالث انقسام القيود المعتبرة في مثل الصلاة إلى أقسام ثلاثة، و أنّه إمّا قيد للمصلّي في ظرف الصلاة، أو قيد لما يصلّى فيه أو عليه، أو قيد للصلاة نفسها. و تعرّض قدّس سرّه هنا لحال خصوص القيديّة المستتبعة لمانعيّة غير المأكول، و تحقيق حالها من حيث جريان الاستصحاب فيها و عدمه على تقدير اندراجها في كلّ من الأقسام الثلاثة المزبورة.
2- يعني: يكفي في جريان الاستصحاب- على هذا التقدير- سبق تحقّق عنوان عدم كون المصلّي متلبّسا بغير المأكول، أو عدم كونه متلطّخا به حينما لم يكن متلبّسا بالمشكوك، فيستصحب إلى ما بعد تلبّسه به. و بعبارة واضحة: كان قبل تلبّسه بالمشكوك غير متلبّس بغير المأكول قطعا، و يشكّ في بقائه على هذه الصفة بعد تلبّسه بالمشكوك و دخوله في الصلاة، فيستصحب و يحرز به تحقّق القيد حال الصلاة.

ص: 474

أو إلى اعتبار أن لا يكون اللباس و نحوه متّخذا منها، و لا مشتملا عليها، كي يرجع إلى ما اعتبر فيه (1)، و يتّجه التفصيل في جريان الأصل الموضوعي- حينئذ- بين أن يكون المشتبه هو نفس اللباس- مثلا-، أو يكون هو من عوارضه (2) الموجبة لخروجه عمّا كان عليه من عدم الاشتمال و التلطّخ بأجزاء غير المأكول، نظرا إلى انتفاء الحالة السابقة في الاولى، و تحقّقها في الثانية (3) فيكفي استصحاب حال اللباس- حينئذ- في إحراز القيد، و لا يلتفت (4)


1- أي: يرجع التقييد المبحوث عنه- على هذا التقدير- إلى ما يعتبر في اللباس.
2- فلا يجري الأصل في الأوّل، و يجري في الثاني.
3- أمّا انتفاؤها في الأولى فلأنه ليس هناك زمان كان اللباس و لم يكن من أجزاء غير المأكول، ليستصحب بقاؤه على هذه الصفة، بل هو وجد إمّا من هذه الأجزاء أو من غيرها. و أمّا تحققها في الثانية فلأنّ اللباس كان في زمان و لم يكن مشتملا على أجزاء غير المأكول، و لا متلطّخا بها، فيستصحب هذا العدم النعتي.
4- يعني أنّه في الصورة الثانية يجري الاستصحاب المنقّح لحال اللباس من حيث عدم اشتماله على غير المأكول، و يكفي ذلك في إحراز القيد و الحكم بصحّة الصلاة، و لا يلتفت إلى نفس المشتبه الذي يشتمل عليه اللباس، و لا حاجة إلى علاج الشكّ فيه كي يقال إنّه لا سبيل إلى علاجه لانتفاء الحالة السابقة فيه- كاللباس نفسه في الصورة الاولى-، و ذلك لعدم كونه مصداقا آخر لما اعتبر فيه القيد العدمي في عرض اللباس ليجب إحراز حاله، فإنّ المعتبر في الصلاة أن لا يكون لباسها متّخذا من غير المأكول، أو مشتملا عليه، و لا يعتبر فيها أن لا يكون ما يشتمل عليه لباسها من غير المأكول، فتدبّر.

ص: 475

إلى ما عليه من المشتبه، لعدم كونه مصداقا آخر لما اعتبر فيه ذلك في عرض اللباس، كي يلزم إحراز حاله و رفع الشبهة عنه، و إنّما يجري- من غير جهة كونه مغيّرا لحال اللباس (1)- مجرى سائر أنحاء المحمول- الذي بناء هذا القول على عدم مانعيّته.

أو رجوعه إلى اعتبار عدم تخصّص نفس الصلاة بخصوصيّة الوقوع في أجزاء غير المأكول، و مانعيّتها بما هي لاحقة لها، فلا يكون القيد- حينئذ- مسبوقا بالتحقّق عند وقوعها في المشكوك من أوّل الشروع (2) و كون المشكوك بحيث يصدق معه عنوان الصلاة فيه (3)،


1- يعني: يجري ما على اللباس من المشتبه- من غير جهة كونه مغيّرا لحال اللباس، و مؤثرا فيه بإعطائه صفة الاشتمال عليه- مجرى المحمول في الصلاة.و بعبارة واضحة: إنّ فيه حيثيّتين: حيثيّة ذاته و هو بهذا الاعتبار محمول في الصلاة، و بناء قائل هذا القول- التفصيل- على عدم مانعيّة غير المأكول منه، و حيثيّة إحداثه وصفا في اللباس بصيرورته مشتملا عليه، و قد عرفت أن الاستصحاب يكفي لإحرازه.
2- يعني: إذا وقعت الصلاة من أوّل الشروع فيها في المشكوك فليس هناك زمان كانت الصلاة و لم تكن واقعة في أجزاء غير المأكول لتستصحب، بل هي وجدت إمّا واقعة فيها أو غير واقعة.
3- أي: مع فرض كون نسبة المشكوك إلى الصلاة نسبة الظرف إلى المظروف- و لو الظرفية التوسّعيّة حسبما مرّ في أوائل الرسالة-، ليصدق معه عنوان الصلاة فيه، لا كبعض أقسام المحمول الذي لا يصدق معه ذلك بل مجرّد المصاحبة للمصلّي- كالحقّة المعلّقة غير المتحرّكة بحركات الركوع و السجود-، فإنّه لا بأس بالمعلوم منه في الصلاة فضلا عن المشتبه.

ص: 476

لا كبعض أقسام المحمول الذي لا بأس بالمعلوم منه.

و إذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ الظاهر (1) النواهي الغيريّة عن إيقاع (2) الصلاة في غير المأكول، و غيرها ممّا حكم فيه على الصلاة المتخصّصة بالخصوصيّة المذكورة بالفساد تارة، و عدم الجواز اخرى، و الحرمة ثالثة إنّما هو مانعيّتها بما هي من الخصوصيّات اللاحقة لنفس الصلاة دون المصلّي- مثلا- أو ما يصلّي فيه، و استنادها إلى المصلّي أو ما تقع (3) هي فيه (4) لا يوجب صرف الأدلّة عن ظواهرها و إرجاع القيد إلى النعوت و العناوين اللاحقة بأحدهما- كما لا يخفى.

و أمّا الوجهان الأوّلان: فالأوّل منهما و إن عمّ نفعه في جريان


1- محصله استظهار ثالث الوجوه الذي لا مجرى معه للأصل مطلقا.
2- متعلّق بالنواهي، و مقتضى تعلقها به كونه هو المانع و إلّا لتعلّقت بكون لباسه متخذا منه حال الصلاة أو بكون المصلّي لابسا له حالها.
3- الموجود في الطبعة الاولى (يقع) و الصحيح ما أثبتناه.
4- يعني: أنّ استناد تخصّص الصلاة بالخصوصية المذكورة إلى المصلّي باعتبار صدورها منه، أو إلى اللباس الذي تقع فيه الصلاة باعتبار كونها صفة له لا يوجب صرف ظهور الأدلّة في اعتبارها في الصلاة نفسها.

ص: 477

الأصل لإحراز القيد في جميع صور الشكّ (1)، لكنّا لم نقف له على عين و لا أثر لا في أخبار الباب، و لا في كلمات الأصحاب، فلا سبيل- حينئذ- إلى البناء عليه، و صرف الأدلّة عن ظواهرها إليه.

و الثاني أيضا و إن ذهب إليه غير واحد، و عليه بنى التفصيل في جواز الصلاة في المشتبه بين الصورتين (2)- كما تقدّم ذكره عند نقل الأقوال (3)-، نظرا إلى جريان الأصل الموضوعي في إحداهما، و عدمه في الأخرى، لكن لا يخفى خلوّ أدلّة الباب عمّا يصلح سندا له، لانحصاره (4)- فيما عثرنا عليه- فيما رواه سماعة (5) عن أبي عبد اللّه- عليه أفضل الصلاة و السلام- «و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه»، و مثله في رواية ريّان بن الصلت (6) عن أبي الحسن الرضا


1- سواء كان المشتبه نفس اللباس، أم كان من عوارضه.
2- المذكورتين آنفا، و قد مرّ ذكر الوجه في جريان الأصل الموضوعي في الثانية دون الاولى.
3- في أوّل الرسالة، فقد عدّ هذا قولا ثالثا في المسألة.
4- أي: انحصار ما يصلح سندا له.
5- رواه المشايخ الثلاثة عنه بأسانيد معتبرة، و متنه في رواية الكليني رحمه اللّه هكذا: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جلود السباع، فقال: «اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه». و في رواية الصدوق و الشيخ رحمهما اللّه عنه عليه السّلام- في حديث- قال: «و أمّا الجلود- أي جلود السباع- فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلّون فيه»، رواها في الوسائل في الخامس من أبواب لباس المصلي- الحديث 3 و 4.
6- رواها الشيخ قدّس سرّه بسند معتبر عنه، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن لبس فراء السمّور و السنجاب. إلى أن قال: فقال عليه السّلام: «لا بأس بهذا كلّه إلّا بالثعالب»، رواها في الوسائل في نفس الباب- الحديث 2.و النهي فيها و إن تعلّق بمطلق اللبس، لكنّه منصرف إلى اللبس حال الصلاة، إذ لا ريب في جوازه في نفسه- تكليفا.

ص: 478

- عليه أفضل الصلاة و السلام-، و هو- أيضا- غير صالح لذلك، فإنّ النهي الغيريّ (1) الظاهر في مانعيّة متعلّقه و إن تعلّق فيه بعنوان اللبس إلّا أنّ تعقّبه بقوله عليه السّلام «تصلّون فيه» يوجب صرف النهي عنه إليه من حيث ظهور مساقه في أنّه هو الذي يراد بالنهي انتفاؤه (2)- كما نطقت به سائر أدلّة الباب-، دون مجرّد التقييد لمتعلّق النهي، كي يرجع مفاده- حينئذ- إلى أنّ ما يراد انتفاؤه إنّما هو اللبس عند فعل الصلاة، و إلّا لزم خلوّ الظرف عن الفائدة- كما لا يخفى.

و لو سلّم تكافؤ الاحتمالين فإمّا أن يحمل على ما ذكرنا- بقرينة سائر الأدلّة-، أو يخرج- بمعارضتها- عن صلاحيّة التمسّك به (3)، و مع ذلك كلّه فحيث إنّه لا دلالة فيه على مانعيّة عوارض اللباس أصلا فلا انطباق له على المدّعى، و التمسّك فيها


1- هذه المناقشة تختصّ بموثقة سماعة، و لا تجري في معتبرة الريّان.
2- فيكون المراد النهي عن الصلاة فيه، لا عن لبسه حال الصلاة، و إلّا لزم خلوّ الظرف (فيه) عن الفائدة، إذ لو أريد الثاني لقيل: لا تلبسوه و أنتم تصلّون.
3- أي: بمعارضته لسائر الأدلّة يخرج الموثّق عن صلاحيّة التمسّك به، لأنّها أكثر منه عددا، و أقوى دلالة، فتقدّم عليه.

ص: 479

بسائر أدلّة الباب يفضي إلى هدم المبنى (1)- كما لا يخفى-، هذا.

بل الظاهر أنّ توهّم رجوع القيد في محلّ البحث إلى اعتبار النعت في اللباس- كما هو مبنى هذا التفصيل- إنّما نشأ عن خلط في البين، فإنّ الذي يظهر من التتبّع في كلمات الأصحاب و ملاحظة استدلالاتهم إنّما هو استناد الخلاف الواقع بينهم- في قصر مانعيّة غير المأكول بما إذا كان خصوص اللباس متّخذا منها، أو مشتملا عليها، أو متلطخا بها و نحو ذلك، أو تعميمها للمحمول أيضا إمّا مطلقا، أو خصوص ما كان منه ملصقا بالثوب أو الجسد دون غيره- إلى الخلاف فيما يوجب صدق عنوان الصلاة فيه، بعد الفراغ عن مانعيّة نفس ذلك العنوان (2)- كما أطبقت عليه مفاد أدلّة الباب-، لا إلى الخلاف في أنّه هل هو العنوان اللاحق للباس خاصّة كي يستقيم التمسّك


1- لظهور سائر الأدلّة في اعتبار المانعيّة قيدا للصلاة نفسها بالنسبة إلى اللباس و عوارضه جميعا، فتمسّك هذا القائل بها هدم لمبناه من أساسه.
2- أي: نفس عنوان الصلاة فيه، و محصّل الكلام: أن منشأ الخلاف المذكور هو الخلاف في أنّ عنوان الصلاة في غير المأكول- الذي هو العنوان المانع- هل يختصّ صدقه بما إذا كان اللباس أو عوارضه منه، أو يعمّ المحمول الملصق بالثوب أو الجسد، أو مطلق المحمول، و ليس المنشأ هو الخلاف في نفس عنوان المانع، و أنّه هل هو كون اللباس متّخذا منه أو مشتملا عليه، أو كون الأعمّ منه و من المحمول كذلك. إذن فالعبرة إنما هي بعنوان الصلاة فيه، فإنه المأخوذ عدمه في متعلّق التكليف، و قد تقدّم أنّه لا مجال معه للتمسّك بالأصل الموضوعي.

ص: 480

بالأصل الموضوعيّ فيما إذا كان المشتبه من عوارض اللباس (1)، أو للأعمّ منه و من المحمول أيضا- بأحد الوجهين- كي ينسدّ باب إجراء الأصل- مطلقا- (2)، كيف و ليس في أدلّة الباب من ذلك (3) عين و لا أثر.

و بالجملة: فالشبهة المتنازع فيها من هذه الجهة إنّما هي فيما يوجب لحوق العنوان المذكور (4) للصلاة بعد الفراغ عن مانعيّته و تقيّد المطلوب بعدمه، لا في نفس عنوان المانع و تعيين ما أخذ نعتا فيه (5)- كما هو مبنى التوهّم المذكور (6).

و حينئذ فلا جدوى لاستصحاب حال اللباس في إحراز القيد- و لو على القول بدوران العنوان المذكور مدار اتّخاذ اللباس منها (7)


1- دون ما إذا كان هو نفس اللباس- كما مرّ.
2- فإن عوارض اللباس و المحمول أيضا- على هذا الوجه- قد اعتبر في الصلاة أن لا تكون بنفسها من غير المأكول، و لا أصل موضوعيّ يحرز ذلك، لانتفاء الحالة السابقة فيها- كما تقدّم.
3- أي: من كون المانع أمرا يدور بين كونه عنوانا لاحقا للباس أو للأعمّ منه و من المحمول.
4- و هو عنوان الصلاة فيه.
5- أي: ما أخذ عنوان المانع نعتا فيه لاحقا له من اللباس خاصّة، أو الأعمّ منه و من المحمول.
6- أي: منشأ توهم رجوع القيد إلى أخذه نعتا في اللباس خاصة الذي هو مبنى التفصيل المتقدّم.
7- أي القول باختصاص ما يوجب لحوق العنوان المذكور- الصلاة في غير المأكول- للصلاة بكون اللباس متّخذا منه أو مشتملا عليه، و عدم عمومه للمحمول.

ص: 481

مثلا، أو اشتماله عليها، أو تلطّخه بها و نحو ذلك (1)-، إذ أقصى ما يقتضيه ذلك إنّما هو توسّط تلك العناوين وجودا و عدما في تحقّق عنوان المانع أو انتفائه، لا مانعيّتها بنفسها و تقيّد المطلوب بعدمها كي يرجع إجراء الأصل في إحراز انتفائها إلى إحراز بعض متعلّق التكليف بالأصل.

و بالجملة: فليس الأصول الجارية باعتبار سبق حال اللباس حينئذ إلّا كالأصول الجارية باعتبار سبق حال المصلّي، و كما أنّه لا جدوى لشي ء منها (2) في إحراز عدم تخصّص نفس الصلاة بالخصوصيّة المذكورة إلّا على القول بحجيّة الأصل المثبت، فكذلك الحال في الأصول المحرزة لحال اللباس أيضا، اللّهمّ إلّا أن يتشبّث بذيل دعوى خفاء الواسطة- الممنوعة عندنا من


1- محصّل المرام: أنّ مقتضى ما ذكرناه من تعلّق التكليف العدميّ بوقوع الصلاة في غير المأكول هو سقوط الاستصحاب في المقام- حتى بناء على اختصاص موجبه بكون اللباس متخذا منه أو مشتملا عليه أو متلطّخا به-، إذ لا حالة سابقة لعدم وقوع الصلاة فيه، أمّا عدم اشتمال اللباس عليه أو عدم تلطّخه به فهو و إن كانت له حالة سابقة- كما مرّ- إلّا أنّه ليس بنفسه مأخوذا في متعلّق التكليف ليجدي الاستصحاب لإحرازه، و إنّما هو ملازم للمتعلّق و علّة لتحقّقه و موجب له، و لا يصلح الاستصحاب لإثبات مثله إلّا على القول بحجيّة الأصل المثبت.
2- أي: من الأصول الجارية باعتبار حال المصلّي.

ص: 482

أصلها (1) كما حرّر في محلّه- في إحدى الطائفتين دون الأخرى (2)، لكن لا يخفى ما فيها من الجزافيّة و التحكّم (3).

و من ذلك فقد ظهر أنّ مبنى التفصيل في جواز الصلاة في المشتبه و عدمه بين أن يكون هو نفس اللباس أو ما عليه (4)- كما هو أحد أقوال المسألة- في غاية الضعف و السقوط.

و أضعف منه التمسّك للتفصيل الآخر (5)- الذي قد عرفت أنّه لا مناص عن الالتزام به (6) بناء على شرطيّة المأكوليّة و تقييد الاشتراط بما إذا كان اللباس من أجزاء الحيوان- بأصالة عدم كونه


1- الموجود في الطبعة الاولى (أصله) و الصحيح ما أثبتناه.
2- المراد بالأولى هي الأصول الجارية باعتبار سبق حال اللباس، و بالأخرى الأصول الجارية باعتبار سبق حال المصلّي.
3- فإنّ خفاء الواسطة متحقّق في الطائفتين، فإن كان مجديا ففيهما، و إلّا فكذلك، فلا وجه للتفرقة بينهما.
4- لا يخفى أنّ هناك مبنى آخر للتفصيل المذكور- اختاره صاحب الجواهر قدّس سرّه، و تقدّم نقله سابقا- و هو التفصيل بين اللباس و ما عليه، بالبناء على الشرطيّة في الأوّل و المانعيّة في الثاني، فإنّ مقتضاه المنع في المشتبه من اللباس و الجواز في غيره.
5- و هو التفصيل بين ما إذا علم أنّه من أجزاء الحيوان و شكّ في مأكوليّته، و بين ما إذا لم يعلم ذلك و كانت النباتية محتملة، بالمنع في الأوّل و الجواز في الثاني، و قد تقدّم في أوّل الرسالة عدّ هذا رابع الأقوال في المسألة.
6- أي: بهذا التفصيل، و قد عرفت ذلك في ذيل البحث الصغرويّ للمقام الأوّل المتقدم، كما عرفت هناك تقريبه، و سنشير إليه في التعليق الآتي.

ص: 483

منها (1)، لا بما تقدّم منّا في تقريبه (2)، فإنّه و إن كان مؤدّى الأصل ذا أثر شرعيّ- على هذا المبنى الفاسد من أصله-، لدوران شرطيّة المأكوليّة حينئذ مدار كونه من أجزاء الحيوان (3)، و جريانه بالنسبة إلى منشأ انتزاعها مجرى شرط الوجوب (4)- كما تقدّم-، لكن حيث قد عرفت أنّ غاية ما يمكن إحرازه من انتفاء الخصوصيّة العرضيّة باستصحاب عدمها السابق على وجود موضوعها إنّما هو عدمها المقارن، لا على وجه النعتيّة له، فلا مجال لإحراز عدم كونه من


1- أي: عدم كون اللباس من أجزاء الحيوان، و الظرف متعلّق بالتمسّك.
2- يعني: أنّ الضعف إنّما هو في التمسّك لهذا التفصيل باستصحاب العدم، لا بما تقدّم منّا فإنّه لا ضعف فيه- بناء على هذا المبنى-، بل لا مناص عليه من الالتزام بموجبه بالتفصيل المذكور. و الذي تقدّم في الموضع المشار إليه هو أنّه بناء على اختصاص شرطية المأكولية بما إذا كان اللباس حيوانيا فمع العلم بالحيوانية يجب إحراز المأكولية، و مع الشك فيها يشكّ في شرطية المأكولية، و يتردّد أمر الواجب من جهة الشبهة الخارجية بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و هو مجرى أصالة البراءة.
3- فباستصحاب عدم كون اللباس من أجزاء الحيوان يحرز انتفاء موضوع الشرطية، فتنتفي الشرطية لا محالة، و هذا أثر شرعيّ مترتب على الاستصحاب المذكور- لو تمّت أركانه-، لكنّها لا تكاد تتمّ لما سيشير قدّس سرّه إليه- و تقدّم في نظائره- من انتفاء الحالة السابقة.
4- أي: جريان كونه من أجزاء الحيوان بالنسبة إلى منشأ انتزاع شرطية المأكولية مجرى شرط الوجوب- الذي بانتفائه ينتفي الوجوب،- و قد تقدّم بيانه في ذيل البحث الصغرويّ المذكور.

ص: 484

أجزاء الحيوان بالأصل (1) كي يترتّب عليه عدم دخل وصف المأكوليّة فيه، هذا.

و قد سلك بعض الأعلام (2) في تزييف التمسّك بهذا الأصل (3) بعكس ما سلكناه (4)، فأشكل فيه بعدم ترتّب الأثر، و سلّم التماميّة من جهة الحالة السابقة.

قال في رسالته المعمولة في هذه المسألة- بعد تقريب التمسّك بالأصل المذكور-: (و هذا (5) نظير الرجوع إلى الأصل في كلّ حادث


1- إذ ليس هناك زمان كان اللباس و لم يكن من أجزاء الحيوان، ليستصحب و يترتّب عليه عدم اشتراط مأكوليته.
2- هو الفاضل الآشتياني قدّس سرّه في رسالته (إزاحة الشكوك: 113).
3- المراد التمسّك به في أصل المسألة.
4- فإنّا إنّما منعنا عنه من جهة انتفاء الحالة السابقة، لا لانتفاء الأثر الشرعي، و هو قدّس سرّه جرى على العكس من ذلك- كما ستعرف.
5- مرجع الإشارة هو ما ذكره قبل هذا في تقريب الأصل المذكور، قال:(و أمّا الثاني- يريد به ما إذا لم يعلم أنّه مأخوذ من الحيوان أو من غيره- فيمكن القول فيه بالجواز، نظرا إلى الرجوع إلى الأصل الموضوعيّ، لأنّ صنعه من الحيوان مشكوك فيدفع بالأصل، و لا نريد به إثبات كونه من غير الحيوان حتى يعارض بالمثل، مضافا إلى كونه أصلا مثبتا)، فقال متصلا: و هذا نظير الرجوع. إلى آخر ما في المتن، و المراد أنّ المقام من صغريات ما إذا علم إجمالا بحدوث أحد أمرين يترتب الأثر على أحدهما خاصّة دون الآخر، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد شيئين و أحدهما بعينه خارج عن محلّ الابتلاء، و كواجدي المني في الثوب المشترك، حيث يجري استصحاب عدم النجاسة أو الجنابة في أحدهما خاصة، و لا يعارضه استصحاب العدم بالنسبة إلى الآخر لعدم الأثر، و في المقام يعلم إجمالا أنّ اللباس إمّا متّخذ من الحيوان غير المأكول أو المأكول أو من غير الحيوان، و الأثر الشرعي إنّما يترتّب على اتخاذه من الأوّل خاصة، فيجري أصالة عدمه بلا معارض. و على هذا التقريب فهو قدّس سرّه لم يشكل في هذا الأصل بعدم ترتّب الأثر- كما وقع في المتن- و إنّما نفى ترتب الأثر على أحد الأصلين دون الآخر- حذو ما عرفت.

ص: 485

معلوم إجمالا تردّد أمره بين حادثين يترتّب الأثر الشرعيّ على عدم أحدهما بالخصوص دون الآخر، و من هنا يرجع إلى الأصل في النسب (1) في باب الميراث و الخمس و غيرهما من الأبواب. إلى أن قال: لكنّ الإنصاف عدم خلوّ المذكور عن الإشكال، لا من جهة ما ذكر في حكم الحادث المردّد فإنّه ليس من محلّ الإشكال في شي ء، بل من جهة الإشكال في كون الفرض من مصاديقه و جزئيّاته (2) كما


1- إذ يدور أمر المشكوك نسبه بين كونه ابنا للميت مثلا أو عدمه، فيجري أصالة عدمه. هذا، لكنّه كما ترى ليس من الدوران بين حادثين، بل بين حدوث أمر و عدمه، إلّا إذا ارجع إلى الدوران بين كونه ابنا له أو ابنا لغيره، و اختصّ الأثر الشرعيّ بالأوّل، فيدفع بالأصل من دون معارض.
2- لعلّ وجه الإشكال في مصداقية الفرض لتلك الكبرى هو المناقشة في جريان الاستصحاب فيه من جهة انتفاء الحالة السابقة للعدم النعتيّ، و يشهد بذلك قوله في العبارة الآتية: (و إن جعل مصداق المانع فيتوجّه عليه عدم الحالة السابقة للباس بالفرض)، و عليه فيكون وجه إشكاله قدّس سرّه في المقام هو ما نراه بعينه، فلاحظ.

ص: 486

في باب النسب (1) فإنّه لا إشكال فيه أصلا، و من هنا اتّفقوا على أنّ السيادة على خلاف الأصل، فافهم و اغتنم) انتهى ما أردنا نقله.

و أنت إذا أحطت خبرا بما قدّمنا عرفت ما فيه من وجوه الفساد (2)، و العجب أنّه- مع شدّة إصراره في هذا المقام بنفي الإشكال عمّا أفاده في حكم الحادث المردّد، حتى تخيّل أنّه ممّا ينبغي أن يفهم و يغتنم- لم يعبأ به في محلّ البحث أصلا (3)، و قد أنكره غاية الإنكار في ردّ من بنى على جريان أصالة عدم المانع في المقام بناء على المانعيّة، فقال (4) ما حاصله: (إنّ مجرى الأصل إن جعل عنوان المانع و مفهومه فيتوجّه عليه أنّ إثبات عدم مفهوم المانع بالأصل لا يجدي في إثبات كون اللباس متّصفا بعدم المانع، إلّا على القول باعتبار الأصول المثبتة، إذ الأصل في المتّصف لا


1- تمثيل لكون المورد من مصاديقه، أي: كما يكون باب النسب من مصاديقه بغير إشكال.
2- منها تسليمه تماميّة الأصل في محلّ الكلام من جهة الحالة السابقة- بناء على إرادته قدّس سرّه ذلك، و قد عرفت المناقشة فيه آنفا-، و منها تسليمه جريانه بقول مطلق في باب النسب و نفيه الإشكال في هذا الباب.
3- أقول: قد أشار هو قدّس سرّه- كما سمعت- إلى الإشكال في كون الفرض من مصاديقه، و عليه فلا تدافع.
4- إزاحة الشكوك: 104.

ص: 487

يثبت اتّصاف المحلّ بالوصف المشكوك، و إن جعل مصداق المانع فيتوجّه عليه عدم الحالة السابقة للباس بالفرض، فالفرق بين الشرط و المانع في أمثال المقام لا معنى له أصلا) انتهى ملخّصا.

و هو- مع الغضّ عن أنّه لا محصّل للشقّ الأوّل من الترديد (1)- حسن (2) لو لا ما صنعه من إرجاع القيد إلى أوصاف اللباس (3)، و كيف كان فبين ما أفاده في المقامين من التدافع و التهافت ما لا يخفى (4).

هذا كلّه إذا كان الشكّ حاصلا من أوّل الشروع، و قد عرفت أنّه لا مجال للتشبّث بالأصل الموضوعيّ أصلا.

أمّا إذا طرأ في الأثناء فيبتني جريان الأصل في إحراز القيد


1- و هو جعل مجرى الأصل عنوان المانع و مفهومه، إذ لا معنى لاستصحاب عدم المفهوم. أقول: لا يبعد أن يكون هذا من ضيق التعبير، و المراد عدم المانع على نحو العدم المقارن، في قبال الشق الثاني المراد به العدم النعتيّ، و يؤيّده تعبيره قدّس سرّه عنه ب (الأصل في المتّصف) الذي سبقه شيخنا الأعظم قدّس سرّه في التعبير عنه فيما تقدّم نقله من فرائده من قوله: (فإنّ استصحاب وجود المتصف أو عدمه لا يثبت كون المحلّ موردا لذلك الوصف العنواني).
2- حيث منع من جريان الأصل في الشقّ الثاني، نظرا إلى انتفاء الحالة السابقة.
3- لما عرفت من عدم تماميّته بحسب الأدلّة، و أنّ مقتضاها رجوعه إلى الصلاة نفسها.
4- لكنّه بناء على ما احتملناه في وجه إشكاله قدّس سرّه- في عبارته الاولى- على جريان الأصل في محلّ الكلام فلا تدافع بين العبارتين.

ص: 488

باعتبار سبق التحقّق في الأجزاء السابقة على ما تقدّم من الوجهين في ذلك (1)، و قد عرفت أنّ المختار عندنا هو عدم الجدوى لسبق تحقّقه عند افتتاح الصلاة في إحراز بقائه بالأصل، لتعدّد متعلّق الشكّ و اليقين- حسبما أوضحناه.

و هذا آخر ما أردنا تحريره في أصل المسألة.

[الخاتمة]

اشارة

و لنختم الكلام بالتنبيه على أمور:-

[الأمر الأول في عدم جريان الأصل الموضوعي مع الشك في وجود المانع]

الأوّل: إنّ المبحوث عنه فيما تقدّم إنّما هو مع رجوع الشبهة إلى مانعيّة الموجود- كأن يشتبه الثوب المعيّن الخارجيّ بين أن يكون من محرّم الأكل أو غيره.

أمّا إذا شكّ في أصل وجود المانع- كأن يشكّ في وقوع شي ء من أجزاء ما لا يؤكل عليه أو لصوقه به و نحو ذلك- فقد يقال: إنّه لا مانع عن الأصل الموضوعيّ (2) حينئذ، و لا محذور فيه أصلا.

و هو من الغرابة بمكان، فإنّ المنع عن جريان أصالة عدم التلبّس


1- تقدّم ذلك في أوائل الأمر الثاني، و أحد الوجهين هو موضوعيّة الهيئة الاتصالية- القائمة بموادّ الأجزاء، و الحافظة لوحدتها الاعتباريّة- لما اعتبر فيها من القيود الوجودية و العدمية. و الثاني ما اختاره قدّس سرّه من موضوعية كلّ واحد من الأجزاء له في عرض الآخر. فعلى الأوّل يجري استصحاب بقاء القيد إذا سبق تحقّقه عند الافتتاح، لاتحاد موضوع المستصحب الموجب لاتحاد متعلّق الشك و اليقين، و لا يجري على الثاني لتعدّد المتعلّق.
2- فيستصحب عدم وقوع ذلك الشي ء عليه، أو عدم لصوقه به.

ص: 489

- مثلا-، أو اللصوق أو الحمل أو غير ذلك فيما تقدّم (1) لم يكن مبنيّا على ما زعمه الفاضل السبزواري قدّس سرّه من التفصيل في أصل جريان الاستصحاب بين الصورتين (2)، كي يوجّه به التفصيل في جريان الأصول المذكورة و عدم جريانها بين المقامين، و إنّما هو لمكان عدم ترتّب الأثر الشرعيّ على المستصحبات المذكورة بنفسها، و مثبتيّة الأصول المحرزة لها- كما قد عرفت-، و هذا ممّا لا يعقل الفرق فيه بين أن يستند الشكّ في بقائها و ارتفاعها إلى الشكّ في رافعيّة الموجود، أو وجود الرافع (3). و لو فرض ترتّب


1- من موارد الشك في مانعية الموجود، كالشك في ثوب ملبوس أو جزء ملصوق أنّه من محرّم الأكل أو لا.و محصّل الكلام: أنّا إذ منعنا عن جريان أصالة عدم تلبّس غير المأكول، أو عدم لصوقه به فلم يكن ذلك من جهة كونه شكا في رافعية الموجود، و الاستصحاب يختصّ حجيّته بموارد الشك في وجود الرافع- كما هو المحكيّ عن الفاضل السبزواريّ قدّس سرّه-، و إنّما هو لمكان أنّ المستصحب المذكور ليس موضوعا أو متعلقا لحكم شرعي، فإنّ المأخوذ في متعلّق التكليف الصلاتي هو عدم وقوع الصلاة في غير المأكول، لا عدم تلبّس المصلّي به أو عدم لصوقه أو نحو ذلك، و استصحاب شي ء منها لا يجدي في إثبات عدم الوقوع المذكور إلّا بناء على الأصل المثبت.
2- هما الشك في وجود الرافع أو رافعية الموجود.
3- ففي موارد استناد الشك إلى وجود الرافع أيضا لا يترتب أثر على استصحاب عدم التلبس أو اللصوق، و إجراؤه لإحراز عدم وقوع الصلاة في غير المأكول مبنيّ على حجيّة الأصول المثبتة.

ص: 490

أثر شرعيّ عليها، إمّا بدعوى رجوع القيد إلى اعتبار انتفاء نفس تلك العناوين الراجعة إلى أوصاف المصلّي في ظرف فعل الصلاة (1)، أو قيل بشرطيّة المأكوليّة و خصّ الاشتراط بصورة تلبّس المصلّي- مثلا- بأجزاء الحيوان (2)، لا كما صنعوه (3) من تقييدها بما إذا كان اللباس منها، اتّجه التمسّك بالأصول المذكورة على نمط واحد (4)- كما لا يخفى.

و بالجملة: فكما قد عرفت في أصل المسألة- من أنّه لا مجال للرجوع إلى الأصول الموضوعيّة في علاج الشبهة أصلا، بل لا بدّ فيه من الجري على ما يقتضيه البراءة أو الاشتغال-، فكذلك الحال في المقام أيضا- حذو ما سمعت.

فالمهمّ حينئذ- بعد وضوح كون الشبهة في المقام بمعزل عن


1- بأن يدّعى تقيّد المتعلّق بعدم تلبّس المصلي أو عدم اللصوق به و نحوهما في ظرف الصلاة، لترجع إلى خصوصيّة في المصلّي نفسه، فإنّه- حينئذ- لا مانع من استصحاب عدم تلبسه أو اللصوق به، و يترتب عليه الأثر المفروض.
2- فإنّه باستصحاب عدم تلبّسه بها، أو عدم لصوقها به يحرز انتفاء موضوع الشرطيّة الذي هو بمنزلة شرط الوجوب لها.
3- أي: صنعه بعض القائلين بشرطية المأكولية، إذ قيّدوها بكون اللباس من أجزاء الحيوان، لا بتلبّس المصلّي بها.
4- بلا فرق بين الشك في الوجود أو الرافعية.

ص: 491

الاندراج في مجاري أصالة الحلّ (1)- إنّما هو البحث عن كونها- كسابقتها- مندرجة في مجاري البراءة، أو أنّ بينهما فرقا في ذلك.

و التحقيق في ذلك: أنّ الشكّ في اللصوق- مثلا- ينشأ تارة عن الشك في أصل الوجود كما إذا شكّ في أنّه هل بال الخفّاش محاذيا للمصلّي، بحيث لو بال وقع عليه قطعا، و أخرى من جهة الشكّ في الوقوع و اللصوق بعد العلم بالتحقّق الخارجيّ.

و لا خفاء في رجوع الشبهة في الصورة الأولى- باعتبار ترتّب قيديّة خاصّة على تحقّق كلّ واحد ممّا ينطبق على عنوان الموضوع في الخارج (2)، كما قد عرفت- إلى الشكّ في تقيّد المطلوب بقيد زائد على ما علم دخله فيه، فيندرج في مجاري البراءة- كما تقدّم.

و هذا بخلاف الثانية، فإنّه بعد العلم بتحقّق الموضوع في مورد الابتلاء يكون تقيّد المطلوب بعدم الوقوع فيه معلوما- لا محالة-، و الشبهة راجعة إلى مرحلة تحقّق القيد (3) المعلوم دخله في


1- لأنّ الشك فيه إنّما هو في وجود المانع و الحرام بالمعنى المتقدّم تحقيقه- أعني مطلق الممنوع الشرعيّ، استقلاليا كان أم قيديا-، و الأدلة القائمة على أصالة الحلّ تختصّ بموارد تردّد الشي ء المعيّن الخارجيّ بين الحلال و الحرام- كما هو الحال في موارد الشك في مانعية الموجود-، و لا تشمل موارد الشك في أصل وجود الحرام- كما في المقام.
2- على نحو الانحلال كما تقدم بحثه مستوفى، فيشك في أنّه هل قيّد المطلوب بقيد زائد مترتب على وجود بول الخفّاش مثلا- الملازم لوقوعه عليه- أو لا، و مقتضى البراءة عدمه.
3- أي: تحققه الخارجيّ في مقام الامتثال و فراغ الذمّة.

ص: 492

المطلوب و الخروج عن عهدة ما علم من التكليف، فاللازم- حينئذ- هو الفحص و التثبّت و عدم الاكتفاء بمجرّد الاحتمال- كما هو الشأن فيما يرجع فيه الشبهة إلى مرحلة الخروج عن عهدة التكليف.

و في لزوم تحصيل العلم بذلك، أو كفاية الظنّ فيه مطلقا، أو خصوص الاطمئنانيّ- البالغ احتمال خلافه من الوهم بحيث لا يعتني به العقلاء في مقاصدهم- وجوه: خيرها أخيرها.

و ذلك بالنسبة إلى عدم جواز الاكتفاء بمطلق الظنّ ظاهر، بعد عدم الدليل على حجيّته إلّا في موارد خاصّة- كالقبلة أو عدد الركعات مثلا-، و وضوح عدم جريان مقدّمات الانسداد- على تقدير إنتاجها لمطلق الظنّ- في هذه الصورة (1)، و إن أمكن دعوى جريانها في الصورة الأولى على تقدير عدم الاندراج (2) في مجاري البراءة، لكثرة البلوى، و ندرة حصول العلم بالواقع فيها، و استلزام الاحتياط للحرج الغالبيّ (3)- كما لا يخفى.


1- متعلّق ب (جريان)، يعني: أنّ مقدمات الانسداد- على تقدير إنتاجها حجيّة مطلق الظن- غير جارية في هذه الصورة، و سيظهر وجهه.
2- أي: عدم اندراج الصورة الأولى بأن فرض كون المرجع فيها أيضا- كالثانية- قاعدة الاشتغال.
3- و معه يمكن دعوى تماميّة المقدمات- بناء على إنتاجها حجيّة مطلق الظن- في هذه الصورة، و لا كذلك الصورة الثانية، لقلّة مواردها، فلا حرج يلزم من الاحتياط فيها.

ص: 493

و أمّا بالنسبة إلى كفاية الاطمئنان فلما تقرّر في محلّه من استقرار طريقة العقلاء على الاكتفاء به في إحراز مقاصدهم، و إلغائهم- بفطرتهم- لاحتمال خلافه بالكلّية، و جريهم عليه من حيث إحرازهم الواقع به، و سقوطه عن الوسطيّة (1) عندهم، لا كاقتفائهم في موارد جلب النفع أو دفع الضرر أثر الظنّ مثلا، بل و الاحتمال، فإنّ إقدامهم فيهما إنّما هو على عنوان المظنون أو المحتمل، دون الواقع- كما عند حصول الاطمئنان-، و لذا يكتفون به (2) في مقام الأمن من العطب و الهلكة أيضا مع وضوح دوران الإقدام فيه مدار إحراز الواقع، و بضميمة عدم الردع عنه (3) في إحراز الأغراض الشرعيّة في غير ما اعتبر فيه خصوص البيّنة يتمّ المطلوب، و لا يعتبر فيه الحصول عن سبب خاصّ كالعلم (4)، بل الظاهر دوران طريقيّة أغلب الأسباب المعوّل عليها عندهم مدار


1- أي: الوسطية في قياس الاستنتاج، حذو سقوط العلم عنها، فهم يرون به الواقع و يتطرّقون به إليه و يرتّبون آثار الواقع بما هو واقع، لا بما هو مطمئنّ به- كما هو الحال في العلم-، و هذا بخلاف استنادهم إلى الظن أو الاحتمال لجلب نفع أو دفع ضرر، حيث إنهم يرتّبون فيهما آثار الشي ء بما هو مظنون أو محتمل.
2- أي بالاطمئنان.
3- أي: من قبل الشارع، فإنّ سكوته عمّا استقرّ عليه بناء العقلاء، و عدم ردعه عنه- الكاشف عن إمضائه- دليل على اعتباره عنده في الشرعيّات.
4- أي: من قبل الشارع، فإنّ سكوته عمّا استقرّ عليه بناء العقلاء، و عدم ردعه عنه- الكاشف عن إمضائه- دليل على اعتباره عنده في الشرعيّات.

ص: 494

حصوله (1)، نعم يعتبر فيه عدم الاستناد إلى ما يعدّ الركون إليه عندهم من السفه (2)- كالنوم و نحوه-، و تمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

و إلى هذا يرجع ما أفاده في الجواهر من إلحاق الاطمئنان مطلقا بالعلم، و هو الوجه فيما أفتى به سيّدنا الأستاذ الأكبر قدّس سرّه من كفايته في إحراز حال الماهوت و نحوه قبل بنائه على الجواز في أصل المسألة (3)، و قد سبقه إلى ذلك شيخنا أستاذ الأساتيذ- أنار اللّه تعالى برهانه- فيما صرّح به من كفايته في إحراز وصول الماء إلى البشرة في الغسل و الوضوء عند الشكّ في الحاجب ذاتا أو وصفا (4) و نحو ذلك- بناء على إرادته من غلبة الظنّ ذلك-، و ليس شي ء من ذلك مبنيّا على إجراء مقدّمات الانسداد في خصوص المورد (5)، و استنتاج حجيّة الظنّ الاطمئنانيّ منها كي يورد عليه بعدم تماميّتها- كما لا يخفى.


1- أي: حصول الاطمئنان كخبر الثقة، و قول أهل الخبرة و نحوهما.
2- لعدم استقرار طريقتهم على الاستناد إليه.
3- فهو قدّس سرّه حين بنائه على المنع كان يكتفي بالاطمئنان في إحراز كون الماهوت و نحوه متّخذا من مأكول اللحم.
4- أي: وجود الحاجب، أو حاجبية الموجود.
5- أي: ليس اكتفاء هؤلاء الأعلام قدّس سرّه بالاطمئنان في هذه الموارد خاصّا بها، و مستندا إلى إجراء مقدمات الانسداد فيها، بل بملاك حجية الاطمئنان في نفسه.

ص: 495

[الأمر الثاني في عدم اختصاص البحث بالصلاة في مشكوك المأكولية]

الثاني: إنّه قد تبيّن ممّا حررنا عدم اختصاص هذا البحث بما إذا كان الاشتباه فيما يصلّى فيه من جهة الشكّ في اتّخاذه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، و اطّراده في جميع ما يتردّد هو بين ما يجوز الصلاة فيه و ما لا يجوز (1)، إلّا أنّ خصوص التذكية حيث لا يخلو الشكّ فيها إمّا عن أمارة معتبرة توجب البناء عليها- كما إذا أخذ من يد المسلم، أو سوق الإسلام مثلا-، و إلّا (2) فمقتضى الأصل الموضوعيّ هو البناء على عدمها، فقضيّة السببيّة و المسبّبية- حينئذ- إنّما هو ارتفاع موضوع هذا البحث فيه على كلّ تقدير (3)، و خروجه بذلك عن عموم هذا النزاع.

و هذا بخلاف ما إذا شكّ في كونه من الحرير- مثلا- أو الذهب، فإنّه بعد البناء فيهما- كأجزاء غير المأكول و الميتة- على المانعيّة أيضا مضافا إلى حرمة اللبس حال الصلاة و غيرها (4) بعنوان واحد- كما هو ظاهر أدلّة الباب، و كلمات الأصحاب-، دون


1- كالحرير و الذهب.
2- أي: و إمّا لا أمارة على التذكية، و مقتضى الاستصحاب حينئذ عدمها، إذن فلا يخلو موارد الشك فيها عن وجود أمارة يحرز بها التذكية، أو أصل يحرز به عدمها.
3- فإنّ الشك في جواز الصلاة فيه و عدمه مسبّب عن الشك في تذكيته، فإذا أحرز تذكيته بالأمارة، أو عدمها بأصالة عدم التذكية فلا يبقى شكّ في ناحية المسبّب، فلا موضوع للبحث عن جريان أصالة عدم المانع، و لا تصل النوبة إلى هذا النزاع أصلا.
4- أي: و غير الصلاة بعنوان واحد هو عنوان اللبس.

ص: 496

الحرمة النفسيّة المحضة (1) كي يندرج في باب النهي عن العبادة- كما جنح إليه بعضهم-، فليس في البين ما يوجب البناء على أحد الطرفين أصلا (2)- حسبما تقدّم البحث عنه في أصل المسألة-، و لا المانعيّة فيهما مترتّبة على حرمة اللبس كي يتسبّب أحد الشكّين عن الآخر (3)، و يقع البحث في كفاية أصالة الحلّ لإلغاء الشكّ السببيّ، و استتباعه بذلك لإلغاء الشكّ المسبّبي أيضا و عدمها- حسبما مرّ بيان الضابط فيه (4)-، و إنّما هي مترتّبة في لسان الأدلّة على نفس عنواني الحرير و الذهب، بلا دخل لوصف حرمة اللبس فيه، و مجرّد التلازم بين الحكمين على تقدير ثبوته لا يوجب ترتيب أحدهما بالأصل القاضي بالبناء على الآخر (5)- كما قد عرفت-، و من هنا فرّق الأصحاب بين الشكّ في التذكية و غيرها، فأفردوه


1- بأن يكون النهي عن الصلاة في الذهب أو الحرير تحريميّا نفسيّا- كالنهي عن صلاة الحائض-، لا إرشادا إلى المانعيّة، و عليه فيندرج في باب النهي عن العبادة المقتضي للفساد.
2- من أصل موضوعيّ يحرز به وقوع الصلاة في الحرير أو الذهب، أو عدم وقوعها فيه، فإنّه لم يكن هناك زمان كانت الصلاة و لم تكن واقعة في الذهب أو الحرير لتستصحب.
3- إذ عليه يكون الشك في المانعية مسبّبا عن الشك في حرمة اللبس.
4- مرّ بيانه في أوائل المقام الثاني المعقود للبحث عن اندراج الشبهة المبحوث عنها في مجاري أصالة الحلّ.
5- و هو أصالة الحلّ القاضية بحلّ اللبس، فإنّها لا تجدي في ترتيب ما يلازمها من عدم المانعية إلّا بناء على حجيّة الأصل المثبت.

ص: 497

بالبحث (1)، و فصّلوا فيه بين الصورتين، ثمّ أطلقوا القول بعدم الجواز إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه، و لم يفرّقوا فيه بين المشتبه بغير المأكول و غيره (2).

إلّا أنّ في المدارك- بعد أن بنى على ما هو المختار من الجواز- جعله في المشتبه بالحرير و الذهب أولى (3)، و لعلّه للبناء على أنّ مانعيّتهما في طول الحرمة الذاتيّة، دون القيديّة في عرضها (4)، و توهّم (5) أولويّة جريان الأصل فيما إذا كانت القيديّة من جهة النهي


1- أي: الشك في التذكية، و الصورتان هما وجود أمارة معتبرة على التذكية و عدمها.
2- أي: بالنسبة إلى غير مشتبه التذكية أطلقوا الحكم بعدم الجواز، من دون فرق بين المشتبه بغير المأكول و المشتبه بالحرير و الذهب. قال المحقق قدّس سرّه في الشرائع: (إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه و صلّى أعاد).
3- أي جعل الجواز فيهما أولى من الجواز في غير المأكول. قال قدّس سرّه (4: 214) تعليقا على قول المحقّق قدّس سرّه الآنف الذكر، و بعد نقله استدلال العلّامة قدّس سرّه في المنتهى على ذلك: بأنّ الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط، قال: (و يمكن المناقشة فيه بالمنع من ذلك، لاحتمال أن يكون الشرط ستر العورة بما يعلم تعلّق النهي به، و لو كان الملبوس غير ساتر- كالخاتم و نحوه- فأولى بالجواز) انتهى، هذا. و في استفادة ما نسبه إليه المحقق الماتن قدّس سرّه من العبارة تأمّل، فلاحظ.
4- أي: في عرض الحرمة الذي عرفت أنّه المختار، و القيدية هي المانعية نفسها، و تغيير التعبير تفنن.
5- عطف على البناء، و المراد بالأصل أصالة الحلّ.

ص: 498

النسفيّ من (1) محلّ البحث و أشباهه. و قد عرفت ما في الجزء الأوّل (2) من المنع، و سنوضح ما في الجزء الثاني (3) أيضا في محلّه.

بقي الكلام في أنّ الطهارة الخبثيّة حيث لا يخلو الشكّ فيها- مع سبق إحدى الحالتين و عدمه- عن الأصل الموضوعيّ أو الحكميّ (4) المحرز لحال ما اعتبرت هي فيه، فلا تصل النوبة- حينئذ- إلى الرجوع إلى ما يقتضيه الاشتغال أو البراءة (5) كي يبحث عن شمول هذا البحث (6) و عدمه له، أو يبنى ذلك على شرطيّتها أو مانعيّة النجاسة (7).


1- الموجود في الطبعة الأولى (عن) و الصحيح ما أثبتناه.
2- و هو كون المانعية مسببة عن الحرمة و في طولها، و قد عرفت آنفا ظهور أدلة الباب و كلمات الأصحاب في العرضية، و ترتب المانعية على نفس عنواني الذهب و الحرير بلا دخل لوصف حرمة اللبس فيها.
3- و هو دعوى أولوية جريان الأصل في القيديّة المترتبة على الحرمة من القيدية التي ليست كذلك، و سيأتي توضيح ما فيه في التنبيه الرابع.
4- لف و نشر مرتّب، فمع سبق الطهارة أو النجاسة يجري الأصل الموضوعيّ، و مع عدمه يجري الأصل الحكميّ- أصالة الطهارة-، و بهما يحرز حال ما اعتبرت فيه الطهارة من البدن و اللباس.
5- فإنّها أصول حكمية جارية بالنسبة إلى الصلاة، و رتبتها متأخرة عن الأصول المحرزة لحال الموضوع الخارجيّ- طهارة و نجاسة.
6- و هو البحث المعقود له المقام الأوّل المتقدم.
7- فعلى الأوّل لا إشكال في كونه من مجاري قاعدة الاشتغال، و على الثاني يندرج في البحث المذكور.

ص: 499

لكن لو تردّد ما على اللباس- مثلا- من الدم المسفوح بين المعفوّ و غيره، فقضيّة ترتّب العفو- في لسان دليله- على كون الدم أقلّ من الدرهم، أو من الجروح- مثلا- هي عدم الجدوى لاستصحاب حال ما هو عليه في معفويّته، و كون العبرة في ذلك- وجودا و عدما- بإحراز حال نفسه (1)، و لمكان أنّه ليس له حالة سابقة يجدي استصحابها- حسبما تقدّم الكلام في نظائره ممّا يكون المصداق الخارجيّ مردّدا بين النوعين عند حدوثه- و لا مناص عن الجري على ما يقتضيه الاشتغال أو البراءة، ففي اطّراد هذا البحث و عدمه (2) حينئذ وجهان: مبنيّان على رجوع نتيجة العفو إلى


1- يعني: لا أثر يترتب على استصحاب حال اللباس- مثلا- الذي عليه الدم المشكوك عفوه، و هو استصحاب عدم وقوع الدم غير المعفوّ عليه، فإنّه و إن كانت له حالة سابقة لكنّه لا يترتب عليه أثر شرعي، نظرا إلى ترتب العفو- في لسان دليله- على كون الدم نفسه على الصفة الكذائية، لا على كون اللباس- مثلا- واقعا عليه الدم الكذائي، فالعبرة- إذن- بإحراز حال الدم نفسه، و من الواضح- كما تقدّم في نظائره- أنّه ليس له حالة سابقة لتستصحب، إذ ليس هناك زمان كان الدم و لم يكن على الصفة الكذائيّة، بل هو عند حدوثه حدث مردّدا بين النوعين دم الجروح مثلا أو غيره، و حينئذ تصل النوبة إلى الأصول الحكمية من البراءة أو الاشتغال.
2- و هو البحث المتقدم تفصيله من كون أمثال المقام من قبيل الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، أو من الشك في المحصّل الراجع إلى الشك في الخروج عن العهدة.

ص: 500

تخصيص قيديّة الطهارة بما عدا مورد العفو (1)، و كونها من قبيل تخصيص الوجوب في النفسيّات، أو رجوعها إلى تخصيص القيد بكونه هو الطهارة عمّا عدا ما يعفى عنه (2)، و جريانها مجرى تقييد الواجب دون وجوبه.

و أوّل الوجهين هو المتعيّن (3)، فإنّ قيديّة الطهارة في مقابل كلّ من الحدث و النجاسة، و كونها ضدّا وجوديّا لما يقابلها (4) في كلا البابين، لا عدميّا مناقضا له كي يرجع نتيجة قيديّتها إلى مانعيّته (5)،


1- فلا إطلاق لشرطيّة الطهارة، بل تختص شرطيّتها بغير موارد العفو و لا شرطيّة في موارده، كما أنّه لا وجوب في غير مورد تحقق شرط الوجوب، و عليه فمع التردّد بين المعفوّ و غيره يشكّ في القيدية الزائدة، و يندرج المورد بذلك في الكبرى المبحوث عنها.
2- فلا إطلاق للطهارة المشروط بها، بل الشرط هو الطهارة عمّا عدا المعفوّ عنه، أمّا أصل الاشتراط فعلى إطلاقه، فهو كالواجب المقيّد بقيد مع بقاء الوجوب على إطلاقه، و عليه فمع التردّد المزبور يرجع إلى قاعدة الاشتغال، للعلم بأصل الاشتراط و إنما يشك في تحقق امتثاله.
3- و المعيّن له هو ما سيأتي: من ظهور نفس لسان العفو في رفع القيدية أوّلا، و من استلزام الوجه الثاني- ببيان يأتي- كون الطهارة أمرا عدميا عبارة عن عدم النجاسة، و هو خلاف التحقيق.
4- الموجود في الطبعة الاولى (يقابله)، و الصحيح ما أثبتناه.
5- أي: مانعية ما يقابلها من الحدث و النجاسة، لأنّ العدم لا يصلح شرطا فلا محالة يكون نقيضه الوجوديّ مانعا.

ص: 501

و إن كانا (1) من الواضحات المفروغ عنها، و كانت قضيّة ذلك (2) هي رجوع الشكّ فيها- مع إطلاق قيديّتها (3)- إلى الشكّ في الامتثال (4)- حسبما مرّ ضابطه-، لكنّه مضافا إلى ظهور نفس لسان العفو في رفع القيديّة (5)، و كونه معيّنا لأوّل الوجهين، فلا يخفى أنّ تنويع الطهارة باعتبار أنواع النجاسات و تخصيص القيد ببعضها- كما هو مرجع الوجه الثاني (6)- إنّما يستقيم إذا كانت هي عبارة عن


1- مرجع ضمير التثنية هو قيدية الطهارة و كونها ضدا، و المقصود استيضاح أنّ المقابلة بين الطهارة و الحدث و بين الطهارة و النجاسة على نمط واحد، و أنّه كما لا ينبغي الريب في أنّ التقابل الأوّل من قبيل تقابل الضدين فكذلك الثاني، و أنّ الطهارة في الأوّل كما اعتبرت أمرا وجوديا كذلك في الثاني، و لا وجه لدعوى الفرق، فضلا عن دعوى كون التقابل في كلا البابين من تقابل النقيضين.
2- مرجع الإشارة هو كون الطهارة أمرا وجوديا.
3- كما هو الحال بناء على الوجه الثاني.
4- و المرجع فيه قاعدة الاشتغال، للزوم إحراز تحقق القيد الوجوديّ المعلوم تقيّد المطلوب به.
5- فإنّ ظاهر العفو هو إسقاط الشرط- في مورد العفو- عن الشرطيّة، فتختصّ لا محالة بغير مورده، و مقتضاه تعيّن الوجه الأوّل.
6- فإنّ تخصيص الطهارة المشروط بها بكونها هي الطهارة عن غير النجاسة المعفوّ عنها- في الحقيقة- تنويع لها بحسب أنواع النجاسات، و تخصيص لها ببعضها، و هذا إنّما يستقيم بناء على كون الطهارة أمرا عدميا عبارة عن عدم النجاسة، و رجوع قيديّتها إلى مانعية النجاسة،لكنّه خلاف التحقيق و هدم لأساس شرطيّتها، و سيأتي الوجه في عدم استقامة التنويع المذكور بناء على وجودية الطهارة.

ص: 502

عدم النجاسة، فينهدم أساس شرطيّتها- حينئذ- و لا محيص عن المانعيّة، و يندرج الشبهة في محلّ البحث على كلّ تقدير (1).

أمّا على ما هو التحقيق من كونها (2) ضدّا وجوديّا لها- كما هو مبنى القول بالشرطيّة- فلا يكاد يستقيم ذلك أصلا، كيف و ليس (3) أنواع أحد الضدّين أنواعا للآخر كي يرجع الترخيص في بعضها إلى تخصيص الواجب الشرطيّ بما عدا المرخّص فيه و يبقى وجوبه


1- يعني لو بني على مانعية النجاسة اندرج المشتبه المردد بين المعفوّ و غيره في محلّ البحث- من كونه من موارد الأقل و الأكثر أو من الشك في المحصّل- على كلّ تقدير من تقديري رجوع نتيجة العفو إلى تخصيص القيدية أو إلى تخصيص القيد، إذ لا فرق في انسحاب البحث المزبور على هذا المبنى بين كون مانعية النجاسة مختصة بغير موارد العفو و بين كون المانع هو نجاسة غير هذه الموارد- كما يظهر بأدنى تأمّل.
2- أي الطهارة.
3- تعليل لعدم استقامة التنويع المذكور بناء على التضاد، محصّله: أنّ أنواع أحد الضدين- كالنجاسة- ليست أنواعا للآخر بالبداهة، فكيف تقيّد الطهارة ببعض أنواع ضدّها مع بقاء وجوبها الشرطيّ على إطلاقه، إذن فلا محصّل للوجه الثاني، و يتعيّن البناء على الأوّل و لا محذور فيه من هذه الناحية- بناء على المختار من التضاد و الشرطيّة-، لرجوع العفو و الترخيص حينئذ إلى تخصيص شرطيّة الطهارة- لا نفسها- بما عدا مورد الرخصة، و هذا هو المتعيّن و لو مع عدم ظهور دليل العفو في ذلك- فضلا عمّا عرفت من ظهوره فيه.

ص: 503

على إطلاقه، و إنّما قضيّة المضادّة- بعد الترخيص المذكور- هي تخصيص القيديّة بما عدا مورد الرخصة و لو مع عدم ظهور دليله في ذلك فضلا عن ظهوره فيه. كما أنّ مرجع ما ذكروه من كون الطهارة الخبثيّة من الشروط العلميّة- أيضا- إلى ذلك (1)، و حاصله اشتراط قيديّتها بأمرين: أحدهما العلم بالنجاسة، و الثاني عدم كون النجس ممّا عفي عنه، و لا سبيل إلى دعوى كون القيد هو الطهارة الخاصّة في شي ء من المقامين- بناء على المضادّة دون المناقضة.

و إذ كانت نتيجة العفو تخصيصا للقيديّة دون القيد فيرجع الشكّ فيه إلى الشكّ فيها (2)- كما لا يخفى. و مع الغضّ عن ذلك و فرض تردّد العفو بين الأمرين، فينطبق (3) النتيجة من الجهة التي


1- أي: إلى تخصيص قيدية الطهارة بالنجاسة المعلومة، أو بما عدا النجاسة المجهولة، و لا سبيل إلى تخصيص الطهارة نفسها بذلك، لما قد عرفت.
2- أي: يرجع الشك المصداقيّ في العفو إلى الشك في القيدية، و مرجعه إلى الشك في مقدار متعلق التكليف، و دورانه من جهة الشبهة الخارجية بين المطلق- و هو الأقل- أو المقيد بالطهارة- و هو الأكثر-، فيندرج في الكبرى المبحوث عنها.
3- يعني: أنّه مع الغضّ عمّا ذكرنا من تعيّن الوجه الأوّل، و فرض تردد أمر العفو بين الأمرين، فتتّحد نتيجة هذا التردد في مورد الكلام مع نتيجة الوجه الأوّل، لأنّه إذا كان تخصيص القيدية في موارد العفو المعلوم محتملا ففي موارد الشك في العفو محتمل أيضا- لا محالة-، و مقتضى هذا الاحتمال هو الشك في أصل القيدية الراجع إلى الشك في متعلق التكليف و دورانه بين الأقلّ و الأكثر الارتباطيين.

ص: 504

نحن فيها على تخصيص القيديّة كما هو الشأن في جميع ما يتردّد فيه الوجوب أو القيدية بين الإطلاق و المشروطيّة (1)، لرجوع الشكّ فيما يشكّ كونه شرطا للتكليف- بأحد الوجهين (2)- إلى الشكّ في ذلك التكليف- كما لا يخفى.

و حينئذ فيجري زيادة الدم على مقدار الدرهم، و عدم كونه من الجروح- مثلا-، أو كونه من الدماء الثلاثة و نحوها- بالنسبة إلى قيديّة الطهارة في مقابل الأثر الحاصل منه (3)، لا مطلقا- مجرى شرط الوجوب، و يرجع الأمر عند الشكّ في المصداق الخارجيّ إلى تردّد متعلّق التكليف- من جهة الشبهة الخارجيّة- بين الأقلّ و الأكثر، و يندرج في الكبرى المبحوث عنها- كما مرّ في نظائره.

[الأمر الثالث في حكم الشك في القيد العدمي غير المتوقف على موضوع خارجي]

الثالث: إنّه لو كان العنوان- المأخوذ عدمه قيدا في المطلوب- من الاختياريّات الغير المتوقّف صدورها على تحقّق


1- فإنّه إذا تردّد أمر الوجوب بين كونه مطلقا أو مشروطا بشي ء فكما أنّه مع عدم تحقق ذلك الشي ء قطعا يشك في الوجوب، فكذلك مع الشك في تحققه، لأنّ الشك في تحقّقه شكّ في تحقّق ما يشكّ كونه شرطا للوجوب، و مرجعه إلى الشك في الوجوب نفسه، هذا. و شأن الشك في القيدية شأنه في الوجوب نفسه، لرجوعه إليه- كما مرّ.
2- من التكليف الاستقلاليّ أو القيديّ.
3- أي: من الدم، و الأثر الحاصل منه هو النجاسة الدميّة في قبال مطلق النجاسة، و المقصود أنّه إذا كانت النجاسة حاصلة من خصوص الدم فزيادته على الدرهم و نحوها شرط لقيدية الطهارة، و لا قيديّة لها مع انتفائها، فهي تجري من القيدية مجرى شرط الوجوب.

ص: 505

موضوع خارجيّ (1) و فرض تطرّق الشبهة المصداقيّة فيه بعد تبيّن مفهومه، كما لو شكّ في كون التكلّم ردّا للتحيّة (2)- مثلا-، أو الانحراف عن القبلة بإلغاء نقطة اليمين أو اليسار (3)- بناء على عدم قاطعيّة (4) ما دونه-، و نحو ذلك، ففي لحوق الشبهة المصداقيّة المذكورة بما هو المبحوث عنه في أصل المسألة، أو عدم لحوقها


1- و إن كان له تعلّق بموضوع فعليّ متحقّق في الخارج كما في استقبال القبلة- و هو القسم الثاني من الأقسام الأربعة المتقدمة في أوائل المقام الأوّل-، و لأجل تعلّقه به و إمكان الشك في الموضوع المتعلّق به يفرض تطرّق الشبهة المصداقية فيه حال صدوره بعد تبيّن مفهومه- كما في مثالي المتن ببيان يأتي-، إذ لو لم يكن له تعلّق بموضوع خارجيّ أصلا- كما في القسم الأوّل منها- امتنعت الشبهة المصداقية فيه حال صدوره الإراديّ بعد تبيّن مفهومه- كما تقدّم هناك-، هذا. و أمّا ما يتوقف صدوره على تحقق موضوع خارجيّ فهما القسمان الثالث و الرابع، و قد تقدّم اختصاص الثالث بالتكاليف و القيود الوجوديّة و عدم تصوّره في العدمية التي نحن بصددها، و أنّ الرابع هو الذي تتطرّق فيه الشبهة المصداقية المبحوث عنها في أصل المسألة.
2- فإنّ التكلّم بغير ردّ التحيّة أخذ عدمه قيدا في الصلاة، و بما أنّ ردّ التحيّة موضوعه التحيّة المتحققة خارجا، فالشك في تحققها يستلزم الشك في كون التكلم ردّا للتحيّة فلا مانعية له، و عدمه فيكون مصداقا للمانع.
3- فإنّ موضوعه القبلة، و الشك في جهتها يستلزم الشك- مصداقا- في مقابلتها لنقطة اليمين أو اليسار الممنوع عنها في الصلاة.
4- الموجود في الطبعة الاولى (قاطعيته)، و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 506

به و جريانها مجرى الشكّ في القيود الوجوديّة وجهان: مبنيّان على كون التكليف المتوجّه من هذه الجهة متعلّقا بما هو مفروض الانطباق على العنوان المذكور (1)، كي يتمّ الانحلال و الترتّب (2) المبتني عليهما رجوع الشبهة المبحوث عنها إلى مرحلة التكليف في المقام أيضا، أو كونه متعلّقا بعدم هذا العنوان (3) بما هو عنوان اختياريّ يتمكّن منه المكلّف بلا ترتّب له على الانطباق المذكور، كي يرجع الشبهة حينئذ إلى مرحلة الخروج عن العهدة- كما في القيود الوجوديّة.

و غير خفيّ أنّ ما أوجب البناء على الانحلال و الترتّب- المتقدّم تنقيحهما في أصل المسألة- هو بعينه يوجب البناء عليهما في المقام أيضا.

فإنّ اختياريّة متعلّق التكليف (4) إنّما يوجب تنجّز التكاليف


1- بأن يكون التكليف العدميّ القيديّ متعلقا بما ينطبق عليه عنوان التكلّم- مثلا- أو الانحراف عن القبلة، فينحلّ لا محالة- بالنسبة إلى آحاد ما ينطبق عليه- إلى تكاليف متعدّدة، و يترتب كلّ منها على كلّ من الانطباقات، فإذا شك في الانطباق في مورد شك في ترتب التكليف عليه، و هو شك في مرحلة التكليف.
2- مرّ تنقيحهما في المقام الأوّل لدى تحقيق حال القسم الرابع من الأقسام الأربعة المشار إليها آنفا.
3- بأن يكون التكليف متعلقا بنفس العنوان العدميّ من دون نظر إلى انطباقاته، فإذا شكّ في الانطباق كان من الشك في مرحلة الامتثال.
4- بيان للفارق بين التكاليف الوجودية من القسم المبحوث عنه في المقام أعني المتعلقة بالعناوين الاختيارية غير المتوقف صدورها على تحقق موضوع خارجيّ- و بين العدمية منها، و حاصل الفرق: أنّ الوجوديّة منها تتنجز بنفس العلم بها، لأنّها إيجاب لما ينطبق عليه عنوان المتعلّق واقعا و يحمل عليه، فهو المطالب به فيها، و مقتضاه لزوم إحراز الانطباق، و عدم الاكتفاء بالشك فيه في الخروج عن العهدة، و ليست كذلك العدمية، لاستنادها إلى مفسدة مطردة في انطباقات العنوان المطلوب عدمه، و مقتضاه الانحلال و ترتب آحاد الأحكام الخاصة على آحاد تلك الانطباقات، فإذا شكّ في الانطباق على مورد شكّ في توجّه التكليف فيه، لا في الخروج عن العهدة.

ص: 507

الوجوديّة- استقلاليّة كانت أم قيديّة- بنفس العلم بها، لمكان رجوعها إلى إيجاب ما ينطبق و يحمل عليه عناوين متعلّقاتها، و إطلاقها (1) بالنسبة إلى نفس الانطباق المذكور، لأنّه هو الذي يطالب به من المكلّف، فيرجع الشكّ فيه إلى مرحلة الخروج عن العهدة- لا محالة-، دون التكليف.

و ليس كذلك الحال في التكاليف العدميّة، فإنّ قضيّة استنادها إلى مفسدة مطّردة فيما ينطبق على عناوين متعلّقاتها- لا إلى مصلحة في تحقّق العنوان العدميّ (2) من حيث نفسه- هي انحلالها استقلاليّة


1- عطف على (رجوعها)، أي: و إطلاق التكاليف الوجودية بالنسبة إلى الانطباق على عناوين متعلقاتها، و عدم اشتراطها بالانطباق المزبور، ضرورة أنّه داخل تحت الطلب و الطلب وارد عليه، بخلاف العدمية فإنّ الانطباق فيها خارج عن دائرة الطلب، و شرط لشموله، و قد تقدم التحقيق حول ذلك في أوائل المقام الأوّل لدى البحث عن القسم الثاني.
2- ليرجع الشك في مصداقه إلى الشك في المحصّل.

ص: 508

كانت أم قيديّة- بالنسبة إلى آحاد ما ينطبق على تلك العناوين- إلى حكم خاصّ لمتعلّق مخصوص بأحد الوجهين (1)، دون مطلوبيّة نفس السلب الكلّي (2) من حيث نفسه، فضلا عن العنوان العدميّ الملازم له كي يؤول الأمر إلى باب العنوان و المحصّل- حسبما أوضحناه في أصل المسألة (3)-، و قضيّة هذا الانحلال هي ترتّب آحاد الخطابات التفصيليّة التي ينحلّ (4) إليها السلب الكلّي على الانطباق على العنوان المطلوب عدمه، فيكون هو (5)- حينئذ- موجبا لتوجّه التكليف، دون الخروج عن العهدة كما في التكاليف الوجوديّة، و لكن لا بمعنى ترتّب الخطاب على تحقّق الانطباق في الخارج، كي يرجع إلى طلب عدم الشي ء على تقدير وجوده، بل بمعنى ترتّبه على شأنيّة الانطباق، و كون هويّة المصداق بحيث لو وجدت في الخارج كانت تلك الهويّة و انطبق عليها (6) ذلك العنوان (7)،


1- من الاستقلالية أو القيدية.
2- بنحو العموم المجموعيّ.
3- مرّ إشباع الكلام في تحقيقه في البحث الصغرويّ من المقام الأوّل.
4- الموجود في الطبعة الاولى (تنحل)، و الصحيح ما أثبتناه.
5- أي الانطباق على العنوان.
6- الموجود في الطبعة الأولى (عليه)، و الصحيح ما أثبتناه.
7- فهويّة المصداق إذا كانت بحيث لو وجدت كانت تلك الهويّة المحرّمة فهي حرام- استقلالا أو قيدا-، و قد مرّ توضيحه سابقا لدى البحث عن القسم الثاني المشار إليه آنفا.

ص: 509

و هذه الشرطيّة (1) هي التي ذكر المنطقيّون أنّ عقد الوضع ينحلّ- عقلا- إليها (2)، و قد تقدّمت الإشارة إلى ذلك (3) في توضيح اشتراط التكاليف بوجود موضوعاتها (4).

و تغاير المقامين (5) من جهة اختلاف عقد الحمل، و كونه محمولا للماهيّة المعرّاة عن الوجود و العدم في مفروض المقام (6)، و بعد فرض الوجود فيما تقدّم (7) و إن كان موجبا لاختلاف نتيجة الشرطيّة


1- و هي كون الهويّة لو وجدت في الخارج لكانت الهويّة الكذائيّة، فقولنا (الانحراف عن القبلة حرام)- مثلا- مرجعه إلى قولنا (كلّ ما لو وجد في الخارج كان انحرافا فهو لو وجد كان حراما).
2- يعني في القضايا الحقيقية.
3- في أوائل المقام الأوّل.
4- و انقسامها من هذه الحيثية إلى أربعة أقسام.
5- و هما: مقامنا هذا المنطبق على القسم الثاني من الأقسام الأربعة، و المقام المتقدم في أصل المسألة و المنطبق على القسم الرابع منها.
6- لأنّ موضوع القضية في مفروض المقام هو متعلق التكليف، و محمولها هو التكليف نفسه و هو إنما يتعلّق بالماهية المعرّاة عن الوجود و العدم، إذ يطلب به إيجادها أو الاستمرار على عدمها، و لا يعقل تعلّقه بالموجودة منها أو المعدومة، فقولنا (الانحراف عن القبلة حرام) إنّما هو بمنزلة قولنا (كلّ ما لو وجد في الخارج كان انحرافا فهو في نفسه- مع قطع النظر عن وجوده و عدمه- حرام)، لامتناع تعلق الحرمة بالموجود.
7- لأنّ موضوع القضية في المقام المتقدم هو موضوع الحكم- كالخمر-، و قد تقرّر أن فعلية الحكم تدور مدار فعلية موضوعه، فقولنا (الخمر يحرم شربه) بمنزلة قولنا (كلّ ما لو وجد في الخارج كان خمرا فهو لو وجد بالفعل حرم شربه).

ص: 510

المذكورة من جهة الشأنيّة و الفعليّة (1)، إلّا أنّ ترتّب الجزاء المنحلّ (2) إليها عقد الحمل على الشرطيّة المذكورة، و رجوع الشكّ فيها (3) إلى الشكّ في الحكم الذي يتضمّنه تلك الجزائيّة ممّا لا مناص عنه على كلّ تقدير (4)، فكما أنّه لو كان العنوان المذكور حراما نفسيّا، و شكّ في انطباقه على مصداق خارجيّ- كما في مفروض المقام-، فلا مجال لأن يدّعى خروج الشبهة المذكورة بسبب العلم بتلك الكبرى عن مجاري أصالتي البراءة و الحلّ، و ليس السرّ فيه إلّا ما عرفت (5)، فكذلك الحال إذا كانت مطلوبيّة عدم العنوان من جهة القيديّة


1- لأنّ مرجع الأوّل إلى قولنا (كلّ ما كان للانحراف شأنيّة الوجود فيه فهو حرام)، و مرجع الثاني إلى قولنا (كلّ ما كان وجودا فعليا للخمر حرم شربه).
2- إشارة إلى الانحلال و الترتب المتقدم تنقيحهما في المقام الأوّل، و المراد بالجزاء الخطابات التفصيلية المنحلّ إليها عقد الحمل و المترتبة على عقد الوضع، و باعتبارها أنث الضمير الراجع إليه، و إنما عبّر قدّس سرّه به مقابلة بينه و بين الشرطية، و إيعازا إلى أنّ الترتب المزبور إنما هو بملاك ترتب الجزاء على الشرط.
3- أي: في الشرطية المذكورة.
4- محصّله: أنّ المقامين و إن اختلفا فيما ذكر، إلّا أنّهما مشتركان في الترتب و الانحلال المقتضيين لكون الشك في الشرطية شكا في التكليف و الحرمة، و مجرى لأصالتي البراءة و الحلّ، كما إذا شك في أنّ للانحراف شأنيّة الوجود في المورد أو لا، أو أن للخمر وجودا فعليّا أو لا.
5- من الشرطيّة و الانحلال.

ص: 511

أيضا- حذو النعل بالنعل-، و التفكيك بينهما (1) في ذلك إن كان من جهة الارتباطيّة فقد تقدّم (2) أنّه خروج عن الفرض، و رجوع إلى المنع عن جريان البراءة في الارتباطيّات مطلقا، و إن كان بدعوى عدم جريان الانحلال و الترتّب المذكورين في باب القيود العدميّة، و اختصاصهما بالنفسيّات فقد عرفت (3) أنّه لا محصّل لها، فتدبّر حقّه.

[الأمر الرابع في حكم الشبهة المصداقية للمانعية الناشئة عن المبغوضية]

الرابع: إنه لو كان مانعيّة الخصوصيّة الوجوديّة ناشئة عن مبغوضيّتها الموجبة لمبغوضيّة ما يتخصّص بها من العبادة (4)، و خروجها بهذا الاعتبار عن صلاحيّة الاتّصاف بالمحبوبيّة و المقربيّة- كما هو الحال في باب النهي في العبادة (5)-، و شكّ في انطباق المصداق الخارجيّ على المنهيّ عنه من جهة الشكّ في الخصوصيّة المذكورة (6)،- كما لو قلنا بأنّ مانعيّة الحرير أو الذهب مثلا من هذا القبيل (7)- فلا خفاء في استتباع هذا الشكّ للشكّ في


1- أي: بين الحرام النفسيّ و القيديّ.
2- تقدّم ذلك في المقدمة الاولى من المقام الأوّل.
3- عرفت ذلك في البحث الصغرويّ من المقام الأوّل.
4- و لأجل هذه المبغوضية يتعلق النهي النفسيّ بالعبادة المذكورة، و يدلّ على مانعية تلك الخصوصية و فساد العبادة معها.
5- فإنّ ملاك الاندراج في هذا الباب هو مبغوضية العبادة المتخصّصة بخصوصية وجودية، و تعلق النهي النفسيّ بها كما في صلاة الحائض و صوم العيدين و نحوهما.
6- كما إذا صلّى في ثوب مشكوك الحريرية أو الذهبية.
7- بأن قلنا بأنّ ما ورد من النهي عن الصلاة فيهما نهي تحريميّ نفسيّ و منه يستفاد المانعيّة و الفساد، خلافا لما هو المختار- و قد تقدم في التنبيه الثاني- من كونه نهيا غيريا و إرشادا إلى المانعيّة، مضافا إلى النهي النفسيّ المتعلق بلبسه مطلقا حال الصلاة و غيرها.

ص: 512

كلّ من حرمة المشكوك انطباقه على متعلّق النهي و فساده- بناء على ما هو المحقّق في محلّه (1) من تلازم الأمرين (2)-، و لا في جريان أصالة الحلّ من الجهة الاولى (3) من حيث نفسها- كما لا يخفى-، لكنّه لا يجدي في خروج الشبهة من الجهة الثانية عن عموم هذا النزاع (4) إلّا مع ترتّب فساد العبادة المحرّمة على حرمتها بالمعنى المقابل للحلّية المجعولة بهذا الأصل (5)، و إلّا فإمّا أن لا سببيّة و مسببيّة في البين، و إمّا أن لا جدوى لها (6)- حسبما تقدّم


1- من مبحث دلالة النهي عن العبادة على فسادها.
2- الحرمة و الفساد.
3- و هي جهة الحرمة، فإنّ الشك في الحرمة مجرى لأصالة الحلّ.
4- يعني أنّ جريان أصالة الحلّ من حيث الحرمة لا يجدي في خروج الشبهة المزبورة من حيث الفساد و المانعية عن عموم النزاع المتقدم في المقام الثاني- من جريان أصالة الحلّ في موارد الشك في المانعية و عدمه-، و لا يوجب ارتفاع الشك من هذه الحيثية و الحكم بالصحة.
5- و هي الحرمة الفعلية الظاهرية، فإنّ قضيّة السببيّة و المسببيّة هي الحكم بانتفاء فساد العبادة لانتفاء سببه- الحرمة الفعلية- بمقتضى أصالة الحلّ فيحكم بصحتها، و بذلك تخرج الشبهة عن عموم النزاع المزبور.
6- فإنّه إن لم يترتب الفساد على الحرمة بالمعنى المذكور، بأن لم يترتب على الحرمة أصلا بل كانا في عرض واحد، أو ترتّب لكن على الحرمة الذاتية المجعولة للشي ء في حدّ ذاته لم يكن الأصل المذكور مجديا في رفع الشبهة من حيث المانعية، إذ على الأوّل لا سببية في البين، و على الثاني لا جدوى لمثل هذه السببية، لوضوح أنّ أصالة الحلّ لا تنفي الحرمة الذاتية لينتفي معها الفساد.

ص: 513

تحريره (1).

و التحقيق في ذلك بعد وضوح أنّ مقتضى النهي عن بعض أنواع الواجب (2) هو تقيّد المطلوب بما عد المحرّم (3)- كما فيما تقدّم (4)-، و إن كان بينهما فرق في ذلك باعتبار استناده في أحدهما إلى قصور المقتضي في حدّ نفسه، و في الآخر إلى غلبة الجهة المزاحمة (5)


1- في المقام الثاني لدى تحقيق الحال عن أنّ مانعية الوقوع في غير المأكول مجعولة في عرض حرمة الأكل، و ليست مترتبة عليها، و أنّه مع التسليم فهي مترتبة على الحرمة الذاتية غير المرتفعة بأصالة الحلّية.
2- في موارد النهي عن العبادة التي منها المقام- بناء على حرمة الصلاة في الذهب و الحرير نفسيّا.
3- فإنّه مقتضى الجمع بين إطلاق دليل الواجب و بين الدليل الناهي.
4- المراد به ما تقدّم في أصل المسألة أعني موارد النهي الغيريّ المستتبع للمانعية و الدالّ على دخل عدم الخصوصية- كالوقوع في غير المأكول- في المطلوب، و المقصود إفادة أنّ المقامين مشتركان في تقيد المطلوب بما عدا الحصة المنهيّ عنها.
5- فإنّ الحصة المنهيّ عنها في موارد النهي الغيريّ غير واجدة لتمام ملاك الوجوب في نفسها، أمّا في موارد النهي النفسيّ فملاك وجوبها مزاحم بملاك أقوى هي مفسدة وقوع العبادة في الحرير أو الذهب- مثلا.

ص: 514

- كما قد عرفت (1)- هو أنّ القيديّة المستندة إلى النهي النفسيّ لكونها ناشئة عن مضادّة الحكمين و استحالة تواردهما على متعلّق واحد (2)، فيبتني ترتّبها على حرمة العبادة المنهيّ (3) عنها، أو كونهما في عرض واحد بلا ترتّب في البين على الخلاف المعروف في استناد انتفاء أحد الضدّين إلى وجود الآخر، أو كونهما في عرض واحد بلا استناد و لا ترتّب لأحدهما على الآخر (4)، فعلى الأوّل يستقيم في المقام دعوى الترتّب بين الأمرين، و السببيّة و المسببيّة بين الشكّين (5)، بخلافه على الثاني- كما لا يخفى.


1- لعلّه إشارة إلى ما أفاده قدّس سرّه في مستهلّ هذا التنبيه- الرابع- من أنّ الخصوصيّة المانعة المفروضة فيه مبغوضة في نفسها، و موجبة لمبغوضية ما يتخصّص بها من العبادة و خروجها عن صلاحية الاتصاف بالمحبوبية و المقربية.
2- و هو الحصة المنهيّ عنها، فإن ورد عليها الوجوب فقط لزم منه إهمال دليل الحرمة بالمرّة، و لا يلزم هذا المحذور إذا وردت عليها الحرمة خاصة، فيتعيّن، و مقتضى ذلك هو القيدية و خروجها عن إطلاق دليل الوجوب.
3- الموجود في الطبعة الاولى (المنهيّة)، و الصحيح ما أثبتناه.
4- ففي المقام هل يكون انتفاء الوجوب عن الحصة المحرّمة- كما هو مقتضى القيدية- مستندا إلى وجود ضدّه- الحرمة- و مترتبا عليه، أو أنّه غير مستند إليه بل هو في عرضه.
5- فيكون الشك في القيديّة مسبّبا عن الشك في الحرمة، و الأصل الجاري في الشك السببيّ رافعا للشك المسببيّ.

ص: 515

و حيث إنّ من الواضح- كما حقّق و برهن عليه في محلّه (1)- هو انتفاء الترتّب و العلية بين الأمرين، و كونهما في عرض واحد يستند أحدهما إلى وجود علّته و الآخر إلى انتفائها حتّى مع اشتمال كلّ منهما على المقتضي في حدّ نفسه (2)- كما في مفروض المقام (3)-، فإنّ غاية ما يقتضيه (4) امتناع تأثير كلّ منهما في ملاكيّة الحكم على حسب ما يقتضيه- لمكان المضادّة- إنّما هي خروج الأضعف منهما عن صلاحيّته لذلك بأقوائيّة الآخر، لا بوجود ما


1- من مبحث اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده، و قد تقدّم بعض الكلام هنا في الأمر الثالث.
2- فضلا عمّا إذا لم يشتمل الضد المنتفي على المقتضي، فيستند انتفاؤه حينئذ إلى عدم مقتضيه، كما يستند وجود الآخر إلى وجود علّته التامّة، أما إذا اشتمل كلّ منهما على المقتضي في حدّ نفسه فهو ما سيتعرّض قدّس سرّه لحكمه.
3- لاشتمال كلّ من الحرمة و الوجوب بالنسبة إلى الحصّة المحرّمة على الملاك المقتضي له في حدّ نفسه و إن امتنع تأثيرهما جميعا.
4- محصّله: أنّه لمّا كان تأثير كلّ من المقتضيين- في مفروض المقام و نحوه- في ملاكيّته للحكم- كلّ فيما يقتضيه- ممتنعا، لمكان المضادّة بين مقتضييهما، فلا محالة يختصّ التأثير بالأقوى منهما، و يسقط الأضعف عن صلاحيّة التأثير بأقوائيّة الآخر، لا بوجود مقتضاه- أي الآخر- نفسه، إذن فالمانع عن تأثير الأضعف في مقتضاه هو وجود الأقوى، فإليه يستند عدم ما يقتضيه الأضعف لا إلى وجود ما يقتضيه الأقوى- كما حرّر في محلّه.

ص: 516

يقتضيه (1)- حسبما حرّر في محلّه-، فجهة المبغوضيّة التي هي ملاك النهي و المنافية للمقربيّة المعتبرة في العبادة، بل للجهة التامّة و المحبوبيّة التي لا بدّ منها في متعلّق الأمر مطلقا هي الموجبة للتقييد المذكور في عرض النهي (2)، دون نفس النهي، و ليس اقتضاؤه للفساد حينئذ إلّا من صرف التلازم و الكاشفيّة، دون الترتّب و الموضوعيّة (3)، و حيث لا ترتّب بين الأمرين فلا سببيّة و لا مسببيّة أيضا بين الشكّين، و إنّما يتسبّبان معا عن الشكّ في الخصوصيّة المبغوضة الموجبة للحرمة و الفساد في عرض واحد، و لا جدوى للأصل الحكميّ الجاري في أحدهما- و لو مع تكفّله لتنزيل المتعلّق (4)، و إلغاء الشكّ فيه- في ترتيب الآخر أيضا إلّا على القول


1- مرجع ضمير الفاعل هو المقتضي الأقوى، و ضمير المفعول هو الرابط الراجع إلى الموصول.
2- فأقوائيّتها و غلبتها على ملاك المحبوبية كما تؤثر في النهي عن الحصة الخاصة، كذلك توجب سقوط هذا الملاك عن التأثير في وجوبها و تقييد المطلوب بغيرها، و ليس الموجب له هو النهي نفسه.
3- يعني أنّ اقتضاء النهي للفساد ليس بمعنى موضوعيّته و سببيّته له، و تأثيره فيه، بل بمعنى التلازم بينهما، و كاشفية النهي عن الفساد، لكشفه عن الملاك الأقوى و الخصوصية المبغوضة الموجبة للحرمة و الفساد في عرض واحد.
4- بأن كان من الأصول التنزيلية- كالاستصحاب-، إذ لا نقول بحجيّة الأصول المثبتة و لو كانت تنزيلية.

ص: 517

بحجيّة الأصل المثبت، فضلا عمّا إذا لم يتكفّل لذلك و كان حكما على المشكوك بما هو مشكوك الحكم- كما هو مفاد أصالة الحلّ حسبما استوفينا الكلام فيه (1).

بل اللازم- على هذا المبنى- هو عدم الجدوى لارتفاع الحرمة خطابا مع تماميّة ملاكها- كما عند النسيان و نحوه- في ارتفاع المانع عن إطلاق متعلّق الأمر (2)، فضلا عن أن يكون المعذوريّة المستندة إلى الجهل بها مجدية (3)- كما لا يخفى.

ثمّ لو سلّم أنّ قضيّة التضاد إنّما هي استناد انتفاء أحد الضدّين إلى وجود الآخر- لا إلى انتفاء علّته التي قد عرفت أنّها في المقام عبارة عن الملاك التامّ (4)- كما زعمه غير واحد (5)، و بنوا عليه مقدّميّة ترك أحد الضدّين لفعل الآخر (6)، فغاية ما يلزم من ذلك


1- في أوائل المقام الثاني المتقدم.
2- فيبني على بقاء القيدية لبقاء موجبها و تماميّته، و مقتضاه الفساد، و هذا من اللوازم المهمّة المترتبة على هذا المبنى.
3- فإنّه مع الجهل لم يرتفع حتى الخطاب فكيف ترتفع معه القيدية، و من الواضح أنّ الجهل لا يؤثر إلّا في المعذوريّة عند المخالفة.
4- عرفت آنفا أنّ علّة الضدّ المنتفي- و هو في المقام الوجوب- هو الملاك التامّ و المحبوبيّة التي لا بدّ منها في متعلق الأمر، لكنّ أقوائية مقتضي الضد الآخر- الحرمة- أسقطته عن التمامية و منعته عن التأثير في مقتضاه.
5- ضمير المفعول يرجع إلى استناد انتفاء أحد الضدين إلى وجود الآخر.
6- نظرا إلى أنّ استناد عدم أحد الضدين إلى وجود الآخر ناش من مانعية وجود الضد عن وجود ضده، و بما أنّ عدم المانع ممّا يتوقّف عليه وجود الشي ء فعدم أحد الضدين مقدمة لوجود الآخر.

ص: 518

- بعد وضوح أنّ المضادّة بين الأحكام إنّما هي في مرحلة صدورها النفس الأمريّ و لا دخل لوصف التنجّز فيها- إنّما هو ترتّب القيديّة في المقام على حرمة العبادة بوجودها النفس الأمريّ من حيث عدم صلاحيّة المحرّم- بما هو كذلك (1)- للاندراج في إطلاق متعلّق الأمر، و لازم هذا الوجه و إن كان هو الصحّة الواقعيّة (2) عند ارتفاعها (3) خطابا و لو مع بقاء ملاكها- كما عند النسيان و نحوه-، أو الظاهريّة كما إذا شكّ فيها (4) و كان في البين أصل يقتضي البناء على ذلك (5)- كما هو لسان الاستصحابات الحكميّة مثلا-، لكن حيث قد عرفت قصور أصالة الحلّ عن ذلك (6) و كونها حكما على المشكوك بما هو مشكوك الحكم، فلا جدوى لها (7)- على هذا


1- أي محرّم في نفس الأمر.
2- و الاندراج في إطلاق متعلق الأمر.
3- أي: الحرمة واقعا.
4- أي: في الحرمة.
5- أي: على الصحّة كما هو الحال في الأصول التنزيلية المقتضية للبناء على كون مؤدّياتها هي الواقع، فترتفع بها الحرمة ارتفاعا بنائيّا، و بارتفاعها ترتفع القيدية كذلك- قضية للسببيّة و المسببيّة- و تصح العبادة صحة ظاهرية بنائية.
6- أي: عن اقتضائها البناء على الحلية على أنّها هي الواقع.
7- إذ لا ترتفع بها الحرمة النفس الأمرية لا ارتفاعا حقيقيا و لا بنائيا، و إنّما يرتفع تنجّزها الذي عرفت أنّه لا دخل له في المضادة المفروضة.

ص: 519

المبنى الفاسد من أصله أيضا- في إلغاء الشكّ السببيّ كي يستتبع إلغاء الشكّ المسببيّ، و خروجه بذلك عن عموم هذا النزاع- كما مرّ في نظائره (1).

نعم لو قيل بعدم استلزام النهي النفسيّ للتقييد رأسا، و بني فساد العبادة المحرّمة على محض منافاتها (2) لما يتضمّنه الأمر من الرخصة في الإتيان بكلّ واحد ممّا ينطبق على متعلّقه، بدعوى توسّطها (3) في الصحة و عدم ترتبها على محض الانطباق- كما لعلّ أن يستظهر ممّا (4) يحكى عن إفادات شيخنا أستاذ الأساتيذ قدّس سرّه في مجلس الدرس-، قامت الرخصة الظاهريّة المجعولة بهذا الأصل في ذلك (5)


1- مرّ نظيره في أوائل المقام الثاني لدى البحث عن ترتّب مانعية غير المأكول على حرمة الأكل.
2- أي: الحرمة، و محصّل هذا القول: أنّ الحكم بصحة العبادة المأتيّ بها يتوقف على اندراجها ضمن انطباقات المتعلّق التي يتضمّن الأمر الرخصة في الإتيان بكلّ منها، و لا يكفي فيه مجرد الانطباق، و الحصة المحرّمة غير مندرجة في هذه الانطباقات، ضرورة منافاة حرمتها مع الرخصة المزبورة، فهذا هو منشأ الحكم بفسادها لا تعلّق النهي النفسيّ بها.
3- مرجع هذا الضمير المؤنث هو الرخصة، و مرجع ما بعده هو الصحة.
4- الموجود في الطبعة الاولى (عمّا)، و الصحيح ما أثبتناه.
5- أي في توسّطها في الصحة.

ص: 520

مقام الواقعيّة التي يتضمّنها الأمر (1)، و كانت السببيّة و المسببيّة حينئذ مجدية (2).

و لو استقام ما ربّما يتخيّل من استناده في المقام (3) و في باب اجتماع الأمر و النهي أيضا إلى مجرد عدم تمشّي قصد التقرّب من المكلّف دون شي ء ممّا تقدّم، كان نفس عدم تنجّز النهي (4) حينئذ- فضلا عن الرخصة الشرعيّة الظاهريّة- كافيا في ارتفاع هذا المحذور (5) وجدانا، و لا يبقى مجال لأن يستتبع الشكّ في الحرمة للشكّ في الفساد من هذه الجهة (6).

لكن بعد وضوح (7) عدم توسّط ما ذكر من الرخصة المقابلة


1- و يثبت بها الصحة الظاهرية.
2- فإنّ الشك في صحة الفرد المشتبه و فساده- على هذا المبنى- مسبّب عن الشك في الترخيص في الإتيان به، و مقتضى أصالة الحل هو الترخيص فيه، و يترتب على صحته.
3- أي: استناد الفساد في موارد فساد العبادة المحرّمة.
4- و مجرد ثبوت المعذورية في المخالفة عقلا بمقتضى أصالة البراءة العقلية.
5- و هو عدم تمشّي قصد القربة، فإنّ المعذورية العقلية أو الرخصة الشرعية تؤمّنه من ناحية احتمال الحرمة و ترخّص له الفعل، فيتحقق منه قصد القربة وجدانا و تصح به العبادة.
6- أي: من جهة عدم تمشّي قصد القربة. و المقصود أن الشكّ في الحرمة و إن تحقق في المقام وجدانا، لكنّه مع جريان الأصول المرخّصة لا شك في الفساد من الجهة المذكورة وجدانا لتمشّي قصد القربة معه قطعا.
7- ردّ على المبنيين.

ص: 521

للحرمة التكليفيّة في ترتّب الإجزاء العقليّ على تحقّق المطلوب في الخارج (1) و دورانها (2) على كلّ تقدير- و كذلك المقرّبيّة (3) التي لا يعقل معها عدم تمشّي قصد التقرّب، و لا ترتّب غير الانقياد عليه عند انتفائها في نفس الأمر- مدار (4) إطلاق المطلوب، و عدم تعقّل (5) انحفاظه (6) بالنسبة إلى متعلّق النهي- لمكان المضادّة-، و لا استتباعه (7) للفساد أو عدم تمشّي قصد القربة لو جاز شموله


1- فإنّ الصحة و الإجزاء العقلي إنّما يترتب- بحكم العقل- على تحقق المطلوب خارجا و انطباق المأتيّ به عليه، و الرخصة المدّعاة لا دخل لها في ذلك أصلا.
2- عطف على (عدم توسّط)، أي: دوران الرخصة على كلّ من تقديري دخلها في الصحة و عدمه.
3- عطف على الضمير في (دورانها)، يعني أنّه مع كون العبادة مقرّبة واقعا لا يعقل عدم تمشّي قصد القربة، و أنّه عند انتفاء المقرّبية في نفس الأمر لا يترتب على قصد التقرب سوى الانقياد.
4- متعلّق ب (دورانها)، يعني أنّ الرخصة و المقرّبية المذكورتين تدوران مدار إطلاق المطلوب و تتقدّران بمقدار شموله، فإن شمل جميع الانطباقات شملت الرخصة و كذا المقربيّة جميعها، و إن خصّص ببعضها اختصّتا به أيضا.
5- عطف آخر على (عدم توسّط).
6- الضمير راجع إلى الإطلاق، و المقصود أنّ إطلاق المطلوب لا يعقل انحفاظه مع تعلّق النهي ببعض أفراده، لما مرّ من مضادّة الحكمين و استحالة تواردهما على متعلّق واحد، و مع تقيد الإطلاق و سقوط الأمر بالنسبة إلى الحصة المنهيّ عنها فلا رخصة و لا مقربيّة بالنسبة إليها.
7- عطف على (انحفاظه)، و الضمير راجع إلى النهي. يعني لو جاز شمول الإطلاق لمتعلّق النهي و فرض وقوع هذا المحال، فكانت الحصة المحرّمة أيضا مطلوبة لم يعقل معه استتباع النهي المذكور للفساد، و لزوم البناء على الصحة، كما لم يعقل عدم تمشّي قصد القربة أيضا.و بالجملة: فأمر كلّ من الصحة و الرخصة و تمشّي قصد القربة دائر مدار إطلاق الأمر، فإنّه المنشأ الأصليّ لكلّ ذلك، فما شمله الإطلاق ثبت له جميع ما ذكر، و ما لم يشمله- كالحصة المنهيّ عنها- لم يثبت له شي ء منها، و لو فرض- محالا- شموله للحصة المذكورة كان شأنها شأن غيرها ممّا يشمله فيتضمن الأمر الرخصة في الإتيان بها، كما و يتمشّى بها قصد القربة، و يحكم عليها بالصحة. إذن فمع غضّ النظر عمّا يستتبعه النهي من تقييد إطلاق الأمر المقتضي للفساد لا وجه للحكم بالفساد استنادا إلى منافاة الحرمة للرخصة المزبورة، أو إلى عدم تمشّي قصد القربة معها، و عليه فلا محصّل لشي ء من المبنيين.

ص: 522

له، أو فرض (1) وقوع هذا المحال، ففساد أصل المبنى و ما تخيّل ابتناؤه عليه- على كلّ من المسلكين- ممّا لا خفاء فيه.

[الأمر الخامس في حكم المانعية الناشئة عن المزاحمة]

الخامس: إنّه لو كانت المانعيّة ناشئة عن المزاحمة (2) الموجبة لانتفاء شرط المقدوريّة عمّا يتعلّق به أحد الخطابين، أو يعمّه إطلاقه باتّفاق (3) مصادفة الآخر، بعد عدم التنافي من غير هذه الجهة (4)


1- عطف تفسير و توضيح.
2- المانعية هنا تغاير المانعية المصطلحة المتحقّقة في الموارد المتقدّمة، فإنّها هنا بمعنى المراحمة و المعجزيّة و الشاغلية، دون قيدية الخصوصية العدمية في المتعلق، فانتبه.
3- متعلق ب (انتفاء)، و الباء للسببية.
4- و هي جهة قصور القدرة عن أحد المتعلقين و عدم التمكن من امتثال أحد الخطابين.

ص: 523

- كما هو ضابط الرجوع إلى باب تزاحم الحكمين المترتّب على توجّه التكليف بهما إلى المكلّف (1) القادر (2)، دون تعارض الدليلين المبنيّ على استحالة ما عدا الواحد منهما حسبما حرّر في محلّه-، فلا خفاء في عدم صلاحيّتها لتطرّق الشبهة فيها (3)- حذو ما تقدّم في أنحائها- كي يبحث عن دخولها في عموم هذا النزاع أو خروجها عنه.

و ذلك لأنّه بعد استناد مانعيّة المزاحم إلى كونه- بشاغليّته التشريعيّة و عدم تمكّن المكلّف في عالم التشرّع و التديّن من عدم الجري على طبقه- تعجيزا (4) مولويّا له عمّا لا يتمكّن معه منه، و جاريا مجرى الشاغل القهريّ و المانع التكوينيّ في ذلك، فلا


1- الموجود في الطبعة الاولى (بالمكلف)، و الصحيح ما أثبتناه.
2- بيان لضابط الفرق بين بابي التزاحم و التعارض، محصّله: أنّ التزاحم يقع بين خطابين فعليين متوجهين إلى المكلف القادر على امتثال كلّ منهما في حدّ نفسه و قد أوجب اتفاق مصادفتهما عجزه عن امتثال أحدهما، أمّا التعارض فيقع بين دليلين يستحيل اجتماع مدلوليهما جعلا.
3- أي: لا يتصوّر هنا الشك في المانعية كما كان يتصور في أنحائها المتقدمة.
4- خبر ل (كونه)، أي: كون المزاحم تعجيزا مولويّا للمكلف عن المزاحم الآخر الذي لا يتمكن منه مع الأوّل.

ص: 524

يعقل لها (1) تحقّق واقعيّ إلّا مع تماميّته في الشاغليّة التشريعيّة الموجبة لسلب الاختيار عنه- بحسب الجعل و التشريع- عن عدم الجري عليه، و لا يكاد أن يتّصف بذلك (2) إلّا بوصوله، فإنّه المتوقّف عليه تأثيره في اختياره و المنوط شاغليّته به، و أمّا نفس وجوده الواقعيّ فحيث إنّه بنفسه و مع عدم وصوله إليه- بأحد أنحائه- قاصر عن التأثير المذكور، و لا شاغليّة له بنفس مؤدّاه (3) فبأن لا يكون شاغلا له (4) عن غيره و موجبا للعجز عنه أحقّ و أحرى بعد ترتّب الثانية على الاولى (5)، و إذ لا مانعيّة له إلّا بوصوله لا بنفسه فلا يعقل أن يستتبع الشكّ فيه للشكّ فيها (6)- كما لا يخفى.

و على هذا يستقيم ما ظاهرهم التسالم عليه من قصر مانعيّة النهي عن الغصب و نحوه من العناوين المجامعة (7) للمطلوب في


1- أي: لا يعقل للمانعية تحقق إلّا مع تمامية المزاحم في الشاغلية الموجبة لسلب اختيار المكلّف- تشريعا- عن تركه.
2- أي: لا يتّصف المزاحم بصفة تماميّة الشاغلية.
3- أي: بالنسبة إلى نفس مؤدّاه.
4- أي للمكلّف.
5- فإنّ الشاغلية إلى النفس بمنزلة الموضوع للشاغلية عن الغير.
6- أي: في المانعية، فإنّ المشكوك فيه غير واصل، و مثله لا شاغلية له عن غيره فلا مزاحمة له و لا مانعية جزما.
7- الموجود في الطبعة الاولى (الجامعة) و الصحيح ما أثبتناه.

ص: 525

الوجود الخارجيّ (1) بصورة تنجّزه (2).

لكن لا يخفى أنّ الكلام فيما إذا اجتمع العنوانان المتعلّق أحدهما للأمر و الآخر للنهي إيجادا و وجودا- كما هو موضوع البحث في مسألة الاجتماع- يقع:

تارة (3) في أنّه بعد وضوح مضادّة الحكمين و استحالة تواردهما- و لو بالإطلاق- على متعلّق واحد، و الفراغ عن عدم الجدوى لمجرّد تعدّد العنوان في ارتفاع هذا المحذور إلّا مع تعدّد المعنون- الذي هو متعلّق الحكم و العنوان مرآة له و آلة لملاحظته-، لا مع اتّحاده و إن تعدّدت جهة الصدق و الانطباق، فهل الاجتماع في مفروض المقام (4) من باب انتزاع العنوانين عن نفس المجمع- بما


1- كما في الصلاة في المكان المغصوب.
2- فإنّ غير المتنجّز الواصل لا شاغلية له- كما عرفت- فلا مزاحمة و لا مانعية، إذن فتصح صلاة الجاهل بالغصب- كما عليه التسالم.
3- هذه هي الجهة الاولى من الجهتين المبحوث عنهما في مسألة الاجتماع في الأصول.
4- و هو ما إذا اجتمع العنوانان- كالصلاة و الغصب- إيجادا و وجودا، فالقائل بامتناع اجتماع الأمر و النهي فيه يرى أنّ العنوانين في مفروض البحث منتزعان عن المجمع نفسه، و جهتا الصلاة و الغصب المجتمعتان فيه موجبتان لصحة انتزاع العنوانين عنه، أو أنّهما متصادقان عليه- كتصادق عنواني العالم و الفاسق على زيد-، و الجهتان علّتان للصدق و الانطباق- كعليّة علم زيد و فسقه لصدق العنوانين المذكورين عليه-،و على كلّ تقدير فالمجمع أمر واحد و حقيقة فأرده، و تعدّد العنوان و الجهة لا يوجب تعدده، فيلزم من شمول إطلاق دليل كلّ منهما للمجمع تعلّق كلّ من الحكمين بعين ما تعلّق به الآخر و هو محال. و نحن إذ نختار الجواز نقول: إنّ محط البحث إنّما هو ما إذا اتحد العنوانان إيجادا و وجودا، دون ما إذا تصادقا مفهوما على ذات واحدة، و كما لا ريب في امتناع الاجتماع في الثاني و كونه من التعارض بالعموم من وجه، كذلك لا ينبغي الريب في جوازه في الأوّل. و محصّل الفرق بينهما: أنّ مرجع التصادق إلى مصداقيّة هويّة واحدة لعنوانين جوهريين أو عرضيين أو مختلفين، و انطباقها عليهما و صحة حملهما عليها لكونهما مأخوذين (لا بشرط) بالإضافة إليها- كما في العناوين الاشتقاقية المحمولة على الذوات-، و التركيب بينهما حينئذ تركيب اتحاديّ نظرا إلى وحدة الهويّة المنطبقة عليهما- وجودا و ماهية-، و الجهتان- كعلم زيد و فسقه أو حيوانيته و ناطقيته- تعليليتان لكون كلّ منهما علة لمصداقية تلك الهويّة لعنوان، و تعدد الجهات الجوهرية أو العرضية في ذات لا يوجب تعددا في الذات نفسها- بالضرورة-، و حينئذ فمع وحدة الهويّة يندرج المورد في باب التعارض، و لا جدوى فيه لتعدّد العنوان. أمّا الاتحاد الوجوديّ فمرجعه إلى وجود هويّتين متباينتين- بتمام حقيقتهما- بوجود واحد منبسط عليهما، و ذلك فيما إذا صدرتا من الفاعل بتأثير واحد و حركة فأرده من دون تمايز بينهما بحسب الإشارة الحسيّة، فالوجود واحد بوحدة عددية لكنّه- حقيقة- وجودان لماهيّتين لا تصادق بينهما و لا انطباق، و إنّما ينطبق إحداهما على أحد العنوانين و الأخرى على الآخر، نعم كلّ منهما مشخّصة للأخرى و تجري منها مجرى الضمائم، و لمكان تعدّد الهويّة يكون التركيب بينهما انضماميّا ملازما لتقييدية الجهتين، و لا يصح حمل إحداهما على الأخرى لمباينتهما و لحاظ كلّ منهما (بشرط لا) بالنسبة إلى الأخرى، و مع تعدّد الماهيّة فلا محالة يتعدّد الوجود و يكون لكلّ منهما حظّ من الوجود المنبسط مغاير للأخرى. و بما أنّ الأحكام لا تتعلق بالطبائع بما لها من الضمائم، و لا بالأشخاص بمشخّصاتها، بل بالطبائع المعرّاة- كما حقق في محله- فلا مانع من شمول إطلاق كلّ من الحكمين لمورد الاجتماع، و تكون إحدى الهويّتين متعلقة للأمر و الأخرى للنهي من دون محذور، و التفاصيل محررة في الأصول.

ص: 526

ص: 527

هو كذلك-، أو تصادقهما عليه تصادق عنواني العالم و الفاسق على زيد- مثلا-، و الجهتان المتباينتان موجبتان لصحّة الانتزاع- مثلا-، أو علّتان- كعلم زيد و فسقه- لما ذكر من الصدق و الانطباق، فلا يجدي تعدّدهما تعدّدا في المجمع المنطبق كلّ منهما عليه أصلا، و يلزم من إطلاق كلّ منهما له تعلّق كلّ من الحكمين بعين ما يتعلّق الآخر- بالإطلاق- به.

أو أنّه بعد أن كان عقد ذلك البحث فيما إذا اتّحد العنوانان- إيجادا و وجودا-، دون ما إذا تصادقا مفهوما، و امتاز بذلك عن التعارض بالعموم من وجه- حسبما أوضحنا في محلّه أنّه ضابط البابين-، فمقتضى نفس الفرض حينئذ- مع الغضّ عن البراهين

ص: 528

المحرّرة في محلّها- هو تعدّد ما ينطبق على العنوانين لا اتّحاده، لأنّ مرجع التصادق إنّما هو إلى مصداقيّة هويّة واحدة لطبيعتين جوهريّتين كانتا- كما في تصادق الجنس و الفصل- أو عرضيتين- كمثال العالم و الفاسق- أو مختلفتين (1)، و الاجتماع على هذا الوجه هو المعبّر عنه في مصطلح علماء المعقول بالتركيب الاتّحادي الملازم لتعليليّة الجهتين، لكونهما- كالعلم و الفسق في المثال، و كذلك الحيوانيّة و الناطقيّة مثلا- راجعة إحداهما إلى ما به تكون الذات الخارجيّة مصداقا لإحدى الطبيعتين و الأخرى إلى ما به يكون نفس تلك الذات مصداقا للأخرى، و لعدم تعدّد تلك الهويّة بذلك فيكون المنطبق على أحد العنوانين منطبقا بعينه على الآخر و يستحيل توارد الحكمين عليه.

و هذا بخلاف ما إذا اتّحدا وجودا، فإنّ قضيّة نفس الفرض حينئذ- مع الغضّ عن كلّ برهان- هي موجوديّة هويّتين متباينتين بوجود واحد منبسط عليهما، و تشخّص كلّ منهما بالأخرى بأحد أنحائه، فيندرج فيما يعبّر عنه في اصطلاحهم بالتركيب الانضماميّ الملازم لتقييديّة الجهتين، لكونهما (2) هما المنطبقتين على العنوانين


1- الموجود في الطبعة الاولى (جوهريين كانا، عرضيين، مختلفين) و الصحيح ما أثبتناه.
2- تعليل لتسمية الجهة في هذا الفرض بالتقييدية، و الظاهر أنّه قدّس سرّه يروم إرجاع التقييد هنا إلى معنى التعيين، أي: تعيّن كلّ من الجهتين حصّتها من الوجود المنبسط و تفصلها عن الأخرى.

ص: 529

مقيّدة كلّ منهما من الوجود المنبسط عليهما حصّتها، و يختصّ ذلك في الجوهريّين بالهيولى و الصورة- حذو اختصاص تصادقهما أيضا بالجنس و الفصل (1)-، و في العرضين- كمفروض المقام- أو المختلفين (2) بما إذا كانت إحداهما من المقولات الصالحة لأن تكون ضميمة في الوجود للأخرى- حسبما أوضحناه في محلّه-، و مثال الغصب و الصلاة و ما كان من قبيله من ذلك.

و بالجملة: فمقتضى ما فرض موضوعا في عقد البحث هو كون الجهتين الصادرتين عن الفاعل بإيجاد واحد هما المنطبقتين


1- ينبغي إلحاق النوع بهما في ذلك، فإنّه عنوان جوهريّ متصادق مع كلّ من الجنس و الفصل.
2- أي: يختصّ التركيب الانضماميّ في العرضين أو المختلفين بالمقولات العرضية الصالحة للانضمام إلى مقولة أخرى بحيث يتحقق به التركيب الانضمامي سواء كانت كلّ منهما مقولة مستقلّة قابلة لصدورها من المكلف ابتداء بلا توسيط فعل من الأفعال- كالصلاة و الغصب- أم كانت إحداهما كذلك و الآخر متمّما للمقولة، و المراد بهذا الأخير الإضافة اللاحقة لفعل المكلف و الارتباط الحاصل بينه و بين متعلقة ممّا لا يمكن صدوره منه مستقلا، كالابتداء و الانتهاء بالنسبة إلى السير، و آلية الإناء و نحوه بالنسبة إلى الأكل و الشرب و نحوهما، فإذا تعلق الأمر بالوضوء و النهي عن استعمال آنية الذهب و الفضّة مثلا كان الوضوء في الآنية المذكورة مندرجا في باب الاجتماع، و التفاصيل موكولة إلى محلها.

ص: 530

على العنوانين، لا علّتين لانطباق المجمع- المفروض تركّبه منهما بما هو كذلك- على كلّ واحد كي يلزم الخلف (1).

و إذ لا خفاء في أنّ مثار الكثرة هو الماهيّات، و بتعدّدها تتعدّد الوجودات- لا محالة- و إن كانت مشخّصة بعضها لبعض- بأحد أنحائه-، و لا يعقل أن يكون حظّ كلّ منهما من الإيجاد و الوجود المنبسط عليهما هو بعينه حظّ الآخر منه، و لا وحدته (2) و وحدة الشخص المتحصّل منهما إلّا عدديّة لا حقيقيّة فتتعدّدان ماهيّة و وجودا- و إن تشخّصت إحداهما بالأخرى. و بعد الفراغ عن أنّ متعلّقات الأحكام هي الطبائع المعرّاة عن الضمائم دون الأشخاص بمشخّصاتها فيجري كلّ منهما بالنسبة إلى الأخرى مجرى سائر الضمائم الخارجة عمّا يراد تحقّقه أو انتفاؤه (3)، و لا يلزم من إطلاق الطرفين ما ذكر من المحذور.

و اخرى (4) في أنّه بعد الفراغ عن رجوع الاجتماع في محلّ


1- فإنّ كون الجهتين علّتين للانطباق خلف لما فرض من كونهما هما المنطبقتين على العنوانين و المجمع مركبا منهما تركيبا انضماميا.
2- أي: ليست وحدة الإيجاد و الوجود المنبسط و وحدة الشخص المتحصّل من الوجودين إلّا وحدة عددية.
3- بالأمر به أو النهي عنه.
4- هذه هي الجهة الثانية من جهتي البحث في مسألة الاجتماع، و محصّلها: أنّ وجود المندوحة هل يكفي في تحقق امتثال الأمر بالإتيان بالمجمع باعتبار أنّ الطبيعة المأمور بها مقدورة على الفرض، و هي منطبقة على المجمع لاشتماله- كغيره- على ملاك المطلوبية، و ليس في البين ما يوجب تقييد متعلق الأمر بالقدرة، أو لا يكفي نظرا إلى وجود ما يوجب التقييد المزبور و هو امتناع تعلق الإرادة التشريعية- بعثا أو زجرا- إلّا بالمقدور، فغير المقدور- و لو شرعا كالمجمع- لا يشمله إطلاق الأمر، فيبطل حيث لا مصحّح له وراء ذلك- كما سيشار إليه هنا ممّا هو مفصّل في الأصول.

ص: 531

البحث إلى باب الانضمام دون التصادق، و وضوح أنّ قضيّة اشتراط التكليف بالقدرة على متعلّقاتها هي تزاحم الخطابين عند انتفاء المندوحة (1) و سقوط أحدهما حينئذ بعدم مقدوريّته. فهل يكفي وجودها و تمكّن المكلّف من الطبيعة المأمور بها بذلك (2) في الإتيان بالفرد المجامع للمحرّم بداعي أمرها لفرض القدرة عليها، و عدم خروج ما لا يقدر عليه (3) من جهة الضميمة المحرّمة (4) عن الانطباق عليها بعد اشتماله- في عرض غيره- على جهة المطلوبيّة و انتفاء ما يوجب التقييد بالمقدوريّة (5).


1- بأن انحصر امتثاله للأمر في الإتيان بالفرد المجامع للمحرّم.
2- أي: بوجود المندوحة.
3- يعني: بالقدرة الشرعية.
4- متعلق ب (يقدر)، و ما لا يقدر عليه من هذه الجهة هو الفرد المجامع للمحرّم.
5- في قبال الوجه الثاني المبنيّ على وجود ما يوجب تقييد الطبيعة بالمقدورية.

ص: 532

أو أنّه و إن كانت المندوحة موجبة لعدم التزاحم بين الخطابين لكنّه بعد أن كانت حقيقة الإرادة التشريعيّة- كالتكوينيّة- عبارة عن اختيار أحد طرفي ما فرض مقدورا (1) بالبعث عليه أو الزجر عنه، فكما لا يصلح أن تتعلّق بغير المقدور- و لو مع الغضّ عن استقلال العقل بقبح مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه- فكذا لا يصلح أن تتعلّق (2) بالقدر المشترك بينهما بما أنّه كذلك (3)، فتكون المقدوريّة حينئذ من القيود اللاحقة من ناحية الوقوع في حيّز الخطاب لكونها من لوازم حقيقة البعث و الزجر. كما أسلفناه (4).

و لازم ذلك هو تبعيّة إطلاق المطلوب لمقدار مقدوريّته و خروج ما لا يقدر عليه- لمكان المزاحم- عن الانطباق عليه بما هو يطالب به و إن كان مشتملا على جهة الحكم و ملاكه، و كان قصدها (5) كافيا عندنا في المقرّبيّة المعتبرة في العباديّة في غير أمثال المقام ممّا (6) يوجب المزاحم- مضافا إلى سلب القدرة عمّا


1- لا مطلقا، إذن فمتعلق الإرادة هو خصوص الحصّة المقدورة.
2- الموجود في الطبعة الأولى (يتعلق) و الصحيح ما أثبتناه.
3- أي: بما أنّه قدر مشترك شامل لغير المقدور.
4- و ذلك أثناء البحث حول شرط القدرة في المقدّمة الثانية للمقام الأوّل.
5- أي: قصد الجهة و الملاك.
6- بيان لأمثال المقام، و المقصود الإشارة إلى ما حقّقه قدّس سرّه في الأصول من أنّ قصد الملاك إنّما يجدي في المقربية- كما هو المختار- فيما إذا لم يوجب المزاحم خللا في حسنه الفاعليّ، أمّا إذا أوجبه- كما في أمثال المقام ممّا تكون العبادة صادرة من الفاعل على وجه مبعّد قبيح لإتيانه به مركّبا مع الحرام بإيجاد واحد و حركة فأرده- فمثله لا يصلح للمقربية فيبطل.

ص: 533

يزاحمه- خللا في حسنه الفاعليّ أيضا- كما حرّر في محلّه.

و نظير هذا البحث يجري في جميع ما يكون بعض أفراد الواجب ممّا لا يقدر عليه لمانع شرعيّ من حيث استلزامه إمّا لترك واجب لا بدل له- كالضدّين الموسّع أحدهما (1)- أو فعل محرّم- كما في محلّ البحث و أشباهه.

و إذ قد عرفت ذلك فلا يخفى أنّ إرجاع (2) المبحوث عنه في مسألة الاجتماع إلى صغرى التزاحم- كما هو مقتضى تسالمهم


1- كما إذا وجبت الصلاة و هي موسّعة و وجب إنقاذ الغريق و هو فوريّ و لا بدل له، فترك الإنقاذ و اشتغل بالصلاة في سعة وقتها، هذا. و لازم كلامه قدّس سرّه عدم اتصاف الصلاة- في هذا الفرض- بالحسن الفاعليّ فتبطل حذو الصلاة في المغصوب، فلاحظ.
2- محصّل المقصود: أنّ القوم إذ رتّبوا لوازم باب التزاحم- من قصر المانعية بصورة التنجز و تخصيص النزاع بمورد وجود المندوحة- على المقام فلأجل بنائهم على اندراجه في هذه الكبرى و اختصاص النزاع بالجهة الثانية المتقدمة بعد الفراغ عن انتفاء التعارض و جواز الاجتماع من الجهة الاولى. و لو فرض النزاع من الجهة الأولى فالقائل بالامتناع لا بدّ أن يدرجه في باب التعارض بدعوى وجود ملاكه فيه، و لا مجال لإدراجه- على هذا التقدير- في باب تزاحم الحكمين أصلا.

ص: 534

على قصر مانعيّة النهي بصورة تنجّزه، و كذلك إخراجهم لما إذا انتفت المندوحة عن حريم النزاع و عقد البحث في غيره- إنّما يستقيم إذا كان البحث عنه و البناء عليه من الجهة الثانية بعد الفراغ عن تباين متعلّقي (1) الحكمين كليّا، و كون الاجتماع في المقام من باب انضمام إحدى الهويّتين بالأخرى و تشخّصها بذلك، دون تصادق العنوانين على هويّة واحدة- كما في مثل (أكرم عالما و لا تكرم الفاسق) و نحو ذلك.

و أمّا إذا كان البحث عنه و البناء عليه من الجهة الأولى- كما هو المشهور عند متأخّري من يرى الامتناع، و إن كان ظاهر متقدّميهم خلاف ذلك- فلا يكاد يستقيم ذلك (2) أصلا، إذ ليس ما يبحث عنه من هذه الجهة إلّا استلزام إطلاق الطرفين لمحذور اجتماع الضدّين أو عدم استلزامه له (3)، و رجوعه إلى البحث عن صغرى التعارض أوضح من أن يخفى، كيف و ليس تمام موضوعه و ملاكه إلّا عبارة عن استحالة توارد الحكمين- الحاكي أحد الدليلين عن أحدهما و الآخر عن الآخر- على هويّة واحدة، و هذا بعينه هو الذي يبحث عنه من هذه الجهة و يدّعيه القائل بالامتناع.

و بعد البناء عليه (4) فيندرج المقام في جزئيّات التعارض


1- الموجود في الطبعة الأولي (متعلق) و الصحيح ما أثبتناه.
2- أي: ترتيبهم لوازم باب التزاحم المتقدمة.
3- لكون التركيب بين المتعلقين اتحاديا أو انضماميا.
4- أي: البناء على توارد الحكمين على هويّة واحدة و القول بالامتناع.

ص: 535

بالعموم من وجه و لا مناص عن الجري على ما يقتضيه قواعده، و لا مساس له بباب تزاحم الحكمين أصلا، ضرورة أنّ عدم دخل (1) التنجّز و عدمه و لا وجود المندوحة و عدمها في تضادّ الأحكام، و استحالة تواردها- و لو بالإطلاق من الجانبين أو أحدهما- على متعلّق واحد ممّا لا يعقل أن يفرّق فيه بين المقام و غيره ممّا يتصادق العنوانان على هويّة واحدة، و لو بني على الامتناع بهذه الدعوى فكيف يعقل التفكيك في التقييد (2) الناشئ عن تضادّ الحكمين بين موارده؟.

و مجرّد اشتمال (3) كلّ من الحكمين على المقتضي في محلّ البحث و إن كان مجديا في صحّة تسمية المقام- بهذا الاعتبار- بالتزاحم (4)، لكنّه لا يجدي في اللحوق بباب تزاحم الحكمين


1- محصّل المراد: أنّ ما ذكر- من استحالة توارد الحكمين على هويّة واحدة- هو تمام ملاك التعارض و لا دخل فيه للتنجز و عدمه، و لا لوجود المندوحة و عدمها، و لا يفرّق في عدم الدخل المذكور بين مقام و آخر، فكيف يعقل البناء في المقام على التعارض مع البناء على اختصاص المانعية بصورة التنجز و تخصيص النزاع بمورد وجود المندوحة؟.
2- و هو تقييد إطلاق أحد الدليلين أو كليهما- الذي لا بدّ منه في موارد التعارض بالعموم من وجه.
3- تعريض بما نهجه صاحب الكفاية قدّس سرّه من أنّه يعتبر في الاندراج في مبحث الاجتماع اشتمال كلّ من متعلّقي الحكمين في مورد الاجتماع على ملاك حكمه، فبدونه يندرج المورد في باب التعارض.
4- لكونه تزاحما بين المقتضيين.

ص: 536

و إعمال قواعده، كيف و مع الغضّ عن اطّراده في جميع أبواب التعارض من حيث كاشفيّة كلّ من المتعارضين- ما لم تصل النوبة إلى طرح سنده (1)- عن ذلك و عدم منافاة الآخر له إلّا في النتيجة (2) دون وجود الجهة المغلوبة، إلّا إذا علم بكذلك أحدهما (3) من الخارج فيخرجان عن باب التعارض رأسا و يكونان من اشتباه الحجّة باللاحجّة، و بينهما بعد المشرقين، فلا يخفى أنّ غاية ما يوجبه اشتمال كلّ من الحكمين المتضادّين على المقتضي في حدّ نفسه هو تمانع الجهتين و تزاحمهما النفس الأمريّ عند الآمر في ملاكيّة الحكمين المستحيل جعل ما عدا الواحد منهما لمكان المضادّة (4)، و غاية ما يتوقّف عليه ذلك إنّما هو التفات الآمر


1- إذ مع طرح سند أحدهما- لاشتمال الآخر على المرجّح السنديّ- لا يبقى ما يكشف عن الملاك.
2- يعني: إذا لم يطرح سند أيّ منهما فترجيح أحدهما بأحد المرجّحات- غير السندية- لا ينافي كاشفية المرجوح في نفسه عن الملاك في الجملة و إن كان مغلوبا بالنسبة إلى ملاك الراجح، و إنّما المنافاة الناشئة عن التعارض واقعة في النتيجة و ما ينتهي إليه الأمر، و ذلك بالأخذ بأحدهما و طرح الآخر.
3- فينتفي حينئذ موضوع الاستكشاف المزبور، لكنّه ليس من التعارض في شي ء. أذن فالتزاحم بين المقتضيات متحقّق في جميع موارد التعارض إذا لم ينته الأمر فيها إلى طرح السند.
4- فيوجب ذلك تقديم الأقوى منهما ملاكا و جعل الحكم على طبقه خاصّة دون الآخر.

ص: 537

بذلك (1)، و لا مساس لتنجّز الخطاب (2) الناشئ عن الجهة الغالبة بخروج الأخرى عن ملاكيّة الحكم عنده، و لا لعدم تنجّزه بارتفاع المضادّة المتوقّفة عليه ملاكيّة الجهة المغلوبة للحكم على حسب ما تقتضيه، و هذا بخلاف ما إذا كان الحكمان المشروط كلّ واحد منهما بالقدرة على متعلّقه مزاحما أحدهما المعيّن- مثلا- أو المخيّر للآخر و موجبا للعجز عنه، لما عرفت (3) من قصوره عن كونه تعجيزا مولويّا عمّا يزاحمه إلّا بعد وصوله، و عدم كونه مزاحما له إلّا في البعث عليه و الطلب به، لا في (4) تماميّة ملاكه وجهة حسنه الكافية في العباديّة و المقربيّة في غير المقام- كما قد عرفت (5).


1- أي بالتمانع و التزاحم النفس الأمريّ المزبورين.
2- يعني ليس شأن تزاحم الملاكين عند الآمر شأن تزاحم الحكمين عند المكلف في توقّف تحقّق التزاحم بينهما- الموجب لسقوط الخطاب المهمّ- على تنجز الخطاب الأهمّ، و ارتفاع التزاحم من البين مع عدم تنجزه، ضرورة أنّه لا أثر لتنجز الحكم الأقوى ملاكا في سقوط الملاك الآخر عن ملاكيته للحكم، و لا لعدم تنجزه في ارتفاع المضادّة بين الحكمين و المزاحمة بين الملاكين.
3- عرفته في أوّل هذا التنبيه- الخامس.
4- الموجود في الطبعة الاولى (إلى) و الصحيح ما أثبتناه.
5- في هذا التنبيه لدى البحث عن الجهة الثانية من جهتي البحث في مسألة الاجتماع.

ص: 538

و بالجملة: فلو بني على الامتناع- بدعوى رجوع الاتّحاد في الوجود أيضا إلى تصادق العنوانين و ارتفاع الفارق بين البابين- فلا محيص عن الالتزام بخروج المجمع عن إطلاق أحدهما في نفس الأمر- كما في نظائره (1)-، و بعد ترجيح جانب النهي بما يؤخذ به في نظائر المقام فيرجع الأمر إلى تقيّد المطلوب النفس الأمريّ بما عدا المحرّم- لا محالة- إمّا بعنوانه الأوّليّ الذاتيّ (2) و يلزمه الفساد و لو مع نسيان الحرمة فضلا عن الجهل بها، كما في غيره ممّا يتقيّد أحد العامّين من وجه بما عدا الآخر، أو الثانويّ المتحصّل من تعلّق النهي به (3) و عليه يتوجّه التفصيل في الفساد بين الجهل و النسيان في جميع ما يكون التقييد ناشئا عن مضادّة الحكمين من دون فرق بين المقام و غيره. و على كلّ منهما فتكون القيديّة في المقام- كحالها فيما إذا استفيدت من تعلّق النهي النفسيّ بنوع من العبادة و من جزئيّاته (4)- واقعيّة لا مجال لدعوى قصرها


1- من موارد التعارض بين العامّين من وجه.
2- كعنوان الغصب، فيتقيّد الصلاة مثلا بعدم وقوعها في المغصوب، و عليه فيحكم بفساد الواقعة فيه مطلقا- و لو جهلا أو نسيانا.
3- كعنوان الغصب المحرّم، و عليه تتقيّد الصلاة بعدم وقوعها في المغصوب على وجه محرّم، و يحكم بفساد الواقعة في المغصوب جهلا، دونها نسيانا لانتفاء الحرمة بالنسيان.
4- أي: من جزئيات ما إذا استفيدت القيدية من النهي النفسيّ، و قد تقدّم تفصيل الكلام فيها في التنبيه السابق- الرابع.

ص: 539

بصورة التنجّز، فيتطرّق الشكّ فيها (1) حينئذ- على حدّ سائر القيود الواقعيّة- لا محالة، و لا جدوى لأصالة الحلّ في إلغائه على كلّ من الوجهين (2)- حذو ما تقدّم (3)-، و لا لوجود الجهة المغلوبة أيضا في العباديّة و المقرّبيّة (4)- كما قد عرفت-، بل و لا بدّ عند انتفاء المندوحة- و كذلك النسيان أيضا- من الجري على ما يقتضيه تعذّر القيد الناشئ قيديّته من الخطاب النفسيّ أو نسيانه، دون تزاحم الحكمين- كما لا يخفى.

و تسالمهم في جميع ذلك على خلاف ذلك و جريهم فيها على قواعد التزاحم ممّا لا ينطبق إلّا ببناء الامتناع- إمّا مطلقا أو عند انتفاء المندوحة خاصّة- على الجهة الثانية دون الاولى، و لا يستقيم على هذا المبنى (5) أصلا.

بل لو قيل بكون الجهل بالحكم- كالنسيان- موجبا لسقوط


1- أي: في القيدية كما إذا شك في غصبية المكان فإنّه يستتبع الشكّ في تقيد الصلاة بعدم وقوعها فيه و يندرج في باب الأقل و الأكثر الارتباطيين.
2- من تقيد المطلوب بما عدا المحرّم بعنوانه الاوّليّ أو الثانويّ.
3- تقدّم تحقيق الحال في ذلك في المقام الثاني و كذا في التنبيه الرابع مفصّلا.
4- إذ لا أثر لوجودها مع فرض تقيد العبادة واقعا بعدم وقوعها في الحرام.
5- و هو بناء الامتناع على الجهة الاولى و اندراج المقام في باب التعارض. انتهى ما أردت إيراده شرحا على الرسالة الشريفة، و الحمد للّه على توفيقه لإتمامه و له الشكر على تأييده و إنعامه و الصلاة و السلام على رسوله الكريم و آله الهداة المعصومين.

ص: 540

الخطاب واقعا بدعوى أنّ هذا هو مفاد حديث الرفع لا مجرّد المعذوريّة، و التزم بما يلزمه من التوالي لم يجد ذلك في التفصيل بين المقام و غيره ممّا يتصادق العنوانان على هويّة واحدة، فليكن ذلك أيضا كاشفا عن فساد ذلك المبنى من أصله، و تمام الكلام في ذلك موكول إلى محلّه.

و ليكن هذا آخر ما أردنا تحريره في تنبيهات المسألة من استقصاء أنواع الموانع و أنحاء المانعيّة و تميّز ما يدخل الشكّ فيه في عموم هذا النزاع عمّا يخرج منه.

[الختام]

و لنختم الرسالة بذلك حامدا مصلّيا مسلّما، و كان تسويدها بيد مصنّفها العاصي الجاني المبتلى بهواه (محمّد حسين النائيني)- عفا اللّه تعالى عن جرائمه و تجاوز عنه- في السنة الخامسة عشرة بعد الألف و الثلاثمائة، و بقيت في السواد سنين حتى استخرجناها بتحرير جديد بالتماس من إخواننا المؤمنين.

و الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف أنبيائه محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.